الاكتئاب كافحيه بالنظام الغذائي المناسب!
قد يبدو غريباً الربط بين الأغذية التي نتناولها يوميّاً وأكثر الأمراض النفسية خطورةً، ألا وهو الاكتئاب. إلاّ أنه وعلى عكس ما يظن الكثيرون، تتأثر الصحة النفسية بالصحة الجسدية وطريقة تعاملنا مع أجسادنا، مثلما تتأثر أجسامنا بدورها عندما نصاب بمرض نفسي نمتنع بسببه عن تناول الطعام بالكمية الكافية، وعلى هذا الأساس تم نشر العديد من الدراسات التي تشدّد على أهمية اعتماد نظام غذائي صحي ومناسب لتجنب الإصابة بالاكتئاب أو لزيادة فرص الشفاء منه في بعض الحالات، فكيف يؤثر الغذاء في صحتنا النفسية؟ وما هو النظام الغذائي الأفضل لمكافحة الاكتئاب؟
- كيف يتأثر الاكتئاب بالغذاء الذي نتناوله؟
أظهرت الدراسات الحديثة أن بعض أنواع الأغذية تلعب دوراً مهماً في التصدي للاكتئاب. على سبيل المثال، تم الربط بين اتّباع نظام غذائي غنيّ بالخضر والفواكه والحبوب الكاملة والأسماك، وتراجع فرص الإصابة بالاكتئاب، في حين أثبتت دراسة، أُجريت في أستراليا، أن الغذاء الصحي هو أقوى علاج مضاد للاكتئاب. ولفتت هذه الدراسة أنظار العالم إلى التأثير القوي للغذاء في الحالة المزاجية، حيث في إمكان الأشخاص الذين يعانون معدلات من الاكتئاب تتراوح بين الاعتدال والحدّة، تحسين حالتهم المزاجية من خلال اتباع نظام غذائي صحي.
وفي تفاصيل الدراسة التي أُجريت في أستراليا، تم إخضاع نصف المتطوعين المكتئبين لنظام غذائي متوسطي، وطلب الباحثون منهم حضور جلسات الدعم الغذائية مع اختصاصيي التغذية. واستمر النصف الآخر من المتطوعين في تناول النظام غير الصحي المعتاد، وبالتالي صُنّفت أعراض الاكتئاب عند جميع المتطوعين قبل وبعد الدراسة التي استغرقت 12 أسبوعاً، بالاستناد الى اختبارات عدة مختلفة.
وبعد مرور 12 أسبوعاً، تحسّن معدل الاكتئاب عند المشاركين في المجموعة التي تخضع للنظام الغذائي المتوسطي، بنحو 11 نقطة، وانخفضت النقاط بنسبة 32 في المئة لدى المشاركين، حتى أنها لم تعد تندرج ضمن معايير الاكتئاب. كما تحسّنت نقاط المشاركين في المجموعة التي اتّبعت نظاماً غذائياً غير صحي بنحو 4 نقاط فقط.
- ما هو النظام الغذائي الأفضل لمكافحة الاكتئاب؟
على الرغم من أن الأدوية المضادة للاكتئاب أظهرت مفعولاً جيداً في علاجه، لكن من الأفضل الاعتماد على كلّ ما هو طبيعي لمعالجة الأمراض بعيداً من العقاقير والأدوية، ولذلك قد يكون الالتزام بالنظام الغذائي المناسب الحلّ الأمثل في مواجهة الاكتئاب، فكل شيء يبدأ من النظام الغذائي، حتى صحتنا النفسية تتأثر بما نأكله، فإذا كنا نكثر من تناول العناصر الغذائية الصحية، كالفواكه والخضر، ستتحسّن صحتنا النفسية تلقائياً وستتراجع أعراض الاكتئاب والقلق التي تنتابنا من وقت الى آخر.
ولعل النظام الغذائي الأفضل لمحاربة الاكتئاب يتضمّن الآتي:
تناول أكبر قدر ممكن من البروتينات: تشجيع المريض على تناول المقادير الكافية من البروتينات لتعويض ما فقده جسمه عند انعدام شهيته للطعام أثناء المرحلة الحادّة من الاكتئاب، فالغذاء الغني بالبروتين يزيد إنتاج مركّبَي "الدوبامين" و"النورايبنفيرين" اللذين يقوّيان الانتباه واليقظة ويجعلان المريض يميل الى التفكير والعمل بسرعة ونشاط. ومن المتعارف عليه، أن البروتينات من السهل الحصول عليها يومياً وبكل بساطة، لكن يُفضّل لمرضى الاكتئاب تناول الطعام الذي يحتوي على البروتينات عالية القيمة الحيوية مثل اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك، وبالطبع تناولها بشكل منظّم ويوميّ قدر المستطاع للاستفادة القصوى منها.
التركيز على الطعام الذي يحتوي على الفيتامين "ب": الحصول على المصادر الغذائية الغنية بفيتامين "ب" المركّب، وخاصة ب1، ب2، يعتبر أساسياً في النظام الغذائي المحارِب للاكتئاب، وذلك لفائدتها في تحسين وظائف الجهاز العصبي عند الإنسان، وبالتالي حماية أعصاب الدماغ من التلف أو التعرّض لأي مشاكل تؤدي بدورها الى الإصابة بالاكتئاب. ويتوافر هذا الفيتامين في البروتينات الحيوانية، الخميرة، الحبوب الكاملة، الخضروات والفواكه. وتجدر الإشارة إلى أن من المحبّذ دمج بعض أنواع الخضروات، وخاصة تلك الورقية الخضراء، كالبروكلي والبقدونس مع اللحوم الحمراء للحصول على وجبة غذائية تحتوي على البروتينات وفيتامين "ب" وتلعب دوراً رئيساً في محاربة الاكتئاب.
إدخال الأطعمة المضادة للأكسدة في الوجبات اليومية: تتمتع المواد المضادة للأكسدة بالقدرة على القضاء على الجزيئات الضارة في أجسامنا. وهذه الجزيئات التي تُسمّى الجذور الحرّة غالباً ما تستهدف الدماغ، وخاصة الأعصاب ومراكز الإحساس فيه. وعلى الرغم من اعتقاد البعض بأن من غير الممكن العثور على طريقة تحول دون وصول الجذور الحرّة إلى المخ، تأتي مضادات الأكسدة لتنفي هذا الاعتقاد، فهي أسلوب رائع للحد من فعالية هذه الجزيئات. أما الأطعمة الفضلى التي تساهم في زيادة مستويات مضادات الأكسدة، فهي الفواكه والخضروات في الدرجة الأولى، ومن الضروري عدم إهمال تناول أكثر من حصة من الفواكه والخضروات يومياً وخاصة المشمش، التوت، الفراولة، العنب، الطماطم، القنبيط، البذور، الكيوي، البرتقال، والفلفل، لدورها المهم في حماية الدماغ والتخلص من الاكتئاب.
اختيار بعض أنواع الكربوهيدرات: لا تعطي كل أنواع الكربوهيدرات نتائج إيجابية عند استخدامها للمساعدة في علاج الاكتئاب، ولكنْ هناك نوع محدّد يُعرف بالكربوهيدرات الذكية، ويساهم بشكل كبير في معالجة الاكتئاب، خصوصاً أن تناول الكربوهيدرات يرتبط بإفراز مستويات عالية من عنصر "السيروتونين" في الجسم الذي يعمل بشكل أساس على تحسين الحالة النفسية للشخص، وخاصة المزاج. أما الطريقة الفضلى للحصول على الكربوهيدرات الذكية فتكمن في الحدّ من تناول الأغذية السكرية، وإرواء الرغبات في تناول الكربوهيدرات من طريق تناول تلك الذكية التي تتركز في الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبقوليات، لذا يجب عدم إهمال البقوليات وتناول كمية منها مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع، مع إدخالها في بعض أنواع الطعام الأخرى.
- التركيز على البذور والمكسّرات:
من المعروف ان بعض أنواع المكسرات تحتوي على الكثير من الفوائد الصحية، خاصة أنها مشبعة بدهون صحية لا تتسبب بمشاكل في القلب. لكن بعض أنواع البذور والمكسّرات مثل اليقطين ودوّار الشمس واللوز والجوز والكاجو، تحتوي على كميات عالية من المغنزيوم الذي يعمل على تحسين الحالة المزاجية بطريقتين مختلفتين، فهو أولاً يحسّن من إنتاج الطاقة، وثانياً يزيد من إنتاج عنصر "السروتنين" الذي يعتبر مهدّئاً طبيعياً ومرخّياً للأعصاب. كما تحتوي المكسرات والبذور على دهون طبيعية وبروتينات تقوّي صحة العصب وتعمل على استقرار مستوى السكر في الدم.
تناول الشوكولاته السوداء:
الشوكولاته هي وجبة خفيفة مفضّلة للجميع، لكن ما قد نجهله هو أنها تلعب دوراً مهماً في التصدي للاكتئاب وعلاجه، لكونها غنية بالمواد المضادة للأكسدة التي يمكن أن تخفّض من مستويات هورمون التوتر في الجسم. وقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون بعض التوتر،وتناولوا الشوكولاته السوداء يومياً، تمكّنوا في غضون أسبوعين من التخلص نوعاً ما من توترهم وخفض مستويات هورمون التوتر التي تشمل "الكورتيزول". وتجدر الإشارة الى أن أنواع الشوكولاته الفعالة في محاربة الاكتئاب، هي تلك السوداء التي تحتوي على نسبة عالية من الكاكاو من دون أي إضافات أخرى. لذا فإن تناول الشوكولاته ذات الطعم الحلو لن يفيد، بل عليكم بالشوكولاته السوداء والمرّة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024