تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

سيسيليا أتياس

قليلات هنّ النساء اللواتي صنعنَ أقدارهنّ بأنفسهنّ، رسمن طريقاً اخترنه، ومشين به حتى النهاية. سيسيليا أتياس (ساركوزي سابقاً)، واحدة من هؤلاء. امرأة من تصميم وإصرار وعزيمة. تصدّرت أخبارها الصفحات الأولى عندما قادت المفاوضات مع الزعيم الليبي معمّر القذافي ونجحت في إطلاق سراح الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المحتجزين في ليبيا منذ تسع سنوات. واستقطبت الأضواء الإعلامية إثر طلاقها من نيكولا ساركوزي بعد أسابيع على انتخابه رئيساً لفرنسا، وتخلّيها عن لقب السيدة الفرنسية الأولى لتتزوج من رجل الأعمال الشهير ريشار أتياس الذي تحبّ، وتطلق مؤسسة خاصة بالنساء تحمل اسمها لنصرة النساء المعنَّفات... هنا وهناك، أسئلة تطرح نفسها: من هي سيسيليا المرأة ذات الإرادة الصلبة والتصميم الثاقب التي تركت بهرجة السلطة وتخلّت عن لقب السيدة الأولى باسم الحبّ ومن أجله؟ ولماذا اختارت أن تدعم قضايا النساء، خصوصاً المعنّفات منهنّ؟ بعد صمت طويل، تبدو مقابلة سيسيليا، بالنسبة الى صحافية مثلي مهتمّة بقضايا النساء، فرصة لا تفوّت، لا بل تبدو أمرا ضروريا لنتعرف على فكر هذه المرأة الاستثنائية.
اللقاء كان في لبنان، الذي جاءته محاضرة عن دور النساء في صنع السلام في العالم، ومدافعة عن حقوق النساء المعنَّفات
.

- مع ريشار أتياس، فتحتِ صفحة جديدة، كأنك ولدتِ امرأة أخرى بحياة جديدة. أخبرينا عن سيسيليا الجديدة: من هي؟ ماذا تريد من حياتها اليوم؟
لقد فتحت صفحة جديدة لكنني لم أولد امرأة أخرى، فكل امرأة منّا هي نتاج السنوات والخبرات والمواقف التي عاشتها. لستُ امرأة مختلفة، بل امرأة مصقولة بما حملت لها السنوات وخبراتها. أما في ما يتعلق بحياتي الجديدة، فأنا أعشقها وهي خيار شخصيّ بحت، فعل إرادة قوية. إذ ليس من السهل أن يحدّد المرء ما يريده من الحياة، ويسير في الطريق الذي يختاره.

- المقصود هنا بامرأة جديدة الإعلان عن إطلاق «مؤسسة سيسيليا أتياس للنساء» لمناصرة قضايا المرأة، وانخراطك في العمل الإجتماعي من باب واسع...

 ألا تعتقدين أن ذلك يشبه الدور الإنساني الذي قمتُ به كمستشارة إجتماعية إلى جانب زوجي السابق نيكولا ساركوزي عندما كان وزيراً للداخلية، وهي الوزارة التي أُطلقُ عليها شخصياً إسم «وزارة الآلام» نظراً للمشاكل الموجِعة التي تهتمّ بمعالجتها. لقد كانت لي فرصة لقاء نساء معنَّفات والإهتمام بهنّ، كما أطلقت مراكز للإهتمام بالأيتام من أولاد رجال الشرطة الفرنسية. لكن هذا لم يكن ليظهر في وسائل الإعلام، لأن أخباري كانت، ومع الأسف تهمّ أكثر الصحافة الفضائحية منها الصحافة الجديّة. وقد قامت المفاوضات التي أجريتها لإطلاق سراح الممرّضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المحتجزين في ليبيا، بتسليط الضوء على دوري كناشطة في المجال الميداني الإنساني. ببساطة، لقد قرّرت من خلال إطلاق «مؤسسة سيسيليا أتياس للنساء»The Cecilia Attias Foundation For Women أن أكون فاعلة أكثر مني مشاهدة، وهذا يكمّل الدور الإجتماعي الذي بدأته إلى جانب طليقي نيكولا ساركوزي.

- تركتِ زوجك نيكولا ساركوزي، أسابيع قليلة بعد انتخابه رئيساً لدولة فرنسا، وتزوّجتِ من الرجل الذي تحبّين ريشار أتياس وتركتِ باريس الى دبي حيث تقطنان اليوم. هل يكفي الحبّ وحده كي نترك كلّ شيء، كلّ شيء من أجله: السلطة واللقب (سيدة فرنسا الأولى) والوطن...

(تضحك) إنه سؤال لا أملك الإجابة عليه. على كل منا أن يجيب عليه بالأسلوب الذي يتلاءم ومعطيات حياته. جوابي لن يشبه جوابِك، كما أن جوابِك لن يشبه جواباً آخر. فكل منا يتفاعل مع الحياة بطريقة مختلفة، وتتضافر الظروف المختلفة لتتدخل في قرار نتّخذه في أوقات معيّنة. ولو كان أحدهم في مكاني، ربما لما كان اتّخذ القرار نفسه، لأن قراراتنا أيضاً تتأثّر بشخصيتنا وما نحن عليه.

- يعتقد الكثيرون اليوم أن لا مكان للحبّ في القرن الحادي والعشرين، وعلى المرء أن يكون عملياً ويبني قراراته على العقل، وهو الحقيقة المطلقة...
لا علاقة للزمن بالحبّ. في القرن الخامس عشر أيضاً كانت هناك زيجات مدبّرة محكومة بالمصالح الإقتصادية والسياسية بين كبرى العائلات النافذة. والتقيت بوصفي زوجة لوزير الداخلية الفرنسية، العديد من النساء الفرنسيات من أصول عربية تمّ تزويجهن بطرق تقليدية رغماً عن إرادتهن من رجال يحتقرونهن ويُسئن معاملتهنّ. بمعنى أنه منذ القدم كانت هناك زيجات غير مبنيّة على الحبّ. ومشكلة اختيار شريك الحياة بحرية مطلقة ومن دون أي تأثيرات خارجية كانت منذ العصور الأولى، ولم تزل قائمة حتى يومنا هذا. إلا أن وسائل الإعلام تساهم اليوم في تسليط الضوء أكثر على هذه المشكلة.

 

-  من هو ريشار أتياس في عينيك، الرجل الذي تركتِ كلّ شيء من أجله؟
إنه رجل مميّز يعرف كيف يدهشني يوماً بعد يوم. ريشار رجل لامع جداً وموهوب جداً جداً في عمله، مهنيّ بمستوى رفيع. إنه الأفضل من بعيد. وهو أيضاً شريك مكمّل لي ورب عائلة حنون ودائم التواجد والدعم لأفراد عائلته. وقد كانت إحتفالات نهاية العام أكثر من رائعة، اجتمعت خلالها عائلتنا الصغيرة في أجواء حميمية ساحرة سادها التفاهم والفرح والمحبّة. ريشار أتياس هو رجل طيّب بكل ما للكلمة من معنى، لا بل أنه رجل يرشح طيبة خالصة. يهتمّ بالآخرين أكثر مما يهتمّ بنفسه، وقد صبّ من روحه وذاته في الجمعية النسائية التي أطلقتها. وأنا مبهورة بحجم السعادة التي يحيطني بها!

- هل تحتفظين بعلاقة طيّبة مع طليقكِ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي؟

الرئيس الفرنسي هو والد إبني لويس وتجمعني به علاقة طيّبة من أجل خير ولدنا. ونحن نتناقش بصورة مستمرّة في أمور لويس التربوية.

- ولدكما لويس، هل يشبهكِ، أم يشبه والده نيكولا ساركوزي أكثر؟

لويس شخصية فريدة وباهرة. هو خليط ناعم يجمع بين طباع أخته الكبرى وحكمة أخته الثانية وهدوئها. وقد أخذ عن والده نيكولا حيويته وديناميته وموهبته في مخاطبة الآخرين واستقطابهم. أرى في لويس رجلاً صغيراً إستثنائياً، وهذا طبيعي لأنني والدته، وكل أم تشعر أن ابنها إستثنائياً! (تبتسم).

- خسرتِ صديقات كثيرات بعد طلاقكِ وتغيُّر حياتك. هل يرحلُ الأصدقاء مع رحيل السلطة؟
وهل تشعرين بالمرارة حيال ذلك؟
الواقع أنني في تلك المرحلة الصعبة التي رافقت طلاقي، خسرتُ العديد من صديقاتي... فقد فضّل بعضهن البقاء إلى جانب السلطة ورجال الدولة، على البقاء إلى جانبي. العشاء إلى مائدة رجل دولة ممتع أكثر بكثير من العشاء إلى مائدتي! (تبتسم بمكر). لستُ حاقدة عليهن ولا أشعر بالمرارة لرحيلهن، لا بل على العكس أحترم خيارهنّ بالرحيل، رغم أنني لا أفهمه، لأنني لا أتشارك معهن القِيَم نفسها. لا أنكر أنني عانيتُ وتألّمتُ من تخلّيهنّ عني في وقت كنتُ بحاجة إليهن أكثر من قبل. وأنا اليوم أتمنى أن يكنّ سعيدات حيث هنّ. فأنا سعيدة بصديقاتي اللواتي اجتزن معي هذه الأزمة، بصلابة وإخلاص وهنّ لي اليوم بمثابة أخوات.

- هل رشيدة داتي (وزيرة العدل الفرنسية) من أولئك الصديقات الراحلات؟

(تبتسم) رشيدة داتي هي ركن من أركان الحكومة الفرنسية الحالية. أحترم منصبها، وأفضّل عدم التعليق.

- هل أنت غاضبة من الصحافية الفرنسية آنا بريتون التي استخدمت صداقتكِ بها، كي تنشر إثر طلاقك من الرئيس الفرنسي كتاباً عنك وعن علاقتك به؟

نعم أنا جدّ غاضبة منها لأن ما فعلته هو الخيانة بعينها. عندما تعلمين أنها كانت تدوّن تحت الطاولة أحاديثاً نتداولها على موائد الغداء التي كانت تجمعني بها كصديقة، وقد حصلتُ على نسخ مصوّرة لمدوّناتها تلك، تعرفين مدى الحقد الذي حرّك هذه المرأة كي تكتب ما كتبت، علماً ان ما كتبته يتضمن مغالطات كثيرة جارحة لوالد إبني لويس (نيكولا ساركوزي) الذي أكنّ له كلّ احترام. آنا بريتون قادرة على القيام بأيّ شيء بإسم الصداقة... وهذا مخيف.

- هل ما زالت الدعوى القضائية التي رفعتِها ضدّها قائمة؟

نعم مازالت الدعوى القضائية ضدّها قائمة.

- عملتِ جاهدةً لفوز طليقكِ نيكولا ساركوزي في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية، لكنكِ لم تحصدي شيئاً من هذا النجاح...

لقد بذلت كل ما في وسعي وأعطيتُ أفضل ما عندي لأنني مؤمنة بأن نيكولا ساركوزي يستحقّ عن جدارة موقع رئاسة الجمهورية الفرنسية. عن سؤالك أنني لم أحصد شيئاً من نجاحه، أقول: وهل يجب أن أحصد شيئاً من هذا النجاح؟

-  لكنّ كلّ من كان حولكما حصد هذا النجاح... إلا أنتِ. فقد غادرتِ قبل موسم القطاف.

(تضحك عالياً) أجدُ أنهم يستحقّون ما حصدوه، فقد عملوا بكدّ وبذلوا كلّ جهد!

 

- كانت المفاوضات التي أجريتها مع الرئيس الليبي معمّر القذافي، لإطلاق سراح الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني، فاتحة عملك الإنساني العلني. هل شجّعتك، بطريقة أو بأخرى على التزامكِ بقضايا إنسانية كبرى مثل قضية النساء المعنّفات وإطلاق مؤسستك الخاصة بالنساء؟
أعتقد أن هذه المفاوضات كانت بمثابة امتحان شاقّ وصعب، خضتهُ مع الرئيس القذافي والمسؤولين المقرّبين منه، كما مع عائلات الضحايا الليبيين التي زرتها وأثّرت بي. وقد ساهم النجاح الذي حقّقته في تقديمي للرأي العام كناشطة في المجال الميداني الإنساني، وهو العمل الذي لطالما قمتُ به لسنوات طويلة إلى جانب طليقي (الرئيس نيكولا ساركوزي) عندما كان وزيراً للداخلية الفرنسية، ولكن بعيداً عن عدسات المصوّرين.

- هل كان من الصعب عليكِ إقناع شخصية مفاوضِة صعبة مثل معمّر القذافي؟
صحيح لكنني أيضاً مفاوِضة صعبة، باعتراف معمّر القذافي نفسه، الذي قال لابنته بعد اجتماعه بي: لم أرَ في حياتي امرأة بشجاعة سيسيليا ساركوزي! (تبتسم).

- السؤال الأهمّ هنا: هل ترافقت المفاوضات مع صفقة سياسية سرّية لم تعلن لوسائل الإعلام؟
كلا، لا أعتقد. الواقع انني لا أعرف، ولا أريد أن أعرف.

- ما الدور الذي لعبه زوجك ريشار أتياس في تشجيعك في إطلاق مؤسستك الخاصة بالنساء؟
لقد وضعنا أسس هذه المؤسسة معاً، وأوجدناها من عدم. ونحن نتبادل الأفكار والآراء حول المؤسسة ونشاطاتها بشكل يومي تقريباً.

- لماذا قررتِ أن تكون قضية النساء المعنّفات أولى القضايا على جدول أعمال مؤسستكِ؟ هل عايشتِ تجربة مريرة قريبة لامرأة معنّفة؟
كلا، لم أعايش تجربة لامرأة قريبة معنّفة، لكنني التقيت العديد من المعنّفات خلال عملي الميداني عندما كنت زوجة لوزير الداخلية الفرنسية. وقد صدمتني أرقام الإحصاءات حول نسبة النساء المعنّفات في العالم. ففي الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال لا الحصر تموت يومياً ثلاث نساء نتيجة عنف يُمارس ضدهنّ. وتقول الأرقام أن امرأة تُضرب في ناحية من أنحاء العالم كل عشر ثوان. كذلك تموت امرأة في أوروبا كل أربعة أيام نتيجة للعنف. وأخبروني أيضاً ان ثلث النساء العربيات تعرّضن للعنف... إنها أرقام مخيفة، وتفوق من بعيد أرقام إصابة النساء بمرض السرطان. لذا من واجبنا أن نتحرّك ونعمل ونكافح من أجل مساعدة هؤلاء النساء.

تحدّثت عن الوحدة التي تعاني منها المرأة المعنّفة، فهل تذوّقت شخصياً طعم الوحدة؟
الوحدة تولّد الخوف والضعف. والمرأة المعنّفة تكون في الغالب أسيرة شعورها بالوحدة، إذ تعتقد أنها الوحيدة التي تعاني ما تعانيه، فتخجل من التحدّث عن معاناتها وتغرق في التقوقع على ذاتها. وتصبح أسيرة وحدتها وآلامها النفسية والجسدية وتفقد ثقتها بنفسها. لذا، فإن كسر جدار هذه الوحدة ومساندة هؤلاء النساء ومساعدتهن على الخروج إلى النور، واستعادة ثقتهن بأنفسهن هي من أولويات جدول أعمال مؤسستي. شخصياً لا أخاف الوحدة لأنني ربما لم أعرفها، فأنا محاطة دائماً بأفراد عائلتي التي أحب، كما بأصدقائي وصديقاتي. والأوقات القليلة التي أمضيها وحيدة هي لي فسحة لملاقاة الذات والتأمّل وتجميع الأفكار.

- التقيتِ نساء الصفّ الأول في العالم العربي، ملكات وسيدات أُوَل ووزيرات وإداريات، هل تنوين الإستفادة من علاقاتك هذه، لخلق ما يشبه تياراً من التغيير يساهم في تغيير واقع المرأة العربية؟
أرغب حقاً في المساعدة للعمل إلى جانب الشخصيات النسائية والناشطات في مجال حقوق المرأة في هذه المنطقة من أجل المساهمة في دفع قضايا المرأة إلى النجاح. ويشرّفني أن أعمل عن كثب مع الملكة رانيا العبد الله التي أحترم كثيراً حيويتها وديناميتها ورغبتها في التغيير. كذلك فإن مجلس الإدارة في مؤسستي يضمّ امرأة عربية هي وزيرة الدولة الإماراتية ريم ابراهيم الهاشمي التي أستمتع بالعمل معها خصوصاً اننا متفاهمتان على أمور عدّة.

- كما تعلمين ان قمّة المرأة العربية، هي تجمّع لنساء الصفّ الأول من أجل دفع قضايا المرأة، هل تنوين المشاركة في القمّة المقبلة؟ 
بالتأكيد سألبّي دعوة تُوجّه إليّ للمشاركة في القمة المقبلة، خصوصاً إذا كانت على جدول أعمالها قضية النساء المعنّفات.

- تعلمين أن منطقة الشرق الأوسط، من فلسطين الى العراق، مروراً بلبنان ودارفور، ترزح تحت وطأة النزاعات المسلحة الأكثر دموية وعنفاً. أيّ دور يمكن أن تقوم به النساء في هذه المنطقة لصنع السلام، خصوصاً أنهنّ مبعدات عن موقع القرار، بعدما اختصر دورهنّ ببلسمة الجراح والبكاء فوق جثث الضحايا؟
النساء هنّ الطريق إلى السلام. ولا سلام من دونهنّ. إن دورهنّ أساسيّ في تهدئة النفوس ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر وتربية أجيال نابذة للنزاعات والحرب. صحيح أن المنطقة تعيش في دوّامة من العنف، لكنّ ثقتي كبيرة في أن للمرأة العربية دوراً فاعلاً في كسر حلقة العنف والخروج من هذا النفق المظلم والمساهمة في إيجاد الحلول للأزمات المختلفة. في كلّ منّا بركٌ من الوحول السوداء وفسحة لسماء زرقاء، ودور المرأة أن تحاكي في زوجها وأولادها هذه السماء الزرقاء لتنتصر على الشرور، وتحقّق السلام.

- هل لديكِ صديقات وأصدقاء عرب؟
(تبتسم) زوجي ريشار أتياس عربيّ من أصول مغاربية وهو أقرب صديق إلى قلبي. ولديّ صديقات عربيات وخصوصاً لبنانيات بينهنّ رندة تقيّ الدين (الزميلة في صحيفة «الحياة»).

-
أيّ فكرة كوّنت عن أوضاع المرأة العربية من خلال الصداقات التي تربطك بعربيات، وأسفارك المتعدّدة إلى مدن عربية، وإقامتك أخيراً في دبي؟
ما أعرفه عن المرأة العربية لا يكفي لتكوين رأي دقيق عن أوضاعها، خصوصاً أنه لم يمضِ على إقامتي في المنطقة إلا تسعة أشهر، وهي فترة قصيرة نسبياً. تعلّمت من خلال حياتي الجديدة في دبي أن أنبذ الأفكار المتناقَلة والأحكام المسبقة، وأتعرّف شخصياً إلى حياة المرأة العربية وأتلمّس عن كثب المشاكل التي تواجهها. وفي كل الأحوال، علينا أن نوفّر للمرأة الحرية لاختيار الحياة التي تريد، ونحترم خياراتها، أيّاً كانت هذه الخيارات، بمعنى إذا اختارت المرأة أن تكون محجّبة، علينا أن نحترم خيارها شرط أن يكون هذا الخيار نابعاً من قناعة ذاتية لا مفروضاً فرضاً عليها. وإذا اختارت ألا تتحجّب، علينا أيضاً أن نحترم خيارها ولا نفرض عليها شيئاً.

 

 - ماذا عن حياتك الجديدة في دبي؟ هل تأقلمت ونمط الحياة في الإمارة؟
لم يكن من الصعب عليّ أن أتأقلم وحياتي الجديدة في دبي، خصوصاً أنني أعشق التغيير، ولا أكفّ عن حثّ أولادي على خوض تجارب جديدة وعيش حيوات متعدّدة، لأن في ذلك مصدر غنى لهم. أحبّ دبي، إنها مدينة تبعث على التفائل. يكفي أن تستيقظي كلّ صباح تحت سماء زرقاء صافية وشمس برّاقة دافئة. إنها مدينة لذيذة، رغم أنها شديدة الحرّ صيفاً. بالنسبة إليّ هذه تجربة جميلة ومختلفة، أنا القادمة من باريس حيث الغيوم لا تُفارق السماء إلا نادراً. أقود سيارتي في طرقات دبي الواسعة والمتشابكة، رغم أنني أضيّع الطريق كلّ يوم، فترينني أدور وأدور وأدور حول المبنى الذي أسكنه، ولا أعرف أي مفترق أسلك لأصل الى موقف السيارات. وعبثاً أستخدم G.P.S لمساعدتي على معرفة طريق عودتي إلى المنزل. (تبتسم).

- تعيشين في دبي مع زوجك أتياس وابنك لويس وابنتك جانّ ماري وزوجها. يبدو أنك تعشقين دور الأم الحاضنة التي تريد أن يبقى أولادها الى جانبها؟
لقد شاءت الصدفة أن ينتقل صهري زوج إبنتي إلى دبي لتسلّم مهام جديدة في شركته، والواقع أن هذا الإنتقال جاء في مصلحة العائلة لتجتمع من جديد في مدينة واحدة. صحيح أنني أم حاضنة تسعى إلى إبقاء أولادها إلى جانبها... لا أخجل من الإعتراف بذلك!

- في عزّ الأزمة الإقتصادية والشائعات التي تطال دبي، هل ما زلت وأتياس الذي نقل أشغاله كلّها الى هناك، تؤمنان بهذه الإمارة؟
ولِمَ لا نؤمن بدبي؟! لا أعتقد أن دبي تأذّت أكثر من غيرها من المدن العالمية نتيجة الأزمة الإقتصادية. إنها مرحلة صعبة على العالم أن يجتازها بحكمة ورويّة، ولا يترك الهلع يسيطر عليه.

-
التقيتِ الشيخ محمّد بن راشد، كيف وجدته كقائد رؤيوي؟
التقيته مرة واحدة، ووجدتُ فيه رجلاً ذا إرادة صلبة وعزم وتصميم وقد عرف كيف يُطلق مشروعه العالمي الضخم والفريد من نوعه، فكانت مدينة دبي بكلّ ما تمثّله من انفتاح إقتصادي باهر. أتمنى للشيخ محمد مزيداً من النجاح والتقدّم في مسيرته لتحقيق المدينة القدوة التي يحلم بها.

- بعد تسعة أشهر من الحياة في الإمارات العربية، هل تعلّمتِ اللغة العربية؟ هل تتحدثينها؟
الواقع أنني لا أجيد التحدّث بالعربية باستثناء بعض الكلمات البديهية، مثل مرحبا وشكراً. زوجي ريشار يتحدّث العربية بطلاقة، وولدي لويس يتعلّم العربية في مدرسته في دبي. وعندما يطلب لويس مساعدتي في إنجاز فروض القواعد العربية، أعتذر منه لأنني ببساطة لا أجيد العربية وأحيله إلى ريشار الذي يتولّى مساعدته.

- هذه زيارتك الأولى للبنان، ما هو الإنطباع الذي عدتِ فيه؟
أكنّ لهذا البلد الصغير معزّة خاصة، قد تكون مبنيّة على ما روته لي صديقاتي اللبنانيات اللواتي يعشن في باريس. أحبّ في لبنان هذا التنوّع الفسيفسائي الفريد من نوعه في الشرق، وهو تنوّع يجمع بين الأديان والطوائف والأعراق والحضارات المختلفة، ويجعل منه نموذجاً متقدماً للتعايش. كأني بلبنان همزة وصل بين الشرق والغرب. وقد آلمني كل ما حلّ به من مآسٍ وعذابات شوّهت حُسنه وجماله.

 - ماذا تنصحين المرأة المعنفة التي دخلت حلقة مفرغة نتيجة إلقاء اللوم على ذاتها وليس على الجهة المعنّفة، فباتت كأنّها راضية بالعنف الممارس ضدّها، تعاني بصمت؟
أطالب المرأة المعنّفة بأن تحترم نفسها ولا تقبل بأن يقلل أحد من إحترامها. كذلك أنصحها بأن تترك المنزل الأبوي أو الزوجي في حال استمرّت موجة العنف بلا توقّف. أعرف أنّ ظروف بعض النساء لا تسمح لهنّ بترك المنزل، لذا، فأنا أعمل من خلال مؤسستي لتوفير مراكز متخصصة تستقبل النساء المعنّفات وأولادهنّ وتوفّر لهم المأوى والطعام والطبابة والتدريس، ليس فقط لأيام بل لأسابيع وأشهر. وتوكّل عنهنّ المحامي للدفاع عن قضيّتهنّ أمام القضاء، وتساعدهنّ في إيجاد عمل ومسكن لإنطلاقة حياتيّة جديدة. إنّ هذه المراكز حاجة ملحّة على جدول أعمال مؤسستي، إنطلاقاً من إدراكنا أنّ نساء معنّفات كثيرات، يقبلن بالعنف ويرضخن للمعنّف، لأنّهنّ وحيدات ولا يعرفن إلى من يلجأن، خصوصاً أنّ غالبيّتهنّ من الشابات اليافعات اللواتي لا يتجاوزن الخامسة والعشرين. هذه المراكز ستحد من تسلّط الرجال المعنّفين الذين سيفكّرون مرّتين قبل إطلاق العنان لقسوتهم!

- أخيراً، ماذا أضافت جائزة MENA Crystal Award   التي منحت إلى «مؤسسة سيسيليا-أتياس للنساء» عن «أفضل مشروع يتّصف بالمسؤولية الإجتماعية»؟
أحبّ أن تزرع هذه الجائزة الرغبة في نفوس القيّمين على الشركات الإعلانية لمساعدة مؤسستي على تحقيق أهدافها والتي تتمثّل بإنشاء مراكز متخصّصة تستقبل النساء المعنّفات وأولادهن وتقدّم لهم كل مساعدة قانونية، ونشر الوعي حول قضية العنف الممارس ضدّ النساء في العالم.

- كلمة أخيرة ملهِمة...
 أيّاً كان الذي نقوم به، عليناأن نفكّر فيه جدياً ونحسّه بعمق...

محطات وسنوات

  • 1957 وُلدت سيسيليا في بولونيا - بيلانكور في فرنسا.
  •  1984 تزوّجت من جاك مارتان، المقدّم التلفزيوني الفرنسي الشهير وأنجبت منه ابنتين هما: جوديث (1984) وجانّ ماري (1987).
  • 1989 حصلت على طلاقها من مارتان.
  • 1996 تزوّجت من نيكولا ساركوزي وكان بعد عمدة مدينة نويي وأنجبت منه إبنهما لويس (1997).
  •   2007صارت السيدة الفرنسية الأولى بعد انتخاب ساركوزي رئيساً للبلاد، وذلك بعدما شغل منصب وزير الداخلية لسنوات. وبعد أشهر قليلة إنفصلت عنه لتتزوّج من رجل الأعمال الفرنسي المغربي الأصل ريشار .أتياس. فيما ارتبط ساركوزي بعارضة الأزياء الإيطالية كارلا بروني.
  •  2009أطلقت سيسيليا المقيمة في دبي مؤسسة The Cecilia Attias Foundation for Women التي تحمل اسمها وتُعنى بالدفاع عن حقوق المرأة.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078