دبي السينمائي يُعلن بلاد الشام قبلة جديدة للسينما العربية
خلال ٨ ليالٍ كاملة تحولت دبي الملقّبة عربياً بـ«دانة الخليج» إلى قبلة لعشاق الفن السابع، وشهدت سجادتها الحمراء مرور عدد كبير من ألمع نجوم الشاشتين الكبيرة والصغيرة معاً، فيما ازدحمت أروقة المهرجان بفعاليات كثيرة من ورش عمل، إلى صفقات إنتاجية، فضلاً عن المؤتمرات الصحافية التي كان أكثرها سخونة مؤتمران أحدهما لنجم هوليوود الجذاب جيرار باتلر، والآخر للمصري العالمي عمر الشريف.
مفاجآت المهرجان ذات العيار الثقيل حملتها ليلته الختامية التي شهدت أكبر تجمّع فني لنجوم السينما والدراما التلفزيونية تشهده دبي على مدار تاريخها، بسبب تزامن الإعلان عن جوائز المهرجان مع فعالية كبرى هي الإعلان عن جوائز مسابقة محمد بن راشد للدراما العربية التي حملت تفوّقاً سورياً على الدراما المصرية بمنح الجائزة الأولى حسب تصويت الجمهور لمسلسل «زمن العار» للمخرجة رشا شربتجي، على حساب مسلسل «خاص جداً» الذي لعبت بطولته المطلقة الفنانة يسرا، فيما جاء ثالثاُ مسلسل من إنتاج الأردني طلال عواملة وهو «بلقيس»، حيث حصل الفائزون على مبالغ ٥٠٠ ألف دولار و ٣٠٠ ألف دولار و ٢٠٠ ألفاً على التوالي.
استمرّ حصد فيلم «زنديق» الفلسطيني للمخرج ميشيل خليفة الجائزة الأكثر أهمية ضمن جوائز المهرجان وهي جائزة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة، وحصد الفيلم الجزائري (حراقة) للمخرج مرزاق علواش جائزتين هما جائزة لجنة التحكيم الخاصة، التي تُمنح في العادة لفيلم نافس بقوة على حصد الجائزة الأولى وجائزة شبكة أفلام حقوق الإنسان. واكتفى الفيلم المصري بحصد جائزتين فرعيتين في مجالي السيناريو والتصوير، أما فيلم «عصافير النيل» المصري فمُنحت له جائزة شرفية هي أفضل مونتاج.
وفي مقابل غيابهم عن التتويج بذهبيات المهرجان سجل الفنانون المصريون حضوراً طاغياً.. منهم النجم سمير غانم الذي قام بتسليم جانب من الجوائز مداعباً الحضور بطلته الكوميدية الساخرة، وكذلك الفنان مصطفى فهمي الذي تردد قليلاً قبل تحية اللبنانية زينة دكاش مخرجة «١٢ لبناني غاضب» الذي فازت به بذهبية الأفلام الوثائقية أثناء منحه لها الدرع التكريمية للمهرجان، متقدمة على الفلسطيني «العودة إلى الذات» الذي حل ثانياً، والمصري «أحلام الزبالين» لمي اسكندر الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم.
زخم الحضور المصري امتد أيضاً ليشمل الفنانين يسرا وإلهام شاهين وحسن حسني ونيللي كريم وخالد أبو النجا ودنيا سمير غانم ورانيا فريد شوقي وغيرهم إلى جانب السوريين خالد تاجا وبسام كوسا وسولافة معمار وديمة بياع وتيم الحسن والأردنية صبا مبارك وعدد كبير من الممثلين الخليجيين مثل فهد الحيان وعبد العزيز جاسم وجابر نغموش وأحمد الجسمي ، وحتى عدد من المطربين فضّل ألا يغيب عن تلك التظاهرة الفنية مثل الإماراتي عبد الله بالخير.
التفوق الفلسطيني اللبناني استمرّ أيضاً في جوائز المهر العربي فئة الأفلام القصيرة، حيث فاز «رؤوس دجاج» الفلسطيني بالذهبية فيما حصل « ٩ آب» للبناني طلال خوري على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، واقتصر الحضور المصري على الفضية التي كانت من نصيب المخرجة عايدة كاشف عن فيلم «النشوة في نوفمبر».
الممثل باتلر في مؤتمر صحافي
ورغم الانطلاقة المهمة للمهرجان عبر فيلم الافتتاح الشهير «ناين» إلا أن عودة جيمس كاميرون مخرج «تايتنك» لعالم الإخراج السينمائي بعد غياب ١٥ عاماً أغرت الكثيرين لمتابعة فيلمه «افاتار» الثلاثي الأبعاد، عبر فيلم الختام الذي استقطبه المهرجان في عرضه الأول في العالم، وقبل طرحه بأيام في صالات السينما الأميركية، وهو الأمر الذي حفز الممثل العالمي الشهير جيرار باتلر على الحضور في نفس يوم عرضه كي يشاهده في دبي بعد أن تم تكريمه بمناسبة حصوله على جائزة نجم العالم من قبل مجلة فاريتي المتخصصة بالسينما.
إطلالة باتلر قلبت المقر الرئيسي للمهرجان رأسا على عقب، وتراصت ما يقارب ٦٠ عدسة كاميرا ما بين تلفزيونية تابعة لقنوات فضائية، وفوتوغرافية حملها مصورون تابعون لوسائل ووكالات إعلام غربية وعربية، في قاعة المؤتمر الصحافي الذي بذل رجال الأمن جهوداً مضاعفة لتأمين عدم تهافت معجبات باتلر نحوها.
رغم ذلك لم يمرّ مؤتمر وسيم هوليوود بسلام تام على أنصاره، فالنجم العالمي تعرض لإحراج كبير عندما سأله صحافي عربي عن سر إصرار الأفلام الهوليودية على تصوير الشرق في صورة شديدة التخلف بشكل دائم، في الوقت الذي يتم التعامل مع حضارة الغرب دائماً بشكل إيجابي في كل العصور، حيث كانت الإشارة هنا إلى فيلم « ٣٠٠ » الذي قام ببطولته باتلر، لكن الأخير أكد بأنه لا يمكن أن يبرر أو يعتذر عن أخطاء يرتكبها منتجو هوليوود، بحجة أنه مجرد ممثل وغير مسؤول عن هذا الإنتاج، لكن باتلر عاد وأكد في سياق آخر أنه يدقق كثيراً في محتوى ما يقبل أن يشارك به من أفلام.
ارتباك باتلر استمر إلى نهاية المؤتمر وحتى عندما سألته صحافية بدا عليها أن مبتغاها لم يكن طرح سؤال أكثر من مخاطبة النجم العالمي أمام شاشات التلفزة المختلفة، قائلة: هل تفكر في أن تتعلم اللغة العربية يوما ما ؟!!، وهو ما أجاب عنه باتلر بالنفي، لكنه عاد ليستدرك:« لكن في هذا المؤتمر قد أميل إلى الإجابة بنعم إلى أن ينفضّ انعقاده.»
عمر الشريف والمستقبل
حضور الفنان المصرى عمر الشريف أيضاً حظي باهتمام خاص من قبل مختلف وسائل الإعلام، لكنه أتى هذه المرة ضمن احتفاء المهرجان بالأفلام الفرنسية، حيث يشارك الشريف في بطولة فيلم «نسيت أن أخبرك»، الذي رآه البطل المصري أنه أضحى شديد الشبه بشخصيته التي يجسدها فيه، وهي شخصية عجوز يعاني من مرض «الزهايمر»، وتتعلق به فتاة شابة تفتقد حنان الأب، لكنها فجأة تكتشف إصابته بالزهايمر إلى الحد الذي يتناسى فيه علاقتهما الحميمة قبل تلك الإصابة.
الغريب أن النجم العالمي عمرالشريف الذي سرد قصة الفيلم بنفسه، رفض التعامل مع أي سؤال من قبل الحضور يتعلّق بالمستقبل، ومن ذلك التطرق إلى جديد أفلامه، أو رأيه في مستقبل السينما العربية، مفسراً ذلك بالقول:« أصبحت في عامي الـ٧٨ ، وقد لا يكون هناك مستقبل حقيقي ينتظرني، بل لعلكم أنتم أيضاً لا تمتلكون المستقبل، فكوارث الأرض تأتي في أي لحظة».
أحاديث الشريف عكست توتراً نفسياً وحتى عندما طُلب منه الحديث عن فاتن حمامة بمناسبة اشتراكها مع النجم الهندي أميتاب باتشان في جائزة تكريم إنجازات الفنانين من قبل المهرجان، رفض بحزم شديد مبرراً أنه تعاهد مع طليقته بألا يتحدث أحدهما عن الآخر، مؤكداً أنه مصر على احترام ذلك، مضيفاً «حواري معها انتهى، وحديثي عليها عيب حسب تقاليدنا الشرقية».
الملفت في المؤتمر الصحافي الخاص بالشريف أن النجم العالمي قام بجهود الترجمة إلى العربية بنفسه، بعدما غابت مترجمة المهرجان لأسباب تتعلق بازدحام حركة السير بسبب الأمطار المفاجئة التي هطلت بغزارة على دبي بشكل استثنائي أثناء فعاليات المهرجان، وتسببت بالنسبة للكثيرات من الفنانات في تغيير خطط فساتينهن وأكسسواراتهن لتتناسب مع موجة الصقيع والأمطار المفاجئة.
النجم الهندي أميتاب باتشان أيضاً كان حضوره إحدى مواطن الجذب للإعلام والجمهور على حد سواء، وكادت الممرات المؤدية لتواجده في أي مكان يتوجه إليه تُغلق بسبب احتفاء الجالية الهندية به، وفي لقائه الخاص مع «لها» أكد باتشان أنه يتوقع أن تشهد صناعة الأفلام العربية في ظل تنامي عدد مهرجاناتها السينمائية زخماً أكبر، لكنه أكد أن أمام تلك الأفلام عقوداً كي يتسنى لها فرص المنافسة عالمياً، معترفاً بأنه لا يتابع أفلاماً عربية، ولا يعرف أياً من نجومها باستثناء الهوليودي عمر الشريف.
محمد بن راشد يحضر جانبا من حفل ختام المهرجان
حضر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات - رئيس مجلس الوزراء - حاكم دبي جانبا من حفل ختام المهرجان وحفل توزيع جائزة محمد بن راشد للدراما العربية على مسرح قاعة ارينا في مدينة جميرا بدبي. وقد حظي بترحيب حار من قبل الفنانين العرب والأجانب الذين أحاطوا به خلال تجواله في ردهات وأروقة موقع الحفل، يرافقه الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس هيئة الثقافة والفنون بدبي وأحمد عبد الله الشيخ المرافق الإعلامي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وعضو مجلس الادارة المنتدب مدير عام مؤسسة دبي للإعلام.
الشيخ محمد بن راشد التقى نخبة كبيرة من الفنانين والفنانات ورحب بهم على أرض دولة الإمارات مشيدا بجهودهم وإبداعاتهم الفنية ما وضع من الدراما العربية والفن السابع في مكانة متقدمة على خريطة الفن العالمي.. واستمع ممن التقاهم وتجاذب معهم أطراف الحديث إلى أرائهم ورؤيتهم لمستقبل الفن العربي الذي يعتبره ثقافة وإبداعاً وحالة إنسانية تجعل من الفنان إنسانا مرهف الحس يتأثر إن سلبا أو إيجابا بقضايا مجتمعه الإنسانية والاجتماعية والوطنية وغيرها ويسهم بفنه في بناء الجسور الإنسانية بين حضارات العالم.
تكريم سما دبي
نالت قناة سما دبي درعاً تكريمية خاصة بمناسبة تحقيقها المرتبة الأولى في قائمة القنوات التلفزيونية المتابعة في منطقة الخليج العربي، وذلك بناء على استفتاء جماهيري أجرته صحيفة الخليج الإماراتية والعديد من الصحف والمجلات العربية، وذلك لتنوع برامجها وأعمالها الدرامية الموجهة إلى الجمهور في منطقة الخليج العربي والدول العربية. وقام الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون، وأحمد عبد الله الشيخ عضو مجلس الإدارة المنتدب والمدير العام لمؤسسة دبي للإعلام، بتسليم الدرع إلى أحمد المنصوري مدير قناة سما دبي في بداية الحفل الختامي.
٩٠٠ فيلم و ٥٧٥ ألف دولار
الدورة السادسة لمهرجان دبي السينمائي الدولي كرمت المواهب السينمائية والتمثيلية المتميزة من العالم العربي وآسيا وإفريقيا، وذلك في إطار مسابقتي «المهر العربي» و«المهر الآسيوي-الإفريقي».
وتم توزيع ٢٨ جائزة في مجالات التمثيل، والتصوير، والمونتاج، والموسيقي، والسيناريو، بالإضافة إلى جوائز لجنة التحكيم. واستقطبت المسابقتان مشاركات من أكثر من ٦٢ بلداً في آسيا، وإفريقيا، والأميركتين، وأستراليا، وأوروبا، في ثلاث فئات هي: الأفلام الوثائقية، والقصيرة، والروائية الطويلة.
وتلقى مهرجان دبي السينمائي الدولي خلال هذا العام أكثر من ٩٠٠ فيلم من العالم العربي، وآسيا، وإفريقيا، للمنافسة على جوائز مالية تتجاوز قيمتها الإجمالية ٥٧٥ ألف دولار أمريكي، بالإضافة إلى جوائز لجنة التحكيم الدولية. وتلقت «مسابقة المهر العربي»، المتاحة أمام المخرجين من جنسيات أو أصول عربية، حوالي ٤٣٧ مشاركة، في حين تجاوز عدد الأفلام التي تقدمت للمشاركة في «مسابقة المهر الآسيوي-الإفريقي»، في نسختها الثانية، أكثر من ٥١٣ فيلماً.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024