تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

أذى يتجاهله القانون والمجتمع: نساء ضحايا العنف النفسي

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

LAHA

يخطئ من يظن أن المرأة في مجتمعاتنا تعاني فقط من العنف البدني والتحرّش، هناك عنف آخر قد لا يبدو ظاهراً، لكن تأثيراته السلبية على المرأة لا تقل خطورة عن الإيذاء البدني.

إنه العنف النفسي الذي تتعرض له الكثيرات بقصد أو من دون قصد، فما هي أشكال هذا العنف؟ وكيف يؤثر في المرأة؟ «لها» تحقق.


الخوف من التسمية

ترى آية العجيمي، 25 سنة، أن مصطلح عانس من أكثر أشكال العنف النفسي التي تمارس على المرأة في المجتمع، من قبل النساء والرجال على حد سواء، وتقول: «رغم أن عمري 25 سنةً ولم أدخل في إطار مصطلح العنوسة بعد، إلا أن اللقب كان مرعباً بالنسبة إليّ، ولطالما رأيت فتيات في محيط العائلة، وأخوات صديقاتي يعانين من التبعات النفسية السيئة التي تلحق بهنّ بسبب لقب العنوسة، والتي تصل أحياناً إلى الاكتئاب وفقدان كامل الثقة بالنفس».

وتتابع: «لا أدري من الذي حدد للمرأة فترة صلاحية وبانتهائها تلقّب بعانس، والمشكلة الكبرى أن النساء أيضاً يعنّفن نظيراتهنّ اللواتي تأخرن في سن الزواج، كنوع من الكيد، حتى الأمهات يستخدمن شبح لقب العنوسة لإجبار الفتاة على الزواج، فنجد أنفسنا أمام امرأة تعنف امرأة، أما الرجال فيستخدمون هذه الورقة للضغط النفسي على الفتاة التي تتجاوز 25 سنة لتتنازل عن بعض حقوقها في الزواج، مثل الشبكة، وكي لا تغالي في طلباتها، وبالتالي وبنظرة أشمل يتضح لنا أن المجتمع يبتزّ الفتاة نفسياً ليحقق طموحاته ورغباته».

تؤكد آية أنها تجاوزت هذا العنف النفسي عن طريق التثقيف والقراءة، فتقول: «لفترة ما خشيت أن ينتهي بي المطاف لأكون عانساً، فأخذت أقرأ وأبحث على الإنترنت وأرى كل وجهات النظر، حتى وصلت إلى قناعة بأن الفتاة ليست مجبرة على الارتباط بشخص لا يتوافق معها، وأن مصطلح العنوسة يعني التأخر في سن الزواج، لكن المجتمع لم يحدّد لكلا الجنسين سن زواج معلنة، فضلاً على أنه من العدل أن نلقّب الرجال المتأخّرين في الزواج أيضاً بـ «عانس»، ولم يتوقف بي الحال عند الإطار الشخصي، بل أصبحت أقدم الدعم النفسي والمعرفي لكل فتاة تواجه ذلك الخوف، وأن يقولبها المجتمع في إطار العانس».

تعنيف المرأة للمرأة

أما هالة مدحت، 22 سنة، فترى أن أقسى أنواع العنف النفسي الممارس ضد المرأة، تمارسه ضدها امرأة أخرى، إما بقصد أو من دون قصد، وتوضح: «مؤكد أن المجتمع يرى المرأة بنظرة دونية، تغلفها في إطار عادات وتقاليد تسيطر على عقلها، فتعنّف نظيرتها، فمثلاً من تربي الرجل تربية ذكورية هي امرأة تشبعه منذ نعومة أظفاره أنه رجل المنزل وامتداد السلطة الأبوية، فيتحكّم في تصرفات أخته وملابسها، بخاصة لو كانت أصغر منه، وكذلك تسمح له بممارسات تعنيفية ضدها شخصياً، كأن يوبخها أو يصرخ في وجهها وغيره، تحت مبرر أنه الرجل وله كل الحقوق السلطوية القمعية التأديبية».

وتتابع: «بعض أنواع العنف الجسدية يغلّفها عنف نفسي تمارسه امرأة ضد أخرى، ففي القرى والنجوع مثلاً، الأم هي التي تدفع إلى ختان ابنتها وتباركه، بسبب العادات والتقاليد التي نشأت عليها، من دون أن تعي أن تصرفها سيترك آثاراً سلبية في نفسية ابنتها طوال حياتها، فلديَّ صديقة ما زالت تتألم نفسياً بسبب تختينها وإجبار أمها لها في مرحلة الطفولة على التختين، وعلى رغم زواجها أخيراً إلا أنها ترى أن أمها جنت عليها وأذتها نفسياً من دون مبرر منطقي».

إرهاب نفسي

لكن آيات مجدي، 23 سنة، ترى أن التعنيف النفسي للمرأة ينتج من إرهابها في المقام الأول، وتقول: «بعض العادات والتقاليد والأمثال الشعبية تمثّل إرهاباً للمرأة، فعلى سبيل المثال، المثل الشعبي القائل: «يا مخلّفة البنات يا شايلة الهمّ للممات» كان سبباً في تحميل المرأة، في حقبة زمنية ماضية، مسؤولية إنجاب البنات من الناحية الطبّية، حيث أن الموروث الشعبي لم يخاطب سوى الأم، وبالتالي ازداد تعنيف الزوج النفسيّ لها، حتى أنه خرج بعد ذلك مثل شعبي آخر على لسان الأم تبرّر فيه عدم رضاها عن إنجاب الفتيات، يقول «لما قالوا لي دي بنية اتهدت الحيطة عليا، ولما قالوا لي ده ولد اتشد ضهري واتسند»، كأنها تريد أن تثبت للمجتمع أنها أيضاً تكره إنجاب البنات خوفاً من التعنيف النفسي، حيث كانت توصم المرأة التي تنجب الفتيات بالعار الاجتماعي، بينما تتميز إيجابياً من تنجب ذكوراً فقط».

وتضيف آيات: «حتى سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، كان يبثّ في أذهان التلاميذ في المدرسة أن الولد أشطر من البنت بطبيعة تكوينه، والسبب مجرد انعكاس لخلفية المعلم الثقافية، من دون أن يدرك تعنيفه النفسي وإحباطه الفتيات، وعلى رغم ذلك، فإنه كلما ارتفع الوعي الثقافي قلّ العنف النفسي الواقع على المرأة».

خوف وطمأنة

رامي حكيم، 36 سنة موظف تنمية موارد بشرية، يرفض فكرة أن السلطة الذكورية إحدى أذرع العنف النفسي على المرأة، ويوضح قائلاً: «شتان ما بين التحكم الذكوري المرضي من منطلق ممارسة السلطة على المرأة، وبين الخوف عليها ورفض بعض سلوكياتها، فأنا مثلاً أخشى على أختي الصغيرة من صديقات السوء، وكلما رأيت صديقة لا تروق لي سلوكياتها أمنعها من معرفتها بدافع الخوف عليها، والطمأنينة عندما تكون وسط صديقاتها».

ويتابع: «على رغم أن بعض الحقوقيين يؤكدون رفض الرجل سلوكيات المرأة حتى ولو كانت من المقربات له، مثل أمه أو أخته أو زوجته، كأحد أنواع العنف النفسي بسبب التحكم وفرض الوصاية على شخصيتها، إلا أنني أرى تصرفاتي في هذا المنطلق مع أختي بدافع أنني أكبر وأكثر خبرة، أما الرجال الذين يتحكمون بتصرّفات النساء من منطلق ممارسة السلطة الذكورية فحسب، فهؤلاء الذين يمارسون عنفاً نفسياً ضدها، ويكثر عددهم كلما انخفض مستواهم الثقافي.

حرمان من الحرية

«مجرد حرمان المرأة من التعليم أو فرض الوصاية على حريتها يعد تعنيفاً لها»، بهذه الكلمات تبدي آسر محمود، ناشطة نسائية حقوقية، اعتراضها على التدخل في حياة النساء، والذي تعده عنفاً صارخاً لا يختلف عن التعنيف الجسدي، وتقول: «تعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه «أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة، وبالتالي الأهالي الذين يتدخلون في رغبات بناتهم التعليمية، أو يسرّبونهن من التعليم من أجل تعليم الذكر، يمارسون عنفاً نفسياً على بناتهم».

وتتابع: «للعنف النفسي أشكال مختلفة في المجتمع المصري، منها أي رفض مبرر لسلوك المرأة لمجرد كونها أنثى، وهذا سلوك أرفضه تماماً في تربيتي بناتي، وأرفض أي جملة يعقبها «لأنها بنت»، فأنا أرى البنت مواطناً كاملاً ولا تعاني من قصور عقليّ حتى نحدّد إقامتها أو نكبت حريتها، في مقابل السماح للرجل بكل الحقوق، كما أن إجبار المرأة من قبل الأهل على الاستمرار في حياة زوجية فاشلة، أو حتى من دون رضاها عنها، يعدّ تعنيفاً نفسياً، أو حتى التعامل مع جسد المرأة بطريقة كونه عاراً، وبالتالي يتم تطهيره بالختان أو يسمح بانتهاكه عن طريق التحرش».

تؤكّد آسر أن التعنيف النفسي للمرأة يبدأ من الأسرة، بخاصة لو كانت تعتنق فكر التمييز الجنسي بين أولادها، وتحكي عن تجربتها قائلة: «على رغم كون والدي رجلاً سياسياً وحقوقياً، إلا أن ثقافته الريفية كانت تطغى عليه أحياناً في تربيتنا، وبالتالي نجد نوعاً من التمييز بيننا وبين أخينا، فمثلاً اشترى سيارة لأخي أولاً، على رغم كونه الأصغر من البنات، وعندما لفتّ انتباهه إلى ذلك تدارك الأمر، كأن خلفيته الثقافية هي التي تتحّكم في عقله الباطن. ومن أبرز أشكال التعنيف النفسي التي واجهتها معه، عندما طلبت منه أن يخبر زوجي عندما تقدّم لي برغبتي في شبكة قيمة ومؤخر صداق كبير، فرفض أبي خشية أن يهرب العريس بسبب الطلبات الكثيرة، فدخلت مع أبي في معارك فكرية انعكست عليَّ بنظرته الدونية الى المرأة المترسخة في ثقافته وعقله اللاواعي، حتى وإن كانت ابنته».

ترى آسر أن قوانين مكافحة العنف في مصر لن تجدي، طالما لا توجد جهات تنفيذية مؤمنة بها وبضرورة تطبيقها بسرعة، وتقول: «عشت في أميركا فترة لا بأس بها، هناك القوانين تطبق بحذافيرها، حتى العنف النفسي واللفظي ضد المرأة محرّم هناك أتذكر أنني كنت أتشاجر مع زوجي في السيارة وانفعلنا وظهر على ملامحنا الضجر أثناء الحديث، حينها فوجئت بسيارة شرطة توقفنا وتسألني هل أنا بخير؟ وهل شجاره آذاني نفسياً؟ هل تطاول عليَّ بالضرب؟ وبما أننا نعتبر مجرد الشجار في ثقافتنا المصرية أمراً عادياً، أخبرتهم أنه لا يوجد شيء مقلق على الإطلاق، لكن في المجمتع الأميركي حتى الإيذاء النفسي للمرأة إجرام ولا تتهاون فيه الجهات التنفيذية، لذا لا بد أن يؤمن صانعو القرار والمشرعون بضرورة تنفيذ القوانين الخاصة بالمرأة، لحفظ التوازن في المجتمع وزيادة إنتاجه».

باسم القانون

أما نادر شعبان، مخرج تلفزيوني، فيرى أن تعدد الزوجات عنف نفسي ممارس ضد المرأة باسم الشرع والقانون، ويقول: «تعدّد الزوجات أحد أشكال التعنيف النفسي ضد المرأة باسم الشرع والقانون، فكثيراً ما أفكر ماذا لو كان الأمر معكوساً وكان من حق زوجتي أن تتزوج برجل غيري، وألزمني الشرع الرضا والقبول، بالتأكيد لن أتحمل ذلك مطلقاً، وسأكون على شفا حفرة أمراض نفسية مختلفة، كالتوتر والاكتئاب. في المقابل القانون يرفض التطليق للضرر النفسي الواقع على الزوجة بسبب تعدّد زوجها، كأنه يريد المشاركة في تعنيفها النفسي، فمن وجهة نظري أن القانون دائماً بلا قلب، مجرد نصوص خالية من المشاعر والتفكير».

ويتابع: «المجتمع ذاته يمارس تعنيفاً نفسياً ضد النساء، فمثلاً جملة «متى سنفرح بك» تصر على قولبة الفتاة وحصر نجاحها في مجرد الزواج وتربية الأطفال، متجاهلاً نجاحها المهني أو الرياضي، كذلك المعاكسات في الشارع، سواء كانت لفظية أو حتى بالنظرة، فكأن الرجل يريد انتهاك جسد المرأة بنظراته، وعلى رغم أن ذلك التحرش لا يعاقب عليه القانون ويباركه المجتمع تحت مسمى «معاكسة»، إلا أنني عندما أضع نفسي مكان المرأة أشعر بالانتهاك النفسي.

يلفت نادر أيضاً إلى أن التعنيف النفسي يكون في العمل أيضاً وإعلاناته، مثل «مطلوب آنسة للعمل» أو «مطلوب سكرتيرة حسنة المظهر»، ويقول: «تلك الإعلانات تعكس نظرة المجتمع إلى المرأة كسلعة، حيث أنه لا ينظر إلى مؤهلها العلمي أو مهاراتها العملية، فقط يريدها أنثى وحسنة المظهر، كأنه يعلن عن سلعة ذات جودة جمالية، فمن وجهة نظري المتاجرة بجسد المرأة في بعض الأعمال، مثل الإعلانات التلفزيونية أو السكرتيرات، مع اشتراط حسن المظهر، أحد أنواع التعنيف النفسي المجحف لمهارات المرأة وقدراتها العملية، التي تساوت في مهاراتها مع الرجل إن لم تتفوق عليه في بعض الأحيان.

ملكية خاصة

تُرجع الدكتورة ماجدة عدلي، رئيس مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي، سبب التعنيف النفسي للمرأة، إلى المجتمع الذي يتعامل مع المرأة على أنها ملكية خاصة للرجل، فالأم تربي ابنها على أنه رجل الأسرة ويحق له تأديب أخته الكبرى أو الصغرى، وكذلك التعامل مع البنت كأنها عورة، فلا يحق لها اللعب مع الأولاد، ولا يكفي أن تكشف أمام غرباء، فتجد نفسها أمام غرباء يبترون جزءاً من جسدها بدعوى الختان، فتقع الفتاة في تناقض نفسي كبير يترك صدمة قد تلازمها إلى الأبد، وأيضاً نصدّر مفاهيم خاطئة عن العلاقة الزوجية، فمن العيب أن تستمتع المرأة أو تبدي رغبتها لزوجها، أو حتى ترفض العلاقة، وهذا ينعكس على الرجل، فيكون عنيفاً معها أو يتزوج بأخرى أو يغتصبها على فراش الزوجية من دون رضاها.

من خلال حالات العنف الجسدي والنفسي التي يستقبلها مركز النديم، تؤكد الدكتورة ماجدة عدلي أن العنف النفسي، بخاصة لو كان ممارساً من قبل الأسرة، يصيب المرأة بالعدوانية أو الانطوائية، وقد تصل بها الحال إلى الاكتئاب والرغبة في الانتحار.

موروث ثقافي

من الجانب النفسي، تقول الدكتورة أمل محسن، استشاري الصحة النفسية: «للأسف المرأة المصرية ضحية موروث ثقافي خاطئ، يحمّلها أكثر من طاقتها ويلومها دائماً، حتى ولو كانت الضحية، وبالتالي تقع أكثر من 60 في المئة من النساء ضحايا التعنيف النفسي وما يترتب عليه من أمراض نفسية، مثل الاكتئاب وكره الحياة، وبالتالي التفكير في الانتحار، إضافة إلى التوتر والقلق واضطراب الشخصية، وفي المقابل قد تصاب المرأة ببعض الأمراض العضوية التي تعاني من أعراضها من دون وجود سبب عضوي واضح، مثل مرض السكري والضغط، حيث تعاني من عدم انتظام مستويات السكر والضغط بسبب تقلّب حالتها النفسية».

وتتابع: «في المقابل، المرأة التي لديها وعي وثقافة عالية أو تنتمي إلى مستوى ثقافي مرتفع، تستطيع تجاوز أي عنف نفسي، فضلاً عن أن المستوى الثقافي الذي تتمتع به يدعم نجاحها بلا تعقيد أو محاولات إحباط، فكلما ارتفع المستوى الثقافي للمرأة ارتقت عن النظرة الدونية النمطية في المجتمع».

قوة موازية

أما الدكتورة عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث، فتؤكد أن المرأة أصبحت حالياً قوة موازية للرجل ويصعب تعنيفها نفسياً، بسبب الموروثات الثقافية الخاطئة القائمة على التمييز الجنسي، حيث أصبحت تتقلّد مناصب الوزيرة والمحافظة وعضو برلمانية... إلخ.

وتتابع: «كلما تدنى مستوى التعليم والثقافة ازدهرت كل أشكال العنف ضد المرأة، لذا الحل في تكاتف كل مؤسسات الدولة، بداية من التعليم، وضرورة أن تنص الدروس على أهمية دور المرأة في المجتمع، مروراً بالمؤسسات الدينية وتجديد الخطاب الديني، لتصحيح الأحاديث الموضوعة والضعيفة عن المرأة، نهاية بدور الفن والإعلام، بإلقاء الضوء على النماذج الناجحة لتكون محفّزاً لنجاح الأخريات وتمكينهنّ اقتصادياً واجتماعياً.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080