السّمنة بين الأطفال ظاهرة مقلقة تدعو للتحرك السريع
تبدو الأرقام التي تشير إلى ارتفاع معدلات السُّمنة بين الأطفال في لبنان والدول العربية بشكل مضاعف في السنوات الأخيرة مخيفة وتدعو إلى التحرك السريع بهدف نشر الوعي بين الأهل والأطفال لمكافحة العادات السيئة المتبعة. فخلال السنوات الأخيرة زاد الميل إلى الركود وتناول الأطعمة السريعة الغنية بالدهون والسكريات والوحدات الحرارية، مما يفسر هذا الارتفاع الملحوظ في معدلات السُّمنة وبالتالي زيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة. عن هذه الظاهرة التي تدعو الى القلق، تحدثت المحاضِرة في علوم التغذية في الجامعة الأميركية في بيروت والمنسّقة لبرنامج “أجيال سليمة” في الشرق الأوسط د. كارلا حبيب مراد مشيرةً إلى ضرورة التركيز على اتّباع العادات السليمة لنمط حياة صحي كعائلة بكامل أفرادها بهدف اكتساب العادات بشكل أفضل. كما شدّدت على النتائج الواضحة التي استطاع برنامج “أجيال سليمة” تحقيقها مع الأطفال والأهل من خلال نشر الوعي بينهم.
- ما سبب الارتفاع الكبير في معدلات السُّمنة بين الأطفال في لبنان والدول العربية في السنوات الأخيرة؟
كان لافتاً في الأرقام أن معدلات السُّمنة بين الأطفال في لبنان والدول العربية تضاعفت خلال فترة 10 سنوات فيما يمكن أن نشهد ارتفاعاً من هذا النوع خلال 20 أو 30 سنة في الدول الأخرى. فالمعدلات التي كانت بنسبة 10 في المئة، أصبحت 20 في المئة في منطقتنا، وهذا رقم مخيف فعلاً.
- ما الذي يدفع إلى زيادة من هذا النوع على الرغم من كثرة النشاطات البدنية في المدارس وتنوعها؟
مما لا شك فيه أن معدل النشاط الجسدي بين الأطفال انخفض بنسبة 50 في المئة بسبب توافر الأنشطة الترفيهية التي تدعو إلى الركود وقلّة ممارسة الرياضة من ألعاب الكترونية وغيرها بحيث أصبحوا أقل ميلاً لممارسة أي نشاط أو رياضة بدنية. إضافة إلى ذلك، زادت الإغراءات بشكل واضح في الغذاء بحيث لاحظنا في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في عدد المطاعم التي تقدّم وجبات سريعة التحضير مع كل ما تحويه من دهون وسعرات حرارية فارغة لا تقدم غذاءً فعلياً للأطفال. ولا يُخفى على أحد أنه يسهل على الجميع تناول الأطعمة السريعة التحضير الغنية بالسكر والوحدات الحرارية والدهون أكثر من تلك الصحية. كذلك تتطلب ممارسة الرياضة والأنشطة الجسدية بأنواعها المزيد من الجهد.
- متى يمكننا اعتبار الطفل سميناً؟
ابتداءً من عمر السنتين أو الثلاث سنوات، يمكن البدء بالتركيز على وزن الطفل والتحقق مما إذا كان يعاني زيادة في الوزن أم لا.
- هل من أوزان تعتبر زائدة بالنسبة الى الأطفال؟
بالنسبة الى الأطفال، لا بد من التوضيح أننا لا ننظر إلى الوزن وما من معيار محدد يتم الاستناد إليه في ذلك. نستند إلى مؤشرات السمنة وفق جداول خاصة بالأطفال ومعدلات أوزانهم الطبيعية، وبالتالي تُحتسب الزيادة على أساس سنّ الطفل وطوله ووزنه. فقد يكون طول الطفل مناسباً أحياناً لوزنه وإن بدا زائداً. هي حسابات معينة لتقدير زيادة الوزن تختلف نتائجها بين طفل وآخر.
- هل السعي للحفاظ على وزن الطفل يجب أن يبدأ في سنّ مبكرة؟
من الضروري أن يحرص الأهل على الحفاظ على وزن الطفل ضمن معدلات طبيعية وتجنّب زيادته من سنّ مبكرة لا تتخطى السنتين أو الثلاث سنوات، لأنه بمقدار ما يكون هناك تأخر، تزيد الصعوبة في ضبط الوزن، كما يزيد خطر تعرضه للأمراض المرافقة للسُّمنة.
- هل صحيح أن الطفل الذي يعاني زيادة في الوزن يبقى سميناً طوال حياته؟
يصعب على الطفل الذي يُترك سميناً أن يخفّض وزنه لاحقاً. وتشير الإحصاءات الى أن الأطفال الذين يعانون السّمنة قبل سن العاشرة يواجهون خطر السّمنة بعد هذه السنّ بنسبة 30 في المئة. أما الذين يعانون زيادة في الوزن في سنّ العاشرة وما بعدها فيواجهون خطر الإصابة بالسّمنة طوال حياتهم بنسبة 50 في المئة. كما أن من يعانون السمنة في المراهقة يواجهون خطر السمنة طوال حياتهم بنسبة 80 في المئة. لذا، بمقدار ما يتم التصدي للسمنة والسعي إلى ضبط الوزن في مرحلة مبكرة، تكون النتائج أكثر فاعلية. ومن هنا يُنصح بالمبادرة إلى ضبط وزن الطفل بدءاً من عمر 3 سنوات لا أكثر.
- إلى أي مدى يلعب العامل الجيني دوراً في تحديد قابلية الطفل للسمنة؟
يحكم العامل الجيني باستعداد الطفل لزيادة الوزن، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن اتخاذ أي إجراء للتصدي للسمنة في هذه الحالة. ففي حال وجود العامل الجيني يكون الطفل أكثر عرضة لزيادة الوزن، لكن ثمة عوامل عدة في المحيط يمكن العمل عليها بهدف مكافحة الاستعداد للسمنة. من هنا أهمية نشر الوعي في المدارس ليتعلم الأطفال كل ما يلزم حول نمط الحياة الصحي فيحمون أنفسهم من السمنة حتى في حال وجود عامل جيني.
- هل يُنصح بطعام خاص لحمية الأطفال؟
لا يمكن التحدّث عن طعام خاص لحمية الطفل وإن كان يعاني زيادة في الوزن. إذ يبقى الأهم أن يتعلّم اتباع نمط حياة صحي فيُحسن اختيار الأطعمة المغذية المناسبة له وبكميات مقبولة، وأن يركز على الخضر والفاكهة في غذائه ويقلّل من الأطعمة الغنية بالسكر والدهون.
- بشكل عام يصعب حرمان الطفل من أغذية معينة إذ سرعان ما يتجه إليها أكثر، ما الحل في هذه الحالة؟
لا نعتمد أبداً مبدأ الحرمان مع الطفل بل نحرص على تعليمه أسس التغذية السليمة والصحيحة المفيدة له. أما بالنسبة الى الأطعمة التي لا تعتبر صحية فيتعلم أن يتناولها بكميات صغيرة أو استثنائياً، ويركز على الأطعمة الصحية المفيدة له من جزر ومكسرات فتكون البدائل الصحية هي الأساس في غذائه.
- ما معدل انخفاض وزن الطفل لدى اتباعه حمية؟
لا نعمل أبداً على خفض وزن الطفل بل نسعى الى الحفاظ على وزنه بحيث يكبر وينمو فيما يحافظ على وزنه من خلال اتباع نمط حياة صحي. يجب ألا ينخفض وزن الطفل أبداً إلا إذا كانت السمنة زائدة في شكل يؤثر سلباً في صحته.
- هل ينطبق على الطفل كما الراشد معيار الوزن في محيط البطن كمؤشر للإصابة بأمراض خطرة؟
من المؤكد أن تكدّس الدهون في محيط الخصر لدى الطفل كما الراشد يؤشر الى الإصابة بأمراض خطرة.
- كيف يزيد خطر الإصابة بالأمراض لدى الأطفال الذين يعانون السمنة؟
في الواقع، تبين في دراسة أجريت في الجامعة الأميركية في بيروت أن الأطفال الذين يعانون السمنة هم أكثر عرضة لارتفاع ضغط الدم ومستوى السكر في الدم وأمراض القلب وعدم انتظام دقات القلب، سواء في لبنان والكثير من الدول العربية. واللافت أن السكري الذي كان يصيب أشخاصاً تخطّوا سن الثلاثين، نجده اليوم يتربص بأطفال في سن الرابعة عشرة، مما ينذر بالإصابة بأمراض خطرة في مرحلة مبكرة أكثر.
- ما النصائح العملية التي يمكن إسداؤها للأهل والأطفال للاتجاه إلى نمط حياة صحي؟
* من المهم الاعتياد على التنويع في الأكل من سنّ مبكرة. فيتذوق الطفل أطعمة عدة صحية وإن بكمية صغيرة حتى يعتاد عليها شيئاً فشيئاً.
* يجب عدم المعاقبة أو المكافأة في الأكل، بل الاكتفاء بالتجربة.
* المشاركة كعائلة في الأكل لتسهيل اكتساب العادات الصحية.
* ممارسة الرياضة كعائلة وأن يكون الأهل مثالاً جيداً لهم في النشاطات البدنية.
* عدم حرمان الأطفال لتجنب ردود فعلهم العكسية.
- ما الأخطاء التي يقع فيها الأهل عامة في طريقة التعاطي مع الأطفال لجهة التغذية؟
ثمة أخطاء عدة يمكن أن يقع فيها الأهل في هذا الإطار، وأبرزها:
* الحرمان، فبمقدار ما نحرم الطفل يتجه أكثر إلى الأطعمة الممنوعة.
* السخرية من شكل الطفل، مما يسبب له عقدة نفسية قد تدفعه للقيام برد فعل عكسي. لذلك يجب عدم التركيز على الوزن والمظهر.
* لا يكونون مثالاً جيداً للأطفال. فعندما لا يكون الأهل مثالاً جيداً للأطفال لجهة النمط الصحي فكيف لهم أن يفرضوا على أطفالهم تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة. لذا، على الأهل أن يكونوا دائماً مثالاً يحتذي به أطفالهم.
* تخزين الأطعمة غير الصحية في المنزل، فيصعب منع الطفل من تناول كل الأطعمة غير الصحية التي يراها أمام عينيه في المنزل. لذا من الأفضل عدم تخزينها في المنزل كإغراءات يجد الطفل صعوبة في مقاومتها.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024