تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

بعد انتحار قاصر بسمّ الفئران...

نظم ناشطون وقفة احتجاجية قبالة البرلمان المغربي في الرباط مساء السبت 17 آذار/مارس بدعوة من جمعيات نسائية وهيئات حقوقية، احتجاجاً على القانون المتعلّق بالسماح لمرتكبي جرائم الاغتصاب بالزواج من ضحاياهم، كوسيلة لتجنّب الملاحقة القانونية. ورفع المشاركون والمشاركات في الوقفة شعارات تندد بالمادة 475 من القانون الجزائي المغربي الذي ينصّ على إفلات المغتصب من العقاب بمجرد زواجه من المغتصبة، كما رفع المحتجون شعارات تطالب باستصدار قانون خاص يحمي النساء المغتصبات.

واندلعت موجة
  الإحتجاجات من مدينة العرائش الساحلية في شمال البلاد، على إثر انتحار فتاة قاصر تدعى أمينة الفيلالي  تبلغ 16 عاما من العمر أُجبرت على الزواج من الشخص الذي اغتصبها والذي يكبرها بأكثر من 10 سنوات، وذلك عن طريق تناول مادة سامة داخل منزل عائلة زوجها.
وكانت عائلة الفتاة القاصر قد تقدمت مطلع السنة الماضية بشكوى إلى الوكيل العام للملك في طنجة تتهم فيها مصطفى ف
. باغتصاب ابنتها القاصر التي لم يكن عمرها عندئد يتجاوز 15 سنة.
وبعد وساطة قام بها بعض معارف الأسرتين، تم التوصل إلى حل يقضي بتزويج القاصر من مغتصبها، وذلك بموافقة قاضي الأسرة الذي أجاز زواج القاصر لدرء الضرر
.


«
ستر الفضيحة»

أمينة لم تُطق الحياة الزوجية القسرية فأقدمت على الانتحار عبر تجرع أدوية سامة تُستخدم في القضاء على الفئران. وأفاد بعض ذويها أنها اضطرت للفرار من زوجها، ونُقل عنها القول بعد نقلها إلى المستشفى قبل أن تفارق الحياة إنها تعرّضت للضرب والتنكيل، ولم تعد تطيق صبراً على معاشرة زوجها، متهمة إياه بحرمانها من الأكل والتنكيل بها.
وكانت محكمة في العرائش أقرت زواج الفتاة من مغتصبها بعد موافقة ذوي الأسرتين، في سياق ما يُعرف بـ «ستر الفضيحة». لكن ذلك طرح تساؤلات حادة عما إذا كانت هذه الزيجة تُراعي كرامة الفتيات القاصرات بعد تعرضهن للاغتصاب، بخاصة أن حالات الصلح في مثل هذه الأوضاع تلجأ إليها بعض الأسر المغربية خوفاً من الفضيحة والعار.
وتقول حبيبة الفيلالي أخت أمينة التي كانت من بين المحتجين في الرباط إنها جاءت الى قبة البرلمان لكي تُسمع مأساة أختها أمينة الى المسؤولين ولوضع حد للقوانين المجحفة في حق القاصرات.

ماجدولين اليزيدي من الشابات الناشطات «كلنا أمينة» تقول: «أمينة أرغمت على الزواج من رجل اغتصبها بعد اقتراح من وكيل الملك في طنجة المفروض فيه أن يحميها ويقتصّ من المعتدي عليها، وهكذا حكمت عائلة أمينة ووكيل الملك وقاضي الأسرة على تلك الفتاة المسكينة بالعيش مع جلادها الذي ظل بعد الزواج يضربها ويهينها. هذا الحل الأعوج اعتمد أساسا على تأويل خاطئ ومتعسف للفصل 475 من القانون الجزائي المغربي الذي ينصّ على أن « من اختطف أو غرر بقاصر تقلّ سنه عن ثماني عشرة سنة، بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم». ومع ذلك، فإن القاصرة التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطفها أو غرر بها فإنه لا يمكن ملاحقته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان فعلا. كما أن زوجها وجلادها خالف القانون عندما هرب و ترك أمينة تحتضر بعد شربها مادة سامة».

من جهتها قالت فوزية العسولي، رئيسة الرابطة الديموقراطية لحقوق المرأة، إن «تمكن مغتصب الفتاة من الإفلات من الإدانة استنادا إلى مادة في القانون أمر مرفوض». وأوضحت أن «المادة 475 تمتنع عن اعتبار الاغتصاب جريمة وتتضمن تناقضات بما أنها تعاقب الخاطف»، وعبّرت عن أسفها لان هذه المادة تدافع عن «الأسرة والأعراف لكنها لا تأخذ في الاعتبار حق المرأة كفرد».
وأكدت أن الحل الآن هو المصادقة على القانون - الإطار لمناهضة العنف ضد النساء.

وتساءلت الناشطة الحقوقية سناء العاجي: «كيف أصبحنا قادرين، باسم القانون، على أن نجعل من المغتصَبة ضحية أُجبِرت على الزواج؟  من المسؤول اليوم عن انتحار أمينة؟ مُغتصبها؟ والداها اللذان وافقا على هذه الزيجة مُداراة للفضيحة و«إنقاذا لشرف أمينة»؟ القاضي الذي ارتأى أن الزواج في هذه الحالة هو أعدل الأحكام؟ أم هو مجتمع كامل وتصور متخلّف يختزلان أمينة ومثيلاتها في غشاء عذرية اخترع الصينيون نسخة مزورة منه، تباع بأقل من 200 درهم مغربي؟».


«تجاوز التقاليد البائدة»

ردّت جمعية «ماتقيش ولدي» - لاتلمس ابني» على بلاغ وزارة العدل والحريات الصادر بشأن أمينة الفيلالي والذي أورد أنّ الضحيّة «كانت على علاقة بالشخص الذي تزوجها بعد أن فقدت بكارتها برضاها»، إذ عبّرت الجمعية المهتمة بحقوق الطفولة عن رفضها تبرير الواقعة المؤلمة.

وقالت في بيان صحافي وقعته رئيستها نجاة أنور، إنّها ترفض تماما تزويج القاصرات، كما تلحّ على ضرورة تعديل المادة 20 من مدونة الأسرة المغربية وما يرتبط منها بسنّ الزواج.
ودعت أنور إلى «تجاوز التقاليد البائدة والمتسمة بسيادة النفاق الاجتماعي تحت ذريعتي الشرف وكرامة الأسرة وغيرهما ممّا يختصر شرف المرأة عموما، والقاصرة خصوصا، في بكارتها».

في المقابل، دعت وزيرة الأسرة والتضامن بسيمة حقاوي إلى فتح نقاش عام مع الفعاليات والهيئات المختصة وعلى رأسها وزارة العدل والحريات لمراجعة القانون واعتماد مقاربة شمولية لكل ما له علاقة بالمعطيات النفسية والاجتماعية، مضيفة أن الوزارة اعتبرت قضية انتحار القاصر أمينة مناسبة لفتح ملف الاغتصاب. وأكدت أن ما حدث شيء مؤلم للغاية لا يمكن السكوت عنه أو قبول ممارسات تؤدي بالإنسان إلى  تفضيل الموت على الحياة.


عريضة

وبدأ نشطاء في المجتمع المدني وتنظيمات حقوقية حملات توقيع عرائض يطالبون فيها بتفعيل القوانين ضد مغتصبي القاصرات ورفض إبرام الزيجات التي تعرّض كرامتهن للإهانة. ويوقّع شبان وشابات عريضة «كلنا أمينة» وأكدوا فيها أن «زوجها وجلادها الذي هرب وترك أمينة تحتضر بعد شربها مادة سامة» خالف بفعلته الفصل 431 من القانون الجزائي الذي يعاقب هؤلاء عقوبة قاسية. وطالب موقعو العريضة بـ «تفعيل المتابعة الجنائية ضد المعتدي على أمينة بتهمة الإغتصاب، والضرب والجرح و عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر».

وذهبت خديجة الرويسي، عضو البرلمان عن حزب «الأصالة والمعاصرة» ورئيسة «بيت الحكمة»، إلى أن فريقها البرلماني المعارض سيعمل على إلغاء الفصل 475 من القانون الجزائي المغربي، وقالت: «من داخل لبرلمان سنقترح إلغاء هذا الفصل المهين للطفولة وللمرأة، فالمادة 475 مبنية على ممارسات عرفية بالسماح للمغتصب بالزواج ممن  اغتصبها للحفاظ على شرف أسرة المغتصبة».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079