مرض السكري يعيش معنا ونتعايش معه بالوعي وحسن السيطرة
تكثر الأفكار الخاطئة لدى مريض السكري ولدى محيطه مما يساهم في زيادة الأخطار المحيطة به نتيجة الجهل وقلة التثقيف في هذا الموضوع.
وفيما كان السكري يعتبر مرضاً خطيراً يهدد حياة المريض نتيجة المضاعفات التي قد تنتج عنه في مرحلة ما، يشدد الأطباء حالياً على أهمية ضبط معدل السكر في الدم لدى المريض مما يسمح بتجنب مضاعفاته الخطيرة بنسبة كبيرة.
وفي هذا الإطار، يؤكد الطبيب اللبناني الاختصاصي بأمراض الغدد والسكري منذر صالح أن الإصابة بالسكري ليست نهاية الحياة بل هو مرض يمكن التعايش معه دون أن يسبب للمريض أذى ودون أي كلفة على الصحة، شرط ان يحسن السيطرة عليه بنمط الحياة المناسب المرتكز على ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي مناسب والأدوية الفاعلة والتعاون مع الطبيب.
كل الأجوبة حول مرض السكري يجدها المريض هنا مع توضيحات حول أفكار توارثناها من جيل إلى جيل دون أن نعرف مدى صحتها.
ما انواع السكري الأكثر شيوعاً؟
أكثر أنواع السكري شيوعاً، كما بات معروفاً:
- السكري من النوع الأول الذي يصيب من هم أصغر سناً ولطالما عرف بسكري الشباب والأطفال. أما اليوم فيعرف بالسكري من النوع الأول. ويحتاج مريض السكري من النوع الأول إلى الأنسولين من بداية التشخيص ولا غنى عنه في هذه الحالة. مع الإشارة إلى أن نسبة الإصابة به لا تتعدى 10 في المئة من مجمل حالات السكري.
- السكري من النوع الثاني وهو الاكثر شيوعاً إذ أن ملايين الناس في العالم مصابون به نظراً إلى ظروف الحياة وانتشار السمنة وقلة ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي غني بالدهون مع الإكثار من الأطعمة السريعة التحضير. لذلك ينتشر السكري من النوع الثاني بشكل واضح خصوصاً لدى الكبار في السن وحتى لدى الصغار.
أليس هناك أي أنواع أخرى من السكري؟
ثمة أنواع أخرى هي أقل شيوعاً وتعتبر أسبابها ثانوية كسكري الحمل مثلاً الذي يتطلب أيضاً التحكم فيه وضبطه ليستمر الحمل بشكل طبيعي ولا تتعرض الحامل والجنين لأي أخطار.
رغم أنه يعرف ان السكري من النوع الاول هو سكري الاطفال والسكري من النوع الثاني هو السكري الذي يصيب الاكبر سناً، ثمة حالات يصاب فيها الأكبر سناً بسكري الأطفال، هل هذا يعني ان السن ليست المعيار الذي يتم على أساسه تحديد نوع السكري؟
صحيح أنه من الممكن أن يكون المصاب بالسكري من النوع الأول في سن كبيرة. في هذه الحالة يكون ثمة خلل في البنكرياس بحيث لا تكون وظيفته طبيعية ولا يفرز الانسولين بكمية كافية.
إلا ان هذه الحالات تعتبر نادرة وليست شائعة. لكن في هذه الحالة يعطى الانسولين للمريض مباشرةً بسبب الخلل في البنكرياس.
يقال إن العامل الوراثي مسبب رئيسي للسكري، هل هذا يعني ان عدم وجوده يلغي احتمال الإصابة؟
لا بد من التوضيح أولاً أن العامل الجيني هو الأساس في السكري من النوع الأول.أما في السكري من النوع الثاني فثمة عوامل اخرى خارجية تلعب دوراً ايضاً حتى في حال عدم وجود العامل الوراثي وتهيئ الشخص للإصابة بالسكري كقلة النشاط الجسدي وزيادة الوزن.
وهذا تحديداً ما ساهم في زيادة انتشار السكري من النوع الثاني بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. صحيح أن العامل الوراثي سبب أساسي، إنما ثمة أسباب أخرى خارجية تلعب دوراً ايضاً في زيادة الاستعداد للإصابة بالسكري.
هل العامل الوراثي يلعب دوراً ايضاً في سكري الحمل؟
حتى في سكري الحمل يعتبر العامل الوراثي مهماً، خصوصاً في حال زيادة الوزن الأساسي وعدم ممارسة النشاط الجسدي، فعندها تتهيأ الحامل أكثر للإصابة بالسكري.
ويزداد احتمال الإصابة بسبب هرمونات الحمل. فإذا كانت المرأة عرضة اصلاً للإصابة يرتفع الاحتمال مع وجود عوامل أخرى مساعدة. لكن لا بد من التوضيح أنه مع انتهاء الحمل، يعود معدل السكري طبيعياً في معظم الحالات.
لكن هل الإصابة بسكري الحمل مرةً يعطي استعداداً للإصابة به عند الحمل ثانيةً أو في أي وقت لاحقاً؟
من المؤكد أن الإصابة بالسكري خلال الحمل تعتبر مؤشراً للإصابة، خصوصاً بوجود عامل زيادة الوزن وقلة ممارسة الرياضة واتباع نمط حياة معين.
لذلك من الضروري أن تحرص المرأة على تجنّب العوامل التي تساهم في زيادة احتمال إصابتها في وقت لاحق.
هل يمكن مكافحة تأثير العامل الوراثي بواسطة نظام غذائي قليل السكر والحلويات، لدى من لديهم استعداد للإصابة؟
ثمة دراسة أجراها برنامج الوقاية من السكري Diabetes Prevention Program في هذا الإطار للتأكد مما إذا كان من الممكن مكافحة تأثير العامل الوراثي بواسطة العوامل الخارجية كالنظام الغذائي والرياضة.
لذلك، تم تقسيم الناس إلى مجموعتين، الأولى ضمت أشخاصاً لديهم استعداد للإصابة بالسكري وتم إخضاعهم لنظام غذائي صحي لخفض الوزن وتم تغيير نمط حياتهم لجهة النشاط الجسدي أيضاً.
اما المجموعة الثانية التي لديها استعداد للإصابة فلم تتبع معها أي من هذه الإجراءات. في النهاية لم تصب بالسكري نسبة 58 -60 في المئة من الذين خضعوا لتغيير في نمط الحياة، واستمرت النتيجة مع اتباع الأسلوب نفسه.
أما المجموعة الثانية فأصيب من فيها بالسكري. لذلك، من الناحية العلمية، لا شك أن تغيير نمط الحياة وخفض الوزن يؤثران في منع الإصابة بالمرض رغم وجود العامل الوراثي.
ألا تتوافر أدوية تسمح بتجنب الإصابة لمن لديهم استعداد وراثي؟
ثمة أدوية تعمل على المجابهة وتفعّل إفراز الانسولين. كما تتوافر أدوية أخرى تعمل على الضبط وتبيّن انها تخفض نسبة الإصابة بالمرض.
بشكل عام، في حال وجود استعداد وراثي، يُخضَع الشخص لنظام غذائي مناسب ويتبع نمط حياة صحياً عامةً مع التشديد على أهمية ممارسة الرياضة، خصوصاً في حالة وجود مشكلات كارتفاع الضغط.
إذا نجحت هذه الطريقة تجري متابعتها، أما إذا لم تنجح فيتم اللجوء إلى أدوية الحماية التي تعتبر الآثار الجانبية الناتجة عنها طفيفة جداً.
ما المعدّل الذي يؤخذ كمعيار لتشخيص الإصابة بالسكري؟
اختلفت الأمور عن السابق، وانخفض المعدل المعتمد كمعيار لتشخيص الإصابة بالسكري. بشكل عام وبحسب الجمعية الأميركية للسكري والجمعية الأوروبية، إذا كان معدل السكر في الدم دون ال100 على الريق يعتبر طبيعياً.
أما إذا راوح بين 100 و126 على الريق فيعتبر أن الشخص المعني لم يصب بالسكري بعد إنما لديه استعداد للإصابة. أما إذا تعدى المعدل 126 على الريق وثبت مرات عدة متكررة، فهذا يعني ان الشخص مصاب بالسكري.
اما إذا قيسَ معدل السكر في الدم خلال النهار بعد الأكل وتبين أنه تخطى 200 وثبت مرتين، فهذا يعني ان الشخص مصاب. كما أن كون المعدل بين 140 و200 بعد الأكل يعني أن الشخص مهيأ للإصابة وأن البنكرياس لا يتحمل النشويات ويحتاج إلى حماية.
في أي سن يجب أن تبدأ الوقاية لدى شخص لديه استعداد وراثي للإصابة؟
في حال وجود عامل السمنة، من الضروري مراقبة معدل السكر في الدم اياً كانت السن من خلال الفحص المنتظم.
اما في حال وجود حالات في العائلة أو في حال وجود مشكلة ارتفاع ضغط الدم أو تناول أدوية تحتوي على الكورتيزون وعدم ممارسة الرياضة ، فيزداد احتمال الإصابة ومن الضروري مراقبة معدل السكر في الدم في سن مبكرة.
أما في حال عدم وجود هذه العوامل، فمن الافضل مراقبة معدل السكر في الدم بدءاً من سن الاربعين.
هل يمكن الاكتفاء بالحمية المناسبة لضبط معدل السكر في الدم دون اللجوء إلى الأنسولين؟
في حالات السكري من النوع الثاني، وتحديداً في المراحل الأولى، يمكن أن تكون إفرازات الأنسولين كافية ويمكن الاكتفاء بالنظام الغذائي المناسب.
أما في مراحل لاحقة، فيستنفد الانسولين ويصبح من الضروري اللجوء إلى أدوية تفعيل الانسولين إلى أن تأتي المرحلة التي تصبح الحاجة إلى الانسولين فيها ملحة ولا غنى عنها.
لكن في حال اتباع النظام الغذائي المناسب والتزام التعليمات الطبية، يمكن أن تمر سنوات طويلة قبل أن تبرز الحاجة إلى الأنسولين. مع الإشارة إلى أنه ثمة حالات لا تنجح الأدوية فيها ولا تنجح الحمية ، فتكون ثمة حاجة إلى الأنسولين.
بشكل عام يمكن البدء بالحمية والرياضة في المرحلة الأولى في الحالات العادية إلى أن تصل المرحلة التي يحتاج فيها معظم المرضى إلى الأنسولين. لكن ثمة حالات أيضاً يرتفع فيها معدل السكر في الدم بشكل كبير مما يحتّم اللجوء إلى الأنسولين من المرحلة الأولى.
كذلك في حال وجود مشكلات أخرى تدعو إلى ذلك.
ما المضاعفات التي يمكن أن تنتج عن الإصابة بالسكري في المدى البعيد؟
ثمة نوعان من المضاعفات التي يمكن أن تنتج عن السكري، أولهما المضاعفات الآنية والسريعة الناتجة عن ارتفاع معدل السكر في الدم ويكون علاجها سريعاً وفورياً وغالباً ما تكون ثمة حاجة إلى الأنسولين لضبط معدل السكر في الدم سواء كان السكري من النوع الأول أو الثاني.
أما المضاعفات المزمنة فتنتج عن ارتفاع السكري وعدم ضبطه لفترة طويلة مما يؤثر سلباً على الشرايين وترتفع أيضاً نسبة الإصابة بأمراض القلب ونشاف الشرايين في الدماغ والساقين ومشكلات الأوعية الدموية الصغرى في العينين والكلى، مما قد يسبب فشلاً كلوياً وفقداناً للنظر.
أما الشرايين الكبرى التي تتضرر نتيجة عدم ضبط معدل السكر فهي شرايين القلب والرأس والأطراف وتؤثر على الجهاز العصبي والجهاز الجنسي. ويمكن أن يتأثر الجلد.
هل الوصول إلى مضاعفات السكري نتيجة حتمية بعد سنوات من الإصابة حتى في حال ضبط معدل السكر في الدم؟
أجريت دراسات عدة حول الموضوع إحداها عام 1995 جرت فيها متابعة المرض خلال 25 سنة وتم ضبطه بشكل جيد لدى مجموعة من المرضى، فيما لم يضبط بالشكل المناسب لدى مجموعة أخرى.
وقد لوحظ أنه يمكن الحد من نسبة كبرى من المضاعفات الناتجة عن المرض بضبط معدل السكر في الدم . مع ضرورة التشديد على معدلات الكوليسترول والسكري وضغط الدم وكل ما قد يرتبط بالمرض للحد من مضاعفاته.
هل من نصائح أساسية يمكن إسداؤها لمريض السكري؟
لا بد من التوضيح بالدرجة الأولى أن الإصابة بالسكري لا تعني أن الحياة قد انتهت. فالسكري مرض يعيش معنا ويمكن أن نتعايش معه دون أن يؤذينا ودون أي كلفة على صحتنا إذا أحسنّا التحكّم فيه بالأدوية الفاعلة مع تجنب حالة هبوط السكر في الدم وبالتعاون مع الطبيب وبنمط الحياة المناسب.
كما تجدر الإشارة إلى أن الادوية الفاعلة أصبحت متوافرة للسيطرة على المرض دون أن تتأذى صحة المريض.
ثمة فكرة شائعة لدى المرضى بأن البدء بحقن الأنسولين له أثره السلبي ويسبب الاعتياد عليها، ما مدى صحة ذلك؟
من الضروري ان نوضح أن البدء بحقن الأنسولين مهم جداً للمريض عند الحاجة دون أن يشكّل ذلك عائقاً. هو حل لا غنى عنه في أوقات معينة وفي حالات معينة لمتابعة الطريق بالشكل الصحيح.
وبعد اللجوء إليه يمكن ان يكتشف المريض بنفسه أهميته ومعنى التزامه للحد بشكل كبير من المشكلات التي قد تنتج عن المرض.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024