تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

بعد عقد قران مسنّ على قاصر

عادت قضية زواج القاصرات في السعودية إلى الواجهة، بعدما تزوج  رجل يبلغ من العمر 84 عاماً من فتاة لم تتجاوز 15 عاماً في جنوب البلاد وتحديداً في جازان. وتدخلت جهات حكومية وهيئة حقوق الإنسان لتطليق الفتاة من زوجها المسن بعد أن تزوجها لمدة أربعة أيام فقط، هربت بعدها إلى منزل والدها. «لها» التقت الوالد والزوج وناقشت القضية مع المختصين.


قال والد الفتاة شريفة إن ما دفعه لتزويج ابنته من المسنّ هو الفقر وقلّة الحاجة، وأن إغراء المسن له بالمال جعله يوافق بدون شروط، فهو يعيش في منزل يفتقر الى أبسط متطلبات الحياة المعيشية.
وأضاف: «منزلي لا يقينا أنا وأطفالي البرد أو من شدة الحرارة في الصيف، خاصة أن لدي 13 من الأبناء والبنات وليس لي دخل مالي من أي جهة حكومية».
أما الزوج حيدر فيحكي عن القصة قائلا: «تقدمت لأسرة الفتاة بطلب الزواج من ابنتهم، فوافق والدها بعد مشاورته ابنته حسب قوله لي، ولم يكن هناك أي تردد منهم، وتم الاتفاق على أمور الزواج وتحديد المهر بـ 65 ألف ريال وتم الزواج».
ويضيف: «بعد الزواج أخذت عروسي إلى منزلي الخاص وكان كل شيء طبيعياً، ولكن فجأة وبعد ساعات أقفلت باب غرفتها مدة طويلة إلى أن حضر أقاربها وذهبت معهم. وعندما رفضت العودة طلبت المهر وفي بداية الأمر تم إرجاع 20 ألف ريال، وتدخل أعيان القبيلة، وذهبت إلى المحافظة وقدمت شكوى على والدها ليعيد الهر كاملاً، أو إرجاع زوجتي. فأنا ما زلت رجلا قادراً على القيام بواجباتي الزوجية، وصحتي ولله الحمد جيدة جداً».


هيئة حقوق الإنسان تتدخل لمنع الزواج

أصدرت هيئة حقوق الإنسان في السعودية بياناً أوضحت فيه أنه وردت معلومات للهيئة عن زواج فتاة قاصر من رجل يبلغ من العمر 84 عاما في جازان، وقد وجه رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر بن محمد العيبان فريقاً من الهيئة يرأسه الدكتور هادي اليامي المشرف على فرع المنطقة وعضو مجلس الهيئة بالانتقال إلى مكان إقامة الفتاة والوقوف على ملابسات زواجها، وتقديم العون القانوني لها بما يضمن حمايتها من هذا الزواج غير المتكافئ. وانطلق الفريق بغرض تطليق الزوجين، بحضور شيخ القبيلة وبعض الأعيان، حتى تم الاتفاق على تطليق الفتاة بالتراضي، وكتابة اتفاق بذلك.


هيئة كبار العلماء

وقال عضو هيئة كبار العلماء في السعودية الشيخ قيس آل مبارك إن الفقهاء «اعتبروا البلوغ سناً يصح بها الزواج، ويجوز ببلوغها دخول الزوج على زوجته، لأنه علامة على إطاقتها للجماع، وهذا هو الأصل في الزواج. أما قبل البلوغ، فمن الفقهاء من منع تزويج غير البالغ، غير أنه قول شاذ، ولذا فقد حكي الإجماع على خلافه، فالذي اتفقت عليه الجماهير منهم هو صحة تزويج من لم تصل إلى مرحلة البلوغ، وذلك إذا رأى أبوها المصلحة في تزويجها، وهذا الزواج بحكم العادة لا يحصل إلا نادراً، لأن داعية الأخذ به لا تكون إلا نادراً».

ويضيف: «زمن الدخول على الزوجة الصغيرة محل خلاف بين الفقهاء، هل هو البلوغ، أم تسع سنين، أم  القدرة البدنية؟ وسأعرض مثالا لذلك وهو مذهب المالكية، فمناطه عندهم هو الإطاقة للجماع، فإن حصلت القدرة وأمكن ذلك جاز للزوج الدخول بها، وإن لم تكن الزوجة مطيقة للجماع فلا يحلّ للزوج الدخول بها، بل يمنع من ذلك إن طلبه، ولا يحتج بحديث عائشة رضي الله عنها: (وبنى بي وأنا بنت تسع سنين)، لأنه خرج مخرج الغالب، فغالب النساء تطيق وهي ابنة تسع».

وتابع: «فكان الأصل في الصغيرة التي لا تطيق الوطء أنه إذا زوّجها أبوها، ألا يسمح لزوجها بالدخول بها، وإن طلب الزوج الدخول فلا يمَكن من ذلك، ونصوص كتب المالكية واضحة في أن الدخول يشترط فيه أن تكون الزوجة مطيقةً للوطء ومكّنت الزوج من نفسها، فإن له أن يدخل عليها، فإن أبى الدخول عليها وكان مطيقاً للوطء وبالغاً الحلم أيضاً، وجب إجباره على دفع ما حل وهو المهر، لأنها أدت ما عليها، ووفت بالعقد. وأفاد كذلك أن الزوج إذا دفع حال المهر، وكان بالغاً، وكانت الزوجة مطيقةً، فإنه يجب عليها تمكينه من نفسها».


الشورى... هل يحدّد سن الزواج؟

من جهته، قال عضو مجلس الشورى السابق الدكتور عبدالله الحديثي إن قضية زواج القاصرات لا تشكل ظاهرة، «ففي الغالب أن البنت لا تتزوج إلا بعد تجاوز هذه المرحلة، وقليلات من يتزوجن دون العشرين سنة، ونادرات من يتزوجن دون الخمس عشرة سنة. ولعل المسألة الأكثر جدلاً هي تزويج من لم تبلغ سن الثامنة عشرة على اعتبار أنها ما دون هذه السن تعتبر في أنظمة وقوانين دول العالم قاطبة قاصرة ، الأمر الذي دفع بعض الدول الإسلامية والعربية إلى النصّ على تحديد سن للزواج يمنع بموجبه إجراء أي عقد زواج لمن لم يبلغ هذه السن المحددة في بعض الدول بخمس عشرة سنة، وبعضها بسبع عشرة سنة، وهم يقولون إنهم بذلك التحديد يحققون مصالح عامة».

وأضاف متسائلاً: «هل يترتب على التحديد مفاسد، فلو فرض أنه منع إجراء أي عقد زواج لصغيرة فما المفاسد المترتبة على هذا المنع؟ أترك الإجابة لمن يرفضون المنع! مع العلم أنه لم يرد نص بأمر أو نهي في المسألة، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعال أصحابه من بعده معروفه وهي لا تخرج بالحكم عن دائرة الإباحة، والمباح إذا ترتب على فعله ضرر فإنه يُقيّد أو يمنع، وهذا معروف ومقرر عند الأصوليين أقول: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أفعال الصحابة من بعده شاهد على وقوع مثل هذه الزيجات ولا أحد ينكر هذا».
ولفت إلى أن زواج القاصرات في السعودية لا يشكل ظاهرة فأغلب الزيجات تتم بعد سن الثامنة عشرة وحصول حالات نادرة لزيجات دون هذه السن وفوق سن الخامسة عشرة أمر مقبول، لكن الذي جعل المسألة تطفو على السطح هو وجود زيجات لا تكاد تذكر تتم دون سن الخامسة عشرة أخذها الإعلام وصار يتناولها بتحليل أسبابها ونتائجها ويتوسع في الحديث عن أطرافها.

وأوضح أن ليس هناك دراسات أو إحصاءات ترصد حالات لزيجات تمت في سن الطفولة، «ووعي المجتمع في المملكة لا يسمح بحصول زيجات كهذه. ومن المعلوم أن إجراء عقد الزواج في المملكة يتم عن طريق المأذون الذي صرح له من وزارة العدل بإجراء عقود الانكحة، وليس في لائحة المأذونين ما يشير إلى سن  المتزوج رجلا كان أو امرأة، بل الذي ورد فيها الطلب من المأذون أن يتحقق من توافر أركان النكاح وشروطه وانتفاء موانعه حسب ما هو مقرر في فقه الشريعة الإسلامية».
وأكد أنه لم «يطرح موضوع زواج القاصرات في السعودية في مجلس الشورى، ولم  يرد حسب علمي أي مشروع لتنظيم أو وضع قواعد. ما حصل هو تقديم توصية على تقرير وزارة العدل تطالب الوزارة بدرس الموضوع وصولاً إلى تحديد سن لا يتم إجراء عقد النكاح قبل بلوغها. وقد سحب هذه التوصية من قدمها ولم تناقش لا في اللجنة المختصة ولا في المجلس».


الرومي: زواج القصّر انتهاك لحقوق الإنسان

يقول أستاذ العلوم الشرعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور على الرومي، إن زواج الأطفال أو القصّر أو المراهقين يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان، فالطفل لا يجوز أن  يتحمّل أي مسؤولية فضلاً عن أن يتعرض لممارسة جنسية.
ويضيف: «الفتاة لا تملك القدرة على اتخاذ القرار المناسب لها وهي أكثر قابلية للتعرض للاستغلال، والأضرار الصحية المترتبة على زواج الأطفال تعد خطيرة لأن البنية الجسمية للأطفال لا تؤهلهم للمعاشرة الجنسية فضلاً عن الحمل والإنجاب».

ويوضح أن تأخير سن الزواج هو الحل لحمايتهم ومنع أنجاب أطفال من أطفال، وأن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والجزائر ومصر والمغرب والصومال حددت سن الزواج بـ 18 عاماً، وبعض الدول العربية مثل قطر حددت 16 عاماً، والبحرين 15 عاماً، وسورية 17 عاماً، ولبنان 17 عاماً والأردن 15 عاماً.
ولفت إلى أن السعودية واليمن لم تحددا سن زواج الفتاة. وأشار إلى أنه عام 1993 وفي التعدد السكاني اتضح أنه بين كل مئة سعودية ممن أعمارهن بين 12 و14 سنة واحدة متزوجة، وعددهن الإجمالي حسب الإحصائية السكانية 5622 حالة زواج، وهي نسبة ضئيلة لكنها تبقى مشكلة خاصة مع تزايد النزعة الفردية وضعف الدور الأسري في الحماية الاجتماعية.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080