جمال سليمان: الفنانون السوريون يكافحون للحفاظ على الدراما السورية حيّةً
- تنافس في رمضان هذا العام بعمل تاريخي ضخم تحت عنوان "الحرملك"، فما الذي لفتك في هذا العمل وجذبك إليه؟
أكثر ما لفتني في هذا العمل، هو غناه بالأحداث المشوّقة والشخصيات المميّزة، والتي لكلٍّ منها خصوصيّتها. ويبدو أنّ هذا ما لفت الجمهور وجذبه أيضاً إليه فأصاب حيّزاً لافتاً من النجاح.
- ماذا عن شخصية "جاد" التي تقدّمها ونالتْ إعجاب الجمهور؟
"جاد" مُحارب اعتمدت عليه السلطنة في حروبها ضدّ حركات التمرد التي تفشّت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثمّ قررت السلطنة إرساله إلى دمشق لضبط الفساد والفوضى العارمة التي اجتاحتها إثر اغتيال رجل الأمن الأوّل فيها. وليست هذه مهمة جاد الوحيدة في دمشق، إذ جاءها أيضاً لمواجهة ماضيه الصعب، وداوى جرحه النازف إثر وفاة زوجته وأطفاله حرقاً.
- لماذا شعر الجمهور وكأن العمل على صلة بالحاضر لا بالماضي فقط؟
حكايات الماضي هي ذاتها حكايات اليوم، حتى إذا تغيرت التفاصيل والوجوه والأزياء، لذلك نجد دائماً ذاك التقاطع بين الحاضر والماضي، ليس فقط لأن البشر هم البشر بكل نوازعهم في كل العصور، بل لأننا أيضاً ما زلنا في هذا الجزء من العالم ضحايا الماضي.
- يرى البعض أنّ الجمهور ينصرف عن متابعة الأعمال التاريخية، هل توافق على هذا الرأي؟
خلافاً لما يردّده بعض مديري المحطات، أعتقد أنه كان للأعمال التاريخية وسيبقى جمهور كبير، وأكبر دليل على ذلك المتابعة الكبيرة التي حظي بها المسلسل التركي "أرطغرل". ودائماً نقول هذا، لكن للأسف لا أحد يصدّق حتى يظهر الدليل الملموس، والدليل الملموس أنّ أعمال "صلاح الدين"، و"صقر قريش"، و"ملوك الطوائف" تتمتع باهتمام شرائح كبيرة جداً من الجمهور. بعيداً من كل ذلك، ولأسباب مختلفة، أهمّ من الإعلانات، نحن في أمسّ الحاجة إلى أعمال تاريخيّة عميقة وجذابة، والأهمّ تساعدنا على فهم أين نحن الآن، وإلى أين يجب أن نذهب.
- عشر سنوات هي الفارق بين عرض الجزءين الأول والثاني من "أفراح إبليس"، ألم يُحدث ذلك تغييراً في نظرتك للشخصية؟
نعم هي عشر سنوات، لكنها سنوات مليئة بالأحداث والتحوّلات والتغيرات الكثيرة التي أثّرتْ في نظرتي، ونظرة صنّاع العمل الآخرين تجاه شخصيتي والعمل. وكان الجزء الثاني مواكباً لهذه التغيرات.
- يري البعض أنّ الجزء الثاني يرتبط بالواقع وفيه الكثير من الإسقاطات السياسيّة بالمقارنة مع الجزء الأوّل، ما رأيك؟
هذا ما قصدْته عندما قُلت لكِ بأن هناك الكثير من الأحداث والتحوّلات التي طرأت على حياتنا، ومنها على سبيل المثال تفشّي ظاهرة التطرّف والإرهاب، وما صاحبها من انتشار للسلاح والقتل، وهي قضايا تضغط على حياتنا، ويستحيل أن يتجاهلها الفنّ أو يتجاوزها، ومسلسل "أفراح إبليس" بطبيعته مؤهّل للتطرّق إلى هذه الأحداث، وهذا ما فعله الأستاذ مجدي صابر، وهو يكتب الجزء الثاني بعد الأستاذ صفاء عامر الذي كان غيابه خسارة كبيرة للكتابة الدراميّة.
- وكيف استطعت العودة الى تفاصيل شخصية "همام رسلان" كما فعلْت؟
لأنّني أفكر كثيراً في الشخصيات التي أقدّمها، ولا أترك للصدفة إلا القليل، فهي تعيش في أعماقي، بل أدرس تفاصيلها الشخصية والاجتماعية، وأعيش معها وقتاً طويلاً، وعندما أعود إليها أجدها في خزانة ما في أعماقي.
- هل كانت مشاهد مرض "همام" بعد وفاة ابنه هي الأصعب لك في الجزء الجديد أم هناك مشاهد صعبة أخرى؟
نعم، وربما كانت هي الأصعب من الناحية التقنيّة والعاطفيّة.
- في المشهد الافتتاحي للجزء الجديد ظهر مدى ضعف "همام" أمام "دهب" رغم قسوته، لماذا؟
كان يجب إظهار هذا الجانب من شخصيته، لأنه مهمّ في تكوين "همام"، وفي مقولة العمل وحكايته. "همام" شخصٌ قوي وحذر، لكنْ ما من أحد يخلو من نقطة ضعفٍ قد تصل إلى الحماقة. فتعلُّق "همام" بـ"دهب" ليس مجرّد حبّ عادي، بل هو شكل من أشكال الاستحواذ والحصول على الشيء مهما كانت تكْلفته... "دهب"، هذه الإنسانة التي تبدو للوهلة الأولى إنسانةً بسيطة بسبب تربيتها وبيئتها التي جاءت منها، هي في الحقيقة غير ذلك. هي أيضاً قوية وماكرة، استخدمت تأثيرها الأنثويّ على همام لكي تنتقم من الوضع الاجتماعي الذي عاشتْه، فنظرت الى زوجته "كمالات" التي أحسنتْ إليها على أنها عدوّ يجب الانتقام منه على قاعدة الأنوثة، وكذلك على قاعدة الانتماء الى وسط اجتماعيّ أدنى، ونظرت إلى جبروت "همام" على أنها وحش يمكن ترويضه بأنوثتها.
- هل ترى أنّ حماسة الجمهور للعمل استمرتْ كما كانت في الجزء الأوّل؟
أظنّ أن شريحة كبيرة جدّاً من الجمهور كانت تنتظر الجزء الثاني وهي تتابعه بشغف، ربّما كان لـ"السوشيال ميديا" دور في ذلك، لكن ليس كما لو أنّه عمل جديد.
- هل تشعر بأنّ الجمهور المصريّ أحبّك أكثر في أدوار الرجل الصعيدي؟
ربما بالفعل أحبّني في الأدوار الصعيدية أكثر من غيرها، لكن يجب أن يُسأل المشاهد عن ذلك.
- هل بالفعل ستحضّرون خلال الفترة المُقبلة للجزء الثالث من العمل؟
نعم، هذا صحيح، وسنبدأ بالتنفيذ إذا تهيأت الظروف لذلك. والجزء الثالث سيكون استمراراً للصراع بين "همام" و"كمالات"، و"كمالات" و"دهب"، و"دهب" و"همام"، بالتوازي مع الصراع ضدّ الماضي الذي عاد الى الحياة مع خروج "عابد" من السجن، والصراع مع التنظيمات المتطرفة.
- مُنذ مسلسل "أفراح القبّة" لم تشارك في الدراما المصرية في رمضان، هل يحزنك ذلك؟
أبداً، المهمّ أن نقدّم للمشاهد عملاً لائقاً.
- الدراما السورية لا تزال صامدة، لكن هل ترى أنّ هذه الأعمال تحقق نجاحاً مع الجمهور أو النجاح التجاري المتوقّع؟
لا أظن أن هناك نجاحات تجارية. قد تشهد بعض النجاحات الفنية والمعنوية بفضل الفنانين السوريين الحقيقيين الذين يكافحون للحفاظ على الدراما السورية حيةً، وعلى صوتها مسموعاً. بالتأكيد هم شجعان، وأقوياء، ويستحقّون التقدير والاحترام، لأنّهم لم يحبَطوا رغم كل شيء.
- قدّمت الكثير من الشخصيات الناجحة، لكن أيّها الأقرب إلى قلبك والتي تركت في داخلك أثراً أقوى من غيرها؟
"أبو صالح" في" التغريبة الفلسطينية"، و"مطر" في "ذكريات الزمن القادم"، و"عبدالرحمن الداخل" في "صقر قريش".
- هل يمكنك العودة إلى السينما بعمل جديد أم أنّ السينما أصبحت مقتصرةً على أسماء بعينها؟
حتى الآن ليس ثمّة صناعة سينمائية بالمعنى الحقيقي إلا في مصر، وهي صناعة لها اعتباراتها المتصلة باحتياجات السوق، وبالتالي لها موضوعاتها ونجومها، بصرف النظر عن الاستثناءات التي تظهر بين الفترة والأخرى. ما لم تقُم صناعة سينمائية عربية واسعة الانتشار وكبيرة، لن يكون هناك فرص لكثير من السينمائيين الذين يطمحون إلى سينما تثير اهتمام المُشاهد العربي. هذا لا يعني أبداً أنه ليس هناك إنتاجات سينمائيّة نوعيّة، وجديدة في موضوعاتها في عدد من الدول العربية، لكنها متفرّقة ومتباعدة، ومعظم تمويلها خارجيّ وفقير، ولا نرى معظمها إلا في المهرجانات. نحن لم نعِ بعد أن لدينا سوقاً عملاقة في طول الوطن العربي وعرضه.
- هل ترى أن هناك جيلاً تعّرض للظُلم مع ظهور جيل جديد من المخرجين والمؤلّفين والمنتجين، وماذا عليهم أن يفعلوا لرفع الظلم عنهم؟
نعم أوافق على هذا الرأي، وأرى أن السبب هو أننا نتعامل مع كل الأشياء بلا استراتيجية. فكما أنّ الدراما بنوعيها التلفزيوني والسينمائي تحتاج كل يوم إلى دماء جديدة فإنّها في حاجةٍ أيضاً إلى الفنانين الذين نسمّيهم "مخضرمين". ويكفي أن نشاهد كيف أن السينما الأميركية أو الهندية تنتج كل موسم نجوماً جدداً، وفي الوقت نفسه لا تفرّط بنجومها "المخضرمين"، لأنّهم ثروة كبيرة لتلك الصناعة، فيحرصون على تقديمهم في موضوعات جديدة وأفلام عظيمة. ما زالت هوليوود تستثمر بميريل ستريب، وكيفن سبيسي، وبروس ويليس، وآل باتشينو، وشون كونري، ومورغان فريمان، ونيكولاس كيج، ودينزل واشنطن... وبعض هؤلاء تجاوز السبعين من عمره.
- ألا ترى أنّ الأعمال الدرامية أصبحت واقعةً تحت تأثير مواقع التواصل الاجتماعي وإقحام بعض الأحداث التي تثير ضجّة وغباراً بها؟
الـ"سوشيال ميديا" سوق كبيرة للعملة الأصليّة كما للعملة المزيّفة. لا شك في أنّ تأثير مواقع التواصل الاجتماعي طاول كل شيء، وأوجدت نجوماً ونجمات. لكن نجوماً بماذا؟ بعيداً من ذاك الفضول الذي لا يرتوي عند معظم الناس تجاه الآخرين، يومياتهم، وأحدث ما لبسوه، وآخر حفلة ظهروا فيها، خصوصاً إذا كانوا من العاملين في مجال الفن والإعلام، يبقى السؤال: هل يخلط الناس بين كل ذلك والإنجاز الحقيقي؟ صحيحٌ أنّ الـ"سوشيال ميديا" أعطت الفرصة للشباب كي يقدّموا صوَرهم وأسماءهم للناس، وهذا كان شيئاً صعباً جدّاً قبل ظهور هذه المواقع، حيث اندثرتْ مواهب كثيرة لأنها لم تحظَ بفرصة التعريف بنفسها، أمّا اليوم فبات الموضوع مُختلفاً، بحيث أصبح من السهل على أيّ شاب أو شابّة في أيّ مكان، مهما كان بعيداً ومجهولاً، أن يقدّما صورهما ونفسيهما وبعضاً من روحهما وحضورهما على أكبر منصة عرفتها البشرية، لكنّ هذا كله، وعلى أهمّيته، لا يكفي، لأنه مجرّد قرعٍ على الباب، فالذي يبقى هو الإنجاز وليس الإطلالات.
- هل أصبحت الـ"سوشيال ميديا" مصدر ضررِ للفنّان؟
إنّها سلاح ذو حدّين، فهي من ناحية جعلتْ حياة الفنان مستباحة، ومن ناحية أخرى أعطتْه الفرصة ليتواصل مع ملايين المعجبين به مباشرةً وعلى طريقته، في حين كان ذلك في الماضي مقتصراً على الصحافة، التي قد تختار أن تروّج لهذا الفنان دون ذاك، لكن تأثيرها وحجم انتشارها لا يمكن مقارنتهما بتأثير الـ"سوشيال ميديا" وانتشارها.
- ما رأيك بالشعارات والألقاب التي أصبح يطلقها البعض على أنفسهم؟
كل واحد حرّ في أن يفعل بنفسه ولنفسه ما يريد، المهمّ أن يقبله الناس، وهنا يجب على الفنّان أن يدرك الفارق الهائل بين فضول الناس تجاه ما يصدر عنه وقبولهم بهذا الشيء.
- في حوار سابق لك أشدْت بمحمد رمضان حين محاربة البعض له، لماذا؟
لأنّه ممثّل موهوب ومجتهد. ولو سألني النصيحة لكنت أوصيته بأن يكون أكثر هدوءاً وينسى قصص التنافس، لأنّها تفسد على الفنان سعادته بنجاحه.
- كتبت العام الماضي رسالة مؤثرة جدّاً للراحلة مي سكاف، كيف كان وقع صدمة رحيلها عليك؟
كُنت على صداقة مع "مي" وعائلتها مُنذ كانت طالبة جامعية، أحب تلك العائلة وأحترمها. مي، رحمها الله، كانت إنسانة مرهفة الإحساس وسريعة الانفعال، وهذا كان صعباً عليها مع تلك الأهوال التي رأيناها ومررنا ببعضها. الغربة والظلم كانا يدمّران روحها وأعصابها. التقيتها بعد فراقٍ طويل في رومانيا، ونحن نصوّر مسلسل "أوركيديا"، وأدركت كم أنّها متعبة وحزينة، وكنت صارماً في كلامي معها وصريحاً، قلت لها إنّ خيبتنا هائلة، ومحنتنا طالت وستطول، ويجب عليها أن تحمي نفسها من كل تلك الحساسية المفرطة، والانفعال الذي لا يهدأ... لكن يبدو أن كل ذلك كان متأخراً. كانت إنسانةً نبيلة وصادقة، رحمها الله.
- ما زال هناك نجوم يتبادلون الاتهامات في ما يتعلّق بالشأن السوري، كيف أصبحت تتعامل مع الآراء المخالفة لآرائك؟
لا مشكلة لديَّ في مناقشة صاحب الرأي الآخر، مهما تعارض رأيه مع رأيي. حتى الجهل أو الكذب الذي يأتي على استحياء لا مشكلة لي فيه، لكنّ مشكلتي مع الكذّاب الفاجر أو الجاهل الوقح، وفي كل الأحوال، تعلمت ألّا أهتمّ إلا بما يستحقّ الاهتمام. بالمناسبة، وجّهتُ هذه النصيحة لـ"مي"، لكنّها لم تسمعني.
- ما هي الأعمال التي تحرص على مشاهدتها في رمضان؟
صدّقيني لا أعرف، هذه سنة غريبة، فيها الكثير من الغموض.
- كيف ترى إلى غياب عدد كبير من نجوم الدراما عن رمضان هذا العام؟
غياب بعضهم خسارة.
- ما برنامجك لشهر رمضان هذا العام؟
كعادتي معه في كل عام، يذهب نصفه أو أكثر في التصوير، وحين يكون هناك وقت أتشارك الإفطار مع العائلة والأصدقاء المقرّبين، في نوع من لمّ الشمل.
- وما هي أبرز طقوسك الرمضانيّة؟
ما مِن طقوسٍ بعينها، لكنني عموماً أحب الخروج مع أصدقائي، وأنا عاشقٌ للأجواء العائليّة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024