ما هي مشاكل الدراما اللبنانية؟
تعاني الدراما اللبنانية أزمات عديدة حالت حتى الآن دون انتشارها في العالم العربي ولم تتمكّن من منافسة الدراما السورية والمصرية وحتى الخليجية.
ما هي أسباب هذه الأزمات؟ سنحاول في هذا التحقيق معرفة العوائق التي تمنع وصول الدراما التلفزيونية اللبنانية إلى المشاهدين العرب.
هل النصوص ضعيفة، أم أن الإخراج غير محترف؟ أم أن الإنتاج ضئيل؟ أم أن الممثّلين اللبنانيين لم يصلوا بعد الى مستوى إحترافي يضعهم في منافسة مع زملائهم السوريين والمصريين تحديداً؟
لا يمكن أن ننكر أن الدراما اللبنانية كان لها حضور قوي قبل بداية الحرب الأهلية، وكان نجومها من المحبّبين إلى الجمهور العربي، أمثال هند أبي اللمع ومحمود سعيد وعبد المجيد مجذوب وغيرهم.
لكن الحوادث الأمنية عرقلت أي تقدّم، بل تراجع كل شيء.
وبعد إنتهاء الأزمة حاول بعض المنتجين العودة إلى الساحة ودعم عجلة الدوران في هذا المجال، إنّما بإمكانات محدودة، علماً أن مسلسلات مثل «العاصفة تهب مرتين» الذي صوّرت منه أكثر من 150 حلقة للمؤلف شكري أنيس فاخوري، كان لها حضور بارز عند المشاهد اللبناني لكن صداها لم يصل إلى الدول الشقيقة.
اليوم، ومع انتشار القنوات الفضائية في كلّ أنحاء العالم، لماذا لم تستطع الدراما اللبنانية أن تفرض حضورها إلا بعدما دخل المنتجون العرب على الخط وبدأوا إنتاج أعمال ضمّت ممثلين لبنانيين وسوريين ومصريين، بإدارة مخرجين سوريين؟ كتّاب وممثّلون ومخرجون ومنتجون لهم وجهة نظر في هذه القضيّة؟
سيرين عبد النور
النجمة سيرين عبد النور تقول إن الدراما اللبنانية لا تزال في بداية الطريق ولم تصل بعد إلى مصاف منافسة المسلسلات السورية والمصرية وتحديداً تلك التي تعرض في شهر ذروة المشاهدة أي شهر رمضان المبارك.
وتعتبر أن الأعمال المشتركة التي قدّمت لا تمثل الدراما اللبنانية، بل هي تعتبر نفسها ممثلة لبنانية تتحدث بلهجتها الأم في أعمال عربية مشتركة.
لكنها تأمل أن يأتي اليوم الذي تكتمل فيه كل العناصر وتصبح الدراما اللبنانية مطلوبة من المحطات التلفزيونية العربية لجودة النص والإخراج والإنتاج فيها.
باميلا الكيك
النجمة باميلا الكيك كانت اكثر صراحة وعددت المشاكل التي تعيق انتشار المسلسل اللبناني فقالت: «الإنتاج هو المشكلة الكبرى، والإنتاج ليس رفع أجور الممثلين بل اختيار مواقع التصوير المميزة والديكورات المناسبة للمشهد والمخرج الجيد والأبطال الموهوبين واستعمال كاميرات ومعدات تقنية متطورة».
ورأت أن هناك أزمة في النصوص، «وليس كل من كتب مسلسلاً او اثنين يطلق عليه اسم مؤلف.
وهذا النقص في الكتّاب ينعكس سلباً على الدراما اللبنانية. وأنا أجد أن كلوديا مرشليان تملك سحراً في نصها، وأعتقد اننا نعيش في عصرها وهي التي أدخلت تغييرات مميزة على مفهوم الدراما في العالم العربي. فالمنتج في لبنان يريد أن ينهي تصوير مسلسل يحتاج مثلاً إلى ستة أشهر في ثلاثة أشهر عصراً للنفقات، وطبعاً هذا الأمر يضعف كل شيء».
وتضيف الكيك أنها دخلت مجال التمثيل منذ 6 سنوات وصورت العديد من المسلسلات اللبنانية، «وكنا للأسف نصور في ظروف لا تسمح للممثل بالإبداع. فمثلاً كنا لا نجد أحياناً أماكن لتغيير ملابسنا بين مشهد وآخر، فكنا ندخل الى منازل الناس أو المطاعم لنبدل ملابسنا.
هذه أمور صعبة تغيرت مع وجود المنتج العربي الذي يوفر كل أساليب الراحة للمثل ليقدّم دوره بأبهى صورة، وأنا لن أعود إلى الوراء بعد اليوم».
كلوديا مرشليان
الكاتبة اللبنانية الأشهر كلوديا مرشليان، كانت أوّل من قدّم مسلسلاً جمع عدداً من الممثّلين العرب، وهو «روبي» الذي حقّق نجاحاً كبيراً بأبطاله سيرين عبد النور ومكسيم خليل وأمير كرارة وتقلا شمعون وغيرهم، وهو من إنتاج شركة الراحل أديب خير ومحطة أم بي سي.
هذا العمل مُقتبس عن مسلسل مكسيكي لكنّ مرشليان أعادت صياغته بأسلوب مشوّق، وبعده كان مسلسل «جذور». وحالياً هناك مسلسلان سيبدأ تصويرهما قريباً في إطار العمل العربي المشترك، الأول بعنوان «فرصة ثانية» من إنتاج أم بي سي، والثاني لم تكشف مرشليان عن إسمه.
أما عن المشاكل التي كانت تعيق إنتشار الدراما اللبنانية في العالم العربي قبل دخول المنتج العربي على الخط فتقول الكاتبة:«عندما قصدني المنتج العربي كان قد تابع كل أعمالي التي قدمتها طوال مسيرتي في التأليف، وهي تبلغ نحو 30 مسلسلاً لبنانياً صرفاً كلّها نالت إعجاب المشاهدين في لبنان.
ربّما أن الثقة بالممثل اللبناني لم تكن موجودة لدى المنتجين العرب لكن بعد «روبي» وجذور» تغيّرت نظرتهم إلينا.
ودون أدنى شك أن الإنتاج المحدود كان يحدّ من الإبداع في مسلسلاتنا، فمثلاً الحلقة التلفزيونية في لبنان لا يُنفق عليها أكثر من 15 أو 20 ألف دولار أميركي، لكن الحلقة مع المنتج تزيد كلفتها عن 50 ألف دولار، وهذا المبلغ يتيح الإستعانة بممثّلين ومخرجين وتقنيّين على أعلى مستوى من الإحتراف».
وتؤكّد مرشليان أن الدراما العربية المشتركة ليست جديدة، ففي السابق كان هناك تعاون بين المصريين واللبنانيين في الأفلام السينمائية، واليوم مع إندماج الممثل اللبناني في المسلسلات السورية والمصرية ينال الفرصة لإبراز طاقاته التمثيليّة التي فاجأت العالم العربي.
وعما ينقص الدراما اللبنانية التي تعرض على الشاشات المحلية تقول: «لا أعرف ما هي النواقص، رغم كل الجهد الذي يبذل يبقى شيئاً ناقصاً مجهولاً بالنسبة إلي».
وعن المؤلفين الذي دخلوا عالم الكتابة الدرامية فجاة دون خبرة والذين يقدمون سيناريوهات تافهة تقول مرشليان: «لا توجد بلاد جميع مؤلّفيها ممتازون، فهناك النص الجميل والنص السيئ. لكن في ظل الإنتاج الكبير تتغير المعطيات لدى أي كاتب يستطيع أن يتوسع بخياله ويختار مع المخرج المحترف الممثلين المناسبين».
آراء
سمير حبشي
المخرج سمير حبشي الذي قدّم أخيراً مسلسل «أماليا»، والذي عرض على شاشة «أل بي سي أي» قال إن الدراما اللبنانية في خط تصاعدي جيد وان مسلسله الأخير نال إعجاب المشاهدين ويعتبره من أجمل النصوص التي أخرجها.
طوني عيسى
الممثل طوني عيسى الذي برز في مسلسل «الغالبون» بجزءيه يرى أن المسلسلات اللبنانية بدأت تخطو خطوات جيّدة وتنال إعجاب المشاهد العربي، ويأمل أن تحظى الأعمال المقبلة بقبول أوسع.
طوني شمعون
الكاتب والممثل طوني شمعون يرى أن أزمة الكتابة في الدراما «كبيرة جداً إذ لا يوجد مؤلفون محترفون يجيدون صنع الحبكة الدرامية، لذلك نرى مسلسلات يعرض منها حلقات على الشاشة ولا تحتوي أي حدث بارز... أعمالي التي قدمتها، مثل «عندما يبكي التراب» و«ورود ممزقة» وغيرها، حظيت بنسبة مشاهدة عالية.
أما أنصاف الكتّاب والكاتبات في هذا الزمن فهم يكتبون نصوصاً بناء على format معين يقدمه لهم المنتج وقد تكون هذه الصيغة منقولة عن مسلسل أميركي أو تركي.
وهذا لا يعطي إبداعا بل لأنهم للأسف موظفون لدى هذا المنتج أو تلك الشركة، ومن أجل المال يقبلون تنفيذ الأوامر دون إعتراض».
ويضيف شمعون أن المخرجين المحترفين أيضا لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وهذا يؤثر على نجاح أي عمل.
وعن المنتجين العرب الذين ساهموا أخيرا في إنعاش الدراما اللبنانية يقول شمعون: «اعتبر أن العلاقات العامة هي التي ساهمت في دخول هؤلاء على خط الدراما اللبنانية.
ورغم ذلك كل ما قدّم هي نصوص مأخوذة إما من أفلام أجنبية أو مسلسلات مكسيكية، وبذلك لا يكون للكاتب أي دور في الإبداع».
ويختم أن الدراما اللبنانية «تحتاج إلى كل العناصر الإنتاجية والاخراجية والتقنية لتنافس الأعمال العربية، فملكة الإبداع غائبة عن كل القطاع ونحتاج إلى مواهب جديدة لتدير اللعبة».
إيلي معلوف
أما المنتج إيلي معلوف صاحب شركة «فنيكس برودكش» فيقول إن أزمة المنتج اللبناني تعود إلى «عدم قدرته على تسويق مسلسلاته خارج لبنان، والتلفزيونات اللبنانية إمكاناتها محدودة.
لذلك لا يمكننا أن ننتج إلا بالحدود المتاحة. كما أن الدولة اللبنانية لا تدعم هذا القطاع على الإطلاق، حتى أنها لا تتوانى عن المطالبة بمستحقّاتها الماديّة في اليوم التالي للتصوير على أبعد تقدير، سواء من دفع رسوم للرقابة أو أجور الأماكن التي تملكها الدولة.
وللأمانة أقول إن قيادة الجيش اللبناني هي وحدها التي لا تتقاضى أي مقابل مادي إذا استعنّا بعديدها وعتادها».
وعن النصوص والأفكار الركيكة التي تُقدّم في الدراما اللبانية قال معلوف: «صحيح هناك نصوص سيئة، لكن في المقابل، اذا أردت أن أتحدث عن شركتي، أرى أنني قدّمت أعمالاً مميّزة ومنها «عندما يبكي التراب» و«الأرملة والشيطان»، فلماذا لم تشترها الفضائيات العربية، مع أن هناك مسلسلات خليجية وسورية ومصرية تعرض على الشاشات العربية مضمونها فارغ والأخطاء الإخراجية فيها لا تعد ولا تحصى؟».
أما عن المنتج العربي الذي بدأ بمنافسة المنتج اللبناني فقال معلوف: «مع إحترامي للجميع، الأعمال العربية المشتركة التي قدمت أخيراً تحتوي على أخطاء إخراجية واستخفاف بعقول المشاهدين من خلال لقطات لا يمكن أن أسمح لها بأن تمرّ في المسلسلات التي أنتجها.
ومن يعتقد أنّ مشاركة الممثّلين اللبنانيين في هذه الأعمال مع زملائهم السوريين والمصريين ستحلّ أزمة الدراما اللبنانية فهو مخطئ، فالمنتج العربي يستعين بالممثلين العرب لتسويق عمله في المحطات العربية لا أكثر ولا أقلّ.
وللخروج من هذه الدائرة نحن بحاجة إلى وقوف الدولة بجانب المنتج اللبناني والإقتناع بأنّ هذا القطاع فعّال في البلد».
وأخيرا قال إنه في فترة من الفترات انحدرت الدراما اللبنانية «بسبب سيطرة كاتبين على القطاع وهما شكري أنيس فاخوري ومروان نجار، اللذين قدّما أعمالاً غير جيدة، وأرادا أن يصبح أسماهما أهم من أسماء المخرجين، بينما العكس صحيح.
وهذا ما اكتشفه السوريون الذين أدركوا أنّ النص الجميل يحتاج إلى إدارة جيّدة، لذلك نجحوا».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024