المستشارة الأولى لرئيس الجمهورية اللبنانية ميراي عون الهاشم: القرن الواحد والعشرون أنثوي وعلى المرأة أن تفرض نفسها
الحديث مع المستشارة الأولى لرئيس الجمهورية اللبنانية ميراي عون الهاشم، عقلاني، هادئ وصريح، تماماً مثل شخصيتها. امرأة برؤية ثاقبة وقلب شفّاف وعقل مستنير. الوطن في وجدانها، والعائلة في قلبها. حضرت الى المقابلة التي أجريتها معها في مقهى في شمال بيروت، بجينز وحذاء رياضي: بساطة تعكس أسلوب العيش العملي الذي تتبعه الابنة البكر للرئيس اللبناني ميشال عون. هذا الحوار يتزامن مع يوم المرأة العالمي الواقع في الثامن من آذار/مارس، ويستلهم تجربة امرأة قويّة فرضت نفسها في عالم السياسة الذي كان ولم يزل حكراً على الرجال.
- من هي ميراي عون الهاشم؟ طموحاتها، شخصيتها، تطلّعاتها، أحلامها...
ميراي عون هي امرأة واقعية، وحالمة في الوقت نفسه. تسعى الى تحقيق أحلامها، انطلاقاً من الواقع ومعطياته. صاحبة رؤية ثاقبة: لطالما توقّعتُ أموراً، لكنّ أحداً لم يُعرها اهتماماً إلا بعد أن يقع المحظور وتتحقّق تلك التوقعات وتترك ذيولها على الوضع السياسي. وهذا أمر يحزنني فعلاً. في الواقع، أحزن لأن صوتي لم يكن مسموعاً في الوقت المناسب قبل حدوث الواقعة.
- ولماذا لا يأخذون بتوقعاتك وتحليلاتك؟ هل لأنك امرأة في عالم السياسة الذي لا يزال حكراً على الرجال؟
للأسف، هذا صحيح. صوتي غير مسموع في كثير من الأحيان، لمجرد أنني امرأة. فصوت المرأة ليس مسموعاً في مجتمعاتنا العربية، ويطغى عليه صوت الرجل فارضاً رغباته وتحليلاته وآراءه وقوانينه الخاصّة. في الواقع، مجتمعاتنا العربية لا تثق بقدرات نصفها الأنثوي، لذلك نراها تحتكم الى القوّة، لا الى العقل والمنطق. والقوّة اليوم هي في يد الرجل، فهو الحلَقة الأقوى. لكن لا بدّ من أن يتغيّر الوضع قريباً، فالقرن الحادي والعشرون هو قرن النساء بامتياز وسينصفهنّ. وما على المرأة إلا أن تفرض نفسها في المجالات المختلفة، وتكتب فصول تمكينها ونجاحاتها بنفسها. فالحقّ يُؤخذ ولا يُعطى.
- ما هو دورك في القصر الجمهوري كمستشارة أولى للرئيس؟
لقد ابتكرتُ مفهوماً مغايراً لدور المستشار الأول، إذ لم يعد دور المستشار الرئاسي يقتصر على إبداء الرأي، بل امتد ليشمل تحضير الملفّات المختلفة للرئيس وجمع المعلومات حولها وتحليل المعطيات والخروج باستنتاجات وغيرها. في الماضي كان المستشار "تنفيعة" ودوره محدوداً جداً، لكنني استلهمتُ من التجارب الغربية في هذا المجال، وعملتُ على إيجاد دور فاعل لما يجب أن يكون عليه دور المستشار الرئاسي. وقد كان ذلك تحدياً كبيراً!
- هل عانيتِ من التمييز خلال ممارستك مهمّاتك كمستشارة لرئيس الجمهورية؟
التمييز موجود... والأخطر منه هو تلك النظرة التي تحمل في طيّاتها اتّهاماً مبطّناً: أنتِ في هذا المنصب لأنّ والدك هو الرئيس!! وكأنك عاطلة من العمل، ووالدك أوجد لكِ مكاناً في القصر إلى جانبه، كي ينقذ الموقف. وهنا تهبّين إلى التبرير وإثبات أنك أهلٌ للدور الذي تقومين به، وما أوكل إليك من مهمّات. وهذا فعلاً أسوأ ما يمكن امرأة أن تعاني منه.
- ما هو مفهومك للسياسة، وقد حدّدها البعض بالقول إنها فنّ الكذب؟
السياسة بالنسبة إليّ هي علم إدارة شؤون المجتمع، والسياسي في مفهومي هو والد يدير شؤون الوطن كمن يدير شؤون المنزل العائلي بمحبّة وتضحية وعطاء. لكنّ فساد البعض جعل من السياسة في مفهوم الكثيرين، فنّ الكذب وسرقة ثروات الشعب، وكلّ ذلك نتيجة الحرب التي عشناها على مدى سنوات، وما زالت ذيولها تخيّم على مجتمعنا حتى الساعة. نحن لم نتعافَ بعدُ من الحرب، ونحتاج إلى الكثير من الوقت كي نبني الوطن الذي نحلم به.
- ماذ حقّق العهد للنساء في نضالهنّ لتحقيق المساواة؟
لقد أمّن العهد قانون انتخاب واستقراراً أمنياً كي ينتخب اللبنانيون من يريدون أن يمثّلهم في المجلس النيابي. واليوم، وبعد تشكيل الحكومة، على الشعب أن يرفع مطالبه لهذا المجلس ويدفع إعلامياً وشعبياً من خلال الجمعيات، لتحقيق التغيير المطلوب. والمحاسبة واجبة في حال لم يقم النواب بواجباتهم تجاه ناخبيهم.
- ضمّت الحكومة اللبنانية الأولى للعهد، أربع وزيرات بينهنّ أول وزيرة داخلية في لبنان والعالم العربي ريّا الحسن، والوزيرات مي شدياق وزيرةً لشؤون التنمية الإدارية، وندى بستاني وزيرةً للطاقة والمياه، وفيوليت الصفدي وزيرة دولة لشؤون المرأة. ماذا تقولين لكلّ من الوزيرات الأربع؟
كامرأة أراني فخورة بكلّ منهنّ، وواثقة بالجهد الذي سيبذلنه للنجاح في مهمّاتهنّ، وقد قُلت للوزيرة ريّا الحسن، لدى زيارتها القصر الجمهوري: "يجب أن تنجحي في مهمّاتك الجديدة. ممنوع الفشل، وها أنا أضع كلّ قدراتي في تصرّفك". كذلك تمنّيتُ للوزيرة مي شدياق والوزيرة فيوليت الصفدي كلّ التوفيق، ولهما منّي كلّ الدعم. أما وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني، فهي تعلم أنه يمكنها الاتّكال عليّ في كلّ ما قد تحتاجه، خصوصاً أنها تتسلّم حقيبة حيوية وأساسية في حياة اللبنانيين، وأنا واثقة بقدرتها على النجاح في هذا التحدّي الصعب.
- يُقال إن في القصر الجمهوري اليوم ثلاث سيدات أوليات بدلاً من واحدة، في إشارة إلى وجودك وكلودين إلى جانب السيدة الأولى في المناسبات والاستقبالات والمهمات المختلفة وغيرها...
هذا غير صحيح. في القصر الجمهوري سيدة أولى واحدة هي نادية عون، ولا يمكن أحداً أن يحلّ مكانها. دعيني أقول إنني وكلودين وشانتال نوفّر تواجداً نسائياً ناشطاً إلى جانب الرئيس والسيدة الأولى، يترك بصماته الأنثوية في أدقّ التفاصيل وأكبرها، من الاستقبالات الرسمية، إلى الاحتفالات والمشاركات والاجتماعات وغيرها.
وصيّة الوالدة
- يقول الوالد الرئيس اللبناني ميشال عون إنك عقله، في حين أن كلودين هي يده وشانتال قلبه؟ لماذا اختار لك هذه الصفة؟
أعتقد أنه اختار لي هذه الصفة لأنني عقلانية وصاحبة رؤية وحدس قويّين. أنا وكلودين وشانتال نكمّل بعضنا بعضاً: كلودين مناضلة ميدانية فاعلة في مجالات عدّة، وشانتال كتلة مشاعر وحنان. نحن ثلاث بنات، روح واحدة، يد واحدة وعقل واحد. لطالما كان اللواء خليل كنعان، رحمه الله، وقد كان بمنزلة والد ثانٍ لنا، يطلق علينا لقب Les Trois Graces، أيّ النِعَم الثلاث.
- كيف تمكّنتنّ من ضبط خلافات الرأي بين الأصهرة الثلاثة، والحفاظ على وحدة عائلة عون؟
عائلة عون مؤلّفة من والدي الرئيس ميشال عون، ووالدتي نادية وكلودين وشانتال وأنا، وتماسك هذه العائلة مقدّس وأبدي. أما أزواجنا، فهم جزء من العائلة الكبرى، والخلافات في الرأي بينهم طبيعية، وهي تندرج ضمن النقاشات الديموقراطية التي تجرى في العائلة، ولم ولن تؤثّر يوماً في وحدة عائلتنا، على عكس ما تشيعه بعض وسائل الإعلام ويردّده المصطادون في الماء العكر.
- البعض يصوّر التباين في وجهات النظر هذه بأنه خلافات على الإرث السياسي للرئيس عون؟
أنا لا أؤمن بالإرث السياسي. لا يمكن زعيماً أو قائداً سياسياً أن يورّث ابنه أو أحد أفراد عائلته محبّة الناس وثقتهم به وبأفكاره السياسية التطويرية. الشعب هو الذي يختار زعماءه وقياداته بنفسه وبحريّة تامّة. لنأخذ مثالاً آل الجميّل وحزب الكتائب اللبنانية: لو لم يلمس المحازبون أن سامي الجميّل جدير برئاسة الحزب، لما صوّتوا له، ولاختاروا زعيماً آخر للحزب. لا توريث في السياسة، هذه قناعتي.
- رغم دورك الفاعل إلى جانب والدك، لم يُطرح اسمك أو اسم إحدى أختيك لرئاسة التيار. هل لأنكنّ نساء وفي اعتقاد الذكوريين أن السياسة هي للرجال، وكذلك الإرث السياسي؟
أعتقد أن تجربة الوالد الرئيس مع الصهر جبران باسيل أطول من تجربته معي أو مع كلودين وشانتال، من هنا وقع خياره عليه، وليس على واحدة من بناته. لكنني أكرّر أنني لا أؤمن بالإرث السياسي. الشعب هو من يختار، ولا يمكن أحداً أن يورّث شخصاً حبّ مؤيديه وثقتهم به، لو لم يكن هذا الشخص فعلاً أهلاً لثقة هؤلاء ومحبتهم.
- قبل أسبوعين، احتفلتنّ بذكرى ميلاد الوالد الرئيس ميشال عون. أيّ هدية قدّمتنّ له؟
أحضرت له كلودين قالب الحلوى الذي يحبّه وفاجأناه، وتمنينا له العمر المديد!
- هل من وصيّة تركها لكم في هذه المناسبة؟
وصايا الوالد لنا هي نفسها التي يسمعها منه اللبنانيون جميعاً وتتعلّق بالوطن والحفاظ عليه. لا وصيّة محدّدة لنا دون الآخرين. أمّي هي التي توصينا في ما يتعلّق بأمور عائلتنا... (تبتسم).
- وبمَ توصيكنّ الوالدة السيدة الأولى؟
توصينا بأن نظلّ دوماً يداً واحدة، ولا تفرّقنا الأيام مهما قست الظروف علينا.
- ماذا عن دورك كأمّ لعائلة مؤلّفة من ولدين هما ماريا (18 عاماً) وإيلي (17 عاماً)؟ هل تربين ولديك على المساواة بين الجنسين؟
تربّيت في عائلة عمادها الوالد والوالدة وثلاث فتيات. لم يشعرنا والداي يوماً بالتفرقة بين صبي وبنت. وهذا ما أتبعه مع ولديّ: لا أفرّق بين الصبي والبنت، لا في المسؤوليات ولا في المحاسبة.
- ما هو الاختصاص الذي اختارته ماريا، ابنتك البكر، وهل كنت وراء خيارها هذا؟
لقد اختارت ماريا الطبّ بكامل إرادتها، ولم أقف في وجه خيارها هذا. كلّ ما فعلته هو التأكّد أن هذا فعلاً ما تريده، كي لا تندم لاحقاً. ولها منّي كل الدعم.
- وهل يدعم زوجك روي الهاشم عملك؟
زوجي رجل متفهّم لعمل المرأة وداعم لها. وهو مؤمن بقدراتي وخبراتي المهنية ويشجّعني على استثمارها في العمل. عندما أنجبت ولديّ، قررتُ أن أترك عملي في فرنسا وأتفرّغ للأمومة. لكن روي أقنعني بألاّ أفعل.
- في ظلّ انشغالاتك الكثيرة في القصر الجمهوري، هل تجدين الوقت الكافي لتمضيه مع العائلة؟
في السنة الأولى من عملي كمستشارة في القصر الجمهوري، لم أكن أجد الوقت لعائلتي التي تفهّمت مشكورةً الوضع. أما اليوم، فأجدني أكثر تنظيماً وأخصّص مزيداً من الوقت للعائلة. نحن على تواصل لحظوي عبر "غروب" على "الواتس أب". ونتشاور ونتبادل الأفكار باستمرار. أما العائلة الكبرى، تجتمع كل أحد على مائدة الوالد الرئيس. تقليد رافقنا مذ كنا في فرنسا .
بكلمة...
ماذا تقول ميراي عون الهاشم في:
الحياة: صعبة... وحلوة.
الزواج: مسيرة مستمرّة.
الحبّ: محرّك الحياة.
الحقّ: بوصلة المجتمعات.
الأخلاق: نادرة.
الوطن: هو لي كلّ شيء.
أقسى تجربة عشتها: 13 تشرين، يوم لا يمكن أن يغادر ذاكرتي.
ماذا عن أجمل تجربة: الأمومة، لأنها تعلّمنا معنى الحياة.
الغد لكِ: هو الأجمل الذي لم يأتِ بعد. أنا في حالة انتظار دائمة لذاك الأجمل الذي لم يأتِ!
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024