مبادرة نسوية جريئة "دوّي" صرخة نسائية لتمكين الفتيات من خلال قصص النجاح
ردود فعل إيجابية واسعة أثارتها مبادرة "دوّي"، التي ترفع شعار "دوّي... بحكايتك تكملي حكايتهن" لتمكين الفتيات. الجهات الرسمية والمجتمع المدني تجاوبوا مع المبادرة، وطالبوا بالتخطيط والرؤية المستقبلية لمزيد من النجاح والانتشار في كل المحافظات المصرية، مع تمني البعض أن تتبنى المنظمات النسائية والاجتماعية العربية مبادرات مماثلة، تهدف الى إنصاف البنات منذ الصغر، وجعلهن فاعلات في المحيط الذي يعشن فيه. فما هي قصة هذه المبادرة؟ وما هي أهدافها؟ وماذا حققت؟ وكيف تفاعلت معها الجهات المعنية؟ وما هي خططها المستقبلية؟ وكيف يمكن نشر الفكرة عربياً؟
في البداية، تقول الدكتورة عزة العشماوي، أمين عام المجلس القومي للطفولة والأمومة صاحب المبادرة: ""دوّي" مبادرة وطنية لتمكين البنات، هدفها مساعدة الفتيات الصغيرات في التعرف على حقوقهن، من خلال تشجيعهن على مشاركة قصصهن والتحديات والنجاحات، لتبادل الخبرات وتحدّي العقبات ليكنّ أقوى ويستطعن الحصول على فرص أفضل، حيث تقوم المبادرة على محاور تهدف إلى مشاركة البنات أنفسهن، وأن يكون لهن صوت مسموع، خاصة في ظل استمرار الممارسات الخاطئة، وما زالت هناك دوائر مفرغة من تلك الممارسات التي تعيق نمو الفتيات الصغيرات وتطوّرهن الإيجابي، وتقليل فرصهن في عيش حياة أفضل، وأن يكون لهنّ دور فعال في المجتمع، وهذا يتطلب العمل على تغيير المعتقدات والممارسات التمييزية، من خلال فهم الدوافع وراءها... والسر في اختيار اسم "دوّي" ليكون شعار المبادرة يرمز إلى إطلاق صوت مدوٍّ، وهو فعل أمر للإناث مأخوذ من "صدى الصوت"، أي أن ترفع الفتيات أصواتهن عالياً في التنديد بالممارسات الخاطئة والمشكلات التي تؤرقهن، مثل: زواج الأطفال وختان الإناث، لأن عدداً كبيراً من الفتيات وقعن ضحايا لهذه العادات المجتمعية الخاطئة، وبالتالي فإن الشعار لم يكن وليد الصدفة، وإنما جاء ليحفز على عدم الاستسلام للأمر الواقع، ومحاولة تغييره بالوعي المجتمعي".
وتعبّر الدكتورة عزة العشماوي عن سعادتها بالفيديو الذي سجّلته دنيا سمير غانم من إخراج الإعلامية هالة أبو خطوة، حيث قالت دنيا في مقدمة مشاركتها في المبادرة، عبر حسابها الخاص على "إنستغرام": "صدقوا أحلامكم وحاربوا علشانها، واحكوا قصصكم والتحديات اللي بتواجهكم من خلال مبادرة #دوّي على هاشتاغ #بحكايتك_تكمل_حكايتهم علشان غيركم يستفيدوا منها في حياتهم... شاركونا قصصكوا الملهمة اللي فيها تحدي على هاشتاغ #دوّي # بحكايتك_تكمل _حكايتهم، ولو عايزين تعرفوا حكايتي شوفوا الفيديو".
وتكشف الدكتورة عزة أن المبادرة استهدفت في المرحلة الأولى أربع محافظات في صعيد مصر، كنموذج لبدء الزيارات الميدانية ونشر رسائل تمكين البنات، من خلال دليل للمعرفة الرقمية، وتمكين الفتيات من طريق دعم حقوقهن وجَسر الفجوة النوعية، والعمل على تحسين وضعهن بشكل ملموس في ظل وجود بعض التحدّيات التي تؤثر فيهن في مجالات الصحة الإنجابية، والأداء الاقتصادي والتمكين بوجه عام. وقد نُظّمت ورش عمل بالتعاون مع جمعية الطفولة والتنمية لتدريب مجموعة من الفتيات والفتيان، بهدف تعزيز فرص الحصول على المهارات الحياتية والإدماج الاجتماعي للأطفال، خاصة البنات، حيث تم تدريبهن على كيفية العثور على فرص أفضل للعمل والتعلّم، وكيفية التفكير النقدي والقدرة على تطوير حلول إبداعية، وكيفية تنمية مهارات التواصل والحوار على المستويين الواقعي والافتراضي عبر الإنترنت، إضافة الى تدريبهن على كيفية الوصول إلى المعلومات الصحيحة والتحقق من صدقيتها ومصادرها.
وتختتم الدكتورة عزة حديثها موضحةً أن هذه المجموعة من التدريبات أصبحت متاحة عبر صفحة "دوّي" على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، وهي ترتكز على مشاركة الفتيان والفتيات على قدم المساواة في المجتمع الرقمي، لتعزيز قيادة الفتاة والتمكين الاجتماعي والحماية، ولهذا قام المجلس القومي للطفولة والأمومة بدور ريادي في التنسيق بين الأطراف المعنية، من الوزارات المختلفة والمجلس القومي للمرأة، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ومنظمات الأمم المتحدة والمجتمع المدني لتنفيذ خطة عمل تشاركية تكون المحرك الرئيس للتغيير، من أجل مستقبل أكثر إنصافاً للفتيان والفتيات، مع عدم إغفال دور الوالدين لتغيير الوعي المجتمعي بقضايا الفتيات، ولا سيما القضايا المتعلقة بالصحة والتعليم والعادات والتقاليد والمفاهيم الدينية المغلوطة تجاه البنات، والتي تؤدي الى تسرّب الفتيات من التعليم، وختان الإناث، وزواج الأطفال، وكل أشكال التمييز ضد الفتيات، ولهذا فمن محاور المبادرة: تقديم الخدمات، وإكساب المهارات، والقدرة على التعبير".
الدعم والتشجيع
أعربت الدكتورة مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، الذي يُعد إحدى الجهات المشارِكة في المبادرة، عن تقديرها وإعجابها باختيار الفنانة دنيا سمير غانم لدعم مبادرة "دوّي"، وتسجيل فيديو لتشجيع الفتيات على سرد قصصهن، وأكثر الأشياء التي أثّرت فيهن، خاصة أن دنيا من الفنانات المؤثرات في الفتيات.
وأصدرت الدكتورة مايا مرسي بياناً باسم كل عضوات المجلس القومي للمرأة، أكّدن فيه أن فيديو الفنانة دنيا سمير غانم، سيشجع الكثير من الفتيات على مشاركة تجاربهن التي غيّرت حياتهن، وسنجد العديد من الروايات الملهمة التي ستدعم الفتيات وتؤثر في قراراتهن، ومن المهم جداً الاستفادة من شهرة نجمات الفن الهادف، في توصيل المبادرة إلى الفئات المستهدفة، ومن المعروف أن الصورة أقوى من ألف كلمة.
وأشارت الدكتورة مايا مرسي إلى تحمّسها الشديد للمبادرة التي لها أهداف نبيلة، أهمها: توفير مساحة آمنة للفتيات والفتيان للتجمّع، ومشاركة التجارب التي غيّرت حياتهم من خلال الحكايات، مما يؤدي إلى إكسابهم مهارات التواصل واتخاذ القرار من خلال دعم أقرانهم، وصولاً إلى سلامة الفتاة في كل المجالات، خاصة النفسية والاجتماعية والصحية والتعليمية، وتشجيع روح المشاركة الإيجابية.
دعم دولي
عبّر برونو مايس، ممثل منظمة اليونيسيف في مصر، والتي تعد الضلع الثالث في الجهات الداعمة للمبادرة، عن سعادته بالمشاركة في هذه المبادرة المهمة التي ساهمت في غرس روح تفاعلية وإيجابية لدى الفتيات الصغيرات في مختلف البيئات، وتقديم الدعم لهن، مما يساعدهن على التعبير عن آرائهن بحرّية وثقة بعد أن تتوافر لهن مساحة آمنة من التفكير الصحيح الذي يستفيد من تجارب الأخريات، وعدم تكرار الأخطاء، والاستفادة من الإيجابيات في قهر التحديات الحالية وبناء مستقبل أفضل لهن، وهذه هي الاستراتيجية التي تتبعها اليونيسيف في مختلف دول العالم للنهوض بالنساء عامة، خاصة في الدول التي تتعرّض فيها البنات للظلم بسبب التقاليد والعادات المتوارثة.
توعية الطالبات
تجاوبت وزارة التربية والتعليم الفني بقيادة وزيرها الدكتور طارق شوقي، مع المبادرة لتمكين البنات في مختلف مراحل الدراسة، بغرض حصولهن على الحق في التعليم وتنمية قدراتهن، والتمتع بالقدر الكافي من الوعي لاتخاذ القرارات السليمة، مثل التفوّق الدراسي والإصرار على العمل وإثبات الذات واختيار شريك الحياة.
وأوضح وزير التعليم أن قيادات الوزارة، ووحدة تكافؤ الفرص فيها، عقدوا اجتماعاً مع خبراء من المجلس القومي للطفولة والأمومة ومنظمة اليونيسيف، ناقشوا خلاله الإطار الاستراتيجي للمبادرة، والتي تعكس الاهتمام بدور المرأة في المجتمع، كذلك تباحثوا في أهداف المبادرة، والتي تتمثل في تضافر جهود الشركاء للتأكد من حصول البنات على الحق في التعليم، وتنمية القدرات، وإيجاد العمل المناسب، والاختيار الواعي لشريك الحياة بدون إجبار، وضمان تكافؤ الزواج وبناء علاقات أسرية سوية، بالإضافة إلى الحق في الجسم السليم والصحة الإنجابية. كما تم التركيز خلال الاجتماع على اهتمام المبادرة بإعداد البنات في المراحل العمرية المختلفة، وتأهيل الأسرة والوالدين للمشاركة في ضمان حقوق البنات، وتغيير الوعي المجتمعي بقضايا الصحة والتعليم والعادات والتقاليد، بما فيها التغلب على المفاهيم الدينية المغلوطة.
توعية الشابات
تفاعلت وزارة الشباب والرياضة بقيادة الدكتورة أشرف صبحي، مع المبادرة، بحيث أعلن استعداده للتوعية بها في كل مؤسسات الوزارة، خاصة مراكز الشباب التي يقارب عددها الخمسة آلاف في المدن والقرى والنجوع، لأن الوزارة تدرك أهمية إنصاف المرأة وتمكينها في مختلف مراحل عمرها، وهذا الاهتمام لم يأتِ من فراغ، وإنما لدور المرأة الحيوي والمؤثر في المجتمع الذي تشكّل نصفه عدداً، لأنها هي مربية النصف الآخر وصانعة الرجال والأبطال في مختلف المجالات.
وأكد الدكتور صبحي أن أبواب مراكز الشباب مفتوحة لكل أشكال التعاون مع القائمين على المبادرة الناجحة، التي تستفيد منها بناتنا في مختلف المحافظات، ويجب أن يتم تفعيلها ليكون لها تأثير إيجابي، إذا استطعنا بروح الفريق أو الجماعة، كل في موقعه، تحقيق الأهداف النبيلة التي ترنو إليها هذه المبادرة.
تحفّظ ونصيحة
تحفظت الدكتورة هدى بدران، رئيسة اتحاد نساء مصر، رئيسة رابطة المرأة العربية، على كثرة المبادرات النسائية التي تهدف الى التوعية، وغياب التنسيق والتكامل بينها، مما أفقدها المردود الإيجابي المنشود.
وطالبت الدكتورة بدران المجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومي للمرأة، وغيرهما من الهيئات التي تطلق المبادرات النسائية التي لها أهداف كثيرة، بدراسة المبادرات السابقة والالتقاء مع القائمين بها، للاستفادة من تجاربهم وتجنّب السلبيات التي جعلت تأثيرها مؤقتاً، وبعضها لم يتعدَّ تأثيره وسائل الإعلام، ولهذا لم تقضِ هذه المبادرات على الممارسات والعادات الخاطئة، كالختان وزواج الأطفال وحرمان المرأة من الميراث.
وأنهت الدكتورة هدى بدران كلامها مؤكدةً أن المسؤولية الكبرى في التوعية بمخاطر الممارسات الخاطئة ضد الفتيات تقع على عاتق الأسرة، خاصة الأم غير المتعلّمة، التي تجعل بناتها فريسة للعادات والتقاليد البالية، وكذلك لا بد من الاهتمام بتعليم الفتيات وتثقيفهن من خلال المناهج الدراسية، حتى يكنَّ على دراية بكل هذه الممارسات الخاطئة ونتائجها السلبية على أنفسهن وصحتهن، لذا يجب أن تكون هذه الرؤية منتشرة في الوطن العربي، لأن مشكلات النساء العربيات متشابهة، أما اعتقاد البعض بأن الحل يكمن في المبادرات والحملات فقط، فهو خاطئ، ولهذا تشيد الدكتورة بدران بحرص المجلس القومي للأمومة والطفولة على التواصل مع الوزارات المعنية والمنظمات النسائية المحلية، كالمجتمع المدني واليونيسيف، وغيره من المنظمات الدولية المعنية.
التمكين الشامل
أشارت الحقوقية نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، إلى أن أهداف المبادرة تلتقي مع الأهداف الرئيسة التي أنشئ من أجلها المركز عام 1996، باعتباره منظمة مدنية وغير حكومية تهدف الى دعم المرأة المصرية في الحصول على حقوقها الكاملة، والمساواة مع الرجل، ومراجعة التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة، من حيث صلتها بالدستور المصري والاتفاقيات الدولية.
وأوضحت أبو القمصان أن المركز المصري لحقوق المرأة يقدم خدمات قانونية مجانية للنساء غير القادرات على تسديد ثمنها، كما يعمل على تحسين وضع المرأة السياسي والقانوني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وكل ما يؤدي إلى مساعدة المرأة في الحصول على كامل حقوقها، والقضاء على كل أشكال التمييز وفقاً للفهم الصحيح والمستنير لأحكام الشرائع السماوية، وتطبيق الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية "السيداو" لمكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة، أياً كانت سنّها أو جنسيتها، وقد حققت مصر تقدّماً في إنصاف المرأة، لكن الطريق ما زال طويلاً ويتطلب الاستمرارية والتخطيط.
تعاون إيجابي
أثنت الدكتورة رقية شلبي، عميدة كلية البنات في جامعة عين شمس، على المبادرة مؤكدةً استعدادها للتعاون في توصيل رسالتها إلى 40 ألف طالبة يدرسن 19 تخصّصاً في الكلية، وينقلنها إلى أسرهن، وتمكين الفتيات والشابات، ودعم حقوقهن، وردم الفجوة النوعية، وتحسين أوضاعهن، ومواجهة التحديات التي تؤثر فيهن سلباً في مختلف مجالات الحياة، خاصة في ما يتعلق بالصحة الإنجابية والأداء الاقتصادي والتمكين بوجه عام.
وأوضحت الدكتورة رقية أن المرأة في مجتمعاتنا العربية مظلومة منذ صغرها، حتى أن هناك أمثالاً شعبية لا ترحّب بها منذ معرفة أن الجنين أنثى، وهذه عادات جاهلية لا بد من محوها بمثل هذه المبادرات الهادفة، التي تساعد البنت على إثبات ذاتها، والتسلّح بالوعي في مراحل مبكرة من عمرها، ولا بد لهذه المبادرة ومثيلاتها من أن تكون طويلة المدى، لأن تغيير العادات التقاليد، خاصة إذا كانت تنتسب زوراً إلى الدين يستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً.
واختتمت الدكتورة رقية حديثها، مؤكدةً استعدادها لاستضافة فريق المبادرة في ندوة أو مؤتمر يُعقد في الكلية مع بداية العام الدراسي الجديد، حتى يكون اللقاء مباشراً مع الطالبات لتعمّ الفائدة، حيث تتمتع الكلية بعلاقات قوية مع مختلف المؤسسات التي تخدم مصلحة المرأة في مختلف مراحل عمرها.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024