من عائلة سعودية معروفة بثقافتها أميمة الخميس الرواية الشكل الأكثر اقتراباً من الحياة
لعب البيت دوراً كبيراً في تأسيس الأديبة السعودية أميمة الخميس، الفائزة أخيراً بجائزة نجيب محفوظ، على قيمة الثقافة والآداب، فوالدتها أول امرأة سعودية تكتب في صحيفة “الجزيرة”، ووالدها هو المؤرخ الكبير محمد بن خميس، وقد أشارت في كلمتها في حفلة توزيع الجائزة التي أُقيمت في الجامعة الأميركية في القاهرة، إلى هذه النشأة قائلةً: “أتذكر الآن نكهة الأمسيات التي كان يقضيها أبي وأمي تحت شجرة الياسمين في الحديقة المنزلية، وهما منهمكان في مراجعة كتاب، والدي يقرأ وأمي تدوّن، أو أبي يقرأ وأمي تراجع”.
حصلت أميمة الخميس على الجائزة عن روايتها “مسرى الغرانيق في مدن العتيق”، التي وصفتها لجنة التحكيم بأنها “رواية جادة تتناول الزمن الحالي من خلال التاريخ، إذ تأخذ الرواية شكل رحلة من الجزيرة العربية شمالاً وغرباً إلى الأندلس عبر المدن الكبرى في العالم العربي في القرن الحادي عشر، أثناء الحكم العباسي في بغداد، والفاطمي في القاهرة، والفصائل المقاتلة في الحكم الإسلامي في إسبانيا، كما تتميز لغة أميمة الخميس بالعذوبة، ويضفي النص على مدن العقيق المعرفة النادرة الثمينة، كما تمكنت الكاتبة من الإمساك بجوهر التنوع الثقافي والديني في العالم العربي، وتحديداً ما بين عامي 402 و405 هـ”.
وفي بداية حديثها عن تأثير الأديب العالمي نجيب محفوظ في مسيرتها الإبداعية، قالت أميمة: “قرأت رواية “أولاد حارتنا” في عمر مبكر نوعاً ما، وبين صفحاتها سيطر عليَّ هاجسان، الأول لماذا لا يردّ الجبلاوي على تضرعات أهل حارته، أما الثاني فما هي الصورة الذهنية لأميمة زوجة أدهم الجبلاوي. وكان التماهي بين اسمينا قد استرجعني لأصبح جزءاً من تلك الحكاية الكونية، لذا كنت أطالع الرواية مأخوذةً بسحر الحكاية ومتعة الحدوتة. لم تكن سنّي الصغيرة تطلب أكثر من هذا لتنظّم فوضى العالم من حولي وتجلو معمياته، لكن لاحقاً عندما بدأت تتسع جماليات الرواية وتثقل وتشتبك مع أسئلة العالم الوجودية والفلسفية، أصبحت أطلب المزيد من الرواية، وظل نجيب محفوظ محفوظاً فوق قائمة مطالعاتي، سواء في مرحلته الواقعية، انتقالاً إلى أعماله الفلسفية الوجودية، وصولاً إلى تجليات الصوفية التي ظهرت في أعماله الأخيرة”.
وعن بداياتها مع عالم الإبداع، تقول الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ: “لا أزعم أنني دخلت أرض السرد من بواباته الشاسعة، لكن في بداياتي الأولى كنت مفتونة باللغة، وكان الكتاب، سواء مؤلفات والدي أو ما تنتجه مطابع العالم، كائناً منزلياً أليفاً يشاركنا المنزل وإخوتي في كل ردهات البيت”.
وفي ما يتعلق بمسيرتها الإبداعية، تشير أميمة الخميس إلى أنها بدأت بمجموعات من القصص القصيرة، ثم اتجهت إلى الرواية، فهي الصيغة الأكثر نضجاً في مسيرة الإبداع الإنساني، والشكل الأكثر تعقيداً وتركيباً للفنون كلها، فبُنيتها المرنة تختزل الشعر وجموحه وعوالمه المتوهجة، والرواية تتوسل الفنون البصرية الحديثة من خلال السيناريو والتقطيع والفلاش باك، والاتكاء على الحوار للمعالجة الفنية، لذا تبدو الشكل الأكثر اقتراباً من الحياة، ومن خلالها يتم رصد الكثير من التحولات الاجتماعية والسياسية والتاريخية للشعوب، حتى باتت الرواية ديوان العصر الحديث، ومحاولة لاسترجاع المادة الأولى للعالم، وتفتيت المشهد إلى جزئياته الصغرى، ومن ثم رصفها من جديد وفق شروط مستجيبة تتحدّى العدم.
ومن جانبه، يصف الناقد رشيد العناني أحد أعضاء لجنة التحكيم، الرواية الفائزة بأنها “نص فريد في أسلوبه ومبناه، مغامرة لغوية قديرة ومبدعة تحاكي أدب الرحلات الكبرى في التراث العربي، مثل رحلة ابن بطوطة وابن فضلان وابن جبير، ولكن على نحو مختلف.أما الرواية فتدور في العصور الوسطى، حقبة ازدهار الحضارة العربية والإسلامية، فبطلها هو مزيد الحنفي من جزيرة العرب، وهو خطّاط ومدوّن كتب ويتاجر بها، ويبيع الثمين النادر من الكتب، ويقوم برحلته التجارية التي تشمل العواصم الثقافية الكبرى، من الجزيرة ينطلق إلى القدس وبغداد والقاهرة والقيروان وحتى غرناطة وقرطبة، ويصف البلدان التي يزورها على كل المستويات الثقافية والسياسية، وما تخوضه من حروب...
وُلدت أميمة الخميس في مدينة الرياض في السعودية عام 1966، وحصلت على درجة البكالوريوس في الأدب العربي من جامعة الملك سعود، ودبلوم اللغة الإنكليزية من جامعة واشنطن، لها العديد من الأعمال، منها روايتها الأولى “البحريات”، والثانية “الوراقة”، وتُعدّ “مسرى الغرانيق في مدن العتيق” الفائزة بجائزة نجيب محفوظ، روايتها الأخيرة التي صدرت في 2017.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024