اعتمدي الروتين خلال السنة الأولى من حياة طفلك
قد يكون الروتين مزعجاً لبعض الأشخاص، لكنه ضروري جداً للطفل المولود حديثاً. فالروتين أساسي في مراحل نمو الطفل خلال عامه الأول، ومصدر مهم لراحته وطمأنينته. لهذا السبب، يوصي أطباء الأطفال باعتماد روتين منتظم في السنة الأولى من تربية المولود الجديد، كي يعتاد الصغير على أسلوب العيش المنتظم.
من الرحم إلى العالم الخارجي
يقضي الجنين تسعة أشهر في رحم أمه، من دون أي تمييز للوقت أو العتمة أو الضوء... وحين يبصر النور، يتبدل عالمه فجأة ويجد نفسه عرضة للضوء تارةً والعتمة تارة أخرى، للضجيج حيناً والهدوء أحياناً أخرى. وخلال الأسابيع الأولى من حياته، لا يعرف الطفل أي شيء عن مفهوم الوقت فيجد نفسه في معركة حقيقية للتمييز بين الليل والنهار. لا يفهم أي شيء، سوى أنه يشعر بالجوع ويريد شرب الحليب قبل النوم لساعات قليلة، سواء كانت العاشرة صباحاً، أو الرابعة بعد الظهر، أو العاشرة ليلاً أو الرابعة فجراً. ساعته هي معدته، ومقياس انزعاجه هو الحفّاض الممتلئ بالأوساخ التي يريد التخلص منها. قد تستمر الحال طويلاً على هذا المنوال إلا إذا فرضت الأم روتيناً محدداً وألزمت طفلها باتباعه. قد تظن بعض الأمهات أن اعتماد الروتين لن يجدي نفعاً مع الطفل المولود حديثاً، لأن الصغير لا يفهم أي شيء، لكن العكس هو الصحيح.
فحين تعتمد الأم بعض العادات النظامية بشكل روتيني، مثل مواعيد النوم، وتغيير الحفّاض، وتناول الطعام، سيشعر الطفل تلقائياً بالأمان والاستقرار، وتصبح حياة العائلة هادئة ومنظّمة في الوقت نفسه. وعندما يطمئن الطفل لأسلوب العيش المنظّم، سيرغب حتماً في التطور والتقدم. وكلما تعرف تدريجاً على مفهوم الوقت، سوف يستوعب ما يجري حوله في مختلف الأوقات. فإذا كانت الأم تعمل خارج المنزل، مثلاً، سيفهم الطفل تدريجاً أن غياب أمه عنه مؤقت، وأنها ستعود إليه حتماً بعد الظهر.
يتوجب إذاً على الأم أن تحدد روتيناً معيناً وتلتزم به دائماً، بحيث يستوعب الطفل ما يجري حوله ويتخلص من القلق الذي قد تولّده الفوضى.
يوصي أطباء الأطفال عموماً بضرورة التزام الأم بالروتين بلا هوادة، أي أنه لا يُفترض بالأم أن تستسلم لرغبات طفلها بين الحين والآخر (أو كل يوم ربما)، بحيث تفسد مراحل الروتين المفترض.
من الولادة وحتى عمر 3 أشهر
خلال الأشهر الثلاثة الأولى، يبدّل الطفل إيقاع حياته مرات عدة. ونلاحظ تدريجاً أن أوقات نومه تتباعد شيئاً فشيئاً، لتطول في المقابل أوقات استيقاظه. قد يفرض الطفل مواعيد برنامجه اليومي في النوم والاستيقاظ، لكن ثمة خطوات أخرى يمكن اتخاذها لاعتماد روتين منتظم. صحيح أن الرضاعة من الثدي تعطى للطفل حسب طلبه، ولا يمكن أبداً فرض أي روتين في هذا المجال، لكن يمكن فرض مواعيد محدّدة للعب والاستحمام والتعرض لنور الشمس، وما شابه... فإذا أرادت الأم مثلاً تعليم طفلها كيفية التمييز بين الليل والنهار، يمكنها إغلاق النوافذ ليلاً، وفتحها نهاراً، مع الاكتفاء بإغلاق الستائر خلال ساعات النوم نهاراً. وبالنسبة إلى موعد الاستحمام، يُستحسن جعله في الوقت نفسه من كل مساء (قرابة السادسة والنصف أو السابعة مساء) بحيث يشعر الطفل بالارتياح قبل الطعام والنوم.
بدءاً من عمر 3 أشهر
حين يبلغ الطفل شهره الثالث، يفترض أنه بات معتاداً على فكرة النوم ليلاً والاستيقاظ نهاراً. ويتوجب على الأم التمسك بالروتين الذي فرضته على طفلها، وعدم التنازل عنه البتة. تعتبر طقوس الصباح مهمة جداً كي يبدأ الطفل نهاره بثقة: مداعبة الأم لطفلها، قبل إرضاعه بحنان وتبديل حفّاضه وتنظيف وجهه. وكلما كبر الطفل تدريجاً، توجب على الأم تحديد مواعيد ثابتة لوجبات الطعام. هكذا، يتعلم الطفل أنه لا يستطيع شرب الحليب كلما أراد، بل عليه الانتظار حتى يحين موعد الوجبة وتحضّر له أمه رضّاعة الحليب. يُستحسن أن تلتزم الأم قدر المستطاع بمواعيد محددة، مع ضرورة تكييف الوقت وفقاًلمتطلبات الطفل واحتياجاته.
وبالنسبة إلى فترات النوم خلال النهار، حبّذا لو تتم في غرفة شبه مظلمة، وليس مظلمة تماماً، كي يدرك الطفل أن الليل لم يحن بعد وأنه أخذ قيلولة فقط خلال النهار.
تستطيع الأم أيضاً اعتماد مؤشرات منتظمة في روتين النوم، مثل إسماع الطفل نوعاً معيناً من الموسيقى الخفيفة قبل خلوده إلى النوم. بهذه الطريقة، يدرك الطفل الصغير أن موعد الراحة يحين كلما يسمع إيقاع الموسيقى. وفي المساء، يُستحسن أيضاً اعتماد الروتين في طقوس النوم، مثل تخصيص ربع ساعة لتدليل الطفل ومداعبته قبل وضعه في مغطس الاستحمام، على صوت موسيقى عذبة وهادئة، يتم بعد ذلك إطعام الطفل بهدوء في أجواء ساكنة وسط إنارة خفيفة تمهيداً للنوم الليلي وإطفاء الأنوار بشكل كلي.
بدءاً من عمر 10 أشهر
حين يبلغ الطفل عمر العشرة أشهر، تستطيع الأم تكييف روتين الطفل مع روتينها الخاص. بالفعل، تصبح عاداته الناجمة عن حاجات فيزيولوجية (مثل الاستحمام وتناول الطعام...) معالم اجتماعية. وحبذا لو تتحول الساعات القليلة التي تسبق النوم إلى لحظات مشاركة حقيقة وحب وحنان. لكن مع حلول المساء واقتراب موعد نوم الطفل، يتوجب على الأم الابتعاد عن النشاطات المنبّهة والمثيرة لليقظة عند طفلها (مثل التلفزيون، ولعبة الغميضة...). وفي هذه المرحلة، تطول أوقات استيقاظ الطفل خلال النهار، وقد يتوقف الطفل عن أخذ القيلولة في نهاية بعد الظهر، ويبدأ بتناول وجباته في مواعيد منتظمة. لا يزال الطفل صغيراً جداً، لكن الوقت ليس باكراً أبداً لتعليمه العادات الجيدة، مثل ضرورة غسل اليدين بانتظام قبل تناول الطعام، باستعمال المناديل المبللة مثلاً...
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024