الكاتب ممدوح حمادة: من ادعى أنه ارتجل في «ضيعة ضايعة» ضميره «في سابع نومة»
- نصوصك هي الوحيدة التي تمكنت من تجاوز أزمة الدراما السورية الحالية في شكل عام، فكيف تستطيع تجاوز تلك الأزمة على صعيد الكوميديا السورية التي تعاني فعلاً من أزمة نصوص؟
عندما تكون هناك أزمة، فإن أحداً لا يستطيع تجاوزها منفرداً، وإذا حصل وكان هناك فرد أو قلة من الأفراد استطاعوا الظهور بمظهر غير المتأثرين بالأزمة، فهذا لا ينفي وجودها ولا يعني أنهم سيستمرون كذلك. بالتالي، لم أستطع تجاوز الأزمة، لكنها لم تنشب مخالبها بي بعد.
- ما هي المقومات أو التوليفة الدرامية التي تجعل الجمهور يتقبل العمل الدرامي ويتفاعل معه، سواء كان مشاهداً محلياً أو عربياً؟
أهم شيء في اعتقادي، هو ملامسة المتلقي في نقطة ما واحدة على الأقل، وعدم الافتعال والابتذال. طبعاً ليست هناك وصفات جاهزة في هذا المجال، لكن من باب الافتراض، فإن التناول العفوي المقنع للمسألة المطروحة مهم جداً، فحتى لو كنت تتحدث عن حرب كائنات فضائية، ثمة في طرحك قوانين داخلية، وخروجك عنها يجعل عملك مبتذلاً ومفتعلاً، والانتباه الى هذا التفصيل ربما يجعل الجمهور يتقبّل، وكما قلت كلام من باب الافتراض.
- «الواق واق»، هل هو اقتباس أو مقاربة للفكرة العامة لرواية كين كيسي «طيران فوق عش الوقواق»، مع الاختلاف في المكان وسرد الحكاية؟
لا طبعاً، العمل ليس اقتباساً من أي عمل آخر، وأنا لم أقرأ هذه الرواية ولم تقع عيني عليها، ولا أعرف عما تتحدث، وتقاطع العمل معها بمفردة مجرد مصادفة لا أكثر.
- «ضبوا الشناتي» يعدّ بمثابة توثيق حقيقي للحرب السورية، فكيف استطعت أن تجمع كل تلك التفاصيل، وهل أنجزت العمل، منذ كتابته، وأنت تعي أنه سيكون عملاً محلياً أكثر منه عربياً؟
«ضبوا الشناتي» يعبّر عن حالة إنسانية يعاني منها المدنيون في الحروب، وأنا شخصياً مررت بتجارب قريبة مما يحدث وإن لم تكن بالشدة والقسوة نفسيهما، ثم إني لا أصنّفه كعمل محلي، كونه يوصّف حالة حدثت قبل سورية ويمكن أن تحصل بعدها في أي بلد ولن تختلف كثيراً في تفاصيلها.
- قلت أنك تضع نفسك دائماً مكان شخصياتك، وتمثل أدوارها أثناء كتابتها، وفي معظمها هناك جانب من السخرية الجميلة، هل أنت بطبعك شخص ساخر؟
أعتقد أن أيّ كاتب إذا لم يقم بتمثيل أدوار الشخصيات التي يكتبها، فلن يتمكن من تقديم فن حقيقي، لأنه إذا لم يتقمص شخصياته، فإن جميعها ستتحدّث بلسانه وليس بلسانها.
- كونك تقيم خارج سورية، وكون مقابلاتك الصحافية نادرة، فنحن لا نعرف ممدوح حمادة الإنسان، كيف تصف نفسك، وأي الشخصيات التي قدمتها عبر نصوصك الدرامية، هي الأقرب إلى شخصيتك الحقيقية؟
تصعب علي الإجابة عن هذا السؤال، فأنا لا أستطيع الحديث عن نفسي كشخص، ولا أعرف ما الذي يمكن أن أقوله، فمثلي مثل غيري نسيج من الإنجازات والإخفاقات، ويمكن أن أقوم بمأثرة ويمكن أيضاً أن أرتكب حماقة، وأعتقد أن هذه هي حالة جميع البشر.
- هل من شخصيات حقيقية اتكأت عليها في كتاباتك؟
طبعاً، بعض الشخصيات التي استخدمتها استقيتها في شكل نسبي من الواقع، لكنني بطبيعة الحال أُغنيها وأشذبها فأضيف إليها صفات وألغي أخرى، ويمكن في بعض الأحيان أن يجتمع لدي أكثر من شخصية في شخصية واحدة، مثل شخصية «جميل» في «الخربة» فهي مستقاة من شخصيتين إحداهما من حلب والأخرى من السويداء. كذلك، يمكن أن أقسّم شخصية إلى شخصيتين مختلفتين مثل شخصية «أسعد» في «ضيعة ضايعة» و«سمعان» في «الخربة» مثلاً، فهما في الواقع شخصية واحدة قمت بفصل خواصها لتصبح شخصيتين جديدتين، لكن معظم الشخصيات بطبيعة الحال مبتكرة ومتخيّلة.
- على رغم نجاح «الخربة» الذي يعتمد على اللهجة المحلية أيضاً، إلا أنه لم يلق النجاح ذاته الذي حققه «ضيعة ضايعة»، والذي كان ساحقاً في جزءيه، ما السبب في رأيك؟
السبب الوحيد هو الظرف الذي عرض فيه «الخربة»، حيث ارتبط الموقف من العمل إلى درجة كبيرة بالانقسامات الحادة في المجتمع، حيث أصبحت هناك شرائح واسعة ترفض متابعة هذا الفنان أو ذاك بسبب اختلاف مواقفها مع موقفه، إضافة إلى ظروف الحرب التي تجعل المتابعة أحياناً أمراً مستحيلاً، أقله الانقطاع المستمر في الكهرباء، ولا يخلو الأمر من ربط «الخربة» بـ«ضيعة ضايعة» من قبل كثيرين.
- من هي الشخصية التي أتعبتك خلال كتابتها؟
في شكل عام، كل الشخصيات متعبة، ولا يمكن أثناء الكتابة التعامل مع أي شخصية بسهولة، فجميعها مشاكس.
- ومن هي الشخصية الأقرب إلى قلبك بين كل ما قدمت؟
لم أفكر في هذا الموضوع بكل صراحة، ربما الشخصية الأقرب هي تلك التي سأكتبها، على مبدأ ناظم حكمت.
- درست الإعلام وتدرّسه في جامعات بلاروسيا، هل عوّضك العمل الفني والدرامي عن العمل الإعلامي؟
لا أبداً، فقد كان طموحي منذ البداية وحتى الآن العمل في الصحافة، لكن مع الأسف لم أحصل ولا على أدنى فرصة في هذا المجال، اللهمّ سوى عملي لثلات سنوات تقريباً كصحافي جوال إذا صحّ التعبير، والتدريس عمل مرهق ومضنٍ وأنا لم تكن لدي رغبة كبيرة في العمل في مجال التعليم، غير أن الحاجة إلى دخل شهري يوفر بعض الاستقرار هي ما دفعني إلى ذلك، لأن العمل في الدراما متقلب، وأحياناً يمكن أن يمرّ عام كامل من دون الحصول على أي دخل، بكلام آخر رياح الحياة تحرك الأشرعة ولا تعبأ بما نريد.
- أيضًا أنت فنان في الرسم والكاريكاتير، وشاركت في مهرجانات عدة عالمية، هل تتجسد روح الرسم الكاريكاتيري على الورق من خلال بعض شخصياتك الدرامية؟
الكاريكاتير ارتبط في شكل أساسي بفترة الدراسة، حيث كنت أرسم وأنشر رسومي في الصحف البيلاروسية وأينما تسنى لي خارجها، لكن بعد انتهاء الدراسة وعدم حصولي على فرصة للعمل في الصحافة، توقفت عن الكاريكاتير في شكل تدريجي، لأن الكاريكاتير فن صحافي فإذا لم يجد له مكاناً في الصحافة يلفظ أنفاسه، أما المعارض الدولية التي شاركت فيها فهي مفتوحة ويستطيع الجميع المشاركة فيها، هواة ومحترفين، ولا شك في أن ميلي إلى السخرية هو الذي جعلني أجنح إلى الكاريكاتير تشكيلياً.
- يقال إن من هو خارج الدائرة يرى أفضل ممن هو فيها، هل يمكن أن ترى الواقع الداخلي أفضل من كثير من كُتّاب الداخل، مما يجعل نصوصك أقرب إلى الواقع؟
لا أريد ربط هذا بذاك، وإذا كانت أعمالي تحظى بهذا المستوى من النجاح كما أسمع، لأنني لا ألمس هذا النجاح كوني مسافراً، فإن ذلك النجاح بكل تأكيد ليس سببه وجودي في الخارج، ولا أريد مقارنة ما أقدمه بما يقدمه غيري لكي لا أكون مجحفاً بحق أحد كوني لست مطلعاً على الجميع، والأهم أنني لا أدري إن كنت أرى في شكل أشمل وأفضل حقاً، لقد سبق وكتبت تعبيراً عن ذلك:
تعددت الأقطاب
فأصيبت بالجنون البوصلة
في هذه المرحلة
لا شيء يستطيع إنقاذ العقول
من أتون المهزلة.
- في «ضيعة ضايعة»، هل اعتمدت على اللهجة في شكل أساسي لإنجاح العمل، أم أن النص كان بعيداً عن اللهجة، وتمت استعارتها لما هو مكتوب في ما بعد؟
اللهجة ليست أكثر من حامل للموضوع، ولا يمكن لعمل أن ينجح بسببها، فمعظم قصص «ضيعة ضايعة» موجودة مسبقاً كقصص بالفصحى ويمكنك العثور على قسم منها في مجموعتي «أم الطنافس» ومن سلسلة دفاتر في «دفتر القرية»، وتمّ استخدام اللهجة في «ضيعة ضايعة» لأنها بنت البيئة التي تم التصوير فيها، وأنا كتبت العمل بداية بلهجة ساحلية بيضاء ثم في الجزء الثاني استخدمت اللهجة المحلية. في شكل عام، لو كانت اللهجة أو حتى اللغة سبباً لنجاح أي عمل، لما تعرفنا لا على تشيخوف ولا على عزيز نيسن ولا على مارك توين وبرنارد شو أو هنري وموليير وغيرهم، هؤلاء لم يكتبوا بلهجة أم الطنافس وجميعهم قدمت أعمالهم بلغات مختلفة، وأنا قدمت في «بقعة ضوء» لوحات بلهجات مختلفة منها البدوية والدمشقية، وقدمت في دول أخرى بلهجات أخرى. إن إرجاع نجاح أي عمل إبداعي إلى اللهجة أو اللغة التي كتب فيها يدل على ضحالة نقدية مع الأسف، فهناك بعض الطروحات التي تتبنى هذا الرأي فعلاً.
- هل أوحى لك الثنائي الشهير «لوريل وهاردي»، بنسخ شخصيتي «أسعد وجودة» في «ضيعة ضايعة»؟
لا، ليست هناك أية علاقة لشخصية لوريل وهاردي بموضوع مسلسل «ضيعة ضايعة».
- معظم الفنانين الذين شاركوا في أعمال من كتابتك، أجمعوا على أن النص المكتوب بقلم ممدوح حمادة لا يحتاج إلى أي تعديل أو مشورة، فهو واضح وكافٍ ولا يحتاج الى أي تفصيل إضافي، هل تتعمد المثالية في تفاصيل نصوصك، أم أنها طريقتك الاعتيادية في الكتابة؟
عموماً، أهتم بالتفاصيل وبالناحية البصرية في نصوصي حتى الأدبية منها عبر الوصف، وفي الدراما فإنني أنطق الجمل التي أكتبها أثناء الكتابة، وإذا لمست فيها عوائق لفظية أعيد صياغتها لكي تخرج الجملة في شكل انسيابي. وأعتقد أن الحوار لكي يسهل نطقه يحتاج إلى موسيقى، ففي بعض الأعمال تكون الجملة مكوّنة من ثلاث كلمات ويصعب على الممثل نطقها، ويكرّر الحوار مرات عدة، والسبب في ذلك أن الجملة وعرة لم يتم العمل عليها.
- التعاون مع الليث حجو في شكل شبه دائم، هل هو نوع من الاستسهال في ما بينكما، نظراً الى النجاح الكبير الذي حققتماه في أعمالكما المشتركة، أم نوع من الشللية المحببة فنياً؟
العمل المشترك يخلق تفاهماً متبادلاً. سبق أن أنجزت مجموعة أعمال لاقت نجاحاً مع هشام شربتجي، ثم افترقنا بسبب الظروف، ثم اجتمعنا مع الليث حجو أولاً في «بقعة ضوء»، والتفاهم حصل في هذا المسلسل أولاً، وأثمر الاستمرار في الأعمال الأخرى، والحقيقة إن ما يجعلني أحرص على هذه الشراكة هو ميزات إضافية غير تلك المتعلقة بصنعته كمخرج، فهو أولاً يحترم النص ويبذل كل ما في وسعه لتلبية متطلباته، وبالنسبة إلى الكاتب هذا أمرٌ في غاية الأهمية، وقد كانت لي تجارب مأساوية مع اثنين من المخرجين في تعاملهما مع النص، ما يجعلني أزداد حرصاً على الشراكة لكي لا يقع نصي مرة أخرى في براثن مثل هذين المخرجين.
- هل من خيارات أخرى كمخرجين تحب التعاون معهم، ومن هو المخرج الذي لا تتحمل العمل معه؟
ليست لدي خطوط حمراء على مخرجين لم يسبق لي العمل معهم، معيار رغبتي أو عدم رغبتي في العمل مع هذا المخرج أو ذاك، هو التجربة، وقد سبق لي أن قدمت نصوصي إلى مخرجين كان نصي تجربتهم الأولى، مثل المخرجة رشا شربتجي التي كان «قانون ولكن» أول أعمالها، والمثنى صبح الذي كان «مشاريع صغيرة» أول أعماله. التجربة هي معياري الأول والأخير، وليس بالضرورة أن تكون التجربة شخصية، ويمكن أن يمنعني أيضاً من التشارك مع المخرج مستواه الفني، وقد اعتذرت عن أحد الأعمال بسبب عدم ثقتي في قدرات المخرج، ما عدا ذلك لا يوجد أي اعتراضات عندي، لكن كما هو معلوم، فإن السيناريو يحتاج الى وقت طويل لإنتاجه، وبالتالي لا يمكن من الناحية التقنية التعاون مع مخرجين كثر.
- هل أصبح المشاهد العربي يستسهل في الأعمال التي يتابعها، وهل هي الذائقة الفنية التي تغيرت، أم أن الدراما التركية والهندية كما يقال هي التي كانت سبباً في استقطاب الناس لأعمال تخلو من الأفكار في معظمها؟
من دون مواربة، أصبح لدي في الفترة الأخيرة إحساس قويّ بأنه في مجال الإنتاج تتكوّن بيئة حاضنة للرداءة، وأكثر ما أخشاه على مشاهدنا العربي هو عصر انحطاط دراميّ وشيك، حيث يتم صرف ميزانيات ضخمة تكاد تكون خرافية على أعمال وبرامج أكثر من تافهة تشبه إلى حد كبير المنتجات المخصصة من أجل الاستخدام لمرة واحدة، وفي الوقت ذاته تتم محاولة حصار الدراما الحقيقية في إطار ظاهرة السيت كوم، وسرعان ما يتحول المنتج من «حاتم طي» في بذخه على التفاهة إلى «سمعان أبو قعقور» في وضع ميزانيات الأعمال الدرامية.
- الارتجال، هل هو سيد الموقف في «ضيعة ضايعة»، وهل استطاع الممثلون فعلاً الارتجال في هذا الشكل الجميل الذي وصل إلى الناس، أم أن كل ما تابعناه كان مكتوباً في النص الدرامي؟
في «ضيعة ضايعة» ليس هناك أيّ ارتجال، فالالتزام بالنص كان حديدياً، وعمل الممثل على شخصيته وزركشتها بعبارة أو بلازمة لا يعتبران ارتجالاً، الارتجال حين يقوم الممثل بإضافة على الفكرة غير مكتوبة، وفي «ضيعة ضايعة» ليست هناك أية إضافات خارج إطار عمل الممثل على الشخصية، وهذه مهمة الممثل، وإلا لكنا كلّفنا رجال الدين بتقديم الأدوار. والارتجال الذي حصل في بعض الأعمال أدى إلى تدميرها، بالتالي الحديث عن الارتجال لدى بعض الأفراد الذين شاركوا في العمل والادعاء بأنهم ارتجلوا النص، حديث سببه يعود إلى أن ضميرهم في «سابع نومة»، وهو كذب وافتراء، فالنص موجود لديّ ويمكنني نشره في أيّ لحظة، كما يمكن مراجعة القصص المنشورة في الكتب التي ذكرتها.
- إعلان الفنان زهير رمضان بدء مشروع عمل يعتمد في شكل كامل على شخصيته التي ظهر بها، «المختار البيسة»، في «ضيعة ضايعة»، هل يؤثر في نجاح المسلسل، وهل تعتبره استغلالاً لمشروع ناجح سابقاً؟
لا يسعني عند الحديث عن هذا الموضوع إلا الإعراب عن أسفي، لأن هذا ممكن الحدوث من دون أية روادع، نحن في وضع لا يستطيع فيه أحد اتخاذ أية إجراءات. هذا الأمر لا يحق له طبعاً، وهو سيسيء إلى العمل، لكنه لن يؤثر فيه، ولا أريد الحديث عن هذا الموضوع أكثر، أكتفي بالغصّة في حلقي، فلا داعي للكلام الذي ليست منه فائدة.
- ما حققته على جميع الصعد ليس قليلاً، هل من طموحات ومشاريع مقبلة؟
هناك مشروع سينمائي ما زال يعتمد على إمكاناتي المادية المتواضعة، وإن توافر له المنتج الذي يتبناه ربما يستمر، وهناك مشروع روائي طويل أعمل عليه، لكن لا أستطيع الحديث عنه الآن لأن ملامحه غير مكتملة ولا يزال ضمن دائرة الحلم.
- هل من صداقات مع أي أحد من الوسط الفني السوري أو العربيّ؟
لا شك في أن هناك صداقات تجمعني مع الكثيرين من الأشخاص الذين عملت معهم، سورياً وعربياً، وفي بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024