عبدو شريف... في واحدة من أجمل وأقوى أمسيات 'بيت الدين'
احتشد محبّو العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في ذاك الصرح المعماري البهيّ في بيت الدين ليعودوا بالزمان عقوداً إلى الوراء لعلّهم يستعيدون شيئاً من الجمال والإبداع والفنّ الذي خفت وهجه وبهُت بريقه وجفّ أريجه في زمنٍ انكفأت فيه الفنون البديعة الجميلة وسادت فيه الفنون الرديئة الوضيعة.
إنّ بعض الذين سارعوا إلى شراء البطاقات منذ الإعلان عن برنامج بيت الدين لهذا العام أي قبل نحو شهرين وتهافتوا باكراً لحجز أماكنهم في الليلة المهداة إلى روح عبد الحليم حافظ يجهلون هويّة عبدو شريف الفنية ولكنّهم قصدوا القصر الشهابي في جبل لبنان لأنّها فرصتهم الوحيدة ربما في التحايل على الزمن وإعادة عقارب الوقت إلى الخلف بدل أن تُكمل سيرها راكضة نحو الأمام. ف«النوستالجيا» أو الحنين إلى الزمن الجميل كانت العنصر الأهم في جذب الآلاف إلى ساحة القصر الشهابي الكبير، أمّا حرفية عبدو شريف وصوته وموهبته وأداؤه فكانت هي الأسباب التي جعلت سهرته التي جاءت تحت عنوان «تحية إلى عبد الحليم» من أجمل وأقوى سهرات ليالي بيت الدين الفنية. إنّ التفاعل بين عبدو شريف والجمهور كان كبيراً إلى حدّ أنّهما تماهيا معاً وتبادلا الأدوار وكأنهما أرادا من خلال ذلك إزالة كلّ حدّ فاصل بينهما. فالجمهور صار يُغنّي بصوت واحد أغنيات العندليب التي حفظها عن ظهر قلب بينما أخذ عبدو شريف يتغزّل بالجمهور اللبناني ويُعبّر له عن حبّه وإعجابه وتقديره له.
إنّ «تحية عبد الحليم حافظ» في بيت الدين لم تقتصر على استضافة الفنان المغربي الذي أدهش الأوبرا المصرية عندما غنّى «جبّار» للمرّة الأولى فيها عام 1999 والذي أمتع اللبنانيون عندما غنّى للمرّة الأولى في بيروت أروع أغنيات عبد الحليم حافظ وأكثرها رومانسية، وإنما أوجدت الأجواء التي تستجيب لرغبة الحاضرين الذين كانوا بغالبيتهم من معاصري العندليب، بحيث رافق الفرقة الموسيقية المؤلفة من 50 عازفاً بقيادة المايسترو إحسان المنذر «عفريت الأورغ» (كما عرّفه عبدو شريف وفقاً للتسمية التي أطلقها عليه عبد الحليم) الموسيقي مجدي الحسيني الذي افتتح الحفل بمعزوفة «نبتدي منين الحكاية» التي أدخلت الجمهور العاشق لفنّ العندليب في أجواء الحفل قبل أن يشدو عبدو بأجمل أغنيات العندليب الراحل.
وكان حضور عازف الأورغ الشهير في فرقة عبد الحليم حافظ مجدي الحسيني بمثابة إضافة جميلة إلى الحفل جعلت من الرسالة المبعوثة من مهرجانات بيت الدين إلى العندليب أكثر بلاغة وبياناً. كما أنّ صوت عبد الحليم حافظ الذي كان يملأ أرجاء القصر وميدانه منبعثاً من الشاشتين الكبيرتين فوق خشبة المسرح وهو يروي سيرته الذاتية من لحظة ولادته في قريته «الزقازيق» ووفاة والدته إلى سفره مع شقيقه اسماعيل إلى القاهرة لدراسة الموسيقى ومن ثمّ عمله في الإذاعة كعازف «أبواه» وصولاً إلى احترافه الغناء ودخوله السينما وتحقيقه النجومية. وهذا ما لعب دوراً في إدخال الجمهور في عالم «حليمي» خالص.
استهلّ عبدو شريف برنامجه الغنائي بذكاء عندما دخل على إيقاع أوبريت محمد عبد الوهاب الشهير «وطني الأكبر» مؤدياً مقطع عبد الحليم حافظ فيها: «وطني حبيبي الوطن الأكبر، يوم ورا يوم أمجاده بتكبر... انتصاراته مالية حياته وطني بيكبر وبيتحرّر وطني وطني»، ليشحذ بذلك حماسة الجمهور اللبناني خصوصاً في المقطع الثاني الذي أعاده شريف مراراً وتكراراً: «وطني يا زاحف لانتصاراتك، ياللي حياة المجد حياتك، في فلسطين وجنوبنا الساهر، حنكاملّك حريّاتك»...
بعدها، غنّى «توبة» ومن ثمّ أغنية «جبّار» التي فجرّت كلّ طاقاته الصوتية، إذ كان في كلّ مرّة يصدح فيها بكلمة «جبّار» يُرافقه سيل من التصفيق الحارّ بل الملتهب. ولا شكّ أنّ جمهور «بيت الدين» الذي يعرف مسبقاً مدى انخفاض درجات الحرارة في تلك المنطقة الجبلية قد لاحظ الدفء الذي طغى على أمسية «العندليب» والتي نتجت دون شك من مخزون الحبّ والرومانسية المكنونة في أغنيات عبد الحليم وكذلك في صوت عبدو شريف الذي جعل من «بيت الدين» مكاناً يُضاهي مدينة «البندقية» الإيطالية بعدما غنّى بصوته العذب رائعة شاعر الحبّ نزار قبّاني «رسالة من تحت الماء» وأغنية الختام «أهواك» يُرافقه فيها على البيانو المايسترو إحسان المنذر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
أخبار النجوم
الجمهور يتفاعل مع تعليق خاص لحلا شيحة
أخبار النجوم
صدمة في الوسط الغنائي.. وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاماً
أخبار النجوم