تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

مارسيل خليفة

مارسيل خليفة

تلاشى القصر الشهابي وأشرقت القصيدة.. وشعرنا بجرحنا العربي، جرح فلسطين وقُدسها و«أحمد المنسي بين فراشتين» الذي حضر مع الغائب الثاقب أبداً بأشعار فلسطينه النازفة، محمود درويش. في مناسبة القدس عاصمة للثقافة العربية 2009 وذكرى رحيل «من كتبته الأرض وكتبها» محمود درويش، أحيت أوركسترا فلسطين للشباب، طلاب معهد إدوارد سعيد الموسيقي بقيادة شون إدوردز والفنان مارسيل خليفة وفرقته الميادين بمشاركة أميمة الخليل وريم تلحمي وباسل زايد، إحتفالية فلسطين في بيت الدين (ضمن مهرجانات بيت الدين) التي نوّر مساءها أكثر من قمر. البداية كانت مع غنائية «أحمد العربي»، القصيدة المثقلة بالجنائز و«الزعتر» وبالحقيقة والحلم التي كتبها درويش في السبعينات وافترشت مشاعرها الكثيفة وجدان الحضور لأول مرّة في لبنان. «اليوم موسيقى وغداً دولة» شعار الأوركسترا الرحّالة بحقائب فلسطينية تنضح بموسيقى القضية. قصيدة «أحمد العربي» كتبت قبل ولادة عازفي لبنان ومقدونيا والإردن وفلسطين والهندوراس الذين إنتصبوا على المسرح بقامات شامخة كما الكوفية المناضلة على أكتافهم وعلت من أمامهم أصوات الرباعية، مارسيل وباسل وأميمة وريم، ينشدون القيامة بعد الغبار بكبرياء الثوّار الذي يهبّ متحدياً الحصار.

«أنا احمد العربي فليأتِ الحصار
جسدي هو الأسوار فليأتِ الحصار
وأنا حدود النار فليأتِ الحصار
وأنا أحاصركم وأنا أحاصركم..»

كوشوشة العصافير يسترسل القيثار والكمان الراقي بمستوى الألم المحجّم.. بملامسة أنوثة الإغتراب في صوت أميمة، ولوعة العقم في عقر القضية في نشيج الفنانة ريم تلحمي. غنائية غنية بصور الرحيل وقبضة الحصار والإنتفاضة وحريق قنبلة ورحيق ياسمينة. ويشدّ تأمل مارسيل مردّداً كلمات توأم روائعه وثاق القصيدة الصلبة والسليطة في الفواصل التي تغيّب النغمة.

«كلّما آخيت عاصمة رمتني بحقيبة
فالتجأت إلى رصيف الحلم والأشعار
كم امشي إلى حلمي فتسبقني الخناجر آه من حلمي ومن روما..»

آهات المرحلة التي لم تنتهِ ويصوّر إلينا أنها لن تنتهي عبر وصف الثورة بالمغامرة، ويحكمون على شرارتها بالمغادرة بعد أن رفض البعض الإصابة ب«الوطن البسيط» بسيط الإحتمال، البديهي والمنطقي. في الجزء الثاني، تقبل أميمة من جديد مع فرقة «الميادين» ومع «عصفور طلّ من الشباك»، القديم الثابت في الوجدان بعنفوان طير طليق الروح متكسّر الجسد، أسير الإعتقال.
يعود مارسيل إلى المسرح حاضناً أوتار عوده بشاله الأزرق كسماء القدس القصيدة ليغني الحب بتحية محمود درويش وسمو الأجنحة ولفيروز البحر الهادر الذي تتهادى على سطحه مراكب الجنوب الجائعة. يلوّح بيده التي تنصهر بإيقاع موسيقى «يا بحريّة». يعرّي العزف الصمت ويهدي القضية إنفعالاً «خليفياً» هادئاً وصاخب مع نجلي مارسيل، رامي على البيانو وبشار على الإيقاع، وإسماعيل رجب على الكلارينيت الذين شكلوا بوحاً فادحاً توّاقاً للحرية والفرح بتعاقب الجمل الموسيقية وتعانقها.

ختمت الفنانة الفلسطينية ريم تلحمي الجزء الثالث من جدلية بقاء القضية وفنائها بالتراث الفلسطيني الذي يسرد خوف غزة ومشاعر عاشقة ويناجي القدس بعد ضياع الهوية وإنكماش مشهدية الواقع الفلسطيني. منفردة بصوتها الأوبرالي حيناً والخافت أحيانا ً كما الطير عقب الطلقة، تألقت تلحمي بجدارية دوريش «خضراء» وغاصت بحروفها وغرستها في ضمير الحضور الذي إتسع حلمه وحلّق في هذه الليلة المطالبة باسترجاع المسلوب.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079