'غرفة أبي' لعبده وازن
الكتاب: «غرفة أبي»
الكاتب: عبده وازن
الناشر: «منشورات ضفاف» و»منشورات الإختلاف»
الطبعة: الأولى،2013
بعد نجاح تجربته «السير ذاتية» الأولى «قلب مفتوح» (2009)، يضع الشاعر عبده وازن السرد مرّة جديدة عند الحدود الفاصلة بين الواقع والمتخيّل في عمل بديع عنوانه «غرفة أبي»(منشورات ضفاف ومنشورات الإختلاف).
حين يُدرك الراوي فجأة أنّ أربعين عاماً مرّت على غياب والده، وأنّه غدا أكبر من أبيه، ينطلق في رحلة بحثه عن الأب الراحل.
غرفة أبيه هي المحطة الأولى التي يحاول إيجاد بعض من رائحة الوالد الغائب فيها. في سريره، خزانة ملابسه، صوره بالأبيض والأسود، ومن خلالها ينتقل إلى زمن الأب الضائع... «لم أعرف إلاّ القليل القليل عنك يا أبي. ما أصعب أن يعرف الإبن القليل عن أبيه. لكان أرحم لو أنّه لم يعرفه البتّة، فيبقى أباً مجهولاً، أباً لابن يجهله أيضاً» (ص94).
الكاتب هو الراوي نفسه، لكنّ «الأنا» وحدها لا تجعل من «غرفة أبي» سيرة ذاتية، فالكاتب/ الراوي يتمرّد على قوانين السيرة، فيكسر السرد الكرونولوجي، مُعتمداً لعبة زمنية تقوم على المونولوغ مرّة والمخاطبة عبر كتابة الرسالة مرّات أخرى، وعلى السرد داخل السرد حيناً والإسترجاع الزمني في أحيان أخرى...
علاوة على ذلك، لا تُمثّل الفردية قيمة هذا الكتاب، كما هو معروف في السير الذاتية، بل إنّ العلاقة الإشكالية بين الأب والإبن هي موضوعة الكتاب الأهم. ومع كلّ ما تُمثّله «الغرفة» من معانٍ وتضمينات ليس آخرها الداخل والذات والوطن، لا يكتفي الراوي بالبحث عن والده في غرفته، بل إنّه يتجّه إلى الكتب التي رافقته طوال سنوات حياته لعلّه يسترجع صورة أبيه، الذي رحل عنه قبل أن يعرفه، من خلال صورة الأب في السير والروايات العربية والعالمية التي قرأها: «كم جذبتني الكتب التي تتحدث عن الأب، عن الأب والإبن، عن حبهما واحداً للآخر، أو عن كراهيتهما أباً لإبن، ابناً لأب» (ص53).
من نموذج «الأب» في أعمال كافكا ودوستويفسكي ونيتشه وكيركيغارد وسارتر إلى «الأب» عند إدوارد سعيد ومحمد شكري وسهيل إدريس، يسعى الراوي إلى تجميع صورته المتمزقة عن أبيه، ليكتشف بعذ ذلك أنّ بحثه عن الأب هو بحث عن وجوده، عن ذاته هو. وجاء هذا التناص في سياقه الروائي ليرسّخ البعد الثقافي في رواية وازن ويُغنيها من الناحيتين التقنية والمعرفية.
يعود الراوي إلى طفولته واصفاً تجربته مع اليتم المبكر وفقدان الرجل الوحيد في عائلته متجاوزاً المفهوم الميلودرامي لليتم. وبأسلوب جديد ومبتكر، يختار عبده وازن أن يواجه والده ويُخاطبه بعد أربعين عاماً بلهجة مؤثرة برغم قوتها وافتقادها «المأساة» التي غالباً ما ترتبط بمثل هذه الموضوعات: «الآن أصبحت أكبر منك يا ابتِ. لقد انتصرت على الموت وانتقمت لك منه. الآن أعيش حياتي انتقاماً، أعيش حياتي وحياتك معاً...» (ص116).
«غرفة أبي» رواية يمتزج فيها الواقع بالمتخيّل والعام بالخاص والعائلة بالفرد، بلغة جميلة وأسلوب ممتع يُثير في نفس القارئ كثيراً من الأحاسيس التي تبقى معه حتى بعد قراءتها.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024