بينالي القاهرة الدولي يعود الى الحياة
بعد توقف دام لأكثر من ثماني سنوات، عاد مرة أخرى بينالي القاهرة الدولي للفن التشكيلي، بمشاركة 84 فناناً من مختلف أنحاء العالم.
البينالي في دورته الثالثة عشرة اختار شعار "نحو الشرق"، وعن أسباب هذا الاختيار، يقول الفنان إيهاب اللبان، القوميسير العام للبينالي: "باتت الأنظار تتجه في الآونة الأخيرة صوب الشرق، بزخمه الثقافي الضارب في القِّدم، وفي القلب منه شرقنا الأوسط، ذلك الشطر من العالم الغارق في العديد من القضايا والإشكاليات، التي ظلت تتنامى وتتشابك عبر سنوات طويلة، إلى أن شغلت العالم أجمع، وربما كان العالم نفسه جزءاً فاعلاً أحياناً في مجريات هذه الأحداث، التي وصلت إلى ذروتها أخيراً، وصارت محاطة بصنّاعها من كل جانب، نكبّلهم أحياناً، وندفعهم إلى آفاق أكثر رحابةً في أحيان أخرى... لقد أصبحت عين الشرق على المستقبل، حاملاً في ذاكرته حنيناً وشوقاً إلى موروث حضاري ضخم متراكم، أُنتج عبر سنوات طوال مضت، ليشكّل طبائعه وعاداته، بل ووجهته التي طالما تأثرت بها شتى ثقافات العالم. من هنا يتوجب علينا ألا نقتصر في حديثنا عن الشرق على مجريات الأمور السياسية، مكبّلين أنفسنا بوقائعها المتداخلة والملتبسة، التي قد تبعدنا كثيراً عن جوهر الشرق وحقيقته، وعن مكوناته التي حدّدناها في أربعة أوجه رئيسة ترسم ملامحه، هي: الوجه الحضاري، الوجه الاجتماعي، الوجه الثقافي، فضلاً عن الوجه السياسي البارز في الآونة الأخيرة. أتذكر هنا في بدايات القرن المنصرم، حيث كان هناك ولع وشغف بالشرق؛ عاداته وتقاليده، طبائع سكانه، وأنماط عمارتهم وأزيائهم، وكذلك ثقافتهم الجديرة بالدراسة، وهو ولع ربما جنح قليلاً نحو الاستشراقية، أو مال بعض الشيء الى الغرائبية، إلا أنه كان على أي حال، ولعاً حقيقياً وملهماً. وعلى هذا الأساس، آن لنا أن نبتعد قليلاً عن الوجهة السياسية الضيقة، وعمّا قد يشتبك معها من نظريات وتحليلات ورؤى متضاربة، تتبرع بتفسير بعض الأهداف والمصالح الدولية، باحثين جميعاً عن حقيقة جوهر هذا الشرق، الذي احتضن مجموعة من أهم الحضارات التي شهدها العالم، منها حضارات وُلدت مبكراً، وأخرى لحقت بها، وحضارات في طور النشوء والتكوين، وكلها حضارات تؤثر وتتأثر، تتدافع وتتعانق، لكن في إطار حتمية كبرى، هي أن يكون العالم وحدة واحدة، متوافقة ومتناغمة، وهو ما لا يتحقق إلا في كنف المبدعين، وفي سياق الإبداع، بعيداً من لغط الاحتقانات السياسية، فالمبدع يستلهم، أما السياسة فتلتهم، غير أن هذا من ناحية أخرى ليس توجيهاً ولا إملاء، فالباب مفتوح أمام الأساليب والمعالجات كافة، وكل الموضوعات مرحّب بها".
اختار البينالي أن يكون ضيف شرف هذه الدورة الفنان الفرنسي صاحب الصيت العالمي، جيرار جاروست، وقد عُرضت مجموعة من أعماله المرتبطة بروح الشرق وأساطيره. ولد جاروست عام 1946 في باريس، وهو من أبرز فنّاني التصوير الزيتي والنحت، ومتعلق بثقافة الشرق، ويتميز برؤية عميقة لبعض الأعمال الأدبية التي حوّلها إلى لوحات، مثل تأثره بثربانتس ورابليه، وله مقتنيات كثيرة داخل فرنسا وخارجها، وبدأ أول معارضه الفردية في العام 1969، بعنوان "رسوم تذكارية"، ولا تزال معارضه الفردية مستمرة حتى اليوم. كما شُكّلت لجنة التحكيم الدولية من العنصر النسائي فقط، وترأسها النمسوية فيليسيتاس تون هوهنشتاين، وهي منظِّمة معارض ومؤرّخة للفن وأستاذة في معهد نظرية الفن والدراسات الثقافية التابع لأكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة النمسوية، فيينا. كذلك ضمّت لجنة التحكيم في عضويتها كلاً من: الفرنسية كاترين دافيد، وهي تشغل منصب نائب مدير المتحف الوطني للفن الحديث في مركز جورج بومبيدو في باريس، وعملت أيضاً منظِّمة معارض في المتحف الوطني للفن الحديث، وتشغل منذ 2014 منصب رئيس قسم البحث والعولمة في مركز جورج بومبيدو... والأميركية أميليا جونز، وهي أستاذ الفن والتصميم في مؤسّسة روبرت أديسون داي، ونائب عميد بحث في جامعة كاليفورنيا، وحصلت على تدريب في تاريخ الفن ونظرية الفيلم ودراسات في فن الأداء... والاسبانية تريسا غرانداس، وهي ناقدة ومؤرّخة فنية، ومنظِّمة معارض في متحف الفن المعاصر في برشلونة... والفرنسية أنابيل تيناز، وهي ناقدة وطالبة سابقة في المدرسة الوطنية للمواثيق، والمنظِّمة الرئيسة حالياً، ومديرة متحف الفن الحديث والمعاصر في تولوز في فرنسا، وتدرّس أيضاً في مدرسة اللوفر، وقد ركزت في عملها على فن اليوتيوب وعلاقته بتاريخ الفن. وفاز بالجائزة الكبرى للبينالي، الفنان البلجيكي يوريس فان دو مورتل، بينما نال الجوائز الخمس الأخرى: صادق الفراجي من العراق، كيم هيتشيون من كوريا الجنوبية، بريجيت كوفانس من النمسا، أيمن يسري من الأردن، وأحمد البدري من مصر. الجدير ذكره أن أولى دورات بينالي القاهرة الدولي كانت قد انطلقت عام 1984 لتكون آخر دوراته في عام 2010، وتحمل هذه الدورة عنوان "نحو الشرق"، وستستمر حتى 10 آب/أغسطس بمشاركة 84 فناناً عالمياً، من 52 دولة، وتحتضن معروضاته قاعات قصر الفنون، متحف الفن المصري الحديث ومجمع الفنون في الزمالك، كما تشارك في هذه الدورة 13 دولة إفريقية ضمن الاحتفالات برئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، ورُفعت قيمة وعدد جوائزها لتصبح 6 جوائز بقيمة مليون جنيه، منها 250 ألف جنيه لجائزة النيل الكبرى، وخمس جوائز قيمة كل منها 150 ألف جنيه.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024