تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

إقامة الكنّة في بيت حميها... بين مؤيد ومعارض

منذ سنين طويلة كان مجتمعنا العربي يعتمد على نظام الأسرة الكبيرة الممتدة، أي أن الجد والجدة وأبناءهما وأحفادهما يعيشون في بيت واحد عيشة جماعية... وكان ينشأ عن ذلك مشاكل كثيرة، تكيل فيها الكنة الاتهام لحماتها، والحماة للكنة، مما أدى إلى خوف الفتيات المقبلات على الزواج من العيش مع الحماة. ومع تطور النظام الأسري تغيّر وجه المجتمع واتجه إلى الأسر الصغيرة، ومع ذلك مازالت هذه الصورة عن الحماة عالقة في أذهان الكثيرين، خاصة بعد أن ساهمت وسائل الإعلام في تعميق هذه الفكرة، وانطبع في النفوس مقت الحماة وكرهها، فأصبحت العروس لا تدخل بيت الزوجية إلا وهي تضع في ذهنها الطرق التي يجب أن تسلكها مع حماتها حتى تتقي مكائدها، فتظل تترصد كل كلمة تتفوه بها الحماة وتتصيّد أي حركة تقوم بها وتحيك حولها القصص والحكايات.

«لها» استطلعت آراء سيّدات و آراء شباب مقبلين على خطوة السكن في بيت الأهل  في هذا الموضوع:


«مقسوم لا تاكلي، وساغ ما تقسمي، وكلي حتى تشبعي
...»

الحاجة أم العبد لديها ثماني كناين، أعطتنا وصفة سحرية مختصرة بكلمتين لتقدمها لجميع الكناين بغية تفادي وقوع الخلافات، وهي غض النظر عن الكثير من الأمور، وأن الخطأ واللوم يقعان دائما على الكنة عند حدوث الخلافات بينهما. لأن الكنة تستطيع بأسلوبها وذكائها أن تكسب حماتها إلى صفها، «فأنا أحب كنايني الثماني ولا أفرق بين واحدة وأخرى وكسبت حبهن جميعهن».

وتابعت السيدة أم العبد: «ابني تزوج هنا في بيتي وكنت أعامل زوجته أفضل مما أعامل ابنتي لأنها بنت عالم وناس. وفي المقابل كانت هي تحترمني جدا وتقدرني، وهناك أمر ينبغي على الحماة والكنة تجنبه وهو الشكوى العلنية عن بعضهما أمام الآخرين الذين بتدخلهم يزداد الوضع سوءا، ويستحيل بعدها تصحيحه، بل تفضَّل المواجهة اللطيفة والعتاب الرقيق الذي يغسل القلوب ويمنع تراكم الرواسب».
وللزوج الابن دور لا يقل أهمية في استقرار هذه العلاقة، فيجب عليه أن يعدل في المعاملة بين أمه وزوجته، دون انحياز إلى أي منهما، ويترفع عن التدخل في التفاصيل الصغيرة بينهما ويتجنب انتقاد أحداهما بمقارنتها مع الأخرى.
ولما سألنا السيدة أم العبد عن ذكرياتها أيام زمان وعلاقتها بحماتها أجابت: «رحمة الله عليها كانت قوية جدا ومتسلّطة ولا تخفى عليها خافية، كانت تريد أن تعرف «البيضة مين باضها والجاجة مين جابها»، وكانت تتدخل بشؤون البيت كوني كنت ساكنة عندها. وبصراحة أكثر كنت أخاف منها وكانت تقول لي: «مقسوم لا تاكلي، وساغ ما تقسمي وكلي حتى تشبعي»، أي بمعنى لا تأكلي شيئاً».


لم أشرب القهوة خوفا من حماتي...

وحكت لنا السيدة أم كامل قصة عاشتها: «لدى إنجابي الولد الأول جاء بعض الجيران للاطمئنان إلى صحتي، وقدمت لهم حماتي القهوة واستثنتني، وحينها اشتهيت القهوة ولما خرج الجميع وبمن فيهم حماتي التي ذهبت إلى بيت الجيران قمت بتحضير القهوة ولما انتهيت منها دخلت حماتي وصرخت بأعلى صوتها: يامو بتتركيني لروح وبتعملي القهوة!».
ولما سألناها هل شربت القهوة حينها أجابت: «لا والله لأنني كنت مرعوبة جدا منها».

وطلبنا منها أن تنصح كناين اليوم، فقالت:  «على الكنة أن تطرد من مخيلتها تلك الصورة المشوهة للحماة وتضع في نفسها أن أم زوجها هي بمثابة أمها،  فإن أخطأت تجاهها يوماً فلتعاملها بمثل ما تعامل والدتها إن أخطأت في حقها، وأن لا تقص على زوجها كل ما يقع بينها وبين أمه وهي تتباكى وتذرف الدمع حتى تستميل قلبه إليها، وتكسب وده، ويصور له الشيطان أمه ظالمة مستبدة فيزحف الجفاء إلى نفسه ويسير في طريق العقوق. والزوجة الذكية هي التي تستطيع أن تأسر قلب حماتها بحسن معاملتها وظرف أخلاقها، فإذا كان لدى حماتها مدعوون على الطعام تتفانى في مساعدتها ولا تجلس وكأنها ضيفة الشرف.
 كما تعلم أولادها آداب زيارة الجدة وخاصة إذا كانت كبيرة السن فلا تدعهم يزعجونها بأصواتهم وحركاتهم، وتعودهم على عدم إلقاء القاذورات وأوراق الحلوى على الأرض، أو العبث بأثاث المنزل. بل لا تدعهم يخرجون من المنزل حتى ينظفوا لها المكان ويرتبوه، فبذلك تتمنى الحماة زيارتهم كل يوم و تلح عليهم في تكرارها».


يا أنا... يا أمك!

السيدة وفاء موظفة أقامت في بيت حميها مدة سنة، حكت لنا قصتها مع حماتها قائلة: «أنا ضد فكرة السكن في بيت الحماة، وخاصة إذا كانت الزوجة موظفة مثل حكايتي. خلال العام الذي أمضيته عند حماتي أحسست بأني كبرت في العمر عشرين سنة بسبب ما لاقيته من تعب وإرهاق وقلة نوم، إضافة إلى المشاكل التي كانت تحدث يوميا بيني وبين حماتي التي كانت تترصدني منذ لحظة وصولي من العمل لتحضير الطعام وغسل الأواني إضافة إلى تنظيف البيت، رغم أنه يوجد لديها بنت غير متزوجة مقيمة معنا في البيت إلا أنها لا تقوم بأي عمل حتى عندما يأتي زوار».

أضافت: «كان زوجي يرى كل شيء بعينيه ولكنه لا يتكلم ويقول لي دائما هذه أمي امرأة كبيرة اصبري عليها، حتى نفد صبري وقلت لزوجي: يا أنا يا أمك! فكان الحل الوحيد بأن أستأجر لنا بيتا خاصا بنا، وهنا بدأت اشعر بطعم الراحة».
وختمت السيدة وفاء بتقديم نصيحة لكل الفتيات المقبلات على الزواج ألا يقبلن السكن في بيت الحماة.


حماتها لم تمارس الدور الذي رأته في المسلسلات التلفزيونية

السيدة هالة تقول: «تحاول الحماة وبدون قصد غالباً أن تقدم الدّعم للطرف الذي يخصها في العلاقة الزوجية، فهي مع ابنها ضد زوجته، أو مع ابنتها ضد زوجها، على مبدأ انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
وفي عالمنا لا نجد إلا القليل جداً من الحموات اللواتي يحرصن على استقرار الحياة الزوجية بين أبنائهن وبناتهن بشكل سليم، وبأقل قدر من التدخل أو التدخل الإيجابي».

تضيف: «ليس من المعيب أن يحبّ الرجل أمه ويتعلّق بها، ولكن الرجل الذي يتعلق بأمه بشكل مرضيّ ويلغي دوره كرجل يحترم زوجته وبيته لن تعيش معه الزوجة براحة وأمان، إذ أنه لا ينام قبل أن يزور أمه (وهذا ليس عيباً) ولكن مع انتهاء زيارته يكون قد أفرغ ما لديه من أسرار زوجية وتذمر من بعض تصرفات زوجته، وأسرار عمل في جعبة والدته، حتى أنه قد يرى أنه من الواجب إخفاء بعض خصوصياته عن زوجته فيما لا يرى بداً من اطلاع والدته عليها، مما يدفع الزوجة إلى الشعور بأنها إنسانة غير جديرة بالثقة فتتعمق غيرتها من حماتها، وهذا يسبب نفوراً في العلاقة حتى لو كانت الأم لا تتدخل في حياتهما الخاصة».

وتتابع: «هناك حموات أعطين صورة مختلفة عن الصورة التقليدية المعروفة، فلي قريبة متزوجة منذ حوالي خمس سنوات من زميل لها في العمل، ونظراً إلى ضيق الأحوال المادية اضطرت للسكن مع أمه، ولكن يبدو أن الظروف لعبت دوراً مهماً إذ أن أم الزوج موظفة أيضاً مما جعل منها شخصية منفتحة تقدر ظروف عمل زوجة ابنها، لذلك فهي تساعدها في الأعمال المنزلية وفي بعض الأحيان كانت تعد طعام الغداء إذا عادت من عملها مبكرة. وأيضاً عندما رزقت الزوجة الولد الأول لم تبخل عليها بالنصائح وقدمت لها مساعدة في تربية الطفل ورعايته فكانت لها أماً ثانية، مما أدى إلى إشاعة جو من التفاهم والمودة في أرجاء المنزل. وقالت لي ذات مرة إنها لم تشعر يوماً بأن حماتها تمارس الدور الذي رأته في المسلسلات التلفزيونية، أو سمعت عنه من خلال علاقاتها الاجتماعية المختلفة، فهي تعاملها كما تعاملها أمها الحقيقية حتى أن حماتها قالت لها ذات مرة أن الله عوضها بها عن عدم إنجاب البنات.

قصة أم مؤلمة...

أشارت السيدة أم برهان إلى الدور الكبير الذي يلعبه الزوج في هذا الموضوع، وحملته المسؤولية لأنه هو مفتاح تلك المشاكل. وسردت لنا قصة إحدى جاراتها وهي لأم لم تقترف في حق زوجة ابنها ذنباً سوى أنها عاملتها كأنها الابنة التي أنجبتها من لحمها ودمها، فباعت بيتها الذي عاشت فيه أحلى الذكريات لتساعد ابنها الوحيد في بدء مشروع خاص به بعد أن طلب منها السكن في بيته بدل البقاء وحيدة، ولكن زوجة ابنها كانت تتأفف من وجودها علناً بحجة أنها لا تحصل على حريتها في بيتها، وتستمتع بالسخرية منها أمام أقاربها وصديقاتها وتصفها بأبشع الصفات أمامهم وعلى مسمع منها، حتى أنها سمعتها يوماً تقسم بسخرية «وحياة حماتي» ثم تتعالى الضحكات منها ومن صديقاتها... وكانت ترفض وضع ثيابها القليلة في الغسالة بحجة أنها تخاف على ولدها من الحساسية وتطلب منها غسل ثيابها بيديها. لم تكتف الزوجة بذلك بل كانت تنصب لحماتها المكائد وتتهمها تهماً باطلة وتبدأ بالبكاء عند عودة زوجها من عمله وتشكو أفعال أمه الظالمة، إلى أن أصبح ولدها يكره والدته ويوجه لها ألفاظاً مؤلمة ويدعو الله أن يخلصه منها... وبعد طول معاناة طلبت الحماة من بعض المقربين السعي لمساعدتها في دخول دار للعجزة.


حماتي تقف بجانبي دائما...

وأثناء الحوار مع السيدة أم برهان دخلت علينا كنتها عليا التي رفضت أن نلتقط لها صورة، وحين سألناها عن العلاقة بينها وبين حماتها كونها تقيم معها أجابت: «لا أعتبر حماتي حماة، وإنما أعتبرها بمثابة والدتي. وحديثي ليس نوعاً من الإطراء، بل الحقيقة. وأقسم أنها لم تعاملني يوما كحماة وإنما كبنت من بناتها وأكثر الأحيان تكون ضد زوجي بسبب كلمة تفوه بها... عندي ثلاثة أولاد تساعدني حماتي في تربيتهم خصوصاً أنني موظفة. لذلك أنا أكن لها كل التقدير والاحترام».


لا أقبل السكن مع الأهل...

السيد جورج مقبل على الزواج، سألناه أين ستسكن فأجاب: «في بيت أهلي لأن البيت كبير وقمت بتقسيمه وأصبح جاهزا». وعندما سألناه عن خطيبته وكيف قبلت فكرة السكن مع أهله، قال:
«أنا لا أقبل السكن في بيت الأهل وأرفض هذه الفكرة من أساسها، لكن أجبت سابقا أن الوالد حفظه الله قسّم البيت قسمين فبيتي له مدخل وباب خاص بي وحدي».
ولما سألناه لماذا ترفض السكن مع الأهل قال: «أريد أن أرتاح وكذلك أن يرتاح الأهل، وكما نسمع دائما المشاكل التي تحصل في بيت الحما، فأنا في غنى عنها ولا أريد أن تحصل في بيتي».


أبحث عن بيت للإيجار للهروب من القيل والقال...

أما السيد علاء فهو في حيرة من أمره، يبحث عن بيت للإيجار وبسعر مقبول بعد أن جرّب السكن مع والدته، فهو يرغب في الاستقلال والسكن خارج بيت العائلة، والسبب كما قال لأنه تعب من القيل والقال...
«بعض الحموات يتدخلن في كل شيء وتريد الحماة أن تمشي كنّتها كما تريد، وبالتالي الكنة لن ترضى بهذا الشيء، فهي تريد حياتها الخاصة واستقلاليتها، وان تشعر بأنها المسؤولة عن بيت وزوج وأولاد دون أن يشاركها احد. وهناك أيضا حموات على العكس من ذلك، فمنذ دخول الكنة للبيت ترحب بها حماتها وتقول لها البيت بيتك، وتصرفي وكأنك في بيتك، وتكنّ لها الحب والاحترام. وفي الحقيقة هكذا كانت أمي معها تحب زوجتي حتى أنها تقدم لها الفطور والقهوة يوميا. ومع ذلك دائما زوجتي تشكو وتبكي بحجة أن أمي كلّمتها كلاما غير لطيف وأنا واثق جدا أن ما تقوله زوجتي غير صحيح لأن أمي بصراحة (بتنشرب مع الماء العكر)، وحتى أتخلص من القيل والقال أريد الاستقلالية مع أنني غير راض عما أفعله ومحتار ما بين أمي وزوجتي».


رأي علم النفس...

من الخطأ أن نلقي اللوم دائما على الحماة

الاختصاصي في علم النفس محمد سكسك يرى أن «المشاكل بين الحماة والكنة سببها الجهل من كلا الطرفين، كما أن الصبر مفقود هذه الأيام ولا نحلّ المواضيع والمشاكل بالصبر وعلى أي شيء يحصل. ومن الخطأ أن نلقي اللوم دائما على الحماة، فغالبا ما يكون الغلط من الكنة، فعلى الزوجة التخلّي عن الدلع وأن تكون مستعدة ومهيأة نفسيا لأن تعيش في بيت فيه حماة وأخت زوج، كما يجب على الأهل أن يعلموا بناتهم الصح من الخطأ.

وأنا أرى أن الكنة هي التي تلام ويقع عليها الخطأ عند حدوث خلافات. يبدو أن الغيرة وحب التملك هما المحور الأساسي الذي تتمركز حوله هذه العلاقة، بالإضافة إلى بعض الأمور الأخرى التي تلعب دورا متمما، فمن طبيعة الأنثى أنها تحب الانفراد بقلب الرجل والتربع على عرشه، و تكره أن تشاركها فيه أي امرأة أخرى مهما كانت صفتها، فالحماة التي ربت ابنها وتعبت عليه وتولت مسؤولياته كاملة، وكان صدرها مخبأ لسره وملاذا لهمومه، تستبد بها الغيرة عندما تتسلم عنها المهمة امرأة أخرى، خاصة في الفترة الأولى، حيث تستحوذ الكنة على اهتمام ابنها وتشغل وقته وحديثه وتفكيره... وربما يساورها القلق، هل تستطيع هذه المرأة الغريبة أن تحبه مثلي، هل ستسهر على راحته كما كنت افعل، هل ستهتم بأكله ولباسه، وهل وهل وهل؟... وحتى تكسب الكنة حماتها يجب أن تطرد من مخيّلتها تلك الصورة المشوهة للحماة، وتضع في نفسها أن أم زوجها هي بمكانة أمها، فإن أخطأت تجاهها يوما فلتعاملها بمثل ما تعامل به والدتها إن أخطأت في حقها. ومن وجهة نظري أن الزوجة الواعية لا تتدخل في ما يقدمه زوجها لأمه، بل تساعده على أن يكثر لها العطاء، وتحاول هي أن تهديها هدايا قيمة وجميلة بين حين وآخر»...

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078