تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الفنانة العالمية شاليمار شربتلي: فن الموفينغ يثري الذائقة البصرية

فنانة متميزة بضربات فرشاتها، وضعت لنفسها خطاً فريداً من نوعه، ونقشت تصاميمها بأسلوب مغاير للمألوف حتى وصلت الى العالمية بفن الموفينغ الذي بدأت به وقدّمت لوحات تشكيلية إبداعية بأنامل تركت بصمة مميزة في عالم الفن السعودي والعالمي. الفنانة شاليمار شربتلي نشأت وتتلمذت على يدي والدتها خريجة معهد الفنون الجميلة، وهي زوجة المخرج المصري خالد يوسف، وقد اشتهرت بفن الموفينغ. التقتها "لها" في حوار تحدّثت فيه عن الألوان والتقنيات الفنية التي تستخدمها في أعمالها الرائعة التي ذاع صيتها في دول أوروبا ومصر والسعودية.


- ما هو فن الموفينغ؟

فن الموفينغ منتشر منذ زمن بعيد في أوروبا، وأبرز مثال على ذلك، الموناليزا حين تُرسم على الـ "تي شيرت" التي يرتديها السيّاح، فعملت على نقل اللوحة من المتحف إلى الشارع ورحت أرسم على السيارات.

- ما الذي دفعكِ للقيام بهذه الخطوة؟

لقد رأيت أن الفن التشكيلي في مجتمعاتنا العربية نخبوي، وزائر، وفكرة استيطانه تتطلب منا توظيفه من طريق تعليم الناس. فالثقافة البصرية في المجمل عبارة عن مجموعة تراكمات يومية نبثّها من خلال استخدام الناس لأشيائهم، ولذلك عملت على تطوير الفكرة لتصبح المساحات التشكيلية أكثر اتساعاً في حياتنا.

- ما الصعوبات التي واجهتك في هذا العمل الفني؟

كان من المستحيل استخدام ألوان الأكريليك، لأنها تزول بالماء، فأشار عليّ أخي أن أستخدم ألوان السيارات، والتي تجفّ في غضون ثوانٍ، فبدوتُ كأنني مرصودة لحالة حرب مع تلك الألوان. من يكسب المعركة؟ بصورة أوضح، خراب اللون وأنا أعمل، يضطرّني لإرسال السيارة إلى الورشة ومعاودة تلوينها، لكن اليد الفنية اجتازت الصعوبات وكسبت المعركة، واليوم أنهيت رسم سيارة فورمولا موناكو وهي ستشارك في 4 سباقات عالمية.

- هل تخصّ الفنانة شاليمار "لها" بتلك الأخبار؟

بعد نجاحي في الحدث العالمي "فورميلا 1" الذي أُقيم في مدينة دبي من خلال فن "الموفينغ"، أو الفن الحركي الذي ابتكرتُه من خلال تجاربي، أصبحت السيارة الفنية الأولى جاهزة للمشاركة في سباق 24 أيار/مايو 2019 في موناكو والحصول على الجائزة الكبرى، كما ستشارك السيارة والتي تمتلكها مجموعة GP2 للمحاكاة ويقودها مارك فاجنيتو في 3 سباقات عالمية، الأول يُجرى في مدينة مونزا الإيطالية بين 14و 16 حزيران/يونيو، والثاني في مدينة أسين الهولندية من 19 الى 21 تموز/يوليو، أما السباق الثالث والأخير فسيكون في مدينة إيمولا الإيطالية في الفترة الممتدة من 11 الى 13 تشرين الأول/أكتوبر.

- هل تستمعين الى الموسيقى بينما ترسمين؟

في أثناء الإعداد للعمل الفني، يرافقني صوت "العندليب الأسمر" عبدالحليم حافظ فأُبدع في رسوماتي وأبتكر في ألواني على السيارة المشارِكة في الأحداث العالمية.

- وهل يُثري "الموفينغ" الذائقة البصرية؟

"الموفينغ" فنّ جميل جداً، وقد طوّرته بالرسم على السيارات، وهو فعلاً يُثري الذائقة البصرية، فأن تستعين فرنسا وإيطاليا بفنانة سعودية، هو انتصار مهم للمملكة العربية السعودية، في وقت اتّسعت فيه مساحات الحرية في المملكة، وهذا بفضل الحكومة الرشيدة، وأنا أتشرّف بحمل الهوية السعودية.

- للمرة الأولى تُطرح في الرياض وجدّة وباريس مجموعة جديدة لعام 2019 من إبداعاتك في فن "الموفينغ"، ماذا تضم تلك المجموعة؟

رؤيتي للجمال تتجدّد باستمرار، ذلك أنني لا أميل الى الأشياء الجامدة والثابتة في مساحة واحدة. فذات مرّة وبينما كنت أتسوّق، أعجبتني حقيبة "برادا" فرسمت عليها، مع مجموعة من الجزمات والجاكيتات من "براند شاليمار" الخاصة بي، وأثارت إعجاب صديقتي الفنانة وفاء الدخيل التي تملك "آرت ستايل"، فأخذت المجموعة لعرضها في دبي، وحققت نجاحاً باهراً، لكن للأسف لم أتمكّن من حضور العرض بسبب وعكة صحية ألمّت بي.

- تلك الضربات التي تضجّ بالحياة أهّلتك لرسم جداريات في مدينة جدّة بتكليف من الحكومة السعودية، حدّثينا أكثر عنها؟

كوني أول فنانة تشكيلية يقع عليها الاختيار لرسم جداريات في المملكة العربية السعودية في الأعوام 2005 و 2007 و 2008 هو بحد ذاته إنجاز، وأعتزّ بالثقة التي منحتني إياها حكومة بلادي، فقد بيّنت للعالم مدى أهمية المرأة السعودية وسعة اطّلاعها في مختلف المجالات.

- ينظر أهل الغرب نظرة خاطئة إلى الخليج والمملكة، ما هو ردّك عليهم؟

للأسف الشديد، كوّن الغرب فكرة خاطئة عن الخليج والمملكة العربية السعودية بصفة عامة، وكشعب سعودي لا يملك أدنى درجات الإبداع، تساءل مستغرباً، كيف لتلك الفنانة أن تُبدع في رسم جداريات تحمل جمال الوجوه؟ وكيف لها أن تحصد جائزة "ماتيس" وتتفوق على 600 فنان تشكيلي جاؤوا من 35 دولة؟ لقد دُهشوا فعلاً، فقلت لهم إن المملكة العربية السعودية ملتقى الحضارات، وتملك إرثاً تاريخياً عظيماً، وتضم فنانين تشكيليين ونحّاتين مبدعين، ويقيم فيها فنانون فرنسيون منذ أمد طويل، لكن تساؤلاتكم نابعة من جهلكم ونظرتكم الخاطئة، لأنكم لا ترون الفن والجمال إلا من خلال أنفسكم.

- الحكومة الرشيدة أولتك ثقة كبيرة، فكيف تعاملت معها؟

غمرتني السعادة وشعرت بفرح لا يوصف، وحاولت ما أمكن أن يخرج العمل جميلاً ومميزاً، لأنني أضع لمسات فنية تزيّن وطني، وحتى إن كانت لمسة صغيرة مساحتها متر بمتر في أي دائرة حكومية في بلدي، هي أفضل مليون مرة مما لو كنت أضعها في أي مكان في العالم، لأنني لو لم أكن أحتمي بمظلة إنسانية ونفسية، وأحمل هوية سعودية فلا قيمة لي أبداً. فالوطن أمٌّ وانتماء الى المواطنة، والمملكة العربية السعودية هي أمي الكبرى، لأنني لم ولن أكون فرنسية في يوم من الأيام.

- في أي عمر غاصت شاليمار في عالم الألوان؟

منذ أن بلغت عامي الثالث، تفتّحت عيناي على الألوان في مرسم والدتي كريمة شربتلي مصرية الأصل، خرّيجة معهد الفنون الجميلة، فتلونت عيناي بالمكان، ولم أشعر يوماً بطفولتي، لأنني تحمّلت المسؤولية في سنّ صغيرة، فوالدتي أحبّت أن تكون ابنتها مثقفة ومدركة للأمور، وقد نشأت على أصوات فيروز وعبدالحليم وأم كلثوم وخوليو، وما زلت إلى اليوم أستمتع بأصواتهم، لأن الفن حاجة متكاملة.

- أصبح هذا الفن محور اهتمام الفنانين وخاصة في السعودية، فما السبب؟

فن "الموفينغ" جذب فنانين كثراً، وكوني ألقى تشجيعاً ودعماً من وطني وأهلي في المملكة العربية السعودية والخليج وسورية ومصر والعراق، فهذا ساعدني كثيراً. العروبة تجري في دمي، فأنا أعشق الوطن العربي واللغة العربية، وأستشيط غضباً حين أجد بعض القنوات الفضائية تكتب اللغة العربية بشكل خاطئ.

- كيف تنظرين الى بعض الأمهات اللواتي يفتخرن بأطفالهن الذين يتكلّمون باللغات الأجنبية؟

كم أتألم عندما أجد أطفالاً يتحدّثون بطلاقة في اللغتين الإنكليزية والفرنسية، ويخطئون حين التحدّث باللغة العربية، ولا يسعني إلا أن أقول لهؤلاء الأمهات، عزّزن اللغة العربية عند أطفالكن، لأن باقي اللغات لن تنفعكن، ولن تلقين قبولاً لدى الشعوب الناطقة بها.

- كيف تتعاملين مع الغرب؟

أنا بطبعي أتقبّل الآخر وقادرة على استيعابه، ولم أتعامل مع الغرب بالاستناد الى ما جاء في التاريخ، لأنني لا أحبّذ الصراعات في الحياة، وحين يطلبون وضع السيارة في متحف اللوفر، فهذا تكريم للمملكة العربية السعودية، فهم يتعاملون معي بصفتي رسامة وليس على أساس جنسيتي أو ديني أو لغتي.

- وهل ورّثتْ شاليمار هذه الثقافة لابنتها؟

ابنتي تجيد التحدّث باللغتين الفرنسية والإنكليزية، لكن تبقى العربية أولوية بالنسبة إليها، كما أفرض عليها التحدّث باللغة العربية في المنزل، لأنها تحمل ثقافتين عربيتين، فنصفها سعودي والنصف الآخر مصري، وهذا المزيج يجب أن يمنحها صفة العروبة الخالصة، وحتى إن ولدتْ في فرنسا فلن تكون فرنسية.

- عقدت شراكة فنية مع شركة بلجيكية تُعنى بالرسم على المفروشات العالمية مع الاهتمام بأدق التفاصيل، على أي أساس بنيت تلك الشراكة؟

لم أسعَ لشراكة مادية إنما لشراكة فنية، ولم أهدف يوماً الى النجاح، حتى أنني لا أحب الظهور، وحواراتي قليلة جداً، لأن التاريخ هو الذي يحكي عن إبداعات الرسام، والذي لن يطرق أبواب الوجود كل يوم، وبعدما رأت صاحبة شركة المفروشات أعمالي على الانترنت من خلال صديقة لها، تواصلت معي للعمل على باب كتجربة، وضعته في فنادق 5 نجوم ونجحت التجربة. لكن عملي في مجال السيارات أخذني منها، وسأعود للتعاون معها، إلا أنني لم ولن أوقّع عقداً ما حييت، لأنني لن أسمح لأحد بأن يحتكرني.

- ضربات تشكيلية ظهرت في أولى لوحاتك على سيارة Porsche911 وعُرضت في متحف اللوفر، كيف كان وقع الخبر على عشاق هذا الفن؟

كانت أكثر سيارة تشهد إقبالاً كبيراً، والتقط عشّاق فن "الموفينغ" الصور السيلفي إلى جانبها.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

حققت إنجازات مهمّة في الخارج، لأنني أتنفس الرسم، وهو لم يتعبني يوماً، فالرسم فن بسيط ولا يحتاج الى شرح، فهو إما مفهوم أو غير مفهوم، سواء وصلت فكرته الى الناس أو لم تصل، فكثرة الكلام تُضعف موقف الفنان.

- كيف ترى شاليمار نفسها في 2030؟

إذا أطال الله في عمري، سترسو سفينتي على شواطئ وطني المملكة العربية السعودية مع ابنتي، لأنني سئمت العيش في أوروبا، ومللت من عيون ترصد امرأة سعودية تحترف فن "الموفينغ". لكنني سأبقى على تواصل مع الدول الأوروبية كي أحقق إنجازات فنية ترفع اسم المملكة عالياً في المحافل الدولية، كما أن إحساس الثلاثينيات يختلف عن مشاعر الأربعينيات التي تميل الى دفء الأسرة والأصدقاء، لأنني ما زلت محتفظة بكل أصدقاء الطفولة، وأحب لابنتي أن تكبر في وطنها الأم وتحترم عاداته وتقاليده.

- بين دول أوروبا ومصر ولبنان والسعودية، كيف ترين تلك البلدان بعينيّ فنانة؟

أرى هذه الدول بعيني إنسانة تحب وطنها الأم أولاً، فهو هويتي وجنسيتي، ويأتي حبي لمصر ثانياً، ولبنان ثالثاً... ومحبتي للوطن العربي لا تتجزأ، فأنا سعودية الجنسية مصرية الهوى، ومصر أعطتني الكثير وعلّمتني أرقى الفنون.

- أنتِ سفيرة للنوايا الحسنة، ماذا منحك هذا المنصب كفنانة تشكيلية؟

فرحت بهذا المنصب فقط يوم تسلّمته، فأنا رسّامة ولا تهمّني الشهادات ولا المناصب، كما لا أحب الفوقية، ودائماً أتذكّر قول والدي رحمه الله: "اليوم الذي تصدّق فيه نفسك غنياً هو اليوم الذي تفقد فيه ذاتك"، فلا مكان للتكبّر والغرور في حياتي، لأنني إنسانة قبل أن أكون فنانة.

- ما أكثر ما يهمّ شاليمار؟

أنا أمٌ حنون، وأحرص على تلبية رغبات ابنتي الوحيدة، لأنني مقرّبة من أمي وأعيش منظومة حب معها، وكذلك ابنتي تعيش منظومة العشق معي، فأنا أملك المثلث المغلق: علاقتي بأمّي، وعلاقتي بابنتي، وعلاقة ابنتي بأمّي... مثلث شديد الخصوصية والحساسية ولا يضاهيه إلا حبّ ربّ العالمين.

- زوجك المخرج خالد يوسف، إلى أي حد دعمك؟

نحن نتشارك الحياة بحلوها ومرّها، متفاهمان إلى أبعد الحدود، ويجمعنا حب ابنتنا، ولكل منا الحرية المطلقة في التصرف، فالإنسان بطبعه يكره القيود التي تكبّله، لذلك نعيش بهدوء، ومبدأنا في الحياة نعم للاختلاف ولا للخلاف.

- كلمة أخيرة تخصّين بها قرّاء "لها"...

نحن نعيش جمال الماضي بكل إرثه التاريخي.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079