3 صبايا يعترفن...
إعلامياً، نادراً ما نسمع بحالات التحرش بالأطفال، لكن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال أن هذه الحالات ليست شائعة في مجتمعاتنا العربية. وإنما ببساطة هوالصمت، صمت الطفل ضحية التحرش أو صمت الأهل وتكتمهم خوفاً من الفضيحة، الذي يساهم في تفاقم هذه المشكلة حيث غالبا ما يترك المعتدي حراً طليقاً لتطال يده ضحايا آخرين. وبينما تترك الضحية لتعاني طيلة حياتها من أثر ذلك الإعتداء، جسديا ونفسيا بالأخص، لسخرية القدر يواصلٍ المعتدي حياته وكأن شيئا لم يكن، وذلك ببساطة لأنه لا يوجد من يلجمه أو يحاسبه. أثناء إجرائي هذا التحقيق، فوجئت بكم حالات التحرش بالأطفال وشيوعها، من الغرباء وحتى الأقرباء. حتى أنني توصلت إلى إستنتاج عام بأن معظم البالغين من إناث وذكور تعرضوا لإعتداء أو تحرش في إحدى مراحل طفولتهم. بقدر ما يبدو هذا الإستنتاج مخيفاً إلا إنه إنذار للأهل كي يتنبهوا جيدا للخطر المحدق بأطفالهم ويفعلوا ما بوسعهم لحمايتهم. في ما يلي شهادات من نساء، بعد سنوات من الصمت، يتحدثن بشفافية عما تعرضن له من إعتداء وتحرش في طفولتهن وتداعياته على مجرى حياتهن في ما بعد، أملا في أن يكون لصوتهن صدى يكسر صمت بقية الضحايا.
ريما: كنت في السابعة وأمي لم تحمني
كنت في السابعة تقريبا وذات يوم أرسلتني أمي كالعادة مع أخي الأكبر مني بثلاث سنوات لنشتري لها حاجيات من الدكان المقابل لمنزلنا. نزلنا إلى الدكان واشترينا ما طلبت أمي. بعدها سلّمني أخي ما تبقى من مال والمشتريات وذهب الى منزل صديق له. في طريقي إلى منزلنا استوقفني رجل غريب، كبير في السن، تقريباً من سن أبي، وطلب مني أن أساعده في حجز مكان ليوقف سيارته فيه، أي أن أحجز له الفسحة الخالية التي وجدها إلى أن يأتي بسيارته. كان أبي يطلب مني أحياناً أن أساعده في الأمر نفسه إذ هنالك صعوبة في إيجاد مكان لركن السيارة في حيّنا، لذلك لم أستغرب طلب الرجل ووافقت. لكن الرجل طلب مني أن أتبعه مبرراً ذلك بأن البقعة حيث يريد إيقاف سيارته بعيدة قليلا. مشيت وراءه قليلا ثم بدأ الخوف يتغلغل فيّ، خاصة أننا ابتعدنا كثيراً عن طريق منزلي.
بعد فترة هممت بالرحيل، فإذ بالرجل ينتزع مني الحاجيات وما كان في يدي من مال، فبكيت وطلبت منه أن يعيد إلي ما أخذ، لكنه قال إنه سيعيدها فقط إن تبعته. لا أذكر بالضبط ما دار في بالي في تلك اللحظة لكنني كنت صغيرة وكنت خائفة من أن أعود إلى المنزل بلا الأغراض ولا المال فماذا سأقول لأمي وكيف سأبرّر لها ما حدث وربما تصرخ علي وتعنّفني. كذلك لم أكن أعي تماماً ماذا يريد هذا الرجل مني وكنت أريد بأي ثمن أن أسترجع ما أخذه مني كأي طفل تسلبه لعبته مثلا. تبعت الرجل بخوف وقلق إلى أن توجه فجأة نحو مدخل بناية معتم وجذبني بيدي وأدخلني بالقوة معه إلى هنالك. بعدها بدأ يفك أزرار بنطاله. طبعاً في هذه اللحظات، كنت لا أتحرك، فقد شلّني الخوف ولا بد أدركت أن شيئاً سيئاً سيحصل لكنني لم أعرف بالضبط ما هو... أطلق سراحي بعدها وأعطاني الأغراض التي تخصني.
ركضت بعدها إلى منزلي، وعندما وصلت لم تسألني حتى أمي عن سبب تأخري وأنا لم أخبرها بكل ما حصل. إلا أنني دخلت مباشرة إلى الحمام وتقيأت كثيراً. حتى الآن أمي لا تعلم بذلك الحادث، فكرت في إخبارها لكنني فكرت أن ذلك فقط سيؤلمها ولن يغير شيئاً في مجرى الأحداث. كان للحادث تأثيرات كبيرة على حياتي وتكوين شخصيتي لم أتنبه لها إلا لاحقاً. ففي كل سنوات طفولتي التي تلت الحادث كنت أعاني ألماً في الحلق لم يعرف أي طبيب مصدره... ويتراءى لي الآن أنه كان ألما نفسياً أكثر منه جسدياً. كذلك علاقتي مع الطعام اختلفت، فأصبحت أتجنب الأكل وأحياناً لا أستطيع ابتلاع الطعام. الشعور بالقرف والإشمئزاز جراء ما أجبرني هذا الرجل المريض على فعله رافقني طوال سنوات عديدة من حياتي. كذلك انعكس سلباً على علاقتي بالرجل، فكنت أخاف من جسد الرجل.
كنت بطريقة ما أعاقب نفسي وأحمّلها مسؤولية ما حدث لي. سنون عديدة عشتها في صمت إلى أن قررت الذهاب إلى معالجة نفسية. وبعد فترة من العلاج النفسي، استطعت ان أسامح نفسي وأن أفهم أنه لم يكن لي أي ذنب وأنني المعتدى عليها، وليس العكس. لا أستطيع ان أسامح المعتدي، ويؤلمني أنه لم يأخذ عقابه وأنه لم يزل حرا طليقا. كما علمت بالصدفة أن هذا الرجل معروف عنه أنه منحرف ويعتدي على الأطفال، فذات مرة سمعت أمي تتحدث مع جارتها عنه وكيف أنه حسب وصف الجارة «يحب الأطفال»، وإستعمال هذا الوصف بدلاً من عبارة «يعتدي على الأطفال» يبدو لي غريباً جداً كأنهم لا يعون هول المسألة. غضبت جدا لدى علمي ان أمي كانت تعرف بوجود هذا المعتدي ولم تفعل شيئاً لحمايتنا أو تحذيرنا منه لكنني لم أواجهها. بداعي الخجل أو الجهل، يتجنب الكثير من الأهل التحدّث إلى أطفالهم عن الجنس وتوعيتهم لخصوصية أعضائهم الجنسية مما يجعلهم فريسة سهلة لأي معتدٍ في الخارج.
جهينة: المذنب «المريض» أخ والدتي
كنت في السادسة تقريباً من العمر عندما بدأ خالي التحرّش بي. خالي هو الأخ غير الشقيق لأمي من أبيها وكان آنذاك في الرابعة عشرة من عمره. تحرشه بي في البداية كان يجري أثناء اللعب وغالباً في المناسبات حيث يجتمع كل أطفال العائلة. أذكر أنه كان يحملني ويدور بي، في الظاهر كان يبدو ما يفعله غاية في البراءة حتى أنه كان يفعل ذلك علنا أمام بقية الأطفال، لكنه في الحقيقة كان يحملني ويضغط جسمي ناحيته بحثاً عن الاحتكاك. كنت أحس أن طريقته في اللعب غريبة لكنني كنت مجرد طفلة ولم أفهم تماماً ماذا كان يجري. مع الوقت صار يتحرّش بي بشكل أوضح فيأخذني خلسة إلى الشرفة ويجلسني في حضنه ويبدأ بتحسس أعضائي بيده، كنت فقط في السابعة، في سني الصغيرة لم أكن أفقه شيئاً مما يجري، لكنني كنت أحس بإنزعاج لا أجد له تفسيراً. بعد أن وجد عملا في المدينة التي كنا نقطن فيها صار خالي يزورنا بإنتظام وهنا ازدادت وتيرة تحرشه به وحدته. ذات مرة أدخلني معه إلى الحمام وخلع قميصه (...) ولولا أننا سمعنا صوت أمي تنادي علينا لم يكن ليتوقف فعلا.
أستغرب الآن كيف أن أمي لم تفطن إلى ما كان يجري فهنالك الكثير من الحوادث اوالمواقف الغريبة التي كانت تتكرر بإستمرار كأن نختفي فجأة وننزوي عن بقية العائلة. لكنني أظن أن العقل عندما يرفض تصديق شيء فالعين ترفض رؤيته أيضاً. صرت مراهقة ولم يتوقف خالي عن التحرش بي بل صار ينفرد بنا أنا وإبنة خالي معا ويرينا مجلات إباحية. كذلك كان يحضر أفلاما إياحية ويشاهدها معي بمفردي في منزلنا ويتحسسني أثناء ذلك. الغريب أنه كان دائماً يتحرش بي بوجود بقية أفراد العائلة كأن هذا يزيد إثارته. لكن المؤلم بالنسبة إلي ان أحدا لم يتنبه ليصدّه ويحميني منه. في طفولتي لم ألق الرعاية والإهتمام من أهلي، وهذا النقص العاطفي الكبير لديّ هو الذي جعلني ضحية سهلة لهذا الإنسان المريض. كان هو الإنسان الوحيد الذي يبدي لي قليلاً من الإهتمام والحب ولم أعترض على ما كان يفعله بي لأنه جعلني أظن أن تحرشه بي وإعتداءه علي هما جزء من هذا الحب. لما كبرت قليلا، في الرابعة عشرة تقريباً، بدأت أدرك هول ما فعله بي والإسم الحقيقي للعبة المريضة التي كانت تجري بيننا ألا وهو سفاح القربى. قررت أن أواجهه ذات مرة، إتصلت به وسألته مباشرة: «لماذا فعلت بي كل ذلك؟ لماذا أنا بالذات ؟» فكان جوابه: «لماذا أنت، لأن جسدك يعجبني ببساطة».
حين قال ذلك هددته بأن أخبر أهله وأهلي بما حصل فجنّ جنونه وصار يتوسل إلي ألا أفعل ذلك قائلا إنه إذا عرف أبوه سيطرده من المنزل وسيعاديه كل إخوته وستنبذه العائلة. لم يحاول التحرش بي بعد ذلك لكنه ظل يأتي إلى منزلنا بكل وقاحة في المناسبات والأعياد وكنت مجبرة على مصافحته والتودد إليه وكأن شيئا لم يكن. غادرت بيت أهلي وذهبت إلى الجامعة لأكمل دراستي لكنني لم أنس، ظل هذا الكابوس يلاحقني، بعثت له برسالة ذات مرة أهدده فيها وأمنعه من زيارة بيت أهلي مجددا وإلا سأفضحه. رد علي قائلا إنه لا ذنب له في ما حصل وموضحا أنه هو نفسه كان ضحية إعتداء في طفولته وهذا ما دفعه للإعتداء علي، لأنه كان يكرر فقط ما سبق أن حدث له. ذهبت إلى معالجة نفسية ولسنوات حاولت أن أتخطى ما حدث لكنه ظل يلاحقني بطريقة اوبأخرى. بعد الزواج كانت لدي صعوبة كبيرة في الرفض، وكأنه لا قرار لي بل أتبع رغبات الآخر فقط. حتى في العلاقة أحيانا تعود إلي الذكريات وأكره نفسي وأخاف. آخر مرة تحرش بي خالي، كنت في الرابعة عشرة وبدأت مشاعري تنضج وتتفتح، ولما كان يتحسسني وصلت إلى النشوة وهذا ما لا أستطيع أن أسامح نفسي عليه. بعد كل هذه السنوات قررت أخيراً أن أخبر أهلي بما حصل، خاصة عندما صار لإخوتي اطفال الآن وتملكني الرعب بأن يفعل بهم ما فعل بي. المواجهة لم تكن سهلة وأمي بعد أن عرفت لا تستطيع هي أيضا أن تسامح نفسها ولا أن تسامحه وأخبرت كل إخوتها الآخرين. عندما عرف خالي الكبير، واجهه بما حصل وأجبره على الذهاب إلى طبيب نفسي فهوحتى الآن لا يعترف بمرضه. كل ما آمله الآن أن أتمكن مع الوقت من التحرر ولو قليلا من ألم الماضي وآثاره في الحاضر الذي أعيشه.
غنى: لماذا وثق أهلي بالمدرّس؟
كنت في التاسعة من العمر عندما قرر أهلي توظيف مدرّس لإعطائي دروساً خصوصية في البيت. كان المدرّس تقريباً في الخامسة والعشرين من عمره وكانت تجمعه صلة قرابة مع عائلتي لذا كانوا يثقون به ويتركونني بمفردي معه. أتى في اليوم الأول لتدريسي وكان أبي وأمي لم يعودا بعد من عمليهما. وبينما كان يشرح لي الدرس فوجئت بيده تتحسس صدري الذي لم يكن حتى مكتمل النضج وقتها، جمدت في مكاني ولم أدر ماذا أفعل، حاولت أن أتحرّك لكنه لم يرتدع واستمرّ بفعله وكأن شيئا لم يكن، وأنا أثناء كل ذلك كنت مذعورة إلى حد الشلل. بعد قليل قام عن كرسيه وغادر بمفرده. عندما عاد والداي لم اقل لهما شيئاً، أولا لأنني كنت في حالة ذهول ولم أفهم جيداً ماذا جرى، وثانيا لأنني كنت خائفة من البوح بذلك لأمي خوفا من ردة فعلها خاصة أن المدرس هو قريبها والكل في بيتنا كان يكن له الإحترام والتقدير، لذا تكتمت عما جرى وكأن شيئاً لم يكن. بعد أيام أتى المدرس مجدداً في موعده وصدف أيضاً أننا كنا بمفردنا، وكنا نجلس معاً في غرفتي، حول الطاولة، فإذ بيده تمتد مجددا إلى صدري لكن هذه المرة لم يكتف بذلك، ومن دون أي إنذار رفعني بذراعيه وألقى بي على السرير، حاولت أن أهرب وأن أقاوم لكنه منعني بالقوة.
رحت أصرخ وأبكي لكنه لم يتوقف وألقى بكل ثقله فوقي واستمر بفعل ذلك رغم كل صراخي ولم يتوقف إلى أن انتهى. في الأيام التي تلت، كنت في حالة صدمة وذهول، وأمضيت كل وقتي وحيدة لا أكلّم أحدا الى أن جاء المدرس مجدداً. هذه المرة كانت أمي موجودة في المنزل وهي التي فتحت له الباب ورافقته إلى غرفتي. عندما رأيته أصبت بحالة من الهستيريا، صرت أزعق وأبكي، اقتربت مني أمي وحاولت تهدئتي وسألتني عما يجري، قلت لها إنني لا أريد لهذا الإنسان أن يدرّسني بعد اليوم. بعد أن غادر المدرس، جلست معي أمي فأخبرتها أنه يتحرش بي لكنني لم أخبرها بكل التفاصيل وهي لم تسأل أيضا، أظن أنها كانت خائفة من أن تعرف المزيد، أظن أن ما كان يشغل بالها هي مسألة احتمال فقداني لعذريتي أكثر فعلاً من معاناتي النفسية. أمي لم تقل شيئا لأبي خوفا من ردة فعله واكتفت بصرف المدرس دون توضيح الأسباب. بعد هذه الحادثة صرت أكره كل المدرسين وحتى المدرسة، وعلاماتي تراجعت كثيراً إثر ذلك. بعد فترة استقدم أهلي مدرساً آخر ليعطيني دروساً خصوصية، في البداية كنت خائفة جدا منه، وعندما كان يأتي كنت أجلس على الطرف الآخر من الطاولة ولا أسمح له بالإقتراب.
صدف أن هذا المدرس بالتحديد كان يحمل بكالوريوس في علم النفس وحاول بشتى الطرق تشجيعي ومساعدتي وإعادة بناء ثقتي بالرجال، ففي ذلك الوقت بدأت أرى كل الرجال وحوشاً كاسرة لا يتبعون سوى غرائزهم وكنت أخافهم جميعاً. ترافق حادث الإعتداء مع بدء نمو جسدي ونضجه وجعلني أكره تحولي إلى إمرأة، فحاولت أن أخفي أنوثتي بشتى الطرق، ألبس ملابس فضفاضة كي أخفي صدري، وقصصت شعري قصيراً جداً وصرت أبدو تماما كالصبيان. كذلك انضممت إلى ناد لتعلم الكاراتيه والملاكمة. الحادث أشعرني بضعفي الجسدي، فعندما تم الإعتداء علي لم أستطع المقاومة أوالهرب، لذا أصبحت أنظر إلى انوثتي كأنها ضعف او إنكسار. مرت سنوات طويلة قبل أن اتصالح مع نفسي ومع أنوثتي، وتتغير الصورة المشوهة عن الرجل في مخيلتي. من وقت إلى آخر، أصادف المدرس الذي اعتدى علي فهو يسكن قريبا مني وقد تزوج وأصبح لديه أطفال. عندما نلتقي ينظر إلي بوقاحة ويتفحصني بتمعن بلا أدنى خجل، أما جلّ ما أشعر به أنا فهو الإشمئزاز ويخطر لي أنه ربما لم يزل يعتدي على أطفال آخرين ولا من يردعه. من المؤسف أن الضحية هي التي تتألم وتعاني بينما المعتدي يكمل حياته كأن شيئا لم يكن.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة