بعد أن أقرّ مجلس الشورى الهوية الوطنية للمرأة...
وفق خطة مرحلية، أقر مجلس الشورى السعودي في تشرين الثاني/ نوفمبر إلزام المرأة السعودية بالهوية الوطنية خلال فترة تدريجية لا تتجاوز سبع سنوات، على أن تكون البداية مع المتقدمات للالتحاق بالجامعات السعودية، وما يعادلها، إضافة إلى المتقدمة إلى وظيفة، والضمان الاجتماعي، ومن تطلب إصدار جواز سفر. وقد أسقط الشورى ضرورة كشف وجه المرأة موضحاً أن هذه من خصوصية المرأة داخل مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي، على أن يتم التأكد منها إما من خلال المكتب النسائي أو البصمة. وكانت قضية إلزام المرأة بالهوية الوطنية قد واجهت ممانعات من بعض الشخصيات المحافظة في السعودية، ولكن الأمر حُسم من خلال مجلس الشورى. ونشرت الصحف المحلية أن هناك إقبالاً نسائياً على استخراج الهوية الوطنية تصل إلى قرابة 200 طلب يومياً من خلال موقع الأحوال المدنية على الانترنت.
في استطلاع بين فئات المجتمع السعودي المختلفة تباينت الآراء في المدة المنصوص عليها في الإلزام (سبع سنوات)، فيما اتفق الجميع على ضرورة حصولها على بطاقة كحق وطني مسلَّم به. «لها» التقت عدداً من أصحاب الشأن والمهتمين وخرجت بالتحقيق التالي.
إيمان سيدة سعودية استخرجت بطاقتها الوطنية لأنها وجدت أنها أسهل وأسرع في الاستخدام من انتظار معرّف يثبت هويتها. وبالفعل كانت لها قصة عندما دخلت أروقة المحاكم لقضية خلافية، واستخدمت البطاقة لإثبات شخصيتها أمام القاضي. تقول: «في السابق إذا كانت هناك معاملة قضائية كان يُطلب من السيدة السعودية أن تحضر معرفين من ذويها يؤكدوا شخصيتها، وهذه بحد ذاتها كانت مشكلة. ولكن بوجود البطاقة اختصرنا كثيراً من الوقت، والجهد، وحاليا أستطيع التنقل بها كيفما أريد، وأستعملها في كل الدوائر بدون عناء».
آل زلفى: البطاقة حق وطني ومطلب حقوقي
وقال عضو مجلس الشورى السابق الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفى: «أجد أن الشورى كان عليه إلزام كل مواطن ومواطنة بحمل الهوية الوطنية، لأنه مطلب حقوقي. وأنا لا أوافق على جعل الأمر تدريجياً. ومن منظور أمني يجب أن يكون لكل سيدة هويتها وبطاقتها، بل وعلى الشورى أن يشفع القرار بأن يكون كل مسؤول في الدولة معترفا بهذه البطاقة، بمن في ذلك القضاة الذين يتحفظون عن هذا الجانب».
وأضاف: «إلزام كل مواطن بحمل هوية هو مطلب وطني، وعملية التدريج في مدة السبع سنوات ستضيّع كثيراً من الحقوق، والسؤال من أجل من، ولإرضاء من هذا الهدر في الوقت؟». وطالب مجلس الشورى بإعادة النظر في المدة المنصوص عليها، لأن هناك من يستغل عدم حمل المرأة لهويتها، مما يترتب عليه الإضرار بالأمن.
المزين: المرأة السعودية أصبح لها هوية مستقلة
رأى المستشار القانوني محمد علي المزين أن المرأة السعودية ستبادر من تلقاء نفسها بترتيب أوراقها الثبوتية، بحيث تكون مالكة لبطاقة: «المرأة السعودية تعي أهمية البطاقة، فقد أصبح لها هوية مستقلة، فهي موظفة، ومبتعثة إلى الخارج، ولديها أعمال، تنقل ملكيات. نحن حالياً في عصر إسلامي متطور، مما يجعل البطاقة أو الهوية أمراً مهما جداً. ولا يحق لنا كمجتمع أن نعترض على حصول المرأة على هذه البطاقة، لذا كانت نظرة خادم الحرمين الشريفين برؤيته الواسعة والمتأنية ضرورة وجود هذه البطاقة ولكن ليس بشكل إلزامي في الوقت الراهن».
وقد علل المزين عدم الإلزام بأن المجتمع السعودي تقليدي، مما يستدعي استخدام الحكمة في التعامل معه، فكان الرأي عدم الإلزام في التو واللحظة، على أن تترك المسألة بحسب احتياجات المرأة للبطاقة. ورأى أن مدة السبع سنوات كافية لتعويد النساء وذويهن على ضرورة البطاقة.
الجريسي: على الدولة أن تلزم كل الجهات الاعتراف بالهوية
«لدينا مجتمع موافق، وفئة أخرى من المجتمع رافضة لاستخراج البطاقة، لذا علينا أن نعطي الفئة التي ترفض البطاقة فرصة لتلمس أهميتها». هكذا كانت كلمات هدى الجريسي رئيسة اللجنة الوطنية النسائية في مجلس الغرف السعودية قائلة:» لا اعتقد أن لدينا مشكلة في السبع سنوات، ولكن نحن من حاملات البطاقة، وعلى الجهات والدوائر الحكومية والخاصة أن تتعامل معنا على أساس أن البطاقة هي الهوية التي تثبت شخصيتي، ولا يكون هناك حاجة إلى معرّف».
ولفتت الجريسي إلى أنها من أوائل السيدات اللواتي استخرجن البطاقة ولكن المشكلة أن عددا من الجهات لا تعترف بها، وتلزم السيدات بالمعرّف حتى اللحظة.
وقالت: «نحن في الغرفة التجارية في الرياض نطلب من كل سيدة منضمة إلينا أن تبرز البطاقة عند أي معاملة تود إنجازها، وبشكل عام معظم سيدات الأعمال استصدرن هذه البطاقة لأنها ضرورة لإنجاز أعمالهن، خصوصا أن الغرفة التجارية لديها قسم خاص بالنساء، وبالتالي لا يوجد أدنى مشكلة في المطابقة بين الهوية وصاحبتها لأنها في كل الأحوال تدخل كاشفة الوجه في قسم خاص بالسيدات».
ورأت الجريسي أن مدة السبع سنوات فرصة لتقبّل هوية المرأة السعودية والتعامل معها.
الهاني: لا مبرر للإلزام بعد سبع سنوات
من جانبها، قالت الناشطة الاجتماعية فوزية الهاني: «بالنسبة إلي الهوية هي حق، وإثبات شخصية يمثل استقلاليتي ويمثل هويتي. هذا من الجانب النفسي، ولكن من الجانبين الوطني والقانوني لا بد من إثبات الهوية، وأعتقد أن مجلس الشورى كانت من ضمن معطياته الأساسية في عرض هذا الملف لوجود مخالفات كثيرة تحدث لعدم وجود هوية خاصة بالمرأة، فهناك حالات كثيرة من تزييف شخصية المرأة، وبالتالي انتهاك حقوقها عندما يذهب آخر ويأخذ حقها، خصوصا في المحاكم. وهنا تبرز أهمية الهوية في الدوائر الرسمية، أيضا في التوظيف. وأشدد على المحاكم، لأن كثيراً من القصص ما بين سرقة ممتلكات وخلافه تحصل بسبب عدم وجود هذه الهوية الرسمية، والاكتفاء بمعرفين».
وأضافت: «على المحاكم أن توفر قنوات للتأكد من هوية السيدة دون أن تكشف وجهها، وأبسط طريقة للقيام بذلك هي وجود أقسام نسائية، ولكن ليس من المعقول بعد أن قطعت كثير من الدول كل هذا المشوار من التطور أن نستخدم البصمة، ومن الأساس تقنية استخدام البصمة غير واردة إلا في القضايا الجنائية».
ووجدت الهاني أن مدة السبع سنوات غير مبررة، لأنه وبكل بساطة يمكن تزويد الدوائر الحكومية بموظفة لتطابق بين صورة السيدة الموجودة في البطاقة وبين وجهها في غرفة مستقلة عن الرجال، إضافة إلى أن هؤلاء السيدات يمكن توفير وظائفهن داخل الدوائر بمدة لا تزيد عن السنة.
غزاوي: التدرج قرار حكيم
سيدة الأعمال غادة غزاوي قالت: «علينا أن ننظر إلى القرار من منظور المدن السعودية الرئيسية، بل علينا أن نأخذ في الاعتبار أن السعودية دولة مترامية الأطراف، وفيها عدد لا بأس به من المدن والقرى والهجر التي لا تزال تعيش في ظل العادات والتقاليد، فلا يمكن أن نطبق عليها ما يمكن أن يطبق في المدن الرئيسية مرة واحدة».
وأضافت:» لا ننكر أن البطاقة حق وطني لكل مواطن، ومواطنة، وهي أمر محتم وضروري، ولكن أجد أن التمهل لسبع سنوات قبل قرار الإلزام هو في المصلحة العامة، من حيث السماح لهؤلاء النسوة بالتعود عليها، واكتشاف أهميتها. ومن ثم ستصبح البطاقة شائعة الاستخدام، وموجودة مع كل سيدة قبل قرار الإلزام»
أهم التوصيات التي أقرّها مجلس الشورى في إصدار الهوية الوطنية كما جاء في الصحف المحلية
أقر المجلس توصيات اللجنة الأمنية بشأن حصول المرأة على بطاقة أحوال مدنية بشكل أعم وأشمل وتحديد الأسلوب الأشمل.
وكانت التوصية الأولى: تعديل المادة السابعة والستين من نظام الأحوال المدنية الصادر بمرسوم ملكي رقم م/7 وتاريخ 20-4-1407 هجري لتكون بالنص الآتي: «يجب على من أكمل سن الخامسة عشرة من المواطنين السعوديين أن يحصل على بطاقة شخصية خاصة به - هوية وطنية - ويكون ذلك اختياريا لمن هم بين سن العاشرة والخامسة عشر بعد موافقة ولي الأمر، وتستخرج البطاقة من واقع قيود السجل المدني المركزي».
التوصية الثانية: تنص على أن تتضمن الأداة التي يصدر بها التعديل. إلزام المرأة السعودية بالحصول على بطاقة الهوية الوطنية وفق خطة مرحلية تدرجية خلال فترة لا تتجاوز السبع سنوات، وبعدها تكون الهوية الوطنية هي الوسيلة الوحيدة لإثبات الهوية.
تفويض سمو وزير الداخلية بوضع الخطة المرحلية التدريجية المشار إليها في الفقرة السابقة، وذلك ما يتم توفيرهى من إمكانيات على أن يتم البدء بالمتقدمات للالتحاق بالجامعات، وما يعادلها، والمتقدمات للتوظيف، والضمان الاجتماعي، ومن تطلب إصدار جواز سفر.
التوصية الثالثة: استكمال افتتاح مكاتب نسوية في جميع مكاتب الأحوال المدنية، وتوفير متطلبات تشغيلها، وتهيئة مقارها وتجهيزها، واعتماد الوظائف اللازمة وفق الدراسة المعدة من قبل وزارة الداخلية لهذا الغرض.
وكشفت مديرة الإشراف النسوي في وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية حصة الصليح في ورقة العمل التي قدمتها خلال ملتقى مديرات إدارات مكاتب الضمان الاجتماعي في السعودية بعنوان «العلاقة التكاملية بين خدمات الأحوال المدنية وخدمات الضمان الاجتماعي»، أن هناك توجهاً إلى افتتاح مكاتب نسائية للأحوال المدنية في حي الناصرية، وآخر شرق الرياض: «ستقام مكاتب أحوال مدنية تُلحق بها أقسام نسائية في بعض المراكز التجارية لاستقبال المواطنات. ومن ضمن الخدمات التي ستقدمها، إصدار بطاقة الهوية الوطنية، ونسخ البيانات، وتسجيل واقعة الزواج والطلاق وتعديلها، وتسجيل المهنة».
ولفتت إلى أن عدد المكاتب النسائية لإدارات الأحوال المدنية في السعودية بلغ 24 مكتبا حتى الآن.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024