تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الفنانة التشكيلية علياء الدقس: أتمنى الوصول الى العالمية بمجموعة Synergy

فنانة متميزة في طرحها، متفردة في ألوانها، جريئة في قضاياها حين تتصدر لوحاتها المرأة السعودية لتحقق ما تصبو إليه بأسلوب جميل، تكمن بين ثناياه أنثى تحمل شخصية قوية مثقفة وواعية. تنقّل فكرها بين حضارات غربية وشرقية عدة لتنثر ألوانها المشرقة التي خزّنتها في جسد ذاكرتها حين كانت طفلة تتنقل عيناها بين حضارة فرنسية وإسبانية في الحدائق والحارات التي امتلأت بأعمال تشكيلية متنوعة ومجسمات جميلة، وكبرت على ذاك الجمال، فتدرّبت وترجمت على أرض الواقع أيقونة فن مزجت بين الفن الشرقي المتّسم بألوانه ومنمنماته الزاهية، وبين الفن الغربي المعاصر الحديث. الفنانة التشكيلية علياء الدقس، التقتها "لها" في حوار صريح كشفت فيه كيف تنمّق لوحاتها، وتزخرف قضاياها، وتبرز خيولها شامخة بأبهى الحلل، وأجمل الألوان، من خلال مجموعتها "سينرجي".


- للزخرفة البدوية حيز كبير في أعمالك، كيف تشكّل هذا الأسلوب لديك؟

ارتباطي العميق بالتراث البدوي شدّني لأنغمس بين مفرداته، وجعلني أبحث عن أبجدياته، فعكست تلك الدراسة لديّ ثراءً كبيراً في الفكر الإنساني، لأن كل زخرفة فيه تحمل رواية، وكل زاوية فيه هي حكاية من تاريخ جميل، فأحببت تجسيده في كل لوحاتي لإبراز الغنى الثقافي والفني الذي كان عند الإنسان البدوي ونقلته الى المتلقي بأسلوب معاصر.

- تتنقل أعمالك بين أشكال هندسية بدوية بحتة، ومنحنيات خارجة عن المألوف في الخيل، كيف تترجمين ذاك الأسلوب؟

"الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"... من كثرة عشقي للخيل، أصبحتْ صديقة أعمالي في حلّي وترحالي، وترجمتُ ذاك العشق في أعمالي الفنية التي نسجتها زخرفة بدوية بقالب هندسي لأُبرز مكامن القوة في التجريب التشكيلي وأُظهر بُعدها الواقعي للتعبير الرمزي من خلال تفكيكها وإعادة صياغتها مع أنصاف الدوائر، لاعتبار الدائرة نبضاً للوجود الإنساني في التراث البدوي. وقد جمعتُ في ذلك ما بين التراث البدوي والخيل العربي الأصيل لتحقيق جماليات حسية ومرئية لانفعال فكري مدروس.

- ما هي الفلسفة التي تعتمدين عليها في تلك المنحنيات؟

كوني أنحو الى التجريد التشكيلي في أعمالي الفنية، وخصوصاً في الخيل، تأتي المنحنيات لتشير إلى التكوينات الطبيعية في جسم الفرس تماثل القدّ المياس في جسم المرأة، وله انحناءاته الجميلة والرائعة.

- ما وجه الشبه بين المرأة والخيل؟

الفرس والمرأة توأمان في الحكمة والجمال، في الشموخ والأنَفة، وانطلاقة الى أبعد ما يكون في فضاءات الله عزّ وجل، وتجلٍّ للعطاء الحسّي والمرئي بلا حدود.

- بين الماضي والحاضر تنقلين صورة المرأة السعودية، أيهما وضعت بصمة في المجتمع السعودي؟

امرأة الأمس هي من وضعت حجر الأساس لامرأة اليوم، لأنها قوية ومناضلة وتعتمد على نفسها منذ القِدم، ذلّلت الصعوبات بفكرها، وحلّت العِقد بأسلوبها، ومهّدت الطريق لامرأة اليوم، كي تضع البصمة التي تحمل بين ثناياها المرأة السعودية بين الأمس واليوم، بإصرار وثبات وعزيمة وحب التعلّم، والذي كان القاسم المشترك بينهما.

- ما هي التحديات التي واجهت الفنانة علياء؟

الرسم كان في حياتي شغفاً، ولم يكن في يوم من الأيام تحدّياً، أو جعلني أواجه تحديات أو صعوبات تُذكر، لكن مررتُ بتجارب كثيرة وجميلة خزّنتها في جسد ذاكرتي ونقلتها الى العالم.

- التراث السعودي كان ولا يزال يشدّكِ، هل من رسائل تريدين توجيهها الى المرأة السعودية؟

يعتبر التراث بشكل عام رمزاً لهوية الإنسان في كل أنحاء العالم، وهو دليل على المعرفة والقدرات التي تتمتع بها الشعوب، فنقلتُ ذاك الثراء وأعدتُ تكوينه في لوحاتي، لأهمس في أُذن كل امرأة سعودية أن التراث السعودي مرتبط بقوة بالأماكن الثقافية التي لا يمكن التخلّي عنها، ومن واجبي كفنانة نقله الى العالم بكل مفرداته، وعلى سبيل المثال لا الحصر فن "القط العسيري"، الذي سجّلته "اليونسكو" أخيراً ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي غير المادي، من أهم العناصر الجمالية.

- وما هو فن "القط العسيري"؟

هو أحد فنون تزيين جدران المنازل في منطقة عسير منذ مئات السنين، ويعتمد على الزخارف الهندسية البديعة التي تستوحي أبعادها ودلالاتها من الثقافة المحيطة، التي كوّنتها ألوان الطبيعة.

- ماذا تعني كلمة "قط" في معاجم اللغة العربية؟

تعني " خَط" أو " نحت" أو" قطع"، وهو ما تفعله المبدعات من نساء منطقة عسير في المنازل، وخصوصاً منازل الأثرياء ووجهاء المجتمع قديماً.

- تتلمذت على أيادٍ عربية وأجنبية في الفن التشكيلي، ماذا حققت بتلك الدراسة وما الفارق بينهما؟

كانت بدايتي على يد فنانة مغربية تخرّجت في فرنسا، ومنها انطلقتُ الى أسلوب الأجداد، وبحثتُ عن الفنانات المتميزات داخلياً وخارجياً للقاء حضاري وإنساني، سواء في فرنسا أو إسبانيا، وكانت عبارة عن ورشات عمل لتبادل الخبرات والثقافات، وكل فنانة تعاملت معها أضافت الى حصيلتي الفنية بأساليب متعددة، مما أثرى تجربتي الثقافية تشكيلياً وفنياً.

- أي التجارب أضافت الى ثقافتك؟

لكل تجربة أسلوبها المميز، فالتجربة العربية ثرية جداً بحضارتها الإنسانية، والتجربة الغربية فتحت مداركي على فن أكثر واقعيةً بجرأة أكبر وحرية أسمى في العطاء.

- ماذا منحتك الجرأة في الفن التشكيلي؟

أتاحت لي دراسة الكتلة في الجسد الإنساني بحرّية أكبر، والألوان بأسلوب أندر.

- لغة العيون حاضرة بقوة بين حرمان أنثوي وواقع تغيّرت ملامحه، ما اللغة التي تريدين التعبير عنها؟

لغة العيون هي الأصدق للتعبير عن النفس البشرية، لأنها تدل بصدق على ما يكمن في النفس، سواء كان وجعاً أو استفساراً أو حباً، فكانت لغة العيون رسائلي إلى العالم لإظهار قوة المرأة السعودية، فهي بنضالها وإرادتها الصلبة، وصلتْ وحققتْ ما أصبو إليه.

- ماذا حققتْ الفنانة علياء للمرأة؟

من خلال مجموعة اندماج الحضارات "سينرجي" Synergy ، تمكنت من إعطاء فرصة للفنانة السعودية لعرض إبداعاتها، سواء داخل المملكة أو خارجها، لإيصال صوتها إلى العالم.

- أسّستِ مجموعة اندماج الحضارات "سينرجي" بالتعاون مع فنانات من دول عربية وأجنبية، ماذا يعني اسم المجموعة، وإلامَ تهدف؟

اسم "سينرجي"، يعني التعاضد والتكاتف للعمل سوياً، وهذا ما نقوم به في المجموعة، ومعرضنا الذي جاء تحت عنوان "اندماج الحضارات" قدّمنا منه أكثر من 10 نسخ، والهدف منه التعايش والتسامح والانفتاح على الآخر، لأن الإنسانية واحدة لا تتجزأ.

- مزجتِ لونين بين حضارة شرقية وغربية، ما الرسالة التي تحبّين إيصالها الى المجتمع السعودي؟

الفن رسالة لا تحتاج الى أي مترجم، لأنها رسالة مَحبّة وتعايش إنساني، وهي رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام المرأة لتكون شريكاً فاعلاً وفعّالاً وليس شريكاً استثنائياً.

- كيف تقرأ الفنانة علياء رؤية 2030، وكيف ترى المرأة في ظلّها؟

الرؤية أعطت لكل ذي حق حقه، وفتحت مجالات عدة أمام المرأة بعدما كانت حكراً على الرجال، حتى تبوّأت أعلى المناصب الحكومية والسياسية، وأصبحت وزيرة ومستشارة قانونية، وسيدة أعمال من طراز رفيع، وأتطلع لكل امرأة سعودية في 2030 محققةً أكثر وأكثر وكل ما كانت تتمناه من علم وتعلّم وعمل، وحاصلة على حقوقها كاملة بإنسانيتها، ويداً بيد مع الرجل مشاركةً له في الحقوق والواجبات، بعيداً من المقارنات بينها وبين الرجل، كونها إنسانة منتجة ومعطاءة ومربية أجيال، وشريكة نجاح في الوطن.

- معرضك "تحت الجليد" المُرشّح لدخول موسوعة "غينيس"، ما قصّته؟

تأجّل المعرض نظراً لوفاة مالك السفينة رحمه الله، وكنت أحضّر لوحاتي الوطنية التي ستُعرض لمدة 30 دقيقة تحت الماء مع وجود أكبر عَلَم ليدخل في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية.

- أقمتِ معارض عدة في المملكة وخارجها، فما هو أبرزها؟

أول معارضي هو الأهم، وكان بدعم من السفارة الفرنسية في مدينة الرياض، ومنه انطلقت مجموعة "سينرجي".

- هل تعمل كل الفنانات في "سينرجي" بالروح التراثية نفسها؟

بلغ عدد الفنانات المشارِكات في المجموعة أربعين فنانة من أربع وعشرين دولة، ولكل فنانة طابعها المميز، وألوانها المتفردة، وتقنيتها الخاصة بها، وفنها الذي يدل على إرثها الثقافي، فتنقل لنا صورة لوطنها الأم، وعلى سبيل المثال، الفنانة الصينية التي تتضح الثقافة الصينية في لوحاتها، ومثلها الفنانة الكينية، وهكذا دواليك... فكل فنانة تعبّر عن ثقافتها وإرثها التاريخي، مثل حديقة تعجُّ بألوان الورود من كل حدب وصوب.

- أقامت مجموعة "سينرجي" معرضاً في برشلونة، حدّثينا عنه؟

المعرض أُقيم في برشلونة في 24 تشرين الأول/ أكتوبر، وقد وصلت لوحاتنا إلى هناك، وتُعد هذه مشاركتنا الأولى في برشلونة، وشاركنا قبله في بينالي فينيسيا مع غاليري إيطالي، كما شاركنا في لندن، وفي دبي سجّلنا عدداً من المشاركات، ولنا مشاركات فردية كلٌ حسب ظروفها.

- المشاركة مع فنانات عالميات، ماذا تمنح علياء؟

الاطّلاع على ثقافات مختلفة ومتنوعة، من خلال مجموعة "سينرجي" التي ربّيتها طفلة وكبرت بمجموعة فنانات من كل بلدان العالم، أينما ذهبت تحمل روح العطاء وتحت مسمّى مجموعة سعودية ضمت بين ثناياها كل الفنانات اللواتي أحببن الانضمام إليها.

- ما الإحساس الذي ينتابك حين تمسكين بالفرشاة بين أناملك؟

أضع لوحتي على الأرض وأنثر عليها لوني المفضل، فتغمرني السعادة وأنتقل إلى عالم خيالي بحت، أسرح معه لأكمل بفرشاتي ما سعيت إليه.

- ما هو لونك المفضل؟

هما لونان: التركواز والأحمر.

- ماذا يمنحك اللون الأحمر؟

الأحمر لون يُشعرني بالدفء والحميمية والنشاط، ويمنحني طاقة إيجابية، أما التركواز فيشبه البحر بهدوئه وثورته ويجعلني أتفاءل وأُحب الحياة.

- تُقيمين في مدينة داخلية وتعشقين البحر... كيف؟

في سفري، أسكن على البحر لأستمتع برؤيته ولونه، وأمشي حافية القدمين على الشاطئ، وأشمّ عبقه الجميل، وأسمع صوت تلاطم أمواجه تقبّل خدود الشطآن.

- من وراء هذا النجاح ورحلة الفن؟

كل فرد من أفراد أسرتي... والدي الذي ألّف كتاباً عن عهد الصِّبا في البادية، ولديه شغف في تنسيق الحدائق، شجعني وبثّ فيّ روح التراث، وزوجي الذي منحني وقتاً كافياً للعمل الفني، وأولادي الذين ساندوني لتحقيق هذا النجاح، واليوم أكمل ماجستير في الفنون في الولايات المتحدة الأميركية.

- بعد تخرّجك في الجامعة- قسم اللغة الإنكليزية، درّستِ اللغة الإنكليزية لمدة خمس سنوات، هل المدارس تخرّج فنانات؟

حين كنت أُدرّس اللغة الإنكليزية، لم يكن هناك آنذاك اهتمام بالفن، ولم تكن المدارس تهتم بالفنون أو الموهوبات، لكن مع رؤية 2030 بدأ الاهتمام بمختلف أشكال الفنون، وخاصة بعدما وجّه وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، بتأسيس أكاديميات للفنون، ضمن مبادرات برنامج جودة الحياة في المملكة، تختص الأولى بالتراث والفنون التقليدية والحِرف، والثانية بالموسيقى، ونتمنى على المدارس الاهتمام بكل أنواع الفنون لتنمية المواهب عند الطلاب والطالبات، لأن المواهب تحتاج الى الاهتمام وتنمية الذوق الفني، والحس الإنساني.

- ماذا تتوقعين للحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية؟

أتوقّع لها مستقبلاً زاهراً، وسوف تصبح المملكة العربية السعودية بـ 2030 وجهة فنية سياحية بامتياز، وبعد 2030 سنرى جيلاً مختلفاً يحقق إنجازات فنية عظيمة.

- من منبر "لها"، لمن توجه علياء رسالة؟

أوجّه رسالة إلى وزارة التعليم أدعوها فيها الى الاهتمام بالمعلّم المبدع والتربوي الذي يحمل رسالة فنية ويعطي بحب، ليتسنى له اكتشاف المواهب والخبرات كي يحقق ما يصبو إليه المجتمع والوطن.

- ما هي مخططاتك الفنية؟

بعدما طُلب مني تبنّي مواهب صغيرة، راودتني فكرة بناء الفنان الصغير، وسوف أفتش عن الطالبات والطلاب الموهوبين، لأنمّي لديهم روح العطاء وقبول الآخر ولغة الحس الإنساني، فبذلك أصنع فناناً صغيراً مسؤولاً ومُحبّاً للجميع.

- لو فاضت ألوانك على الأطفال، ما الذي يتحقق في المجتمع؟

للفن أكبر الأثر في رقي المجتمعات، لأنه يحقق المحبة والتسامح وقبول الآخر، وينمّي الحس الفني ويوسّع الآفاق، لذلك شدّدت رؤية 2030 على مفهوم الفنون، وفعّلت دور الفن في المجتمع السعودي.

- ما هو حلمك؟

أتمنى أن تصل مجموعتي "سينرجي" Synergy إلى العالمية كمجموعة سعودية تنقل رؤية المملكة 2030 الى العالم، ونصبح 100 فنانة أو أكثر من مختلف دول العالم، نعمل معاً وننطلق من المملكة إلى أنحاء المعمورة.

- ماذا تقول علياء للمرأة السعودية؟

أقول لكل امرأة سعودية: مارسي هوايتك الفنية ولا تدعيها تقف عند حاجز ما، وعزّزي هواية الفنون عند أطفالك، وكرّسي كل جهودك لتنميتها، وإن كنتِ صاحبة مشروع فني فأبدعي وارسمي لتثبتي وجودك، وانشري لوحاتك في أرجاء العالم.


المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079