الجنسية لأولادهنّ... نضال محقّ للأمهات في لبنان وأمل بالتغيير في المملكة
أظن أننا لا نعرف قيمة الأشياء إلا بعدما نجرّبها. دائماً كنت أرى التحركات التي تطالب بالسماح للأمهات اللبنانيات بمنح أولادهن الجنسية وأدعمهن بصورة أو تغريدة ما. وأحياناً كنت أمشي مع المتظاهرين في الشارع لاقتناعي بهذا المطلب المحقّ. لكن مفهوم نضالي السطحي اختلف بعدما شاء القدر أن أرتبط بأجنبي وأعيش التجربة.
حكي لي عن معاناتها الدائمة مع طفلتها التي تحمل الجنسية البريطانية، وتقيم في لبنان منذ وفاة والدها. فهي لطالما عانت في طوابير الانتظار من أجل تجديد إقامة طفلتها، مصطحبةً معها بطاقة التأمين الصحي ورسم التسجيل في المدرسة وغيرها من الأوراق الثبوتية. معاناة هذه الأم هي نفسها التي يعيشها حالياً العشرات من النساء اللبنانيات، وسترافقهن مستقبلاً... فالطفلة تُعامل في بلد والدتها كالغريبة، لأن الدولة اللبنانية تصنّفها مواطنة أجنبية.
لطالما حدّثتني صديقتي عن خوفها من ألاّ تتمكن ابنتها من دخول الجامعة، والحصول بعد التخرّج على فرصة عمل في لبنان، فهذا الهاجس يطاردها دائماً، ومع ذلك كانت تقول: "كلما رأيت معاناة غيري من النساء مع جنسية أطفالهن، خصوصاً إذا كنّ من إحدى الدول العربية، تهون عليّ مصيبتي وأحمد الله على أن ابنتي تمتلك جوازاً أوروبياً وجنسية بريطانية. آمل أن يكون هذا جواز عبورها لإيجاد عمل لائق في المستقبل".
حينذاك لم أكن معنية بالقضية مباشرةً، وكنت أُبدي تأثري بالأمر كحق إنساني وأتعاطف مع الأم القلقة على طفلتها. لكن شاء القدر أن أخوض التجربة نفسها وأعيش القلق نفسه على أولادي في المستقبل. والسؤال، كيف لدولة صغيرة تطبّق كل القوانين الفرنسية أن تستثني منها هذا الحق بحجة التوزيع الديموغرافي؟
القانون اللبناني لم يتغير منذ الانتداب الفرنسي
رغم أن كل المواطنين سواسية أمام القانون، لا تزال التشريعات اللبنانية قاصرة عن إعطاء المرأة أبسط الحقوق التي ينص عليها الدستور، ومنها حق المتزوجة من أجنبي في إعطاء الجنسية لأولادها، فتتساوى بذلك مع شقيقها الرجل المتزوج بأجنبية.
لا تطالب المرأة اللبنانية بأكثر من حقها كإنسانة. فكل ما تريده هو حقها في التوقف عن سماع الخطابات الطائفية والعنصرية ومواجهة الخوف الذي يساهم في نشره عدد من النواب والصحافيين وصنّاع القرار، متذرّعين بأن منح المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها سيُخلّ بالتوازن الديموغرافي في لبنان ويقلب الأمور رأساً على عقب. ففي هذا البلد، يعتبر أي تعديل مخالفةً للقانون، ومن شأنه أن يؤثر في الأمن القومي للبلاد.
واللافت أن القوانين اللبنانية لا تزال على حالها منذ عهد الانتداب الفرنسي، ومن ضمنها هذا القانون الجائر بحق المرأة. وللأسف، لا نجد بين المشرّعين اللبنانيين مَن هو قادر على تغيير هذا القانون ليصبح كالقانون الفرنسي الذي عُدّل منذ عشرات السنين احتراماً للمساواة بين كل المواطنين.
أكثر من 94 ألف لبنانية تعيش في صراع الجنسية
كلّما طالبت اللبنانية المتزوجة من أجنبي بالجنسية لأبنائها، خرج من يعترض ويؤكد أن الظروف الراهنة لا تسمح بإقرار هذا النوع من القوانين، لوجود قضايا أكثر أهمية. وهناك من يتوجّس من الفكرة معتبراً أنّ هذا التجنيس يدعم قضية توطين الفلسطينيين ويتعارض مع حق العودة، ويخاف البعض من أن يؤدي التجنيس إلى غلبة طائفة على أخرى. وهكذا تعيش أكثر من 94 ألف لبنانية متزوجة من أجنبي هذا الصراع منذ أكثر من 17 عاماً، أي منذ إطلاق حملة لإصلاح قوانين الجنسية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
تونس تمنح النساء هذا الحق والمملكة تدرس المقترح
تعمل معظم الدول العربية بما فيها المملكة العربية السعودية على إصلاح قوانين الجنسية فيها بشكل كامل أو جزئي، ما يضمن حقوقاً كاملة للمرأة والطفل على حد سواء. إلا أن لبنان الذي يدّعي أنه أكثر انفتاحاً من سائر الدول العربية لم يقم حتى الآن بأي إصلاح فعلي في هذا المجال.
في المقابل، خطت الدولة التونسية خطوات ثابتة في مجال إدخال تعديلات على أحكام قانون الجنسية التونسية في اتجاه تحقيق المساواة بين الأب والأم وإسناد جنسيتهما الى الأبناء بالنسب.
ويسعى البرلمان التونسي إلى إحداث شراكة فاعلة بين الرجل والمرأة وتحقيق المساواة بينهما في الحقوق والواجبات لتسيير شؤون الأبناء بما يتماشى مع حماية مصالحهم وارتباطهم بوطنهم وتعزيز النسيج الأسري في البلاد. وهكذا يمكن تمكين المولود من أم تونسية وأب أجنبي من أن يصبح تونسياً بتصريح من الأم لإلغاء كل مظاهر التمييز في القوانين بحق المرأة. وعلى خطى تونس، وافقت الغالبية العظمى من أعضاء مجلس الشورى على درس مقترحين لتعديل نظام الجنسية في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي سيمكّن أبناء السعوديات من الحصول على جنسية الأم، إذا تم إقراره. ويؤكد المدافعون عن هذا التعديل الجوهري أن نظام الجنسية لم يطرأ عليه أي تغيير منذ عشرات السنين، وأن منح الجنسية لأبناء السعوديات بغض النظر عن مكان الولادة، يهدف إلى حماية النسيج الاجتماعي من أي شكل من أشكال التمييز، فيما يعتمد المعارضون في مجلس الشورى على نقطتين اثنتين هما: "البعد الشرعي" و"البعد الاقتصادي"، متخوّفين من المشاكل الاجتماعية والأمنية التي قد يولّدها هذا التعديل.
السلطة النسائية تدعم حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي"
تواصل حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" الاعتصامات المتعاقبة في شوارع بيروت للمطالبة بإقرار مشروع قانون منح النساء اللبنانيات الجنسية لأولادهن.
وقد أثنت مديرة الحملة كريمة شبّو في لقاء مع "لها" على موقف وزيرة الداخلية والبلديات الحالية ريّا الحسن المعنية والمختصة بإقرار قانون الجنسية، مؤكدةً دعمها وتأييدها للمطلب. ووجّهت التحية والشكر لها على جرأتها وإعلانها عن هذا الدعم والتأييد للحق من دون أي استثناء... وأضافت: "كفانا تصاريح سياسية وإعلامية ونطالب بالتشريع والتنفيذ". ودعت رئيس مجلس الوزراء سعد الدين الحريري الداعم لهذا الحق، كما صرح مراراً، الى إقرار هذا التشريع في القريب العاجل.
وتابعت: "نرفض الوقوف على أبواب السياسيين، وكل ما نريده هو العمل على إصدار قانون مفصلي يعطي الحقوق لكل المواطنين من دون استثناء، وليكن للنساء أولاً، فلهنّ الأولوية في الحصول على الحقوق. لا نريد قوانين تفصَّل على قياس أشخاص، بل نريد مساواة ومواطنة وحقوقاً".
قانون الجنسية في لبنان كما أُقرّ في العام 1952
تطلب الحملة باستمرار من مجلس النواب تنفيذ الوعود وإقرار مشروع قانون ينص على المساواة الكاملة بين جميع المواطنين على الأراضي اللبنانية. وحتى الآن لم يقم المجلس بأي خطوة فعالة، باستثناء النائب هادي أبو الحسن الذي قدّم مشروع قانون يتبنى هذه القضية وينصّ على المساواة الكاملة بين النساء والرجال ويحقق العدالة الاجتماعية من دون اجتزاء ولا انتقاص.
وشبّهت الحملة في اعتصامها الأخير الذي أقامته في 10 آذار/مارس 2019 قانون الجنسية الذي يعود إلى العام 1952 بالجراثيم والبكتيريا والعفن التي تفتك بالمجتمع، وذلك نظراً لقِدمه. كما أن الرافضين لتعديل هذا القانون أو تطويره يزداد عددهم بإطراد، لاعتبارات سياسية لعل أهمها التوطين. ولذلك طالبت الحملة بتعديل القانون القديم وتبديد المخاوف لتحقيق المساواة بين المواطنين.
في المحصّلة، يختلف قانون منح الجنسية للأبناء، بمسوغاته وشروطه باختلاف الدول. ولكن من حق الأم أن تمنح جنسيتها لأولادها، لأنها مواطن كامل الأهلية وتتساوى مع الرجل في الحقوق والواجبات، وأضعف الإيمان أن يحصل أولادها على وثيقة تؤكد ارتباطهم بوطنها الأم.
وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل
أعلن وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل في العام 2017 من نيويورك أنه مع إقرار قانون منح المرأة الجنسية لأولادها، لكن مع استثناء السوريين والفلسطينيين، مبرراً ذلك بـ"الحفاظ على أرضنا وبأن دستورنا وتركيبتنا السياسية لا يسمحان بمنح الجنسية لـ400 ألف فلسطيني".
وأثار هذا التصريح ضجة كبيرة في الشارع اللبناني، واعتبر الكثيرون أن باسيل يرفض منح المرأة جنسيتها لأولادها، واصفين كلامه بـ"العنصري" و"التمييزي".
سياسات منح الجنسية للمواليد بين دولة أوروبية وأخرى
تختلف سياسات منح الجنسية للمواليد بين دولة أوروبية وأخرى. وغالباً ما يُمنح كل طفل مهما كان بلد الوالد، جنسية والدته الأوروبية بمجرد تقديم الأوراق الرسمية مرفقةً بوثيقة الميلاد التي تثبت هوية الطفل من دون أي مشاكل. ويبقى الاختلاف في الفترة الزمنية لحصول الأطفال على جنسية أمهاتهم والتي تمتد من أسبوعين إلى 5 أشهر، بحسب قانون الدولة.
شاركالأكثر قراءة
إطلالات النجوم
فُتحة فستان ليلى علوي تثير الجدل... والفساتين...
إطلالات النجوم
مَن الأجمل في معرض "مصمّم الأحلام" من Dior:...
أخبار النجوم
يسرا توضح حقيقة خلافاتها مع حسين فهمي
أكسسوارات
تألّقي بحقيبة الملكة رانيا من Chloé... هذا سعرها
إطلالات النجوم
الـ"أوف شولدر" يغلب على فساتين نجمات الـ"غولدن...
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024