رلى المراد: أفتخر بكوني أوّل امرأة تنشئ حزباً سياسيّاً لم ترثه من أحد، ولم أدخل السياسة من باب الوراثة
كرّست حياتها للعمل الاجتماعي منذ صغرها فتعاظمت مكانتها بحسها الإنساني، ولم يقف طموحها عند العمل الخيري والاجتماعي، بل دخلت المعترك السياسي ثمّ أنشأت أوّل حزب سياسي نسائي في لبنان تحت مسمّى حزب "10452". وهي النصير الأوّل للإنسان عموماً والمرأة بعد الوطن. تمكنت وبفترة قصيرة من إسماع صوتها، وما يحمله من مطالب عادلة ومشروعة ضد الأنظمة المستبدّة والعقليات المتزمّتة التي تهمّش الإنسان، وتحطم طموحات الفئات الضعيفة والمهمشة، التي تعاني من تقلبات الحياة وظروفها القاسية، في ظل غياب التشريعات التي تحميها من مختلف أنواع العنف والتمييز. هي رئيسة جمعية "آفاق"، وصاحبة ومديرة مركز "Educare" المتخصص بتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حازت رلى إجازة في الأدب الفرنسي من جامعة البلمند، ثمّ تابعت حياتها في الولايات المتحدة، حيث أمضتْ 11 سنة، علّمت خلالها في معاهدَ للّغات، وعملت في مجال العقارات، إضافة الى تطوعها في العمل الاجتماعي، ومشاركتها في العديد من المؤتمرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.
"لها" زارت رلى مراد وكان الحوار الآتي:
- بدايةً حدّثينا عن اهتماماتك الاجتماعية وولادة "جمعية آفاق" وأهدافها؟
حبّ العمل الاجتماعيّ يولد لدى بعض الناس بالفطرة، وهو بالنسبة إلى هؤلاء أسمى وأنبل من كونه مهنة للعيش والتكسّب، هذا العمل يجري مع الدّم في العروق، ويصبح رسالة تتجسّد في مساعدة الناس لا لغاية أو سعياً إلى الأجر، بل إرضاءً للنفس.
ومنذ العام 1989، وفي أول سنة جامعية، انضممت الى الجهاز التطوعي لـ"منتدى المعاقين في لبنان الشمالي"، وكنت أعلّم المكفوفين وأساعد المعوّقين، إذ وجدت أن هذا العمل أنفع من اللهو وتضييع الوقت، خصوصاً أن منطقة الشمال، بناسها وحجرها تعني لي الكثير، وهي بأمسّ الحاجة إلى المساعدة مثل كثير من المناطق المهملة.
وعودةً إلى سؤالك، أذكر أنّني عندما عدتُ إلى لبنان من الولايات المتحدة في عام 2004، أسّست بعد حوالى السنة جمعية "آفاق" التي تهتم بحقوق المرأة والطفل، والتنمية الفكرية والثقافية ومتابعة شؤون الناس وهمومهم الحياتية اليومية. كذلك ساهمنا في نشاطات متعددة، سياحية وتنموية وثقافية، فضلاً عن إقامة مهرجانات تثقيفيّة وترفيهيّة للأطفال، وتعليم السيّدات الأمّيات وتدريبهن وصولاً إلى إطلاق مهنٍ خاصّة بهنّ، منها سوق الدايم-المونة في عكار، من ضمن سلسلة مشاريع تنمويّة تهتم بالشباب والسيدات. وفي عام 2008 افتتحنا مركز "Educare" للتعليم والتثقيف. وأخيراً شاركتُ في مشروع الحملة المدنية لإصلاح الانتخاب مع الوزير السابق زياد بارود، ونشطتُ في جمعية "Women in front".
- وماذا عن حزب "10452" الذي أسّسته عام 2014؟
بعد رحلة طويلة من العمل في النشاطات والاهتمامات الاجتماعية، قرّرت إنشاء حزب سياسي سمّيناه "10452" وهو أوّل حزبٍ سياسيّ نسائي في العالم، هدفه الأساس تحقيق المساواة بين الجنسين، وفتح المجال أمام المرأة للعمل في الساحة السياسية، ومنها البرلمان والحكومة، والمشاركة في صنع القرار في الهيئتين التشريعيّة والتنفيذيّة.
وكان من أهدافنا عام 2014 إطلاق منبرٍ سياسيّ مستقلّ يكون صلة وصل بين 8 و14. واليوم، أكثرية المنتسبين الى الحزب هم من النساء، وهذا الأمر مؤقت، وسنعمل بعد فترة بمبدأ المناصفة. أمّا شعارنا بل قضيّتنا فهي العلمانية وفصل الدين عن الدولة، مركّزين في الدرجة الأولى على المواطن. فهذا الحزب بعيد من الطائفية، ومهمته التركيز على مواضيع الوطن خالياً من الطائفيّة، والاهتمام بالفئات المهمّشة مثل المعوقين والمسنّين والأطفال والمغتربين ومكتومي القيد... وإنماء المناطق النائية.
كما نضع نصب أعيننا تفعيل الحياة الحزبية وتشجيع الأحزاب السياسية كقوة تمثيلية لمختلف التيارات، وتفعيل دور المجتمع المدنيّ ومؤسّساته وإنشاء إدارة خاصة للتفاعل والتنسيق بين هذه المؤسّسات وإدارات الدولة، والعمل على تحقيق المساواة الجندرية في التمثيل البرلماني والحكومي.
- ما هي برأيك مقومات النجاح لأيّ عمل؟
أعتقد أنّ من أهم مقوّمات النجاح وضوح الرؤية والهدف، ثمّ المثابرة وتقبّل الآخر واستيعابه وحب العمل، والأهم تصالح الإنسان مع ذاته. وكلّما حقّق الفرد منّا المزيد من النجاح، كثُر في المقابل حسّاده وأعداؤه وصعُبت مهمّاته، لذلك عليه أن يتحلّى بالصبر، والتمسّك بالمبادئ التي يدافع عنها.
فالقائد في الحياة، يجب أن يكون مقتنعاً بمبادئه ثابتاً عليها، ويبقى على تواصل مع محيطه، لذلك على من يريد النجاح التحلّي بالثقة بالنفس، والتعاون مع الآخرين الذين يختلف أو يتّفق معهم، وسماع الآخرين وعدم السعي الى إلغاء أحد. كما عليه أن يتقبّل النقد والنُّصح ويقوّم اعوجاجه ويستشير الناس في أموره.
هذه مبادئي وهذه وسائلي في الوصول إلى أهدافي، وأعتبر نفسي نجحت وطوّرت رؤيتي السياسية وحتى محتوى خطاباتي وعلاقاتي. وبكل فخر، فرضتُ نفسي بنفسي استناداً إلى الإيمان بالهدف، والمثابرة ووضوح الرؤية.
- كيف تصفين علاقتك مع الرجل؟
علاقتي الأسرية والاجتماعية مع الجنس الآخر ممتازة في كل مراحل حياتي حتّى اللحظة. فوالدي أعطانا الحرية ومنحنا الحنان والعطف والرعاية، وكان يخاف علينا كثيراً، لكنه في الوقت نفسه يشعرنا بقيمتنا، ويحثّنا على التعبير والتفاعل وإسماع رأينا بصوت مرتفع. وهذا ما أدى إلى تقوية ثقتنا بأنفسنا.
ثمّ إنّني تزوّجت من رجل أعتبره حتى اليوم، الداعم الأوّل لي ولمسيرتي. فهو آمن بأفكاري وشجعني دائماً على التقدّم. أمّا أصدقائي من الذكور فقد دعموني على مدار السنين. لذلك لا بدّ من القول إنّ التمييز الأكبر الذي واجهتُه كان من النساء. فالمشكلة في لبنان أن أي شخص ناجح سيجد منافساً يسعى إلى الوقوف في وجهه ووقف مسيرته. ودائماً هناك عدد كبير من النساء غير المتصالحات مع أنفسهن، مما يخلق لهن مشاكل مع الآخرين، وأنا واجهت الكثير منهنّ في مسيرتي.
- ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك خلال مشوارك المهني؟
للأسف، يُنظر إلى المرأة في مجتمعنا بوصفها جسداً لا فكراً، ويُحكم عليها شكلاً لا مضموناً، وتقيَّم وتعامَل على هذا الأساس. لذا، بالفعل واجهتُ بعض الصعوبات، خصوصاً في مجتمعي في الشمال، لكوني امرأةً نجحتْ وأثبتت وجودها بهذه الفترة السريعة وبهذه القوة.سعيت لفرض ذاتي، وكنت المرأة الأولى في عكار التي تتكلّم بالسياسة وتسعى لإقناع الرجل بفكرها على اعتبار أنّ الأرضيّة الثقافيّة في عكار لم تكن مهيّأة لكي تتكلم المرأة بالسياسة. حتى السياسيّون أنفسهم، بالإضافة إلى النّخب الفكرية والثقافية كانوا يرفضون فكرة دخول سيّدة إلى المعترك السياسيّ، لأن الفكرة السائدة عند معظم الناس جوهرُها أن المرأة إمّا أن تكون جاهلة وجميلة أو ذكية وبشعة، وبالتالي يستغربون حين يجدون امرأة تتمتّع بالأنوثة وتهتمّ بجمالها، وفي الوقت نفسه ذكية وناجحة.
وتجدر الإشارة الى أنّني شخص علمانيّ، لذلك لطالما كنت متصالحة مع نفسي. إنّما كنت دائماً مستهدَفة أو "محارَبة" الى حد ما في منطقة الشمال، بسبب طريقة عيشي وملبسي ومظهري...
هناك عدد كبير من الأشخاص غير المتصالحين مع أنفسهم، على العكس مني ومن شخصيّتي، بمعنى أنّني كنت أسير "بعكس التيّار"، وهذا كان أهم الصعاب التي واجهتني في مسيرتي الشخصية والسياسيّة. لكن في المقابل، لدي العديد من المحبّين، والذين يؤمنون بعملي. كما أنني واثقة من شفافيتي، لذلك أرى أن الأهم هو قناعة الإنسان ومنظوره للأمور.
أمّا الصعوبة الأخرى التي واجهتها فتكمن في نقص الدعم المعنويّ والمادي في المشاريع العامّة والكبيرة، وخصوصاً لناحية دعم السياسيين، لأنّ من الصعب الحصول على دعمٍ من السياسيّ بلا مقابل أو تبعيّة، وأنا أرفض أن أكون من المستزلَمين والتابعين. لذلك فالداعم الأساسي لكل المشاريع كان زوجي، إضافة إلى القلّة من السياسيين أصحاب المبادئ.
وأنا أفتخر بكوني أوّل امرأة أنشأتْ حزباً سياسيّاً ولم أرثْه من أحد، ولم أدخل السياسة من باب الوراثة، إذ كوّنت لائحة انتخابيّة نسائية من دون دعم أيّ جهةٍ سياسيّة، لائحة نسائيّة مستقلّة، وكانتْ بمثابة رسالةٍ للناس على العموم بعدم تغييب المرأة من جهة، ولإعلام السياسيّين والأحزاب بأنّ هناك سيّدات قادرات على التحدّي وتكوين لائحة انتخابيّة من دون انتماء أو تبعيّة سياسيّة معيّنة، لائحة كوّنت ذاتها بذاتها وموّلت نفسها بنفسها...
- كيف استطعت التنسيق بين الحياة العمليّة والحياة العائليّة؟
عندما اتّخذت قراري عام 2014 كان أولادي قد تخطّوا مرحلة الطفولة وتعوّدوا على فكرة كوني ناشطة وداعمة لحقوق الإنسان، ودعموني في هذا المجال، كما أنّ الله أنعم عليّ بأولاد مجتهدين، وبالتالي لم أضطرّ يوماً إلى الجلوس قرب أي أحد منهم لتعليمه، وهذا وفّر عليّ الكثير من الجهد والوقت اللذين كرّستهما للعمل في النشاطات العامّة. بل إنني أدخلتهم إلى نطاق عملي، وعرّفتهم على الجمعية بأعضائها ونشاطاتها، وفي بعض الأحيان كنت أصطحبهم معي كي يشاركوا في تلك النشاطات. ولذلك أولادي عاشوا معي في هذا الجوّ، وتفهّموا متطلّبات عملي، وأصبحوا يحبّونه ويفتخرون بما أقوم به. وهكذا فإن كل الظروف كانت مهيّأة ومناسِبة للتوفيق بين متطلّبات الأسرة ومشاغل العمل العام، فكنت قادرةً على إعطاء كلّ ذي حقٍّ حقه ووقته.
- كيف تقيّمين نظرة المجتمع للمرأة العربية من جهة ووضع المرأة اليوم على صعيد الحقوق؟
على الرّغم من كوننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، ما زال هناك استغراب ورفضٌ لوجود المرأة المفكِّرة، العالِمة والقائدة في لبنان وفي الوطن العربي، استغرابٌ يصل أحياناً الى درجة الاستهجان والمحارَبة. لذا لا بد من إعادة هيكليّة للمنظومة الفكرية والثقافية في الوطن العربي عموماً ولبنان خصوصاً، من أجل تعزيز دور المرأة والنظرة إليها بدءاً من المناهج الدراسيّة وصولاً إلى الميادين العمليّة والعلمية بأنواعها وأقسامها. لا بد من تغيير جذري وشامل على صعيد المفاهيم والممارسات.
أمّا بالنسبة إلى الحقوق فأرى أنّها كحقّ الحرية مثلاً، تؤخذ ولا تُعطى. وعلى المرأة أن تأخذ حقّها بيدها، فلا تستجديه ولا تجلس وتنتظر أن تناله أو يناولها إياه أحد. الحقوق القانونية تواجه محاربات كثيرة، فقانون منع العنف الأسريّ مثلاً، يقف في وجهه رجال الدين الذين يلعبون دوراً سلبياً في تدخلاتهم. كما أن المجتمع الفاسد يحد من تقدّم المرأة، إضافة إلى العقليّة الذكورية السائدة، ولا ننسى النواب بتقصيرهم في سَنّ التشريعات وتحديثها لتحقيق الحرّية القانونية للمرأة. ولطالما ظُلمت المرأة اللبنانية ولا تزال في هذا المجال ضرباً وقتلاً وحرماناً للحقوق، على صعيدَي التشريع والتنفيذ. وتجدر الإشارة إلى أنّ تقاعس بعض النساء أحياناً، جهلاً أو خوفاً، يفاقم استفحال الذكوريّة، إذ إنّ السكوت عن الباطل أو المشاركة فيه، يجعلانه حقّاً.
- إلى ماذا تشتاق رلى؟
أبعدتني ممارسة العمل السياسي والانشغال بالشأن العام ومتابعة هموم الناس عن ممارسة النشاطات والهوايات الشخصية، فحرمتْني من حياة السهر والمرح، كما الرياضة وارتداء اللباس الرياضيّ المريح. علماً أنّ نظرة الناس إليّ كشخصيّة عامّة جعلتْني أمتنع عن القيام بأمور بسيطة بنظري ولكنّها مهمة بالنسبة إلى المجتمع. أشتاق بالفعل الى حياة المرح، والتصرّفات الطبيعية ببساطة، بعيداً من الالتزامات التي تفرضها نظرة الناس.
- ما هي نصيحة رلى للمرأة العربيّة؟
على المرأة في أيّ قطرٍ عربيّ أن تتلاقى مع أختها المرأة العربية، فكلتاهما في الهمّ واحدة والمشاكل مشتركة، وفي الاتّحاد قوّة، وبه سنتمكّن كسيّدات عربيّات من إلغاء التمييز ومن تغيير نظرة المجتمع إلينا، كما سنتمكّن بإذنه تعالى من رسم رؤية جديدة للمستقبل.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024