تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الإدمان: كيف نكتشفه وكيف نعالجه؟ حوار مع عالِم النفس المتخصّص في معالجة الإدمان بريمكومار شانموغام

عالِم النفس المتخصّص في معالجة الإدمان بريمكومار شانموغام

عالِم النفس المتخصّص في معالجة الإدمان بريمكومار شانموغام

الإدمان، كلّ إدمان، من إدمان الطعام والسجائر الى إدمان لعب الميسر مروراً بالكحول والمخدرات، ما هو؟ كيف نقع في فخّه؟ وكيف نخرج منه؟ هل من عوامل وراثية؟ ماذا عن العامل النفسي والثقة بالنفس؟ وأيّ علاج بيولوجي ونفسي وحتى روحي يجب الخضوع له؟ أسئلة يجيب عليها عالِم النفس المتخصّص في معالجة الإدمان بريمكومار شانموغام Premkumar Shanmugam في هذه المقابلة...


- أولاً، ما تحديدك للإدمان؟

يُصنّف الإدمان في يومنا هذا بأنه مرض يرتبط بشكل خاص بالنقص في نظام المكافآت في الدماغ، وهو ما يحتّم الحاجة إلى العلاج الذاتي من خلال الأدوية أو السلوكيات، للتعويض عن هذا النقص. إن الأشخاص المعرّضين أكثر للإدمان، هم أشخاص يشعرون بنقص ما فيلجأون الى تعويضه من خلال المقامرة أو الكحول أو شراء الثياب أو غيرها... وتكرار هذا السلوك يؤدي إلى الإدمان نفسه. وقد نوقشت أسباب الإدمان في الماضي، وكان الأطباء يردّونها الى انعدام الثقة في النفس، أو لفت انتباه الآخرين، أو حتى إثبات الذات. وذهب البعض الى القول إن المدمن تتملّكه روح شريرة، لكنّ كلّ هذا لم يساعد في تقديم العلاجات الشافية للمرضى.

- كيف نصبح مدمنين، ولماذا؟

كل شخص يتناول كأس كحول ليس بالضرورة أن يصبح مدمناً. يُعرّف الإدمان بأنه مرض بيولوجي-روحي- اجتماعي Biopsychosociospiritual Disease BPSS، أي أن هناك أسباباً بيولوجية ونفسية واجتماعية وروحية تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضةً للإدمان، وهنا تفاصيلها:

الأسباب البيولوجية: وعلى رأسها العامل الوراثي، إذ يُعزى 30 الى 50 في المئة من الإدمان الى العامل الوراثي والجينات. لكن هذا لا يعني أن طفل المدمن سيصبح مدمناً لا محالة، لأن هناك أسباباً أخرى تعزّز الإصابة بهذا المرض.

الأسباب النفسية: بعض الناس يكافحون لمقاومة الضغوط النفسية ويعزّزون ثقتهم بأنفسهم لمواجهة الحياة وإدارتها كما يجب، والبعض الآخر قد يُصيبهم الإجهاد والضغط باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق، فيصبحون أكثر عُرضةً من غيرهم للإدمان.

الأسباب الاجتماعية: إن البيئة التي يعيش فيها الناس تؤثر في سلوكياتهم، خصوصاً ما يُعرف بضغط الأقران والأصحاب والمعشر الذي له تأثيره في اللجوء الى الإدمان.

الأسباب الروحية: يميل الأشخاص المدمنون إلى تكوين نظرة دونية عن أنفسهم، ويفتقرون إلى الثقة بالنفس ويتنكّرون لمواهبهم، وغالباً ما يكونون غير قادرين على التواصل مع بقية أفراد المجتمع الأسوياء. ونطلق عليهم صفة "المفلسين روحياً". لذا فهم بحاجة ماسّة الى تعزيز انطباعهم عن أنفسهم وتغيير نظرتهم الى ما يملكون من مواهب تميّزهم.

- لماذا على المدمن أن يلجأ الى العلاج؟

الإدمان مرض كباقي الأمراض، يتطلّب علاجاً منظّماً للتخلص منه. يحتاج المدمن الى معالجة طبّية، وغياب العلاج يزيد الأمور سوءاً، كأن يطالب مدمن المخدرات بجرعات أكبر، أو يضع مدمن المقامرة رهانات أعلى لتعويض الخسائر أو المكاسب. الحصول على العلاج يساعد في وقف المرض، وتدهور حالة المريض. يجب معالجة المدمنين قبل أن يسيطر الإدمان على حياتهم وحياة الآخرين من حولهم.

- ماذا عن اضطرابات الغذاء؟ أتصنّف أيضاً في خانة الإدمان؟

يمكن اعتبار اضطرابات الطعام مثل فقدان الشهيّة أو الشره المرضي شكلاً من أشكال الإدمان. لكن طرق العلاج في هاتين الحالتين تختلف عنها في إدمان المخدرات. يحتاج الأشخاص الذين يعانون اضطرابات في الطعام إلى تعلّم كيفية تخفيف سلوكهم الإدماني هذا. فالعلاج يساعدهم في اتّباع السلوك الجيّد في الأكل، والحد من السلوك السيء، وكذلك تحديد العوامل التي تؤدي إلى الانتكاس والعودة الى الإدمان عند أول مشكلة يواجهونها.

- هل اتّباع نظام غذائي مدروس كافٍ في هذه الحالة؟

اتباع نظام غذائي هو جزء من منهجية العلاج المتبعة. الإدمان مرض عضوي ونفسي وروحي، ويحتاج الى علاج شامل للوصول الى الشفاء التامّ. من هنا أهميّة طلب المساعدة المهنية.

- ما هو منهج العلاج؟

يبدأ العلاج بتقييم المشكلة وحالة المريض. الخطوة الأولى تقضي بجمع الكثير من المعلومات والبيانات الطبّية عن المريض نفسه، والتي على أساسها يتمّ تحديد خطّة العلاج. ويشرف على الخطة البيولوجية أطبّاء نفسانيون واختصاصيو تغذية ومدرّبو لياقة بدنية. وفي حين يتولّى الأطباء النفسانيون العلاج النفسي، يشرف المدرّبون الروحيون على العلاج الروحي، ويوكل الدمج الاجتماعي للمريض إلى خبراء في علم الاجتماع.

- تحدّثت عن العلاجات الأوّلية والثانوية، هل يمكنك أن تشرح الفارق بين الاثنين؟

يجب أن يكون العلاج محدداً لتلبية احتياجات كل فرد. فالبرنامج الأساسي هو المرحلة الأولى التي قد تستمر من شهر إلى شهرين، وفيها يتمّ العلاج الأوّلي. أما المرحلة الثانية، أو ما يُعرف بالعلاج الثانوي، فتساعد المدمن على البدء بإعادة الاندماج في المجتمع، إذ يبدأ بقضاء نصف يوم في المجتمع ويشارك في الخدمات الاجتماعية، ويتعلّم إدارة شؤونه المالية بنفسه والمشاركة في مشاريع. أحد الأهداف الرئيسة للعلاج هو المساعدة في تطوير الشعور بالامتنان.

- ما هو التدريب الرصين؟

يعتمد التدريب الرصين على الدور الذي يلعبه الأقران والأصدقاء في دعم المريض. يكون العلاج صعباً في بعض الأحيان، فيتعب المرضى ويلجأون الى أقرانهم طالبين المساعدة، وهم في الغالب أشخاص تلقّوا العلاج سابقاً، ويتشاركون مهاراتهم ومعارفهم.

- أخبرنا عن الإدمان الخطير الذي تعالجه؟

لا إدمان أسوأ من آخر. علينا معالجة كل أشكال الإدمان بالجدّية نفسها. فمن حقّ الأشخاص أن يعيشوا الحياة أصحّاء وبلا آلام. العلاج يعني أن ترى الحياة بإيجابية... وتعيش بسعادة.

- هل يمكن تجنّب الإدمان؟

أعتقد أن أفضل طريقة لتجنّب الإدمان هي أن تكون على دراية تامّة به وبمخاطره وبمدى استعدادك للوقوع فيه، وتستدرك الوضع في المراحل الأولى وحتى قبلها.

- كيف للشخص أن يعرف أنه دخل دائرة الإدمان ويحتاج الى مساعدة؟

كما قلت، إن الشروع في الشرب لا يعني أن المرء بات مدمناً. بعض الناس قادرون على تناول كوب من البيرة أو اثنين، ثم يتوقفون عندما يشعرون بالحاجة الى التوقّف، لكن البعض الآخر لا يستطيع التوقّف حتى لو رغب في ذلك... وهنا يكمن الفارق. يبدأ الإدمان عندما تصبح الأمور غير خاضعة لإرادة المرء. عندها لا تصير الحاجة إلى التعاطي قوية فحسب، بل تزداد سوءاً مع مرور الوقت، بينما يبدو الضرر واضحاً على الصحة والعلاقات العائلية والاجتماعية ومجالات الحياة الأخرى. ومن أبرز النقاط التي تؤكد أن الشخص بات مدمناً:

• عدم القدرة على الامتناع عن التعاطي، بحيث لا يمكن الشخص أن يتوقف عن الإدمان ساعة يشاء.

• فقدان السيطرة على السلوكيات والتصرفات بعد التعاطي.

• الحاجة الملحّة إلى التعاطي.

• تضاؤل ​​الاعتراف بالمشاكل الكبيرة التي يواجهها المرء نتيجة الإدمان، كالسلوكيات والعلاقات الشخصية وغيرها.

• الخلل في الاستجابة العاطفية، إذ تتضاءل إمكانية التحكّم بالعواطف والشعور بالألم وغيرها.

• الشروع في الاعتماد على المواد الإدمانية للاستمرار في الحياة.

ما النصيحة التي تسديها للآباء والأمهات لاكتشاف إدمان أولادهم الأطفال والمراهقين؟

ربما يكون معظم المراهقين أو حتى الأطفال قد جرّبوا أو تعرضوا لمواد وسلوكيات إدمانية، خصوصاً أن أولادنا اليوم فضوليون ومندفعون ومعرّضون أكثر فأكثر الى أنواع من الإدمان توفّرها الشبكة الإلكترونية. لذا على الأهل أن يلاحظوا هذه العلامات على أولادهم المدمنين والتحرّك لاستقصاءات أبعد ومعالجة الوضع سريعاً. ومن هذه العلامات:

- تجنّب التجمّعات العائلية.

- إهمال النفس.

- العزلة.

- تغيير شلّة الأصدقاء.

- الأكاذيب والسلوك المتلاعب.

- عدم القدرة على الحفاظ على المواعيد أو الالتزام بالوعود.

- تغيّر في المزاج والسلوك.

- فقدان المال أو أشياء ثمينة من المنزل.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079