من هو المعلم العنيف؟
تتذكّر الإختصاصية في علم النفس الطفل فرح تميم كيف زارتها أم برفقة ابنتها البالغة 13 عامًا التي امتنعت عن الكلام، والسبب صدمة نفسية تعرّضت لها بسبب المعلّمة التي صرخت في الصف وحطّمت الطاولة.
فقد بللت هذه المراهقة سروالها، وبقيت صامتة ثلاث سنوات، إلى أن حلت عقدتها وعادت إلى الكلام.
ربما لم تجرؤ والدة هذه التلميذة على التحدّث إلى الإعلام، أمّا التلميذ إيلي خوري البالغ من العمر 12 عامًا والذي تعرّض للضرب على يد المعلّمة التي بدورها طلبت من أقرانه صفعه فوالدته لم تصمت وروت قصتها وطالبت بحقّها.
ويبقى السؤال لماذا يعنّف بعض الأساتذة التلامذة؟ من هو الأستاذ العنيف؟ وكيف يمكن الأهل اكتشاف أن ابنهم يتعرض للعنف المدرسي؟
الإختصاصية في علم نفس الطفل فرح تميم أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.
لماذا يعنّف بعض الأساتذة التلامذة؟
هناك أسباب عدة تجعل الأستاذ أو المعلمة يتصرف أو تتصرف مع التلامذة بعنف.
فقد تكون المعلّمة ذات شخصيّة ضعيفة، فتجد في العنف وسيلة مثلى للسيطرة على الصف وإدارته، فيما يكون بعض المعلمين من الذين يسقطون مشكلاتهم الخاصة على التلامذة فينفسون احتقانهم بتعنيفهم، بينما بعضهم الآخر يكون ممن يعاني مشكلة نفسية منذ صغره كأن يكون عاش في محيط اجتماعي ساده العنف، وبالتالي لا يعرف وسيلة أخرى للتواصل مع الآخرين، والتلامذة يكونون الحلقة الأضعف، لأنه ربما يحاول السيطرة على سلوكه العنيف مع الراشدين مثله.
إذًا في كل الحالات الأستاذ العنيف هو شخص يعاني مشكلات نفسيّة واجتماعية.
كيف يمكن الأهل اكتشاف ما إذا كان الأستاذ عنيفًا؟
بداية دور المدرسة أن تعرف التاريخ الشخصي للأستاذ قبل تعيينه في كادرها التعليمي.
أما الأهل فمن خلال حضورهم الإجتماع الدوري الذي تنظّمه إدارة المدرسة يمكنهم ملاحظة ما إذا كان الأستاذ ذا شخصية عنيفة، وذلك من خلال عبارات عفوية يقولها، مثلاً:» ابنك كسول جدًا لا نفع له، أو أنه وقح»، بينما يجدر به انطلاقًا من موقعه التربوي أن يحاول مع الأهل إيجاد الوسيلة المثلى لتحسين أداء التلميذ وتقويم سلوكه إذا كان فعلاً هذا التلميذ يعاني صعوبة تعلّمية أو مشاكسًا.
أيهما أكثر ضررًا على التلميذ؟ العنف المعنوي أم الجسدي؟
الإثنان وجهان لعملة واحدة هي العنف. وفي كلا الحالتين يضرّان بشخصية التلميذ ونفسيته. ولكن العنف المعنوي أكثر انتشارًا بين الأساتذة العنيفين، لأن العنف الجسدي يسهل اكتشافه ويعاقب عليه القانون، بينما العنف المعنوي قد لا يحاسَب عليه.
ومع ذلك فإن العنف المعنوي وقعه أسوأ فعندما يستهزئ الأستاذ بأحد التلامذة أو ينعته بأقبح النعوت، ويجعله موضع سخرية لبقية التلامذة فهو يهدّم كيان هذا التلميذ ويفقده ثقته بنفسه، وهذا ما حدث مع المراهقة التي فقدت القدرة على الكلام بعدما صرخت المعلمة وشتمت التلامذة وحطمت ما هو موجود على طاولتها، فأرهبتهم جميعًا.
وهذه التلميذة لم تستطع تحمل الصدمة فامتنعت عن الكلام ثلاثة أعوام، عانى فيها الوالدان خصوصًا أن ابنتهما كانت من الأوائل في الصف، ولكنها في الوقت نفسه حساسة جدًا.
لذا كما ذكرت سابقًا يمكن الأهل تبيان شخصية الأستاذ العنيفة من العبارات التي يتفوّه بها، خلال لقائهم الشهري.
ولكن ماذا عن التلميذ الصغير، فقد تبدو المعلمة للأهل لطيفة جدًا، ومع ذلك يمكن أن تعنّفه، وهو قد يخشى البوح بما يتعرّض له؟
صحيح، خصوصًا إذا كان التلميذ صغير السن وغير قادر على التعبير أو أنه يتعرّض لتهديد المعلّمة إذا أخبر والدته، ومع ذلك يمكن الأم ملاحظة ما إذا كان يتعرّض للعنف الجسدي أثناء ارتدائه ملابسه، أو من خلال اللعب، فكثير من التلامذة خصوصًا في المرحلة الإبتدائية يلعبون لعبة الصف، فيأخذون دور المعلّمة، ويتحدّثون إلى تلامذة افتراضيين.
هنا على الأم الإنتباه إلى العبارات التي يوجّهها ابنها أو ابنتها إلى التلامذة الخياليين أو حتى الأطفال الذين يلعب معهم.
ماذا يقول؟ هل يهدّد هل يستهزئ؟ هل يضرب؟ كيف هي نبرته، قاسية أم لطيفة؟ ما أريد قوله هو أنه إذا كان لدى الأهل شكوك حول سلوك المعلمة، ولم يستطيعوا أن يسألوا ابنهم مباشرة، عليهم مراقبته.
هناك بعض التلامذة خصوصًا من هم في مرحلة المراهقة، يُخرجون الأستاذ عن طوره بسبب سلوكهم؟
هذا صحيح، لذا المطلوب من الأستاذ قبل أن يتخذ قرار ممارسة مهنة التعليم، أن يقوم بمرحلة التدريب أثناء دراسته الجامعية ليكتشف مقدرته على تحمل أعباء التعليم، فهناك كثر من المعلمين ليس لديهم مرونة في التعامل مع التلامذة، وغير قادرين على إيجاد الحلول الذكية للتعامل مع التلميذ المشاكس فيجدون الحل في تعنيفه إما معنويًا أو جسديًا، نظرًا إلى أنهم مصدر السلطة في الصف، مما يجعلهم هم أنفسهم يشعرون بصراع لأن العنف ليس من طبعهم ولكنهم يضطرون لممارسته لأنهم لا يعرفون وسيلة أخرى.
ولكن نجد بعض الأهل يفضّلون الأستاذ القاسي والحازم مع التلامذة خصوصًا إذا كانوا في سن المراهقة؟
صحيح للأسف، فهذه الفئة من الأهل التي أصبحت قليلة، لا تدرك بعد أن القسوة والعنف ينشئان مراهقًا عنيفًا. فكم مرة نسمع مقولة «لنا اللحم ولك العظم». وربما الأهل أنفسهم لا يستطيعون السيطرة على ابنهم فيوكلون المهمة إلى الأستاذ، أو إنهم مقتنعون بأن القسوة والعنف يساهمان في نجاح التلميذ، أو إنهم بكل بساطة كما الأستاذ العنيف نشأوا في بيئة يغلب عليها العنف وبالتالي لا يعرفون وسيلة غيره، ويظنون أنه أفضل وسيلة لتنشئة الأبناء.
ما الآثار السلبية لعنف الأستاذ على التلميذ؟
هناك آثار كثيرة منها، التسرّب المدرسي فكثر من التلامذة يتركون المدرسة بسبب الرسوب المتكرّر والسلوك العنيف الذي يمارَس عليهم، مما يؤدي بهم إلى أن يتحوّلوا إلى عنيفين مع أقرانهم، وبالتالي مع كل طاقم المدرسة التعليمي. وهذه النتيجة تتأتّى عن عدم إتخاذ أي إجراءات قانونية بحق الأستاذ. وإما يصبح التلميذ ذا شخصية ضعيفة ويعاني صعوبة نفسية، خصوصًا إذا لم يقف الأهل إلى جانبه ويبادروا إلى مساءلة إدارة المدرسة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024