تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

أزواج يرغبون في حضور لحظات المخاض... وموروثات تمنع ذلك أحياناً

ساعات المخاض طويلة، والانتظار خارجا أكثر قسوة، وما بين دخول ممرضة وأخرى تنسج التوقعات والتصورات، وكثير من الألم. إنها ساعات الولادة التي يقف فيها الوالد منتظراً الحدث السعيد. إلا أن ثمة آباء قرروا خوض تجربة دخول الحصن الذي طالما كان مقتصراً على الزوجة والطاقم الطبي، لتحدث مواقف وصعاب يراها الأب لأول مرة... ولعله حينها يشعر بعظمة والدته وصبر زوجته. « لها» تنقل حكايات آباء قرروا خوض تجربة حضور أطفالهم إلى الدنيا منذ الساعات الأولى للمخاض، لتخرج بقصص تحمل شحنة كبيرة من المشاعر، إضافة إلى الاطلاع على آراء المختصين في موضوع وجود الزوج مع زوجته في ساعات المخاض.


«
حالتها الصحية منعت حضوري»

كانت أمنية أحمد (مهندس شبكات في إحدى الشركات) الدخول مع زوجته إلى غرفة الولادة والبقاء إلى جانبها، وبث الراحة والأمان في نفسها في ساعات الألم الشديدة. إلا أن طبيبها قرر إخضاعها لعملية قيصرية بسبب ظروف صحية طارئة تعرضت لها. يقول: «لم يسكن لساني عن الدعاء، ولم يتوقف تسارع ضربات قلبي، حتى أني توقعت أن من حولي يسمعها، وكانت عيناي شاخصتين إلى باب غرفة العلميات أنتظر خبراً يطمئن نفسي». 
يضيف: «كانت أطول ثوانٍ تمر علي وأنا أنتظر بلهفة خروج أحد من غرفة العمليات ليخبرني بأن الجميع بخير. ولولا وجود من حولي من أفراد الأسرتين وتجاذب أطراف الحديث معهم لما تمكنت من الصبر، حتى خرج الطبيب معلنا قدوم طفلتي الصغيرة بالسلامة، وأن الأم بصحة جيدة والحمد لله».


دخول الزوج بلسم شافٍ لكل الآلام

«يعتمد دخول الزوج غرفة الولادة مع زوجته على ثقافته في هذه الأمور»، هكذا كانت كلمات هاني البنجري (موظف) الذي لم يكن يملك أي فكرة عن دخول غرفة الولادة مع زوجته قبل زواجه. ولكن بعد الزواج وحمل زوجته طلب مرافقتها حين باغتتها آلام المخاض، معللا ذلك بخوفه الشديد عليها، وحبه لمساندتها في لحظات الألم: «لعل الزوجة تكون في هذه الأثناء الأكثر حاجة إلى زوجها ومشاركته لها في هذه اللحظات الحرجة والمؤلمة. وأتذكر جيدا أن وجودي بجوارها وقراءة القرآن لها كانا يجعلانها ساكنة ومتحمله للمخاض الذي كان يتكرر في أوقات متفرقة».

هاني لم تثنه الولادة الأولى عن تكرار التجربة:
«شعرت بأن وجودي قربها في هذا الوقت العصيب ساعدني في التقرب منها أكثر لأنني شعرت بمدى المعاناة التي تمر بها».
وينصح هاني  كل زوج بالدخول مع زوجته إلى غرفة الولادة لأنها تجربة لا يمكن وصفها، ودخول الزوج هو بمثابة بلسم شافٍ لها لأنها تحتاج إلى أقرب الناس إلى جانبها في وقتها العصيب.
وسيدخل هاني غرفة الولادة للمرة الثالثة عما قريب، ويؤكد أنها لحظات ثمينة على كل زوج اغتنامها.


«أنتظر دخوله معي للمرة الثالثة»

زوجة هاني بنجري، سارة قالت: «بعد تجربتين لي بوجود زوجي إلى جانبي لدى الإنجاب تأكدت أن وجود شخص قريب، وخاصة الزوج، يخفف الكثير من الآلام ساعة الولادة».
إلا أن سارة ترى أن وجود الأم أيضا له أهمية كبيرة لأنها صاحبة خبرة في كيفية تحمل سويعات المخاض. فيما يبقى الزوج هو السند في تحمل مخاوفها، مؤكدة أن وجوده يعمل على بناء مشاعر جديدة مستقبلا.


«لحظات الولادة لا تعوض»

سامي حامد (موظف) متفق تماما مع سابقيه على ضرورة خوض هذه التجربة التي تزداد الحاجة إليها مع كل لحظة ألم تمر بها الزوجة، لأن ما يحصل في دقيقة لا يعوضه العمر كله. يقول: «نسمع أن نساء كثيرات يدخلن غرفة الولادة وتحصل معهن تطورات سريعة تؤدي أحيانا الى وفاة الجنين أو الأم، لذلك قررت عندما حان موعد وضع زوجتي مولودنا أن أكون معها داخل الغرفة، ولم يردعني طول الوقت الذي امتد لست ساعات متواصلة».
ويضيف أنه حاول بث ولو قليل من الآمان والذي تبحث عنه الزوجة في ذلك الوقت، «لذلك على الزوج أن يتعرف على مراحل الولادة وما يحصل للزوجة من تقلبات مزاجية وصراخ في بعض الأحيان وعصبية لأنها تغيرات لا يمكنها أن تسيطر عليها، وعليه أن يعرف الدور المطلوب منه تحديدا».


«قوانين المستشفى منعتني»

حسن موظف أمن في إحدى المنشآت الخاصة لم يحقق حلمه بسبب قوانين المستشفى التي منعته من الدخول مع زوجته: «أعدها مع الطفل القادم أن أبحث عن مستشفى يقدر وضعي ورغبتي في الدخول مع زوجتي إلى غرفة الولادة وحضور ساعات المخاض، وخروج طفلي من رحمها، وظهوره إلى العالم من الثواني الأولى».
عانت زوجة حسن  كثيراً في ولادتها الأولى وكان المخاض طويلاً ومؤلماً وقرر الطبيب أخيراً إجراء عملية قيصرية لها.


«خيّبت ظن زوجتي»

من جهة أخرى، يخبرنا أحمد الهلالي (موظف) قصته قائلاً: «رفضت طلب زوجتي الوجود معها والدخول الى غرفة الولادة خوفاً من رؤيتي للألم الذي يحصل معها ساعة الولادة وخيبت ظنها، ولكنني لم أتركها وحيدة بل استدعيت أختها للبقاء معها، وبقيت في الخارج بين ممرات المستشفى أنتظر خبر الولادة. وكانت هذه الساعات أطول ساعات مرت في حياتي».
ولم يتغير موقف أحمد في المرة الثانية من حمل زوجته، لأن لحظة الألم لا يستطيع تحملها، وأمام طلبها المرفوض دعت الزوجة إلى أن تكون الولادة قيصرية. وبالفعل كان لها ما أرادت حين عاودت زيارة الطبيبة لتكشف لها عن حالة الجنين التي تستدعي إجراء ولادة قيصرية لتذهل زوجة أحمد من استجابة الله لدعائها، ولتحمل ملامح السعادة أمام طبيبة حائرة لهذه السعادة. إلا أن أحمد أزال دهشة الطبيبة أمام رغبة زوجته في لولادة القيصرية بسبب مخاوفها من عدم وجود من يساندها.


«أسرتها تتولى المهمة نيابة عني»

أحمد بارشيد موظف في شركة خاصة عن تجربته قال: «بسبب انشغالي بعملي لفترات طويلة، وتغيبي عن المنزل، اضطرت زوجتي للسفر إلى المدينة التي يقطن فيها أفراد أسرتها لتلد عندهم ويتمكنوا من الاهتمام بها، وكم كنت أتمنى أن أشاركها هذا الأمر ولكن سأحرص مستقبلاً على أن أحضر ولادة طفلي القادم».
 أحمد حاليا لديه طفلان وفي كلا الولادتين لم يكن موجوداً إلى جانب زوجته، وكان الخبر يصل إليه عبر الهاتف بكلمات قليلة (الحمد الله حضر الطفل بالسلامة، وزوجتك بأحسن حال ). أحمد حتى اللحظة لم يجرب شعور الانتظار: «قد أطلب من زوجتي أن تبقى في المنزل في الولادة القادمة لأكون معها».


«رفضت دخوله معي فنعتني بالجاهلة»

سماح النهدي ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، قصتها مختلفة لأنها هي من رفضت دخول زوجها معها غرفة المخاض، بناء على نصائح ومخاوف من فتور العلاقة بينهما بعد أن يراها على حال لم يتعود عليها: «بعد زواجي وظهور نتيجة الحمل الأول، فوجئت بأن عددا من قريباتي لا يحبذن دخول الزوج مع زوجته غرفة الولادة حتى لا تصاب العلاقة بفتور، مما دعاني إلى أن أرفض طلبه وأنزع فرحته منه حين طلب حضور الولادة معي».
وحين شرحت له السبب نعتها بالجاهلة... 


وعود مؤجلة

مع أن قرار إنجاب الأطفال مؤجل قليلاً بسبب إكمال زوجته دراستها، يقول إبراهيم دبور: «لم يحن الوقت للإنجاب ولكنني متفق مع زوجتي حين حملها وساعة الولادة علىأن أكون معها في كل لحظة وأمسك بيدها حتى لا تبقى وحيدة مع الآلام التي سمعنا بها من أمهاتنا».


الرأي الطبي: الولادة ليست مرضاً بل حالة صحية جميلة لا بد أن يتعامل معها الزوج

يقول الدكتور مازن بشارة استشاري نساء وولادة وعقم ورئيس وحدة الأطفال في مستشفى الملك فيصل التخصصي والأبحاث: «أنا من أنصار دخول الزوج، أو مرافق قريب للزوجة  كأمها أو أختها غرفة الولادة لما لهذا الأمر من فوائد كثيرة، أولاها الدعم المعنوي للزوجة في ساعات الألم الشديدة، وثانيتها إحساسها بالأمان، وثالثتها التحدث إليها، لأن بعض الحالات تأخذ ساعات طويلة الى حين الولادة. فالحمل والولادة ليسا مرضاً بل حالة صحية جميلة لا بد أن يتعامل معها الزوج بكل مراحلها، ودائماً أشبه دخول الزوجة وحدها غرفة الولادة كدخول معتقل أو سجن».
ويضيف بشارة: «في الخارج منذ القدم يدخل الزوج أو أحد الأقارب مع الزوجة وقت الولادة، ويقف بجانبها. والعدد كان يحدده نظام المستشفى، فلذلك دخول الزوج غرفة العمليات يختلف من مجتمع إلى آخر. وفي مجتمعاتنا العربية نواجه في بعض الأحيان زيادة المجاملة مع أقرباء الأم، فعند سماحنا لشخص بالدخول نجد أن العدد فاق الخمسة أشخاص ومن ثم تتحول غرفة الولادة إلى مكان غير مريح للطبيب والسيدة التي تلد، لذا أرى أن الوسطية أفضل في كل الأمور فدخول شخص واحد يكفي للتخفيف عنها».


الرأي الاجتماعي: «دخول الزوج غرفة الولادة فأل سيئ» مقولة تسيء إلى مجتمع بأكمله

توضح الاختصاصية الاجتماعية التربوية الدكتورة عبير غزاوي قائلة: «يجب على المجتمع تقبل الأمر والسماح للزوج بالدخول الى غرفة الولادة، وليس من حق المستشفى أن يمنع دخول الزوج أو مرافق مع المرأة وقت المخاض، وعلى الأزواج البقاء قرب زوجاتهم في أصعب المواقف لتشعر بالأمان».
وعن تجربتها الشخصية تقول: «عند إنجاب طفلي الأول فرضت على زوجي دخول غرفة الولادة، فاستغرب طلبي، وأخبرته أننا شريكان في هذا الأمر والمفروض عليه أن يكون معي. وبعد حضوره ووقوفه بجانبي ورؤيته لما تمر به المرأة في وقت المخاض، أدرك مدى ضرورة هذا الأمر، وكانت قراءته للقران الى جانبي خففت عني الكثير وأشعرتني بالراحة». 
ولفتت إلى أن بعض المقولات المغرضة التي ترى في وجود الزوج في غرفة الولادة فألاً سيئاً لا أساس لها وتسيء إلى مجتمع يفترض أن يتمتع بالوعي. «الثقافة بين أفراد المجتمع وخاصة الزوجين تفتقد الكثير من الأمور التي يجب أن يطلعوا عليها، والحل لتوعية المجتمع بكون بتخصيص دورات تثقيفية». 


الرأي النفسي: الدعم واللمسة الحانية لهما مفعول السحر على الزوجة

يقول الدكتور محمد الحامد استشاري الطب النفسي ومدير مركز الحامد للطب النفسي: «هذا من المواضيع المهمة في مجتمعاتنا، لأنه من المعروف أن لحظة الولادة من اللحظات المؤلمة والقاسية على الزوجة، وهي اللحظة التي يستقبل فيها الزوجان المولود الجديد معاً، وهو من صناعة الزوجين بعد الله سبحانه وتعالى وهو دليل على مدى العلاقة بين الزوجين ونتاج حبهم».
يضيف: «هما لحظتان من المعاناة المتناقضة والمتضاربة تأتي في آن واحد، فالمعاناة النفسية تكون في أوجها لدى الزوجة التي تحتاج إلى الدعم النفسي من شريكها في الحياة والمشارك معها في وجود الطفل. ومن الناحية النفسية مهم الوجود والدعم النفسي واللمسة الحانية، والتهدئة بقراءة القرآن لها مفعول السحر على الزوجة مهما كانت آلامها. فهذه الأمور جميعها تخفف عنها الشدة التي تحصل معها، وهذا الأمر جربته بنفسي مع أربع ولادات كنت موجوداً فيها مع زوجتي».
ويختم الحامد: «هل ينسى جميع الأزواج الذين يرفضون دخول غرفة الولادة بحجة القرف بأنهم خرجوا إلى العالم بالطريقة نفسها؟».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080