تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

معرض وثائقي عن تاريخ أسرة محمد علي

هي قراءة مختلفة للتاريخ، لكن هذه المرة ليست بكلمات المؤرخين، أو رؤى المثقفين والأدباء، بل من خلال لوحات فنانين مصريين وأجانب، رصدوا فيها عهد أسرة محمد علي، من خلال معرض استضافه مجمع الفنون في القاهرة، وقُدّم فيه 150 عملاً من مقتنيات متحف الجزيرة، تعود إلى ممتلكات قصور أسرة محمد علي، والتي آلت الى الشعب المصري بعد ثورة تموز/يوليو 1952، وهي مجموعة متفردة لأشهر الفنانين العالميين في هذا الوقت.


وعن الجديد في فلسفة عرض هذه المجموعة، يقول الناقد إيهاب اللبان مدير مجمع الفنون: "لقد اعتدنا في المعارض المماثلة أن نحتفي بالمقتنيات في معزل عن أصحابها، وأن نقتصر على الاطلاع على الإنتاج الفني بعيداً من مبدعيه ومقتنيه، لكننا في العرض الحالي نرى الشخصيات ذاتها، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من نسيج المرحلة التاريخية التي يدور المعرض في سياقها، وعلى خلفية السِّير الشخصية والسّمات النفسية التي ارتبطت بكل شخصية من هذه الشخصيات، والتي تأثرت وأثّرت بدورها في مجريات أحداث هذه المرحلة. وتأتي في مقدّم أسباب خصوصية هذا المعرض، أهمية هذه المرحلة التاريخية ذاتها، وهي مرحلة أسرة محمد علي، تلك المرحلة التي لطالما شغلت الكثير من المؤرخين محلياً ودولياً، نظراً لما شهدته من أحداث جسيمة، مرت على مصر قرابة قرن ونصف القرن من الزمن، وتعاقبت خلالها أربعة أنماط من النُّظم، من نظام الولاية مروراً بالخديوية والسلطنة، وانتهاءً بالمملكة التي اختُتمت المرحلة بانقضائها. ولا جدال في أن هذه المرحلة قد أصبحت حالياً في ذمة التاريخ، وهو ما يقودنا للانتباه الى أن التاريخ المجرد هو أبعد ما يكون عن مقتضيات الجدال والاحتقان، التي ربما ارتبطت بظروف كانت لها أسبابها في مجرى تحولات الأحداث، إلا أنها أصبحت بلا شك أحداثاً مجردة، وجزءاً من ذاكرة هذا الوطن وتراثه وهويته. من هذه الزاوية، نرى ضمن المعروضات النحتية الحالية، ما يستدعي التفكير على سبيل المثال في التنسيق الحضاري للكثير من الميادين والشوارع المصرية العريقة، التي تمثل بدورها جزءاً من هذه المرحلة، كالقاهرة الخديوية، وغيرها من الأماكن المثيلة، التي تستكمل هوية طرازها المعماري وطابعها التاريخي، من خلال إقامة التماثيل ذات الصلة بهذه المرحلة، قياساً على المعمول به في معظم مدن الغرب، وكذلك في عدد من العواصم الشرقية. لذا فإن هذا المعرض فرصة حقيقية لإعادة الاحتفاء بمراحل أساسية من تاريخنا المصري الحديث، بعيداً من أي اعتبارات تخرج عن حدود القيمة الجمالية والتراثية والتاريخية المجرّدة".

وفي دراسته المهمة التي ضمّها كتالوغ المعرض، وجاءت تحت عنوان "ملامح عهد على مرايا شخوصه"، أكد الدكتور ياسر منجي أن المعرض يقوم في عمومه على استقراء حقبة أسرة محمد علي، من خلال عرض أعمال فنية، جسّدت ملامح شخصيات رئيسة من رموز تلك الحقبة، وهي في معظمها أعمال نحتية وتصويرية، بالإضافة الى بعض الأعمال الفوتوغرافية التي اختيرت وفقاً لما ترتبط به من دلالات وأحداث، وكذلك لما يمثّله بعضها من قيمة جمالية وثيقة الصلة ببعض مبدعيها من مشاهير الفنانين محلياً وعالمياً، فهي بهذه الصفة أعمال تتجاوز فكرة الصور الشخصية والتذكارية إلى ما هو أعمق على مستوى الدلالة والتأريخ.

ومن جهة أخرى، أوضح الدكتور ياسر منجي أن من الجوانب المهمة التي يكشف عنها المعرض الحالي، اشتمال القطع المعروضة على بعض الأعمال الفنية التي أنتجها فنانون ذوو ثقل، من مشاهير فناني الغرب، الأمر الذي يضفي على هذه القطع قيمة مضافة، بصفتها نتاجات إبداعية لهؤلاء المشاهير، تتجاوز التصنيف التقليدي للأعمال التذكارية، التي تستهدف تبجيل شخصية حاكم بعينه في سياق رسمي يرتبط بعهد محدد، ومن أبرز الفنانين الذين نطالع أعمالهم ضمن سياق العرض، النحّات الفرنسي شارل كوردييه.

المعرض لا يضم لوحات لفنانين عالميين فقط، بل يشمل أيضاً رسائل بخط أيدي أفراد أسرة محمد علي، ويعلّق على هذا الجزء من المعرض الدكتور ياسر منجي بقوله: "يشتمل المعرض كذلك على بعض المقتنيات المتحفية ذات الصفة التذكارية، وهي مقتنيات ترتبط بشخصيات من أسرة محمد علي، ممن تمثّل سِير حياتهم نماذج تستوجب التأمل على المستوى الإنساني، لما تحفل به من مواقف وأحداث، تكشف عن قيم أخلاقية وسمات شخصية، تختلف تماماً عن تلك التي شاعت واستقرّت في الوعي العام، فقد ارتبطت أسرة محمد علي في الخيال الشعبي بعدد كبير من المبالغات الساخرة، التي انتشرت على نطاق واسع، بل وتسرّبت إلى بعض الدراسات التاريخية غير المدققة، وإلى كثرة من الكتابات الخفيفة التي تناولت هذا العهد بأقلام غير المتخصصين؛ فضلاً عن العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية التي يصعب حصرها".

المعرض يضم أيضاً مجموعة من العملات التذكارية التي يحلّلها الدكتور ياسر منجي بقوله: "غير أن الصفة التذكارية لهذه الميداليات لم تقف بها عند حدود التقلبات السياسية، بل تجاوزتها إلى الاحتفاء بالكثير من المنجزات الثقافية والفنية، التي كان لمصر دور أساس في خروجها الى النور، واضعةً بصماتها الحضارية جنباً الى جنب غيرها من كبريات دول العالم، ومن ذلك ميدالية تذكارية لمعرض "مصر- فرنسا" الذي أُقيم في متحف اللوفر عام 1949، ويظهر على أحد وجهَي الميدالية نقش على غرار الفن المصري القديم، وفي أسفله اسم المعرض ومكانه، وعلى الوجه الآخر يبرر نقش يمثّل منظر متحف اللوفر من زاوية علوية".

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078