رئيسة مؤسّسة "أنا مصراوية" الدكتورة مروة حافظ شعوري بتراجع الانتماء الى الوطن وراء مبادرتي تعالوا نعلّم أولادنا معنى الولاء للوطن
قررت أن تكون شمعة تضيء طريق المعيلات من الأرامل والمطلّقات، وأن تطلق مبادرة تدق ناقوس الخطر للأمهات والآباء، بضرورة غرس الانتماء في نفوس بناتهم وأبنائهم، مما أدى إلى تجاوب وزارات التربية والتعليم والشباب والرياضة والثقافة معها.
هي الدكتورة مروة حافظ رئيس مؤسّسة "أنا مصراوية" وصاحبة مبادرة "تعالوا نعلّم أولادنا معنى الولاء"، فما هي قصتها وأهدافها وطموحاتها المصرية والعربية؟ وما هو مدى تجاوب مؤسسات الدول والأطفال والفتيات والفتيان معها؟
"لها" التقت د. مروة حافظ ودار بينهما حوار تحدّثت فيه عن مبادرتها والكثير من أمور حياتها، وكشفت عن آرائها في قضايا المرأة.
- رغم أنك وحيدة والديك، حرصت على العمل العام التطوعي في خدمة الأسرة بوجه عام والمرأة بوجه خاص، فما الدافع وراء هذا التوجه الإيجابي؟
رغم أن لا أشقاء لي ولا شقيقات، إلا أن والديّ اللذين كانا موظّفين في القطاع الحكومي، علّماني الاعتماد على نفسي منذ الصغر، حتى أنني كنت أهتم بدراستي بنفسي من دون مساعدة أحد، كما كنت منذ الصغر أساعد الآخرين من طريق الذهاب إلى المؤسسات الخيرية والتطوعية، وكنت أشعر بسعادة كبيرة نتيجة قيامي بتلك الأعمال التي لم تقلّ أهمية عن اهتمام أسرتي بتعليمي، لأنني خرّيجة الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا - قسم إدارة أعمال. ومنذ المرحلة الإعدادية، كانت أسرتي تأخذني إلى المراكز الثقافية العربية والأجنبية لمزيد من الاطلاع الثقافي والاستفادة من تجارب أقراني من الأطفال، وعدم الانطواء كطفلة على ذاتي، ولهذا أؤكد أنني إنسانة اجتماعية وتربّيت على العطاء والتواصل مع الآخرين منذ الصغر.
- ما هو دور زوجك في استكمال مسيرتك رغم أنك تزوجت في سنّ مبكرة؟
فور انتهائي من الدراسة، تزوّجت بضابط في القوات المسلحة، شجّعني على العمل في ما أحب، حتى أنني بدأت حياتي كمدرّسة للغة الإنكليزية، إلا أنني لم أجد نفسي في التدريس، فاتجهت إلى تأسيس مشروع خاص بي استعنت فيه بآخرين، وسمّيته "أكل من البيت"، زاد من خبرتي في الحياة وعرّفني على مختلف الفئات التي يتكون منها المجتمع، وكشف لي أن هناك فئات مطحونة وتتحمل المرأة فيها مسؤولية الأسرة، خاصة أن الإحصاءات الرسمية تؤكد أن 40 في المئة من الأسر المصرية تعيلها امرأة، وهذا ما دفعني للتفكير في إنشاء مؤسسة "أنا مصراوية".
- كيف تحولتِ من هاوية للعمل التطوعي في خدمة النساء إلى محترفة؟
عندما قررت احتراف العمل التطوعي ليسير بشكل منتظم، فكّرت مع مجموعة من صديقاتي وزميلات الدراسة في إنشاء كيان خيري، يكون هدفه الأساس المرأة المعيلة، فأنشأنا مؤسّسة "أنا مصراوية"، وهي مُشهرة في وزارة التضامن منذ عام 2016 بعد سنوات طويلة من العمل الخيري بعيداً من الرسميات، والاسم له أكثر من دلالة، حيث تعتزّ من تنطق به بـ"مصريتها"، وفي الوقت نفسه هو اسم مكتوب للمنطوق العامي لاسم "أنا مصر قوية"، أي أن مصر قوية بي كامرأة تشعر بأخواتها المصريات المعيلات اللواتي يواجهن مصاعب الحياة بأنفسهن، رغم أن غلاء الأسعار لا يرحم المطحونات، ولهذا نحاول أن نكون طاقة حنان ومساعدة وتحفيز للمرأة المعيلة وأولادها على تحقيق أحلامهم في عيش حياة كريمة.
- رغم عمرها القصير، ماذا أنجزت المؤسّسة حتى الآن؟
أنجزنا الكثير من الأعمال الخيرية التطوعية التي تستهدف المرأة المعيلة في مختلف المحافظات المصرية، خاصة في القرى الفقيرة، حيث أقمنا مئات المشروعات التنموية الصغيرة للنساء، بما يتلاءم مع ظروف البيئة التي يعشن فيها، وتابعنا رحلة نجاحهن وتحولهن إلى منتِجات يرفضن أن يكنَّ عالة على غيرهن، كذلك بنينا مساكن للفقيرات، وعايشنا ظروف الأسر، وحاولنا غرس الطموح في نفوس الأمهات وأولادهن، للتغلب على الظروف الصعبة، وأن يكونوا مواطنين صالحين منتجين يعتمدون على أنفسهم ويتسلّحون بالعزّة والكرامة، وكان ذلك يتم من خلال التوعية المستمرة في مختلف المجالات التي تحتاج إليها أسر المعيلات، من النواحي الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك من طريق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كما نظّمنا معارض خيرية تخدم الفقيرات وتدر دخلاً نقدّمه إلى المعيلات.
- ما هي الأنشطة الأخرى التي تقوم بها مؤسسة "أنا مصراوية" لخدمة المرأة المعيلة وغيرها من النساء؟
نساعد المرأة المصرية على مواجهة التحديات في مختلف المجالات، ونجعلها تتحلّى بالشجاعة والصبر والإيمان، فمثلاً توزّع سيدات المؤسّسة "كوبونات" من كبريات السوبرماركت على المحتاجين، لكن بسرّية تامة حفظاً لكرامة هؤلاء، بدلاً من علب كرتونية تحتوي على مواد غذائية، كما أوصلنا مياه الشرب النقية الى بعض البيوت، وساهمنا في تجهيز وحدة أطفال خيرية، وأطلقنا حملات للتوعية بسرطان الثدي، وتشجيع السيدات على الخضوع للفحص المبكر في المراكز الطبية، كذلك تكفّلنا بمصروفات علاج شهري في المستشفيات، وأمّنا الأقساط المدرسية لأبناء المعيلات، ولا مانع لدينا في التعاون مع المؤسسات الخيرية في مختلف المحافظات.
- أطلقتم أخيراً مبادرة "تعالوا نعلّم أولادنا معنى الولاء"، فكيف وُلدت فكرة المبادرة؟
الفكرة وليدة ما لاحظته من تركيز للطلاب في المدارس على النجاح فقط، ونسيان المناهج بمجرد الانتهاء من الامتحانات، وتتفاقم المشكلة مع الطلاب الذين يدرسون في المدارس الأجنبية، حيث حصل ابني يوسف على "الدبلومة الأميركية" هذا العام والتحق بالأكاديمية البحرية، في حين لا تزال ابنتي تتعلّم في المدرسة الألمانية، فلاحظت أنهما لا يدرسان شيئاً عن الولاء والانتماء الى الوطن، بل يركّزان في دراسة تاريخ الدول الأجنبية، هنا شعرت بخطر تراجع الانتماء والولاء للوطن لدى الأجيال القادمة، وطالبت بضرورة أن نزرع في نفوسهم حبّ الانتماء الى الوطن، وهذا لا يتعارض مع إلحاقهم بأفضل أنواع التعليم، سواء الوطني أو الأجنبي، وتقع المسؤولية الأولى في ذلك على الأسرة التي يجب أن تُربّي أطفالها على حبّ الوطن وقبول الآخر والتعايش السلمي منذ الصغر.
- كيف فعّلتم هذه المبادرة على أرض الواقع؟
رغم أن هدفنا نبيل ولا يختلف عليه اثنان، فوجئنا بالروتين الحكومي والبيروقراطية، لكننا قبلنا التحدّي وقمنا بالتوعية، فقابلتُ الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب، وتحدّثنا عنها، فتحمّس لها كثيراً، مؤكداً استعداده لرعاية المبادرة وتفعيلها في مراكز الشباب، وعددها في مصر أكثر من خمسة آلاف مركز في مختلف المدن والقرى، كما التقيت بمسؤولين في وزارتَي التربية والتعليم والثقافة، ورحبوا بالمبادرة، وبدأت بعقد سلسلة ندوات ولقاءات في المدارس وقصور الثقافة، يحاضر فيها كبار العلماء في مختلف التخصصات، وكذلك قادة القوات المسلحة والشرطة وكبار الفنانين ولاعبي الكرة، وغيرهم من الشخصيات التي تعتبر قدوة لبناتنا وأبنائنا، ليحدّثوهم عن أهمية الانتماء والولاء للوطن في مسيرة حياتهم، مع سرد قصص نجاحهم التي نجمت عن حبّهم لأوطانهم، وأخطّط لاستضافة اللاعب المصري العالمي محمد صلاح، باعتباره قدوة لكثير من الأطفال والشباب، ليتجول معنا في مراكز الشباب والمدارس والجامعات.
- ما مدى تجاوب الطلاب والشباب مع هذه المبادرة؟
لاقت المبادرة تجاوباً كبيراً ومشجّعاً لنا على الاستمرار والتوسع للدخول إلى مختلف قطاعات المجتمع، لأن الحوار يتم بشكل غير تقليدي عبر شخصيات غير تقليدية، بعيداً من الدراسة والدرجات العلمية والنجاح والرسوب، فاللقاءات بين الشابات والشبّان تتّسم بالودّ والمحبة والحميمية.
- كيف تقومين بالتوعية بهذه المبادرة المهمة للانتشار الأوسع لأننا جميعاً في حاجة إلى تقوية الولاء والانتماء الى الوطن الصغير والعالم العربي الكبير؟
نتواصل مع وسائل الإعلام باعتبارها الأكثر تأثيراً والأوسع انتشاراً، لتوعية الأسر بأهمية هذه المبادرة، لأن الفضائيات تشاهدها عشرات الملايين من الأسر. كما أشارك في الندوات والمؤتمرات العامة ذات الصلة، مع استضافة كبار الرموز العسكرية، ومنهم على سبيل المثال البطل اللواء محمد طه، الذي أشار بعلامة النصر على قناة السويس في حرب السادس من أكتوبر عام 1973، ونقلتْ صورته وسائل الإعلام العالمية، فكان لهذا الموقف أثر كبير في رفع معنويات الجيوش العربية المحارِبة، وفي الوقت نفسه بث روح الهزيمة لدى جنود الاحتلال الإسرائيلي، مما ساهم في تحطيم أسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يُهزم". كذلك تحدث اللواء طه عن أجواء المعرفة وكيف أنه كان ينقل بنفسه المصابين في الحرب، وكواليس الحرب التي ساهم فيها من خلال انتمائه، ورفضه نقل ابنه العقيد في القوات المسلحة من سيناء، وإصراره على أن يؤدي الخدمة العسكرية على الجبهة مع رفاقه الجنود الأبطال للتصدّي للإرهاب الأسود... هذه هي الروح التي أحاول نقلها من خلال مبادرتي، كما ننظّم رحلات مدرسية إلى المتاحف الوطنية والعسكرية والآثار الفرعونية والإسلامية والمسيحية، لتعزيز الانتماء والتعرّف على التاريخ المجيد للأجداد، كما شاركت شخصياً في منتدى شباب العالم، الذي يُقام تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي.
- هل هناك إمكانية لنقل فكرة المبادرة إلى مختلف الدول العربية؟
هذا شرف كبير، لأن هموم الأطفال والشباب العربي ومشكلاتهم وتطلعاتهم متقاربة جداً في كنف عالم أصبح قرية صغيرة في ظل الإعلام ووسائل التواصل الحديثة، وإذا كانت الدول الغربية تربّي مواطنيها على الانتماء لدينها ووطنها، فنحن العرب لسنا أقل انتماءً الى أوطاننا وأدياننا السماوية التي تدعو إلى السلام والعزة والقوة، فالعالم العربي تجمعه وحدة اللغة والتاريخ والجغرافيا والتطلعات والمشكلات، والاختلافات بسيطة، ولهذا فمن الضروري تقوية الانتماء لدى الأجيال العربية، ويسعدني ويشرّفني نقل المبادرة إلى مختلف الدول العربية، والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني فيها.
- ما دور الفن في دعم هذه المبادرة النبيلة للحفاظ على الهوية الوطنية والعربية؟
نحاول في كل فعالياتنا أن يكون للفن دور كبير فيها، من خلال عرض الأفلام والمسلسلات الوطنية التي تعرّف الأطفال والشباب على تاريخ وطنهم وأبطاله الحقيقيين، وأنا أؤمن بأن الفن عنوان ثقافة الشعوب، وبالتالي فإننا نعتمد على الفن لنشر الوعي بالمبادرة، لأنه كما يقال "الصورة أقوى من ألف كلمة"، كما نستعين بأبطال بعض هذه الأعمال، الذين ما زالوا على قيد الحياة، وكذلك المؤرخين ونقّاد الفن، حتى تكون المعلومات وافية والفائدة عامة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024