بعد تعديل القانون...
يتابع كثيرون قصة الأم السعودية التي تصرخ وتنادي المجتمع بالنظر إلى قضية ولدها المهدد بالترحيل إلى موطن والده الأجنبي، واصفة هذا الترحيل بأنه إجحاف بحق أسرتها خصوصا أن والده من مواليد المملكة. «لها» تابعت موضوع قرار تعديل اللائحة التنفيذية لمواد قانون التجنيس، الذي أقره ولي العهد السعودي ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، ورصدت بعض القصص الواقعية واستطلعت آراء المختصين حول هذا الأمر.
قرار أضاع حقوق أبناء المواطنات السعوديات لآباء أجانب...
قصة أم أحمد (تحتفظ «لها» باسم عائلتها) لا تختلف عن قصص الكثير من الأمهات السعوديات اللواتي أزعجهن هذا القرار ووصفنه بأنه قرار «مُجحف بحق كل امرأة سعودية، ومُحطم لجميع أبنائنا ولأمالهم التي لم يُنصفها قرار طال انتظاره لسنوات».
أم احمد سعودية لها ابنة سعودية استطاعت أن تمنح شقيقها أحمد نقطتين «فبات مصير الإنسان متعلقاً بنقاط» بحسب القانون المُعدل في اللائحة التنفيذية للتجنس. أحمد يبلغ من العمر 29 سنة وعندما كان في سن السابعة عشرة تقدمت والدته بمعاملة الجنسية ولم تستطع الحصول عليها إلى الآن. تقول: «قدمت معاملة الجنسية وأثبتت في الأوراق أن جده لأبيه سعودي ولكن لم يُسجل أسماء أولاده، وبالتالي والد أحمد (طليقي) يحمل الجنسية الكينية. ومنذ ست سنوات ومعاملة أحمد موجودة في كينيا ولم تعد إلى الآن ولا أعرف ما السبب. ولدي متعلم وعاش في المملكة منذ صغره، ما مصيره إن لم يستطع الحصول على جنسية بلده الذي ولد وعاش فيه؟».
«أدخلوا اليأس إلى نفوس أبنائنا بعد هذا القرار الظالم»
وتشاركها همومها المواطنة السعودية أم عبد الله التي وصفت القرار بأنه «عقيم». وتقول: «أولادي على درجة عالية من التعليم، والمناصب، ولا استطيع أن أحصل لهم على جنسية البلد الذي ولدوا فيه بسبب النقطة التي سقطت منا وهي إثبات جد الأم لأبيها. فأنا سعودية، ووالدي سعودي أما جدي فهو غير سعودي فأين أذهب بأبنائي وأين يذهبون ويرحلون عني؟ لا أستطيع إبعادهم عن السعودية وهم لا يعرفون بلد والدهم. هذا القرار، ظلمنا ومن أصدر هذا القرار إنسان ظالم وأناني ولا يملك الإحساس بالآخرين».
وأضافت أم عبد الله: «هم لا يعرفون أن هذا القرار أدخل اليأس إلى نفوس أبنائنا، وأكد بداخلهم شعور أن أي دولة من الخارج تستطيع أن تستقبلهم وتمنحهم جنسيتها إلا البلد الذي ولدوا فيه وعاشوا فيه. سؤالي للمُشترع: أنا مواطنة سعودية لي كامل الأهلية، لماذا لا يستطيع ولدي الحصول على جنسيتي؟ ألا يستحقها؟!».
الأنصاري: حق المواطنة خط أحمر لا يمكن إسقاطه أو التلاعب فيه بأي شكل من الأشكال
وقال مدير «ملتقى مواليد المملكة» والناشط الحقوقي في منظمة العفو الدولية أمين الأنصاري (26 سنة) من مواليد السعودية. في بداية 2010 أنشأ مع بعض الأصدقاء موقعا تحت اسم ملتقى مواليد المملكة وهو بمثابة انطلاقة لحملة لإظهار الصورة الحقيقة لقضيتهم. ومواليد السعودية هم أكثر من فئة. الفئة الأولى هي فئة أبناء المواطنات الذين لم يحصلوا على الهوية الوطنية. والفئة الأخرى، وهي الأكثر انتشاراً في المجتمع السعودي، تضم مواليد السعودية من القبائل العريقة. وهناك أسر كانت مهاجرة وعادت إلى السعودية، وطالبت بحقها في الهوية ولم تنلها، «والى الآن النظام في الحقيقة يقف ضدهم، ولا اعتقد أن ولاة الأمر في البلاد يرفضون هذه المسألة. لكن النظام أو المشترع السعودي يقف ضد هذه الآلية، ولم يتم وضع آلية لدراسة هذا الوضع من الجانب الاجتماعي أو من الناحية التعليمية. فحق المواطنة شرعي وخط أحمر لا يمكن إسقاطه أو التلاعب فيه بأي شكل من الأشكال».
وقال الأنصاري إن هذا النظام جاء «مغايراً للقوانين والمُشترع في السعودية، ولم يمثل المرأة بأي شيء ولم يعطها الحق. فنظام النقاط، جاء للأسف كنظام قصّ ولصق من نظام أجنبي لا يناسب مجتمعنا ولا ديننا أيضاً».
وتابع: «ليس لدينا خلاف مع ولاة الأمر بل إن ما نعانيه هو من خلال الأنظمة المطروحة ومجلس الشورى لم ينصفنا ولم يخدمنا ولم يُشكل لجنة خاصة لدرس هذا الأمر أو وضع حل جذري له».
وعن قرار تعديل لائحة التجنيس قال الأنصاري: «القانون لا يسمح بقرار كهذا، ودستورنا لا شك هو كتاب الله وسنّة نبيه. كما أن المصلحة العامة لحماية العُصبة لا تسمح بمثل هذا القرار لأن الأسرة ستنفصل وتتشتت على هذا النحو».
وشكلت حملة «ملتقى أبناء السعودية» لجنة تنفيذية للمطالبة بحقوق مواليد السعودية بجميع فئاتهم سواء أبناء المواطنات ومواليد المملكة وأبناء القبائل العريقة والبدون. ويضيف الأنصاري: «مازال باب التقدم للتجنيس مغلقاً، وذلك من خلال التقرير الذي وردني عبر البريد العام للجنة، من ابن مواطنة يصف القانون بالمعقّد ونظام النقاط بالمُجحف. نحن نؤمن بأن هناك مشكلة في المُشرّع الذي لم يُعطِ هذه الفئة حقها، ولم تسلّط عليها الضوء سواء في مجلس الشورى أو أي جهة أخرى».
حمّاد: هذا التعديل لم يُنصف المرأة السعودية ولا أبناءها
قالت عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان سهيلة زين العابدين حمّاد إن التعديل جاء في ما يخص اللائحة التنفيذية للمادة الثامنة والمادة 21 الخاصة بتجنيس أبناء السعوديات المتزوجات من أجانب، والسعودي المتزوج من أجنبية، والتعديل الخاص بأبناء السعودية المتزوجة من أجنبي «زاد تقييده، فمن المعروف أن نظام الجنسية في السعودية، اعتمد على طريقة تقويم دم الأم وهذا الأمر أُخذ من الفقه الغربي لا الفقه الإسلامي، والكثير من الدول الغربية تحررت من هذا الفكر وساوت بين الرجل والمرأة في هذا الجانب. وللأسف الشديد نجد أن اللائحة التنفيذية المُعدلة زادت التقييد من حيث الإقامة والإقليم، فالشاب المولود لأم سعودية من أب أجنبي مشروط عليه أن يكون من مواليد السعودية وأقام فيها مدة متواصلة حتى وصوله إلى سن الرشد. ولم يكتفوا بذلك، بل قُيّد بنقاط، خاصة نقطة الجد للأم من أبيها أربع نقاط، ووالد الأم لديه نقطتان، حتى دم الأم قُيد بدم الأب للأم، ومع كل هذه النقاط إن لم يستطع الابن إثبات ان جد الأم لأبيها سعودي سقط حقه في الجنسية».
وأشارت حمّاد إلى أن نظام الجنسية في السعودية لم يُوضع إلا بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية، وهو نظام استحدثه الغرب «وللأسف نحن اليوم متمسكون به، ولم ننصف المرأة من خلاله ولم نساوِها مع الرجل. بل أُعطي الأب مرتبة أعلى من الأم، مع أن الإسلام أعطى الأم مرتبة أعلى من الأب والأحاديث والآيات القرآنية التي تدل على ذلك كثيرة».
وحول أحلام الأم السعودية بعد قرار تعديل اللائحة أكدت حمّاد أن هذا القرار لن يحقق شيئاً، بل على العكس، سيتشتت شمل الأسرة. «عندما نغلق أبواب الحصول على الجنسية أمام أبناء السعوديات، قد يفكر أحد منهم في الانتحار، فمستقبل من الألف إلى الياء مرتبط بالحصول على الجنسية، لأنه ولد في السعودية وعاش فيها ومن الممكن أن يكون والده الأجنبي من المقيمين في البلد، ولا يعرف بلده الأصلي. فعندما يفقد هذا الشخص حقه في الحصول على الجنسية يفقد حقه في إيجاد عمل، وإن وجد عملا لا يُعامل معاملة السعودي، لا يرتقي إلى مناصب قيادية».
وعن دور حقوق الإنسان في هذا القرار ذكرت حمّاد أن نظام الجنسية نظام وضعي ومناقض لما جاء به الإسلام، فأنظمة الجنسية تفرق بين المرأة والرجل في هذا الجانب مع أن الإسلام رفع مكانة الأم. وتابعت: «المبررات لتفضيل الأب على الأم واهية جدا، وللأسف من يضع أنظمة الجنسية في كل دول العالم ذكور، فبالتالي تُمنح الأولويات والمميزات للرجل، والمرأة تُحرم وتبريرهم في ذلك الدم. وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أن بعض الصحابة من رواة الأحاديث ينتسبون إلى أمهاتهم».
البكري: نؤيد قرار تعديل لائحة التجنيس الصادر بأمر من ولي العهد
في اتصال مع عضو في مجلس الشورى الدكتور طلال البكري، رفض التعليق على الموضوع واكتفى بالقول: «الأمر صدر من ولي العهد ولا غبار عليه، ونحن نؤيد هذا القرار ونحن في مجلس الشورى نحترمه جملة وتفصيلاً. ولن أناقش أي شرط ورد في اللائحة التنفيذية المُعدلة لقرار التجنيس».
الشمري: يجب أن يُلغى هذا النظام لما فيه من تمييز ضد المرأة السعودية وأبنائها
من جانبها، وصفت الناشطة الحقوقية السعودية سعاد الشمري هذا القرار بأنه ضد المرأة، «فنقاط التعديل لم توضع للرجل، وبالتالي هم اعتبروا أن المرأة ليست مواطنة. وقالت: «تكمن قضية المجتمع السعودي في التمييز ضد المرأة، وحرمانها من حقوقها ووضع الشروط التعجيزية لتضطر في النهاية لترك ارض الوطن والهجرة مع زوجها إلى الخارج. وأنا ضد هذه النقاط نهائياً. واعتبر ذلك إخلالا كبيرا في اتفاقية سيداو. السعودية انضمت الى مجلس حقوق الإنسان في جنيف لمناهضة التمييز والعنف ضد المرأة... هذا خرق كبير دون أي مبرر لحق المرأة في المواطنة وحق أبنائها في الحصول على الجنسية».
وطالبت بإلغاء القرار لأنه «ضد نظام الحُكم السعودي الذي يحارب التمييز ضد المرأة ويلتفت إليها ويمنحها كامل حقوقها، ولا يجوز أن نعيد تكرار الخطأ المرة تلو الأخرى ، يكفينا اخطاء».
المالكي: التعديل لم يلق قبولاً لدى غالبية النساء السعوديات المتزوجات من غير سعوديين
من جهته، أوضح المحامي والمستشار القانوني أحمد جمعان المالكي أن «تعديل نظام الجنسية السعودي شمل تعديل المادة (7) من اللائحة التنفيذية التي تتعلق بالمادة (8) من نظام الجنسية العربية السعودية الخاصة بالمولودين في المملكة لأب أجنبي وأم سعودية، وتعديل الفقرة (6) من المادة (21) من اللائحة التنفيذية التي تتعلق بالمادة (16) من نظام الجنسية الخاصة بمنح الجنسية العربية السعودية للمرأة الأجنبية المتزوجة من سعودي. وهذا التعديل يراه البعض بأنه قد أغلق باب التجنيس على أولاد السعوديات المتزوجات من أجانب، وهو ما يتماشى مع الفقرة الثانية من المادة العاشرة لمشروع تنظيم زواج السعوديين من أجانب الذي أقره مجلس الشورى، والتي تنص على: «يمنح زوج السعودية غير السعودي وأبناؤها منه وزوجة السعودي غير السعودية بطاقة إقامة خاصة، وتأشيرة خروج وعودة متعددة السفرات ما دامت العلاقة الزوجية قائمة». وهي تسقط حق الأولاد الذكور في التجنّس الذي منحتهم إياه المادة الثامنة من نظام الجنسية، بالاكتفاء بمنحهم بطاقة إقامة خاصة، وتأشيرة خروج وعودة متعددة السفرات».
وأضاف المالكي: «التعديل لم يلق قبولاً لدى غالبية النساء السعوديات المتزوجات من غير سعوديين في مسألة حصول أبنائهن على الجنسية السعودية على اعتبار أن النظام نفسه يجيز تجنيس المرأة غير السعودية المتزوجة من سعودي عند تقديم زوجها طلبا بذلك وتنازلها عن جنسيتها الأصلية».وأشار إلى أنه «ورغم هذه الاعتراضات ورغم سلامتها من الناحية المنطقية والواقعية فإن أحكام القضاء الإداري قد استقر بعضها على أن مسائل الجنسية من أمور السيادة للدولة وبالتالي يحكم القضاء الإداري بعدم ولايته في نظر أي اعتراض على القرارات التي تتعلق بالجنسية».
لائحة التجنيس
أولاً: التعديل على المادة (7) من اللائحة التنفيذية جاء على النحو التالي: «في ضوء ما يقدمه صاحب الطلب من معلومات يتم تقييم طلبه من لجنة مكونة من إدارة التجنيس في فرع الأحوال المدنية في المنطقة من خلال خمسة عناصر موزعة على النحو التالي:
1- إذا كانت إقامته دائمة في المملكة العربية السعودية عند بلوغه سن الرشد يحصل على نقطة واحدة.
2- إذا كان يحمل مؤهلا دراسيا لا يقل عن الشهادة الثانوية يحصل على نقطة واحدة.
3- إذا كان والد الأم وجدها لأبيها سعوديين يحصل على ست نقاط.
4- إذا كان والدها فقط سعودي الجنسية يحصل على نقطتين.
5- إذا كان لصاحب الطلب أخ أو أخت فأكثر سعوديون يحصل على نقطتين.
إذا حصل صاحب الطلب على سبع نقاط كحد أدنى توصي اللجنة بالمضي في درس طلبه، وإن لم يحصل على هذا الحد فترفع اللجنة توصية بحفظ طلبه مع إفهام صاحب الطلب بذلك».
ثانياً: تعديل الفقرة (6) من المادة (21) من اللائحة التنفيذية جاء على النحو التالي: «في ضوء ما تقدمه صاحبة الطلب من معلومات يتم تقييم طلبها من لجنة مكونة من إدارة التجنيس في فرع الأحوال المدنية في المنطقة من خلال ستة عناصر موزعة على النحو التالي:
1- إذا كان واحد أو أكثر من أقاربها سعوديا (الأب أو الأم أو الأخ) تحصل على نقطتين.
2- إذا كانت مولودة في المملكة تحصل على نقطتين .
3- إذا كانت تحمل مؤهلا دراسيا لا يقل عن الشهادة الجامعية تحصل على نقطتين.
4- إذا كانت مقيمة في المملكة لمدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية قبل تاريخ الزواج تحصل على نقطتين.
5- عن كل سنة تمضي بعد موافقة الجهة المختصة على الزواج تحصل على نقطة واحدة بحد أعلى 12 نقطة.
6- إذا أنجبت مولوداً واحداً تحصل على نقطتين، وإذا أنجبت مولودين فأكثر تحصل على أربع نقاط، وفي حال عدم الإنجاب من سعودي لا ينظر في طلب منحها الجنسية السعودية. إذا حصلت صاحبة الطلب على سبع عشرة نقطة توصي اللجنة بالمضي في درس طلبها، وإن لم تحصل يتم إفهامها بعدم حصولها على الحد الأدنى من عدد النقاط المطلوب».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024