الشاعر جرجس شكري: أيام الشعر في سلوفينيا لا تُنسى
- بدايةً، حدّثنا عن هذا المهرجان؟
هي الدورة الثالثة والعشرون من مهرجان "أيام الشعر" الذي يُقام في سلوفينيا، في مدينة صغيرة تبعد عن العاصمة ليوبليانا حوالى الساعة، وبعيداً عن القراءة الرئيسة تم توزيع الندوات على القرى والضواحي لتنظيم أمسيات خاصة هناك، وكانت فكرة مثيرة أن نتجول في هذه المنطقة، أو بمعنى أدقّ نتعرف على سلوفينيا من خلالها.
- هل كان لك برنامج محدد من خلاله استطعت تقديم أشعارك؟
كان نصيبي في اليوم الأول قرية ساحرة تُدعى فيتو مرسل، والقراءة في أقدم بيوت القرية الذي تم ترميمه وصار متحفاً وفضاءً ثقافياً، وفي الخارج حديقة يسيّجها سور حديدي صغير، وجاء الفلاحون وظننت أنهم يستمعون إلى الشعر، لكنهم استمعوا وقرأوا وغنّوا وعزفوا الموسيقى الشعبية، في هذه الليلة قدموا لنا تاريخ القرية من خلال الشعر والموسيقى. وفي اليوم التالي أمام بيت روماني كبير من الخشب، الأعمدة الرومانية الشهيرة التي تناثرت في كل مكان، النار المشتعلة في بوتقات تنتشر في البيت، وهناك من يرتدي الملابس الرومانية، وجمهور قليل في انتظارنا، قال لي الرجل الذي يرتدي الملابس التاريخية: "عبر الجيش الروماني من هنا، وأقام في هذا المكان، ومنذ أيام احتفلنا أكثر من ألف مشاهد، وأقاموا حلبة للمصارعة الرومانية، وارتدى الجميع ملابس الرومان، تصارعوا وصفقنا وعشنا عشرين قرناً مضت"، قرأنا الشعر وأنا أتأمل المكان وأتذكر الجنود الرومان زاحفين منذ قرون، وأنظر إلى الجمهور الذي سافر عبر الزمن، وخلفه طاولة خشبية عليها أوانٍ فخارية كثيرة ظننتها للزينة من الإكسسوار التاريخي للبيت، وبعد القراءة دعونا إلى تناول طعام روماني، وكانت الأطباق الفخارية مملوءة بالملح والزيت والخبز الجاف، خبز غريب لم أتذوّق مثله من قبل، خبز على الطريقة الرومانية.
- وهل لاقت هذه التجربة تجاوباً من الجمهور؟
نعم، ففي اليوم الأخير تحولت المدينة إلى كرنفال كبير، وباتت أقرب إلى مسرح الشارع، لكن هذه المرة شِعْر الشارع، وللمرة الأولى اختاروا لنا القصائد التي سوف نقرأها، وباللغة الأصلية. نصعد الى عربة ويقدّمنا الى جمهور الشارع رجل يرتدي ملابس تاريخية، وهناك من سيقرأ القصائد باللغة السلوفينية. قرأنا وتوقّفنا أمام الكنائس والبنايات القديمة، لنشاهد كل الظواهر الشعبية من رقص وموسيقى وغناء. المارّة خلفنا أو في المقاهي والحانات يجلسون ويشاهدون كرنفالاً اعتادوه. الآلات النحاسية تصدح في الصباح الباكر والطبول والغناء، مع عرض للملابس الشعبية، وكأنهم أيضاً يقدّمون لنا عرضاً للتاريخ؛ ملابس تجسّد الهوية، كل شيء بمثابة إعلان عن الهوية، ألعاب "أكروبات"، مهرّجون... وارتدى المشاركون في الكرنفال ملابس العصور الغابرة، ملابس تاريخية أقرب إلى ملابس القرن الثامن عشر، قدّموا رقصات شعبية وأغاني من التراث، عزفوا وغنّوا، وثمة عربة على عجلات كبيرة تنقصها الخيل مزدحمة بآلات موسيقية وسمّاعات... كل تكنولوجيا اللحظة الراهنة فوق عربة من القرن التاسع عشر.
- وبأي اللغة كنتَ تقرأ؟
كل شاعر قرأ بلغته الأم، وأصدر المهرجان كتاباً لكل شاعر باللغتين السلوفينية والإنكليزية، بالإضافة إلى نصوص بلغته الأصلية، وفي المدن الكبرى كانت القصائد المترجمة تُعرض على الشاشة للجمهور، وفي الضواحي والشوارع كان أحدهم يقرأ القصائد بلغة أهل البلاد للجمهور.
- وماذا تبقّى لك في الذاكرة من هذا المهرجان؟
في هذه المدينة، سوف يبقى في الذاكرة من المهرجان أنه كان جزءاً من الحياة اليومية للمدينة، وكيف احتفل الجميع من مختلف الأطياف بالشعر والشعراء، ولم يكن مجرد مهرجان لجمهور محدود. لقد وزّعوا قصائد الشعراء على الجمهور، والمارّة في الشوارع، ليس الكتاب فقط، بل قصائد متفرقة، فقد تهيّأت المدينة بكاملها للاحتفال بالشعر واستقبال المهرجان الذي شارك فيه الجميع.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024