دنيا أبو حليمة 'الطفلة-المرأة' الغزاوية
هناك أطفال يتعبون ويعرقون وهم يركضون خلف ألعابهم التي يحبونها، ويفرحون عندما يتفاعلون معها. ولكن ماذا لو كانت اللعبة عبارة عن جرار زراعي ضخم تقوده طفلة ليس لأنها ستلعب به، بل لأنها اعتادت على العمل عليه من اجل تامين لقمة العيش لأفواه أفراد عائلتها التي عجز والدها عن تامين قوتهم اليومي بسبب الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة وإصابة والدها في إنحاء متفرقة في جسده برصاص الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي منعه من مزاولة أي نوع من العمل، فكبرت دنيا أبو حليمة البالغة من العمر 14 عاما وأصبحت الطفلة - المرأة.
مع شروق الشمس تتجه دنيا أبو حليمة نحو الجرار الزراعي الذي كانت قد أوقفته في الليلة السابقة إلى جانب بيتها الذي يقع في شمال مدينة غزة في منطقة العطاطرة حيث تسكن دينا مع أسرتها المكوّنة من ستة عشر فردا. وهذا الحي هو أحد أحياء غزة التي تعرّضت لويلات الحرب قبل أعوام قليلة. التقينا دنيا قبل أن تصعد إلى الجرار وتبدأ حرث الأرض فحدثتنا عن عملها: «رغم أن هذا العمل شاق فإنه لم يمنعني من مواصلة دراستي التي أرى فيها الأمل الوحيد للتخلّص من حياة البؤس التي أعيشها مع أسرتي. فانا أعود من مدرستي ولا أكاد آخذ قسطا من الراحة حتى أرتدي الزى الخاص بعملي، وانطلق مجددا إلى أرض يملكها أبناء عمي، وهناك أمارس مهنتي في حرث الأرض وذلك مقابل عائد مادي لا يتعدى الثمانية دولارات أميريكية في اليوم الواحد، وهو بالتأكيد ما لا يكفي أسرتي ولا يساعدني بأي حال على سد احتياجاتي».
وأضافت: «الأرض الزراعية التي اعمل فيها تقع مباشرة على الحدود مع الخط الأخضر الذي يفصل قطاع غزة عن أراضي عام 1948، وبذلك يصبح العمل عبئا إضافيا وفيه المزيد من الخطر بالنسبة إلي وإلى العاملين في تلك المنطقة التي يستهدفها القصف الاحتلالي من وقت إلى آخر».وحدثتنا عن علاقتها بالجرار الزراعي فقالت: «أحب قيادة الجرار الذي أصبح جزءا أساسيا من برنامجي اليومي، وأستمتع أيضا باللهو في الحقل بعد أن انتهي من أعمالي، وأحب أن العب لعبة قفز الحبل مع رفيقاتي، فالعمل لم ينزع مني طفولتي، بل ربما شكل لي دفعا للإقبال على الحياة».
خبيرة زراعية
وعن خبرتها في مجال الزراعة قالت: «أصبحت لدي خبرة بأنواع المحاصيل الزراعية، وأنسب الأوقات للزراعة، والكثير من التفاصيل التي أفتخر بأني أصبحت على علم بها خلال فترة قصيرة من عملي وذلك قياسا بمزارعين آخرين أمضوا سنوات طويلة في هذه المهنة». وختمت دنيا أبو حليمة: «أتمنى أن أكمل تعليمي الذي سيخلّصني من هذا العمل الذي اختارني دون إرادتي، فمعدلي الدراسي ممتاز، فقد حصلت على 85% في امتحانات الصف الثامن.
وطموحي أن أكون إحدى الإعلاميات الفلسطينيات اللواتي يعبّرن عن معاناة الناس البسطاء، ولكي أسدّ مكان والدي الذي لا يستطيع العمل بسبب إصابته». ومن ناحيته تحدّث لنا زهار أبو حليمة الذي يبلغ من العمر 50 عاما عن ابنته دنيا فقال: «بدأت ابنتي دنيا العمل في مجال الزراعة وقيادة الجرار الزراعي وهي لم تكن تتجاوز 13 عاما، فقد وجدت نفسها في سوق العمل مبكرا، بسبب ظروفنا المادية الصعبة التي جعلت من ابنتي أصغر سائقة محراث في فلسطين وربما في العالم العربي».
وأضاف: «في عمر الزهور تمسك ابنتي دينا بيديها الصغيرتين مقود المحراث لتديره يمينا ويسارا في رحلة الحرث التي تمتد يوميا لساعات طويلة، وهي تهجر معها دنيا حياة الأطفال وتذوب أحلامها الصغيرة خلف واقع قاس، وتتبدل الكتب المدرسية بدروس إضافية في قيادة الجرار الزراعي».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024