تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

إلى أين وصلت مبادرة قيادة المرأة السعودية للسيارة...

يسعى القائمون على مبادرة قيادة المرأة السعودية للسيارة التي انطلقت بداية العام الماضي إلى مقابلة المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، كما يسعون إلى التواصل مع الرئيس العام الجديد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ لشرح تفاصيل المبادرة ومناقشة القضية، متمنين أن يبادر رئيس مجلس الشورى بمناقشة موضوع قيادة المرأة السيارة في المجلس، وأن تحسم القضية بقرار سياسي.
«لها» التقت القائمين على المبادرة للوقوف على تفاصيلها وآخر مستجداتها
.


انطلقت مبادرة قيادة المرأة للسيارة قبل عام  على أيدي عدد من الأكاديميات والمثقفين منهم الكاتبة بدرية البشر، والدكتورة هتون الفاسي، والدكتورة هالة الدوسري، والأستاذ عبدالله العلمي. واعتمدت على مبدأ أن الإسلام ضمن للمرأة حقوقها الشرعية والمدنية، وقيادة السيارة حق للمرأة كما هو حق للرجل. وأوضح الكاتب الإعلامي والمسؤول عن المبادرة عبدالله العلمي أن المادة الثامنة في النظام الأساسي للحكم نصت على أن «يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل، والشورى، والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية». وقال إن المبادرة تحتوي على دراسة تحليلية للملفات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية المتعلقة بقيادة المرأة للسيارة، مع تحليل علمي للجانب الإيجابي للمبادرة والنتائج السلبية الناجمة عن وجود مئات ألوف السائقين الأجانب في البلاد، وأضاف: «وقّع المبادرة في بدايتها 136 مواطناً ومواطنة وأرتفع العدد اليوم إلى أكثر من 3500 موقع من المثقفين والأكاديميين والأطباء وربات البيوت ورجال وسيدات الأعمال والإعلاميين وطالبات الجامعات والموظفين من جميع مناطق الوطن الحبيب»، مؤكداً إرسال المبادرة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين وأمراء المناطق.

وتواصَل أعضاء المبادرة مع الإدارات العامة للمرور في دول مجلس التعاون العام الماضي للتعرف على الأساليب التي تتعامل معها تلك الدول مع قيادة المرأة للسيارة ووصلتهم إجابات وافية من دبي في الإمارات العربية المتحدة. كما أجري استفتاء للإدارات العامة للمرور في دول مجلس التعاون بشكل أسئلة، ووصلت إجابات على الأسئلة من مرور دبي.
ويرى العلمي أن قيادة المرأة للسيارة لم تعد هاجساً شرعياً أو اجتماعياً، بل أن الأخطار الأخلاقية والأمنية الناتجة عن الاعتماد على السائقين أكبر من أخطار قيادة المرأة للسيارة، و الأمثلة كثيرة، «ومنها شجاعة وحكمة المرأة السعودية التي ما أن أصيب سائقها بالهلع لمشهد أمواج السيل في جدة وهي تتلاطم حوله، حتى تولت هي القيادة، وأنقذت عشرات العائلات والفتيات، وذلك بنقلهن إلى أماكن آمنة».

وهناك دلائل على أن المرأة التي تقود السيارة في القرى النائية كسبت الاحترام لاحترامها الأنظمة المرورية، بما يفوق احترام الرجال لقوانين المرور. وبما أن المرأة تملك رخصة قيادة دولية وتقود السيارة في مختلف دول العالم، فهي قادرة ومتمكنة من قيادة السيارة في بلادنا، وقال العلمي: «ليس من المعقول أن تُراق كرامة المرأة السعودية على أرصفة الشوارع وهي تستجدي سيارات الأجرة وتفاصل أصحابها لتذهب الى المستشفى للعلاج أو مدرستها أو عملها وتصرف على عائلتها من مهنتها الشريفة». وأشار إلى إحصاء لإدارة المرور يقول إن السائق الوافد يشكل حوالي 40% من عدد الحوادث، وهي نسبة تزيد عن حجمه في التركيبة السكانية للمملكة.


ماذا حصل في مجلس الشورى؟

سلمت المبادرة إلى رئيس مجلس الشورى في في كانون الثاني/ يناير2011 مناولة باليد، وإلى رئيس لجنة العرائض وحقوق الإنسان، والمتحدث الرسمي باسم المجلس وبعض أعضائه، كما ذكر العلمي، وقال: «المتحدث باسم مجلس الشورى الدكتور محمد المهنا، نفى في تصريح لصحيفة «الحياة» بتاريخ السبت 8 كانون الثاني- يناير 2011 أن يكون موضوع قيادة المرأة للسيارة في المملكة مطروحاً للنقاش في جداول الأعمال خلال الفترة المقبلة. ولكن في المقابل، لم ينف عضو شورى آخر احتمال وصول عريضة في هذا الشأن إلى يد رئيس مجلس الشورى. وقال المهنا لـ«الحياة» : «لم تصل إلى المجلس عريضة من هذا النوع، وحتى الآن لا نعلم هل هي خطاب مطالبة أم فكرة من مواطنين؟»».

ولكن العلمي أكد أن رئيس لجنة العرائض في المجلس دعاه لحضور مناقشة موضوع قيادة المرأة للسيارة بتاريخ 15 آذار/ مارس 2011، ولكن تم إلغاء الدعوة دون إيضاح أي أسباب أو مبررات، لافتاً إلى إعادة تحديث الدراسة وإرسالها في حزيران/يونيو 2011. وأشار إلى تصريح من رئيس مجلس الشورى نشرته صحيفة «الجزيرة» في 2 حزيران/يونيو 2011 عن  استعداد المجلس لمناقشة موضوع قيادة المرأة للسيارة متى ما عرض عليه، وان موضوع قيادة المرأة للسيارة لم يعرض حتى الآن للمناقشة.
وأوضح العلمي أنه في 19 أيلول/ سبتمبر 2010 دار نقاش في لجنة العرائض وحقوق الإنسان في المجلس واتفق الأعضاء على استدعاء مقدم المبادرة لمناقشتها مع اللجنة، ولكن لم تتم الدعوة.
كذلك أرسل خطاب إلى رئيس المجلس في 1 ذو القعدة 1432هـ تعقيباً على الخبر الذي نشرته صحيفة «الحياة» في عددها بتاريخ الأحد 25 ايلول/سبتمبر 2011 بعنوان «رئيس «حقوق الإنسان» في «الشورى»: قيادة المرأة السيارة تخضع لدراسة معمقة»، كذلك تم إرسال خطاب إلحاقي إلى رئيس المجلس في 17 ذو الحجة 1432هـ.

وقال العلمي: «علمت لاحقاً أن المجلس لا يستطيع أن يدرس إلا ما يحال عليه من الملك (المادة 15) أو وفقا للمادة (23) المعدلة التي تتيح لأي عضو اقتراح نظام جديد أو اقتراح تعديل نظام قائم. من هذا المنطلق، طالما أنه لا يوجد نظام يمنع... فما هو النظام الذي سيعدل؟ فعلى سبيل المثال تم استخدام هذا الحق لتعديل بعض مواد نظام المرور والتي من بينها إلغاء تطبيق الحد الأعلى للمخالفة في حالة عدم السداد، ولدينا فرصة ثانية لاقتراح المبادرات من خلال «التوصيات الإضافية» التي يجوز تقديمها عند مناقشة التقارير السنوية للوزارات والأجهزة الأخرى المحالة على المجلس من الملك، وقد تم استخدامها عند مراجعة تقرير وزارة البلديات لتقديم مشروع السماح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات البلدية العام الماضي. المشكلة في موضوع قيادة المرأة أنه يتبع نظريا وعمليا للمرور، والمرور جزء من الداخلية وتقرير وزارة الداخلية لا يحال على المجلس أصلا ولا يناقش فيه»، متمنياً  أن يتجاسر رئيس مجلس الشورى بالسماح بطرح موضوع قيادة المرأة في المجلس حتى وإن اعتبر هذا سابقة تخرج عن دائرة قيود الصلاحيات الممنوحة للمجلس.



القيادة والفتاوى الشرعية

تحدث العلمي عن معاناة المرأة ومدى تعرضها للخطر عند استخدام السائقين، مذكراً بالبيان الصادر عن الناطق الإعلامي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم عبدالله المنصور في كانون الأول/ديسمبر 2011، بأن الجهات الأمنية في محافظة عنيزة تحقق حاليا مع وافد يحمل جنسية شرق آسيوية بتهمة اغتصاب طالبة عمرها ١٣ عاما تدرس في المرحلة المتوسطة. ويشار إلى أن الوافد الذي يعمل سائقا خاصا استطاع جذب الطالبة الى غرفته عندما كانت في طريقها المدرسة، وفعل الفاحشة بها.

كما أن صحيفة «الرياض» نقلت في 7 شباط/فبراير 2011، خبرا مفاده أن مكتب الصحيفة في الباحة يشهد زخما من الاتصالات الهاتفية من أولياء أمور الطالبات والمعلمات الذين تحدثوا عن معاناتهم مع متعهد نقل الطالبات في المنطقة، وعدم التزامه ضوابط النقل الآمن لبناتهم، وأن جميع السائقين من الفئات العمرية ما بين 20 و30 عاماً، ومعظمهم لا يلتزمون الآداب والضوابط الشرعية. وتقدم الأهالي بشكوى للإدارة العامة للتربية والتعليم مبدين تخوفهم من هذا الأمر وطالبوا بإيجاد محارم مع هؤلاء السائقين. وأكد الأهالي لــ»لرياض» رغبتهم في السماح لبناتهم بقيادة السيارة وأن هذا الحل هو البديل الأفضل لهم مما يجري الآن من خلوة هؤلاء المراهقين ببناتهم.

وقال العلمي إن المفتي العام للمملكة أصدر فتوى بتاريخ 20 ربيع الثاني 1411هـ بعدم جواز قيادة المرأة للسيارة، منوهاً الى أن الشرع  لم يحرم أو يمنع المرأة من ركوب الخيل أو الإبل، وأن  العديد من العلماء والمفكرين أفتوا بإيجابية في موضوع قيادة المرأة للسيارة ونشرت آراؤهم في الصحف المحلية كفضيلة الدكتور عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء، والشيخ أحمد بن باز وغيرهم، و»بما انه لا يوجد نص شرعي يحرم قيادة المرأة للسيارة، والأصل في الإسلام الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم، فإن مطلب قيادة المرأة للسيارة أصبح اليوم ملحاً لأسباب اقتصادية واجتماعية وأمنية».

ونشرت صحيفة «الرياض» مقالاً للمستشار في الديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع  بعنوان «تصحيح مفهوم» بتاريخ 17 كانون الثاني/ يناير 2012 رأى فيه «أن يدرج هذا الموضوع في جدول أعمال هيئة كبار العلماء في الدورة القادمة لدراسة وإصدار قرار بخصوصه، وفي حال القول بجواز ذلك فيكون له من القيود والضوابط ما يحول بينه وبين المحاذير الشرعية المتوقعة. ويمكن أن يستعان في الدراسة بآثار قيادة المرأة في البلدان الأخرى لاسيما في دول الخليج وفي البلاد العربية لاسيما البلدان المجاورة، ويمكن أن تكون الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والمرورية والاقتصادية محل نظر واعتبار في ما يتعلق بالإيجاب أو السلب وتقرير الحكم في ذلك. ولاشك أن نظر الموضوع من ذوي الاختصاص سيقضي على التخبط في الآراء والأقوال والفتاوى الفردية لا سيما إذا صدر القرار من جهة مختصة وبتحليلات مقنعة من حيث العقل والنقل وتحقيق المقصد الشرعي».


خلاصة المبادرة ومقترحاتها

اقترحت المبادرة أن يناقش مجلس الشورى الأمر كمرحلة تجربة،  وأن يتم الإذن بقيادة المرأة للسيارة ضمن خطة منظمة في وقت معين من اليوم، ويحدد له مدينة أو محافظة مع ضرورة إصدار عدد من القوانين الرادعة والحامية للنساء تطبق بكل شدة والتزام تحميهن من أي تعدٍ عليهن أو تحرش بهن، وأن تُسجل المخالفات ويحال أصحابها فوراً على التوقيف والسجن، ويغرموا غرامات مرتفعة رادعة بحيث لا يتجرأ إنسان على مضايقتهن أو إيذائهن. وقال العلمي: «نقترح أن يتضمن نقاش مجلس الشورى قرارات بتخصيص مدارس تعليم القيادة تُعتمد شهادتها لإصدار الرخص، وأيضاً استحداث أقسام نسائية في مراكز المرور تتعامل مع الرخص النسائية والمخالِفات واحتياجاتهن، وأن تكون السيارات التي تقودها النساء مؤمنة من الأعطال، وموقعة عقوداً مع شركات خدمة الطرق التي تصل إلى أي مكان تتعطل فيه سياراتهن». وشدد العلمي على ضرورة توعية المجتمع بأن القرار قرارٌ حكومي رسمي يسمح ويحمي من ترغب من المواطنات ولكنه ليس إلزامياً، مقترحاً إطلاق حملة توعوية للشباب والمجتمع للتشجيع على قبول قيادة المرأة للسيارة، واحترامها مع الإعلان عن العقوبات التي ستطال المتحرشين، حتى يتأقلم الجميع ويصبح الأمر عادياً.

وأوضح العلمي أنه لا يتوفر لدى جميع النساء محارم لتأمين تنقلاتهن فهناك المطلقات، والأرامل، وغير المتزوجات. حتى لو وجد المحرم لبعض النساء فهو غالبا ما يكون مشغولا بأعماله وارتباطاته الخاصة، مما يجعل من قيادة المرأة للسيارة ضرورة ملحة، «وعليه، نتمنى أن تحسم السلطة السياسية هذا الجدل وتقرر ما كان يجب أن يكون منذ زمن وهو السماح للمرأة بقيادة السيارة كما حسمت من قبل السماح بتعليم المرأة وعملها وابتعاثها، بل والسماح لها بالبيع في محلات المستلزمات النسائية والمشاركة في مجلس الشورى والمجالس البلدية».


هتون الفاسي: نحتاج إلى البنية التحتية لقيادة المرأة

من جانبها، تحدثت أستاذة تاريخ المرأة المساعد في جامعة الملك سعود الدكتورة هتون الفاسي عن مبادرة قيادة المرأة للسيارة قائلة: «كانت لي جزئية إضافية في المبادرة التي قدمت أخيراً إلى مجلس الشورى، مخصصة للآلية التي يمكن أن تتم بها قيادة السيدة للسيارة داخل السعودية، وما هي البنية التحتية التي نحتاجها من ناحية الإدارات المرورية، مدارس القيادة للنساء، وضع قوانين صارمة لردع أي تعدٍ أو تحرش، وحملات التوعية بأهلية المرأة للقيادة».

ولفتت إلى أن مبادرة القيادة دخلت عامها الثاني دون أي جدوى، ولكن لا يعني ذلك التقاعس عن ضرورة متابعة هذا المطلب. وأضافت: «أعتز جداً بتمثيل عبد الله العلمي لنا، وهذا دليل على أن الرجل داعم لنا في هذه المسيرة، وفي أخذ هذا الحق بصورة شرعية»، مؤكدة أن القضية ليست قضية امرأة فقط بل هي قضية تعنى بالأسرة بشكل عام.


هالة الدوسري: نتجه إلى استثمار ما بدأته منال الشريف

الباحثة في الخدمات الصحية والناشطة في تمكين المرأة الدكتورة هالة الدوسري قالت: «حاولنا أن نوجه رسالة رسمية عن طريق إرسال المبادرة إلى أمراء المناطق، ومن ثم رئيس مجلس الشورى، ويتلخص دوري بإجراء بعض الإضافات على صياغة الرسالة، وغيرنا مسماها إلى مبادرة بدل طلب.  ولفتت إلى أن المبادرة لم تلقَ أي رد فعل حتى اللحظة من مجلس الشورى، ومن نهاية 2011 تم إرسال المبادرة مرة أخرى إلى مجلس الشورى، وقامت المجموعة بإرسال خطابات لجميع المجلات والصحف، ومع كل ذلك لم تلقَ المبادرة أي تجاوب. وأضافت: «حاليا استثمرنا في الحقوقية منال الشريف التي خرجت بالقضية إلى الميدان، واستخدمت الشبكات الاجتماعية، وكنا حينها قد جمعنا ما يقارب 3500 شخص اخترنا منهم الأسماء القوية لتكون دافعاً للمبادرة».


مجلس الشورى... لا جديد!

اتصلت « لها» برئيس لجنة حقوق الإنسان والعرائض الدكتور مشعل العلي لمعرفة ما وصلت إليه مبادرة القيادة للمرأة السعودية في مجلس الشورى، وتبين لنا أنه انتقل إلى منصب آخر، وحل في منصبه السابق  الأستاذ سليمان الزايدي الذي بدورنا حاولنا التواصل معه ولكن لم نحصل على رد. واتصلت «لها» أيضا بالمتحدث الرسمي لمجلس الشوري الدكتور محمد المهنا، وكان قد نوه الى أن بعض التغيرات قد حدثت داخل المجلس  حيث انتقل العلي من لجنة حقوق الإنسان والعرائض إلى مهمات أخرى، وتولى نيابة عنه الزايدي، ولم نتوصل إلى أي معلومات تخص المبادرة.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080