وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق: العلم سلاح المرأة في مواجهة التمييز
- من هي مي شدياق؟ كيف صقلتك تجربتك الإعلامية الطويلة؟
مي شدياق هي مي شدياق بكلّ بساطة. امرأة لبنانيّة، إعلاميّة، سياسيّة مؤمنة كل الإيمان بسيادة لبنان وحريّة شعبه، وهي المدافعة الأشرس في وجه كل من أراد سلب لبنان استقلاله. تجربتي في عالم الصحافة والإعلام هي التي كوّنت شخصيتي الفذّة. لقد كانت الصحافة ولا تزال شغفي الأول. حتىّ مع حصولي اليوم على حقيبة وزارية، سيظل جزء كبير منّي صحافية. الصحافة مهمّة نبيلة، علّمتني رصد الأحداث واكتشاف الحقائق لإيصالها إلى الرأي العام من دون تشويه، مع مواجهة كل ما قد يعترض طريقي من مشكلات ومخاطر في سبيل أداء دوري الإعلامي على أكمل وجه، وأداء مهمّاتي الصحافية بضمير حيّ. تعلّمت أن أحمل قضيّةً وأضعها نصب عيني، ونقل الحقيقة كما هي، مع الالتزام بالمبادئ العامة للمهنة، وإثراء النقاش لتمكين الرأي العام من اتخاذ الخيارات السليمة المبنية على الحقائق.
- من الإعلام الى السياسة: كيف تغيّرت مي وتحوّلت؟
لقد دخلتُ مجالَيّ السياسة والإعلام خلال مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، في ظل تقلّبات سياسية وتوترات وضعت الشعب اللبناني بأكمله تحت سيطرتها. لذا أعتبر نفسي في صلب المجال السياسي منذ بداية مسيرتي، وبالتالي لم أنتقل من الإعلام إلى السياسة، فلطالما استهوتني السياسة، ولطالما اقتنعت بقيم ومبادئ وأسس سياسيّة معيّنة واخترت الدفاع عنها. في السياسة كما في الصحافة والحياة، مي شدياق هي هي: حقيقية، شفّافة، وشجاعة.
- ما هي الأهداف التي وضعتها نصب عينيك بعد تعيينك وزيرة لشؤون التنمية الإدارية في الحكومة؟
هذه الوزارة، على الرغم من كونها وزارة دولة، هي من أهم الوزارات. ومن الأهداف التي أسعى إلى تحقيقها في وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، العمل على إيجاد الآليات اللازمة والطرق المناسبة لمكافحة الفساد. دور الوزارة يقضي بإقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والتي تضمّ كل القوانين والمراسيم وخطط العمل لمكافحة الفساد. كذلك يكمن دورها في تعزيز الشفافية من خلال قانون حق الوصول إلى المعلومات، وتحديث الإدارات العامّة وتطويرها من خلال تدريب الكادر البشري في القطاع العام وتمكينه، وإعادة هيكلة القطاع العام بالتنسيق مع الجهّات الرقابية ورئاسة الحكومة والوزارات المعنيّة لترشيد الإنفاق وبناء إدارة عامّة قويّة تتماهى مع عصر التطوّر. من أهمّ الأهداف المرجوّة أيضاً، تنفيذ الحكومة الالكترونية التي تلعب دوراً أساسياً في القضاء على الرشوة والفساد في الدولة، والحد من التعامل المباشر بين الموظف والمواطن، وخفض الهدر وإضاعة الوقت، إذ تُمكّن الحكومة الالكترونية المواطن من إجراء المعاملات من المنزل.
- طُرح اسمك في وزارات عدّة، وكان الرجل دائماً يسبقك إلى المنصب، وكأن المرأة منذورة للانتظار الطويل. ماذا تقولين عن التمييز اللاحق بالمرأة في مجال المشاركة السياسية؟
قضيّة انخراط المرأة في العمل السياسي تشهد تحسناً مستمراً في لبنان. ففي العام 2009 كان عدد المرشّحات إلى الانتخابات 12 سيدة فقط لا غير، ثم ارتفعت هذه النسبة في العام 2018 إلى أكثر من مئة مرشّحة. إذاً، باتت المرأة اللبنانية مدركة لأهمية مشاركتها في الحياة السياسية وممارسة دورها التشريعي مثلها مثل أي رجل آخر. إذ لا يمكن مفهوم تطور الدولة أن يسير على السكّة الصحيحة من دون مشاركة المرأة. وشهد لبنان أخيراً وصول عدد من الوزيرات يتمتّعن بحنكة سياسية ونشاط منقطع النظير. وفي سابقة تاريخية، تسلّمتُ وبفخر كبير وزارتي من الوزيرة الدكتورة عناية عز الدّين. لأوّل مرّة في لبنان، تُسلّم امرأة حقيبة وزارية لامرأة أخرى!
- نحن نخوض معركة طويلة، سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى المزيد من مشاركة النساء في البرلمان اللبناني، ونأمل ذات يوم تبوّؤ النساء مناصب كبرى في الدولة، وتسلمهنّ أكبر عدد من الوزارات، ولمَ لا رئاسة الدولة؟!
وأودّ أن ألفت إلى تحسّنٍ في تمثيل المرأة في الأحزاب اللبنانية، فالأمينة العامة لحزب "القوات اللبنانية" امرأة. والحزب مُمثَّل بامرأة في البرلمان، وأخرى في مجلس الوزراء. وللرئيس سعد الحريري مستشارتان هما هزار كركلا وكرما إكمكجي. وتيار "المستقبل" مُمثَّل بالسيدة بهية الحريري، والسيدة رولا الطبش، والسيدة ديما جمالي حتى وإن أُبطلت نيابتها في البرلمان. وهنا لا يسعني إلا أن أقدّر مبادرة تيار "المستقبل" الى إشراك النساء في العمل السياسي على مستوى رفيع، عبر تسليم حقيبة وزارية أساسية، وهي الداخلية والبلديات للوزيرة ريّا الحسن.
- لماذا لا يثق مجتمعنا بالمرأة في رأيك؟
لا تزال مجتمعاتنا الذكوريّة تتبنّى عقليات بالية ومفاهيم مرّ عليها الزمن. ولكن لا شكّ في أن الوضع إلى تحسّن مستمرّ. وتقع على المرأة مسؤولية النضال بلا كللّ كي تثبت جدارتها ونجاحها في المجالات كافة.
- هل عرفت تمييزاً أيضاً في مجال الإعلام لكونك امرأة؟
منذ اليوم الأوّل، دخلت مجال الإعلام بثقة وحزم وفرضت نفسي، وبات مستوى الأعمال التي أقدّمها يتحدّث عنّي. كما كنت ولا أزال صاحبة شخصية إيجابية أنظر دائماً إلى نصف الكأس الممتلئ وليس إلى النصف الفارغ، لذا كنت محبوبة من زملائي.
- هل على المرأة القوية والمتمكّنة أن تدفع دائماً ثمن ضريبة نجاحها؟ وما هي الضريبة التي دفعتها؟
دائمًا ما يعاكسنا الحظ، نضع خطّة واضحة لمسيراتنا المهنية والشخصية، ونبني حياة منظّمة، وفجأة يتغيّر مصيرنا وتقذف بنا الحياة من ضفّة إلى أخرى، فنقف مذهولين أمام هذا الخليط من الأحداث المتسارعة. لقد دفعت ضريبة جرأتي وإصراري الأبدي على قول الحقيقة. لقد ضحّيت بنصف جسدي في سبيل "لبناني" الذي أردته سيداً، حرّاً، مستقلاً. ولكن، قافلة الحياة تسير بنا أو من دوننا، فلا يسعنا إلاّ التحلّي بالصبر والأمل.
- هل تؤيدين إقرار قانون "الكوتا" لحفظ حقوق المرأة في المشاركة السياسية؟
أنا مع "الكوتا" على الرغم من موقف حزب "القوات اللبنانية" الذي لا يتمسّك بإقرارها. شخصياً، أعتبر أن "الكوتا" ضرورية لتغيير الذهنية في لبنان. مع الإشارة إلى أن حزب "القوات اللبنانية" هو أكثر حزب يتميّز بالعنصر النسائي، والدكتور سمير جعجع يقدّر المرأة ويعيّنها في المنصب المناسب ويوكل إليها المهمّات الكبرى. لكننا نحتاج الى "الكوتا" كي تتعوّد بعض الأحزاب التي تعطي الأولوية للرجل، على فكرة تقبّل المرأة في الحياة السياسية، وأحقيتها في تبوّؤ المراكز السياسية. لا بد من مرحلة انتقالية تُعتمد فيها "الكوتا".
- قوانين عدّة ظالمة بحقّ المرأة تطالب الجمعيات النسائية بوضعها على نار حامية، منها رفع سنّ زواج الفتيات إلى 18 عاماً وتجريم العنف ضد المرأة وغيرها... ما موقفك منها؟
هناك عنف قانوني ضد المرأة في ما يتعلّق بالأحوال الشخصية والعقوبات. تفتقر المسائل الاجتماعية التي تخصّ المرأة إلى المعالجة الجادّة. في العام 2014، أقرّ البرلمان اللبناني قانوناً بارزاً حول العنف الأسري، إلا أن هذا القانون يتطرق إلى هذه المسألة الشائكة بشكل ضيق جداً، كما فشل في تجريم الاغتصاب الزوجي. يؤسفني أن أسرد مجدّداً المسائل المجحفة بحق المرأة، والتي لا نزال نخوض حربًا ضروساً في وجهها. سنة 2020 على الأبواب، وما زلنا نحارب الزواج المبكر والتحرّش الجنسي والعنف وغيرها. في هذا الإطار، يتوجّب اليوم على النوّاب إظهار التزام باتخاذ خطوات جادة ومحدّدة لإصلاح القوانين المتعلّقة بالنساء، بعيداً عن التمييع والتناسي والتغاضي.
- ماذا عن قانون الجنسية لأولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي. هل دخل الصراع السياسي والديموغرافي اللبناني، وبات من سابع المستحيلات إقراره؟
من حق المرأة إعطاء الجنسية لأولادها، ومع الحفاظ في هذه المرحلة على استثناء المتزوّجات من فلسطينيين، لأن الدستور ينصّ على منع التوطين. كذلك الأمر بالنسبة إلى المتزوّجات من سوريين، لأن الموضوع هو موضع أخذ وردّ، خصوصاً في ظلّ وجود مليون ونصف المليون سوري في لبنان، مسجّلين كنازحين، ويمكن السماح للمتزوجات من سوريين أن يؤثر في الديموغرافيا اللبنانية. لذا أعتقد أنه يجب استثناء هاتين الحالتين في الوقت الحالي، وتُمنح المرأة في ما عداهما الحق في اعطاء الجنسية لأولادها.
الشهيدة الحيّة
- كان يوم 25 أيلول/سبتمبر 2005، ذكرى أليمة، قلبت حياتك رأساً على عقب، إثر محاولة اغتيال تعرّضتِ لها في منطقة جونيه، في ظلّ مسلسل التفجيرات الذي كان سائداً في لبنان وقتذاك. وعُرفت بعد الانفجار بلقب "الشهيدة الحيّة". أخبرينا كيف تجاوزت هذه المحنة وحوّلتها انتصاراً بدلاً من انكسار؟
في طبيعة الحال، مررتُ بفترات عصيبة لكي أتقبّل فكرة أن أكون قد فقدت استقلاليتي الجسديّة وأحتاج إلى من يساعدني في تركيب أطرافي الاصطناعية، خصوصاً أنني فقدتُ رِجلاً ويداً. تقبُّل الأمر الواقع ليس سهلاً أبداً. أُحاول دائماً أن أخفي ما تسبّب به الانفجار من أضرار في جسدي. عندما أضع هذه الأطراف، أنظر في المرآة وأقول لنفسي: "ما زلت أنا مي شدياق نفسها! أصررتُ على أن يناسب رِجلي الاصطناعية حذاءٌ بكعب عالٍ نوعاً ما، لكي أحافظ على أناقتي وأنوثتي المتمسّكة بهما، ولو كنتُ في أسوأ حالاتي الصحّية. كما ذكرتُ سابقاً، أنا أنظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس، لذا رفضتُ الانكسار، واعتبرت نجاتي إشارة تحثّني على إكمال مسيرتي الإعلامية والسياسية والأكاديمية أيضاً، فأنا كنتُ ولا أزال أستاذة جامعية في جامعة سيدة اللّويزة NDU، كما تابعت دراستي العليا وحصلت على شهادة الدكتوراه من Paris II Assas، في علم التواصل مع تقدير لجنة التحكيم. قررتُ منذ البداية أنني إذا لم أواجه الحقيقة وأصارح نفسي بما أنا عليه، لا يمكن أحداً مساعدتي. أردتُ أن أكون فجّة مع نفسي في مواجهة ما تعرّضت له. كنتُ قاسية مع نفسي، ولكنني أعتبر أنني عالجتُ نفسي بنفسي.
- أيّ دور لعبته أختاك ميشلين وميراي في تخطّي تلك المرحلة؟
ميشلين وميراي هما قوّتي وقدوتي. منذ الصغر تعلّمنا أن نقف معاً في وجه كل المشقّات التي قد تواجهنا. وهكذا فعلنا، فنشأت بيننا علاقة حبّ واحترام كبير. لا نزال حتّى اليوم All for one، One for all. كما أعتبر أولاد ميراي أولادي. لا شك في أن دعم العائلة هو أهم الأسباب التي مكّنتني من تجاوز محنة محاولة اغتيالي على المستويين الجسدي والنفسي.
- كتبت سيرتك الذاتية بالفرنسية تحت عنوان "السماء تنتظر": أيّ رسالة أردت أن توصلي في كتابك؟
أردت أن أثبت أنّني هنا، وأنني كنتُ ولا أزال صاحبة صوت صارخ خالٍ من التنميق والمسايرة في توصيف الأمور والأحداث، جعل منّي هدفاً لحملات عدائية ممنهجة. أردت أن أثبت أن محاولة اغتيالي الوحشية التي ألقت بي في أتون من عشرات العمليات والآلام الجسدية والنفسية اللامتناهية، لم تنل من عزيمتي، لا بل جعلتني أكثر تحيّزاً لقناعاتي وأفكاري وتوجهاتي.
- "المرأة الخارقة" بات لقبك بعد تجربتك مع الموت، وبعدما أظهرت قوّة جبّارة في مواجهة آلامك وتحدّي واقعك، ورغبتك الجامحة في الحياة، وابتسامتك الدائمة التي تكمل أناقتك الراقية، أخبرينا عن سرّ هذه "المرأة الخارقة"؟
لست من الناس الذين ينجحون في لبس القناع. أنا حقيقية وشفّافة، لديّ أوقاتي حيث أكون متأثرة أو متألمة، وتترقرق الدموع في عينيّ بسهولة، لكن بطبعي أنا امرأة إيجابية. المهم لي هو أن أؤسّس دائماً لمشاريع مستقبلية كي أشعر بأنني مفيدة للمجتمع، وبأنني أقوم بأشياء تنفع وطني وطلّابي. وبطبعي أنا دائمة الابتسام، هكذا خلقني الله وأسعى كي أبقى كما أنا رغم كلّ الظروف. الله يحبّ الجمال، وأنا مصرّة على أن أضيف لمسة من الجمال إلى كل شيء في حياتي. أصررت على الحفاظ على إطلالتي، لذلك استغنيت عن اليد الاصطناعية التي في إمكانها أن تتحرك مقابل يد اصطناعية تكون مماثلة ليدي اليمنى. عندما يراني أحد للوهلة الأولى لا ينتبه إلى أنني أضع يداً اصطناعية. ليس من السهل أن أبقى أنيقة لأنني أخفي الكثير من أجزاء جسدي التي يجب عدم إظهارها لأنها تضرّرت بفعل محاولة الاغتيال التي تعرضت لها. سرّ المرأة الخارقة هو بكلّ بساطة في الإصرار على إكمال مسيرة الحياة بأمل وصمود.
- كلمة أخيرة للجيل الجديد من الفتيات...
أقول للشابات، لا تيأسن، احملن كتبكن وأقلامكن وتسلّحن بالعلم والمعرفة، فالعلم هو سلاحكن الوحيد في محاربة التقاليد البالية التي تجعل منكن مواطنات فئة ثانية. ناضلن من أجل حقوقكنّ، فالحقوق لا تُعطى، بل تؤخذ بالقوة! حافظن على أحلامكن وطموحاتكن، أبقينها على قيد الحياة! لا تسمحن لأحد بأن يكتب قصصكن الشخصية ويقولبها كما يشاء، بل اكتبنها بأنفسكنّ كما ترغبن. لنكملَ معاً التحدّي الكبير الذي نخوضُه اليوم، ونثبتُ يومياً أنّنا بأنفسنا صانعات التغيير الذي لا بد منه!
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024