تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

جان إيمبير Jean Imbert عاشق العطور والطاهي الموهوب

جان إيمبير

جان إيمبير

إنّه طاهٍ يعشق السفر يمتاز بفضول لا ينضب مكرّس لعمله، ويُعتبر Jean Imbert طاهياً مشهوراً جداً لا مثيل له. تعكس أطباقه طبيعته الحساسة والمتحرّرة، وسمحت له بتحقيق النجاح حول العالم. وأهمّ ما في الأمر أنها منحته الفرصة ليعيش حياته إلى أقصى الحدود. هو صديق قديم لـ Maison Christian Dior، ويُعتبر سفيراً وفياً لمفهوم العطور المنغمسة بالملذّات الذي يلائمه تماماً. وخصّص بعض الوقت ضمن جدول تحضيراته الحافل قبل افتتاح مطعمه الجديد، Mamie par Jean Imbert، من أجل اكتشاف Spice Blend، العطر الجديد الذي ابتكره François Demachy. وشكّل هذا العطر القائم على التوابل مصدر وحي لابتكار أطباق تنقلنا إلى عالم آخر، ومنحه الفرصة لإبراز أوجه التشابه بين العطور والطهو.


- Spice Blend هو عطر يسلّط الضوء على مجموعة من التوابل ذات خصائص مفعمة بالقوّة. ما علاقتك بالتوابل؟ هل أنت منجذب إليها أو لا تبالي بها؟

التوابل تستهويني بالطبع، كأيّ طاهٍ بارع في مهنته! أوّل كلمة تخطر في بالي هي السفر، ثمّ الحركة. ليس فقط لأنّني محظوظ بما فيه الكفاية للتمكّن من السفر بكثرة، والذهاب لاختبار مذاقات جديدة وروائح جديدة، لكن أيضاً لأنّني أسير تدريجياً على طريق الحرير الخاص بي، وهذه نتيجة كلّ هذه اللقاءات. عندما أقوم بالطهي، قد يؤدّي أحد التوابل إلى إثارة الذكريات فجأة، وإرسالي إلى ثقافة أخرى، من خلال بعض الدرجات العطرية. رائحة التوابل ومذاقها يثيران الذكريات على الفور.

- ابتكر François Demachy التناسق ضمن عطره. فتوابله تتكامل مع بعضها البعض. هل هي العملية نفسها عندما تقوم بإعداد أحد الأطباق؟

التعامل مع التوابل يتطلّب المهارة والدقّة، إذ لا تتلاءم جميعها مع بعضها البعض! غالباً ما يكون لدينا هذا الانطباع، وهذا خطأ شائع، بأنّه يمكننا التساهل مع التوابل و"رميها" بكلّ بساطة في القدر بحرّية تامّة. نضع بعض القرفة في الكعكة، والقليل من بودرة الكاري في وجبة الطعام ونظنّ أنّنا أصبحنا ماهرين في ذلك. لكنّه فخ، ويجب احتساب مقادير التوابل بدقّة فائقة وعناية. على سبيل المثال، عندما تضيف كبش القرنفل إلى البصل، يجب أن تفكّر في مدى قوة كبش القرنفل. نحن نستخدم اثنين أو ثلاثة منها لكلّ عدّة لترات من المرقة! أنا أعرف أنّ هذا المستوى من الدقّة موجود في عالم العطور والمطبخ، ويجب أن تحترس من بعض الدرجات العطرية الطاغية جداً التي تطغى على كلّ شيء آخر.

- هل تؤمّن التوابل تبايناً استثنائياً أم أنّها تمتزج بشكل مرهف مع مصطلحاتك الخاصة في المطبخ؟

تمتزج بعض التوابل مع وصفاتنا اليومية على غرار الهال والقرفة اللتين يتمّ استخدامهما غالباً في أطباقنا الحلوة.

نحن لا نفكّر في الأمر حقاً، فهي موجودة هناك بكلّ بساطة، هي مألوفة. بعض التوابل الشائعة الأخرى تمتاز برائحة فوّاحة جداً. اليانسون النجميّ على سبيل المثال، يذكّرني بالشمار، مع جانبه الشبيه باليانسون، عندما يتمّ تقطيعه نيئاً في الصيف.

الفلفل أيضاً، بالرغم من وجوده على كلّ مائدة في باريس، هو من التوابل التي تنقلني إلى عالم آخر، وتأخذني في رحلة مشوّقة.

والسبب وراء ذلك أيضاً هو وجود عدد هائل من أنواع الفلفل بنكهات مختلفة. على غرار الفلفل الجامايكي Jamaican Pepper، الذي يتواجد بكثرة في Spice Blend. كما أستخدم أيضاً فلفل سيشوان Szechuan Pepper، لأنّه يتميّز بتأثير حرّيف بشكل أقلّ، وهو مرهف أكثر. كما أنّني أحب بعض التوابل السريلنكية التي كنت محظوظاً باكتشافها لدى المنتجين المحليين في ذاك البلد، بالإضافة إلى فلفل الجبل، الفلفل الفييتناميّ الذي أحبّه كثيراً. وفي النهاية، أنا أدرك أنّني أبتكر "الجوانب"، كما تقولون في عالم العطور، في أطباقي من خلال كلّ أنواع الفلفل هذه.

- في عالم الطهي، هل نجد أيضاً هذه الفكرة التي تتمحور حول ترك انطباع يدوم طويلاً؟

ثمّة العديد من أوجه التشابه. في المطبخ، أصبحنا نسمع أكثر فأكثر بعبارة "الإحساس مطوّلاً بقوام الطعام في الفم"، الذي يمكن أن ينطبق أيضاً على حدّة الدرجة العطرية الفوّاحة. أنا أعمل على الحموضة في أطباقي، وأبحث دائماً عن درجات عطرية جديدة للتشديد على ذلك والمحافظة عليه، مع الحفاظ على لمسة مرهفة.

- هل سبق أن ابتكرت طبقاً مع "جرعة زائدة" من مكوّن معيّن؟

أجل، في الواقع أعددت مثلجات بالفانيليا مشبعة إلى الحدّ كبير بالفانيليا لكي نتمكّن من تذوّق كافة جوانبها. من الرائع العمل مع الفانيليا في يومنا هذا، وأردت الشعور بالطابع الفاخر لذلك من خلال مذاقها.

من خلال استخدام "جرعة مفرطة" منها، يمكنك تذوّق الطابع "الحبيبيّ" وطابع قرون الفانيليا التي تكاد تكون مقرمشة.

ومع أنّ هذا الأمر لا علاقة له بالموضوع، لكنّني أحب أيضاً الأرز بالكاري الذي تعدّه أمي، التي تضيف إليه التوابل بسخاء كبير. أحب طابع التوابل "الشرس"!

- هل تكره أحد التوابل؟

لا... إلاّ أنّني أواجه الصعوبات مع عرق السوس!

- أنت تتحدّث مثل François Demachy عندما يقول إنّ عطور Maison Christian Dior يتمّ ابتكارها بحرّية تامّة، مستوحاة من رحلاته وكلّ ما يراه من حوله. هل تبتكر بالطريقة نفسها؟

أجل، التنقّل والسفر الدائم مهمّان جداً بالنسبة إليّ أيضاً. أغوص أيضاً بالطريقة نفسها في محيطي وفي رحلاتي المتعدّدة، لكن أستمدّ الوحي أحياناً من الشارع في باريس، أو من الناس، المحادثات، الملصقات، إلى ما هنالك، أيّ شيء قد يشكّل مصدر وحي بالنسبة إليّ ويعطيني الفكرة لأحد الأطباق.

- يكون عمل العطّار منفرداً في مرحلة الابتكار ويتطلّب جهداً جماعياً في مرحلة التطوير مع الفريق. هل تميل إلى العمل وحدك أو مع الآخرين؟

كما سبق وقلت، قد يأتيني الإلهام لأحد الأطباق في أيّ وقت. لكن حتى لو كنت أعمل منفرداً في تلك اللحظة، والفكرة بحاجة إلى خبرات خارجية، عندها بالطبع سيتمّ القيام بذلك ضمن فريق. يمكنك الطهي وحدك، لكن في مهنتي، التي تشتمل أيضاً على إنشاء المطاعم وتجديد قوائم الطعام، لا يمكنك القيام بكلّ شيء وحدك.

- ما أوّل شيء تقوم به عندما تدخل المطبخ؟

أوّل شيء أقوم به عندما أدخل أحد مطابخي لا علاقة له بالرائحة أو بالتذوّق. أوّلاً، ألقي نظرة سريعة من حولي. ردّ فعلي الأولي هو ردّ فعل بصريّ. خلال بضعة ثوانٍ، يمكنني تفقّد المقالي التي تكون عادةً تغلي على الفرن في الصباح: صلصة اللحم، مرق الدجاج، مرق الخضار، إلى ما هنالك. مجرّد نظرة سريعة تسمح لي بمعرفة إن كان كلّ شيء على ما يرام. يجب أن يتمّ طهي كلّ شيء على نار هادئة، ولا يجب أن يغلي بكلّ تأكيد!

يجب أن تُطهى الصلصات على نار هادئة لكي تبقى صافية، ولا يجب أن يتمّ غليها وإلاّ ستصبح متعكّرة. ولا شكّ في أنّ التحدّث إلى طهاتي مسألة شديدة الأهمية. نحن نعمل معاً ثلاث مرات في الأسبوع للتحقّق من عمليات التوصيل التي تصل من بريتاني، إيل دو فرانس ومن أيّ مكان آخر، السمك الذي يتمّ اصطياده في الليل، الخضار التي ما زالت مغطاة بالتراب وما إلى هنالك. أتخيّل أنّ هذا يبدو بعض الشيء مثل مختبر العطّار، حيث من المهم جداً استقدام المواد الخام، والحوار مع الفِرَق جوهريّ جداً. في المطبخ، يحتلّ الجانب البصريّ للطبق المقام الأول، ثمّ يليه المذاق، لكنّ رائحته حاسمة جداً أيضاً. في الواقع، ذهني مشتّت جداً حالياً بسبب رائحة الكركند المدهشة التي تفوح في الأرجاء!

- هل يمكن للقيود أن تكون حليفتك أيضاً؟

بالنسبة إليّ، نعم. من دون أدنى شك. إن طلب مني أحدهم إعداد وجبة طعام قائلاً إنّه يحبّ كلّ شيء، فسيكون ذلك بمثابة كابوس!

أحتاج إلى القيود والتحدّي لأتفوّق على نفسي، لذا يدفعني هذا الأمر إلى إيجاد حلّ.

يمكن للقيود أن تكون حليفة لك، كما حصل عندما كان عليّ أن أقرّر قوائم العشاء لدار Maison Christian Dior. كان عليّ الابتكار تبعاً لمجموعة عطور François Demachy.

كان ذلك تحدّياً صعباً، ابتكار مجموعة من الأطباق تبعاً للعطور، كان ذلك تمريناً مدهشاً.

- وإن طلبوا منك اليوم ابتكار طبق يضمّ مزيجاً من التوابل؟

- هل سيشكّل ذلك تحدّياً صعباً؟

(يفكّر في الأمر) ثمة طريقان يمكنك سلوكهما، سواء من خلال الاعتماد على فكرة الجرعة الزائدة من التوابل على غرار العطر، أو بالعكس، التمييز بين التوابل الواحد تلو الآخر ضمن أطباق فردية مصنوعة حسب الطلب.

- هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عن المسألة؟

ليس في الوقت الحاضر، سأبقي الأمر سراً. يُتبع...




المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079