تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

بين الدلال والدلال المفرط خيط رفيع

كارلا عساف

كارلا عساف

«يتصرّف ماجد وكأنه ملك الكون، يريد أن يكون كل من يحيط به تحت إمرته، فهو يطلب من شقيقه أن يحضر له كوب الماء، ويفرض على صديقه أن يحمل حقيبته، فهو اعتاد الدلال والحصول على كل شيئ من دون أي مبادرة».
يميل بعض الأهل إلى الإفراط في دلال أبنائهم، فيلبّون كل رغباتهم ومتطلباتهم من دون تردد، وإذا ما نبّههم أحدهم إلى هذا الأمر يقولون» من السابق لأوانه أن يحمل هموم الحياة». فلماذا يفرط هذا النوع من الأهل في دلال ابنه؟ إلى ماذا يؤدي هذا الدلال؟ وما الفرق بين الدلال المقبول والدلال غير المقبول؟
«لها» التقت الإختصاصية في علم نفس العيادي كارلا عساف.

ما هو الفرق بين الدلال المقبول والدلال المبالغ فيه؟
بداية هناك نوعان من الدلال: الدلال المادي والدلال المعنوي. والدلال المادي هو أن يقوم الأهل بتوفير كل متطلبات أبنائهم وإغداق الهدايا عليهم بمناسبة أو من دون مناسبة، فكل ما يطلبه الطفل أو المراهق يكون مجابًا وإن لم تكن قدراتهم المادية تسمح لهم بذلك، وهذا النوع من الدلال مبالغ فيه وهو غير مقبول.
في المقابل هناك الدلال المعنوي، وهذا الدلال مقبول شرط ألا يبالغ الأهل فيه. فمن المعلوم أن الطفل يحتاج إلى عاطفة الأهل ومحبتهم مما يعزز مهاراته الإجتماعية ويشبع حاجته العاطفية، ويساهم في نمو شخصية متوازنة.
ولكن عندما يفرط الأهل في دلال ابنهم العاطفي فهذا خطأ كبير يرتكبونه في حقّه وفي حق أخوته إذا كان لديه أخوة.
وأقصد هنا بالدلال العاطفي المفرط، عندما لا يحاسب الأهل الإبن على تصرّفاته السيئة ويدافعون عن أخطائه، ويتلقى منهم المديح المبالغ فيه في شكل متواصل، مما يعزّز عند هذا الطفل أو المراهق النرجسية وحب الأنا، فلا يعود يكترث لمشاعر الآخرين ويظن نفسه الملك.   

ذكرت أن الدلال المادي غير مقبول. فهل تأمين متطلبات الأبناء يعتبر دلالاً؟
كما ذكرت المبالغة في تلبية رغبات الإبن على حساب قدرة الأهل المادية، أو حتى لو كانت قدرتهم تسمح بذلك، تجعله غير آبه بالآخرين ولا يعرف قيمة ما يحصل عليه إذ لا يجوز إغراق الطفل أو المراهق بالهدايا بمناسبة أو من دون مناسبة.
فالطفل أو المراهق حين يحوز كل شيء بسهولة، يصبح أكثر تطلبًا وبالتالي يشعر بخيبة أمل إذا لم يحصل على ما يرغب فيه.
فعندما يوفر الأهل كل شيئ للأبناء في سن صغيرة لن يدركوا معنى قيمة ما يحصلون عليه بل يتعاملون معه وكأنه أمر مفروغ منه، وبالتالي لا يكترثون للكثير من الأمور وأحيانًا كثيرة يشعرون بالملل، لاسيما المراهقون، ويبحثون عن أمور جديدة قد تكون خطيرة فقط لأنهم ملّوا ولا يعرفون قيمة ما ينالونه.
لذا الحرمان مطلوب، إذ لا يمكن أن يغير المراهق كل يوم هاتفه الجوّال لأن هناك موديل جديدًا بل عليه أن يتعب للحصول عليه.

ما الأسباب التي تدفع الأهل إلى المبالغة في تدليل ابنهم؟
هناك أسباب عدة
تاريخ الأهل الشخصي وعلاقتهم بأهلهم: فالأهل أنفسهم كانت علاقاتهم بأهلهم عندما كانوا مراهقين أو أطفالاً غير سليمة.  كأن أهلهم مثلاً كانوا متزمتين جدًا ومتسلّطين، وبالتالي حرِموا من الكثير من الأمور حتى وإن كانت من الأولويات، فتكون لديهم عقدة نقص يعوّضون عنها بدلال أبنائهم المفرط.
فمن جهة نسمع الوالد مثلاً يقول» لاحق يتعذب بحياته، وطالما أنا قادر أن أوفر له كل ما يحتاجه سأفعل، لا أريده أن يشعر بالحرمان الذي عشته». وهو بذلك يتساهل بطريقة غير مدروسة، حتى يصل أحيانًا إلى جدار مسدود، خصوصًا عندما يشعر بأنه غير قادر على تلبية متطلبات الإبن أو الإبنة.
شعور الوالدين بالذنب لإنشغالهما المستمر: هناك الكثير من الأهل يعوّضون غيابهم المستمر عن المنزل وبالتالي التواصل مع أبنائهم، من خلال إغراقهم بالهدايا وتلبية كل طلباتهم من دون حدود.
فيكون الدلال المادي تعويضًا عن غياب الدلال المعنوي أو العاطفي الذي يحتاجه الإبن. 

ما نتائج الدلال المفرط سواء كان ماديًا أم معنويًا؟
من نتائج الدلال المفرط أن الطفل أو المراهق لن يعرف الحدود. فالطفل أو المراهق الذي يتوافر له كل شيئ من دون تعب هو شخص غير محصن لتقبل أي فشل أو خيبة أمل يتعرض لها.
فعندما نبالغ في دلال الطفل ونلبي كل رغباته يؤدي ذلك إلى أن تكون له شخصية غير مسؤولة، يتكلّ على الآخرين لا يتحمل نتائج الفشل والإحباط، يسعى إلى تلبية رغباته باستمرار، ويكون لديه حب التملك، لأنه اعتاد الحصول على كل شيء.
وهذا يؤثر في حياته الإجتماعية خارج إطار العائلة، ففي المجتمع ليس كل ما يتمناه يدركه، وبالتالي إذا ما رفض أحد طلبه يشعر بالصدمة.
وأحيانًا كثيرة يسعى إلى تجربة أمور خطيرة لأنه يشعر بالملل فكل شيئ متوافر له من دون تعب.
كما يمكن أن يصبح لديه اضطرابات سلوكية، مثلاً التعدي على الآخرين والخروج على  القوانين.

هل يؤثر الدلال المفرط في أداء الطفل أو المراهق الأكاديمي؟
ليس بالضرورة، وإنما قد يؤدي الدلال المفرط إلى التصرف مع المعلمة بلا حدود وبوقاحة، وبتسلط مع أقرانه. فالعائلة مجتمع مصغر وهي نموذج للعلاقات الخارجية.
فعندما يتصرف الطفل بوقاحة مع والدته أو والده وهما سعيدان بوقاحته، مثلا عندما ينادي طفل صغير والدته باسمها ويتصرف معها بوقاحة كأنها في سنه أو حين تنصاع لرغبته، فإن هذا الطفل سيتصرف بالأسلوب نفسه مع الراشدين خارج إطار العائلة، لأنه لم يتعلّم الحدود ولم يسمع كلمة لا من والديه.
هناك حالات يأتي الأهل يشتكون أن ابنهم فقد أشياءه في المدرسة، أو جلب معه أشياء صديقه.
هذا الطفل لا يشعر بقيمة الأشياء المتوافرة له، وفي الوقت نفسه لا يدرك معنى احترام خصوصية الآخرين، ولا يعرف أن هذا الشيئ له وهذا لصديقه و لا يحق له أخذ ما ليس له، فهو اعتاد أن كل شيء مباح له.

ما الإرشادات التي تنصحين بها الأهل؟
دلال الأبناء مطلوب وضروري، ولكن على الأهل أن يدركوا أن هناك خيطًا رفيعًا بين الدلال والدلال المفرط. فمدح الأبناء لتصرفاتهم الحسنة وتلبية طلباتهم من حين إلى آخر تصرّف جميل، ولكن أن يكون هذا الدلال باعتدال.
إذ لا مانع أن يحوز الطفل على هدية ولكن هذه الهدية تكون لسبب ما، ولا مانع أن تمدح الأم ابنها، ولكن هذا لا يعني أن تدافع عنه بشراسة عندما يسيئ إلى أحدهم.
أن نحب الأبناء أمر مطلوب وواجب، و أن نغنجهم وندللهم هذا أيضًا مطلوب، ولكن أن نغنجهم بلا حدود فهذا أسلوب تربوي خاطئ.
من الضروري أن يشعر الأبناء ببعض الحرمان كي يدركوا قيمة الأشياء التي يحوزونها. المطلوب من الأهل الإعتدال في دلالهم وأن لا يعوّضوا عقدة الذنب أو النقص بأن يبيحوا لأبنائهم كل شيء.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079