نسرين هاشم: في مقدور أي شخص يتمتع بالإرادة الصلبة والثقة بالنفس أن يحقق أحلامه وطموحاته
تشكّل المرأة اليوم نصف المجتمع، وقد نجحت في فرض نفسها في مختلف المجالات، فبرزت قائدةً بارعةً، سواء في عملها أو حياتها الخاصة، وبالتالي باتت تؤثر في كل من حولها، وأكدت يوماً بعد يوم أن الوظائف لم تعد حكراً على جنس محدد، وفي إمكان أي شخص أن يثبت جدارته بكفاءته العلمية وخبراته، وخير دليل على ذلك السيدة نسرين حداد هاشم التي اختارت مهنة التمريض، ثم تخصّصت في مجال القيادة والإدارة، وأسّست شركة للتدريب على القيادة الحكيمة وكيفية التعامل مع الموظفين. كما تم تعيينها مدربةً معتمدةً لدى المعهد الوطني للإدارة في لبنان كي تدرّب الموظفين في الدوائر العامة والوزارات على كيفية التواصل مع المواطن والتعامل معه بأفضل الأساليب. «لها» زارت السيدة هاشم في مكتبها، وحاورتها حول المهمّات التي تقوم بها، والمشاكل والصعوبات التي اعترضتها مع بداية عملها، وموقف زوجها وأفراد عائلتها من ارتباطاتها المهنية.
- حدّثينا أولاً عن مسيرتك المهنية؟
اخترت في البداية مهنة التمريض، وحصلت على إجازة جامعية في هذا المجال، وعملت لفترة طويلة ممرضةً في مستشفى الروم. ورغم اختياري مهنة التمريض بملء إرادتي، وجدت في ما بعد أن حلمي الأساس هو إنشاء شركة خاصة بي، تُعنى بتعليم أسس ومبادئ الإدارة والقيادة وكيفية التعاطي مع الزبائن. فصارحت زوجي برغبتي هذه، فشجّعني ونصحني بضرورة متابعة تحصيلي الجامعي في مجال الإدارة والتدريب، فوافقت. وكانت عملية الانتقال صعبة بعض الشيء، لا سيما أنني امرأة متزوجة وأمٌ لطفل صغير، وتترتب عليّ مسؤوليات كبيرة، ولكن زوجي أصرّ عليّ كي أحقّق حلمي، فتركت مهنة التمريض وتخصّصت في مجال الإدارة والتدريب.
- انتقلتِ الى الإدارة والتدريب بتشجيع من زوجك، فكيف تصفين هذا التشجيع، وهل يلعب الزوج دوراً في نجاح زوجته؟
معظم النساء يحلمن بتأسيس عمل خاص بهنّ، ولكن الاندفاع نحو تحقيق الحلم، يرتبط بمدى انفتاح الرجل وتقبّله لفكرة استقلالية المرأة. وبالنسبة إليّ، زوجي دعمني مادياً ومعنوياً، وكان له الدور الأكبر في النجاحات التي حققتها، فحين قررت ترك مهنة التمريض، كان ابني لا يزال طفلاً صغيراً، فتكفّل برعايته والاهتمام به، كي يتيح لي التفرّغ التام لمتابعة دراستي الجامعية، كما أنفق زوجي من أمواله لتغطية مصاريف الجامعة وتأمين كل مستلزمات شركتي الخاصة Lodestar ، وهي شركة تُعنى بالتدريب على المهارات والتطوير الذاتي لأصحاب الشركات.
- ما المهمّات التي تقومين بها، سواء لجهة التدريب في القطاع العام أو في مؤسستك الخاصة؟
العمل في شركتي الخاصةLodestar يتمحور حول تدريب الأشخاص وتطويرهم ومساعدتهم على تحقيق أهدافهم. لذا ندرّب الموظفين في كل أقسام الشركات ونوجّههم للقيام بمهماتهم على أفضل وجه. كما نساعد أصحاب المؤسسات والمديرين العامين على اختيار السبل والاستراتيجيات الفضلى لتحقيق أهدافهم من جهة، وتوطيد العلاقة بينهم وبين الموظفين من جهة ثانية، بما يعود بالنفع على شركاتهم، ويساهم في تحسين عائداتها المالية. كذلك نعمل على تمكين المرأة ودعمها كي تثبت ذاتها في المجتمع الذي يطغى عليه وللأسف الطابع الذكوري. أما في ما يتعلّق بالقطاع العام، فأتولّى تدريب جميع الموظفين في الدوائر العامة والوزارات على كيفية التواصل مع المواطن والتعامل معه بأفضل الأساليب.
- كونك امرأة تتولى هذا المنصب، هل عرّضك لمشكلات مع المجتمع الذكوري؟
للأسف، لا تزال المرأة في مجتمعنا الشرقي تعاني من النظرة الدونية، ولكنني شخصياً تخطيت هذه النظرة لأنني بكفاءتي العلمية نجحت في إثبات نفسي وقدراتي ومهاراتي في التدريب، التي توازي، أو تفوق أحياناً مهارات الرجل – المدرّب. ولكن هذا لا يعني أن الطريق كانت معبّدة أمامي، وخالية من العثرات، فبالتأكيد واجهت صعوبات، كتدريبي ذكوراً يملكون مؤسسات مرموقة ويكبرونني بعشرات السنين، ومن المنطقي أن يشكّكوا في قدرتي وكفاءتي، لكوني امرأة أولاً، ولا أزال في مقتبل العمر ثانياً، غير أنني وبأسلوبي الخاص كنت أتمكّن من تجاوز هذه العقبة، وفي وقت لا يتعدّى الدقائق العشر من بدء لقائي معهم، لا بل أشوّقهم لمتابعة حصة التدريب.
- وماذا عن الصعوبات التي واجهتك في انطلاقتك العملية؟
كانت صعوبات ناجمة عن تردّي الأوضاع الاقتصادية في لبنان من جهة، وعدم اكتمال الفكرة حول ثقافة التدريب لدى أرباب العمل من جهة ثانية، إلاّ أن تفرّد شركتنا في تقديم خدمات التدريب، ولا سيما تدريب الموظفين في قطاع التمريض، جعلنا نحقّق نجاحات باهرة في هذا المجال، كما أن الاستفاضة في الشرح عن دور التدريب والمدرّب في تطوير عمل الشركات، ساعدتنا في تخطّي الصعوبات والمشاكل التي اعترضتنا في بداية عملنا.
- معروف عنك الدقة والالتزام بمواعيد العمل، وقد تضطرين أحياناً للسفر من أجل الإشراف على سير العمل في شركتكم في البحرين، أي تغيبين عن المنزل لأوقات طويلة، فما هو رد فعل زوجك وعائلتك على هذا الأمر؟
لقد أشرت في بداية حديثي الى أن الداعم الأساس لي ولشركتي، معنوياً ومادياً، كان ولا يزال زوجي، فهو متفهّم لمتطلبات عملي، وواثق من مدى دقّتي والتزامي بكل تفاصيل مهنتي. أما بالنسبة الى أولادي فقد تأقلموا مع طبيعة عملي، واعتادوا منذ صغرهم على الاتّكال على أنفسهم، كما أنهم أذكياء وليسوا بحاجة الى مساعدتي في ما يتعلق بدروسهم أو نشاطاتهم اليومية.
- إلى جانب التدريب، تمارسين نشاطات عامة، فماذا عنها؟ وهل تستطيع نسرين التوفيق بين حياتها العملية وتلك العائلية؟
أنا عضو في جمعيات عدة، فبدايةً أتولّى رئاسة النادي الرياضي في حاصبيا- المتن، وعضو في جمعية «مبادرات وقرارات» التي تُعنى وبدعم من السفارات بتدريب الشبان والشابات في المناطق النائية، كما أنني عضو في «مجلس الاغتراب اللبناني للأعمال»، ورسالتنا في هذه الجمعية تقوم على تشجيع المغتربين في بلدان العالم على الاستثمار في لبنان ودعمه من الناحية الاقتصادية، أما الجمعية الرابعة التي أنتسب الى عضويتها فهي lions وهدفها تقديم خدمات ومساعدات للمستوصفات والعائلات الفقيرة. وعلى الرغم من جدول أعمالي المكتظ بالمواعيد، أجدني قادرة على التوفيق بين حياتي المهنية وتلك العائلية، وذلك من خلال تنظيم الوقت فأُخصّص وقتاً للعمل، ومثله للعائلة والأولاد، وقد ساعدني في ذلك تفهّم أولادي لطبيعة عملي واعتمادهم على أنفسهم في أبسط الأمور وأعظمها، وهم يكنّون لي الاحترام والتقدير، ويفخرون بكل عمل أقوم به.
- حياة التوجيه والإرشاد والتعليم والتدريب فيها نوع من التشدّد، فهل انعكس ذلك على تربية الأولاد؟
لا، فأنا ضد فكرة التشدّد المبالغ فيه، ولا أتّبع أبداً هذا الأسلوب في التعامل مع أولادي، أقلّه في الدرس، فهم يصنّفون ضمن فئة الأذكياء في صفوفهم، رغم اتكالهم على أنفسهم، كما أحرص في الوقت المخصّص لأولادي على الاستماع إليهم ومعرفة المشاكل التي يعانونها، وأسعى بالتعاون مع زوجي الى اكتشاف قدراتهم والعمل على تنميتها من أجل التمكّن من استغلالها على أكمل وجه.
- هل تفرض نسرين رأيها على أولادها في حياتهم الشخصية؟
أستمع دائماً الى أولادي، حتى وإن لم تكن خياراتهم صائبة، وأحاول جاهدةً مع زوجي تبيان مساوئ هذه الخيارات وحسناتها لمساعدتهم على اختيار الأنسب.
- ما الذي حُرمت منه نسرين بسبب مركزها وعملها؟ وهل تشتاق الى الحياة العادية؟
لا شيء، فتنظيمي للوقت جعلني قادرة وبدون أي تقصير على التنسيق بين الأمور المتعلقة بحياتي الشخصية والعائلية من جهة، وحياتي الاجتماعية من جهة أخرى.
- هل من رسالة توجهينها إلى المرأة العربية؟
أنصح كل امرأة عربية وأمّ، بأن تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق حلمها. فكل شخص، ومهما تقدّم به العمر قادر على تحقيق أحلامه. وكل شخص يتمتع بالإرادة الصلبة والثقة بالنفس قادر على تحقيق طموحاته، لذا على المرأة العربية أن تثق بقدراتها لبلوغ أهدافها في الحياة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024