نوف العفيفي إماراتية عينها على السماء...
بين السماء والأرض، تقف الإماراتية نوف العفيفي التي لا يتجاوز عمرها 21 عاما، لتسجل إنجازا جديدا للمرأة الإماراتية والخليجية، بعد ان أصبحت أول إماراتية تحصل على شهادة ضابط مراقب جوي لإقليم دولة الإمارات من الهيئة العامة للطيران المدني، وتتمكن أخيراً من أن تكسر احتكار الرجال لواحدة من المهن الدقيقة التي طالما كانت حكرا عليهم، معتبرة نجاحها دليلا على أنه ليس هناك مستحيل أمام الطموح الصادق. الشغف بكل ما هو جديد والبحث عن المغامرة والاكتشاف، هما سمتان اتصفت بهما العفيفي منذ طفولتها، وكانتا الدافع إلى اتجاهها نحو مجال الطيران عقب الانتهاء من دراستها الثانوية. ورغم حيرتها في بداية الأمر بين دراسة الطيران أو دراسة الملاحة الجوية، حسمت أمرها سريعا لصالح الملاحة الجوية التي فتحت أمامها مجالا جديدا للبحث والمعرفة والاكتشاف.
تقول: «منذ طفولتي كان الطيران يستهويني، وكثيرا ما كنت أتمنى أن أتمكّن من الطيران بواحدة من الطائرات التي نشاهدها تحلق في السماء. وبعد الانتهاء من دراستي الثانوية، تقدمت لدراسة الملاحة الجوية، وحصلت على عدد من الدرجات العلمية أبرزها شهادة مراقبة الحركة الجوية من «كرايستشيرش» في نيوزيلندا، كما درست تخصصات في منظمة الطيران المدني الدولي، وحصلت على شهادة منظمة «الإيكاو» تخصص مطارات، وشهادة «الايكاو» تخصص مراقبة المجال الجوي رادارياً، وشهادة «الايكاو» تخصص مراقبة المجال الجوي لا رادارياً.
- ألم تشعري بالقلق من دخول هذا المجال الصعب؟
منذ البداية كنت أدرك صعوبة الدراسة في هذا المجال، وحجم التحديات التي يمكن تواجه من يعمل فيه خاصة مع التعقيد الذي أصبحت عليه حركة النقل الجوي عالميا وحجم التحديات التي تمثلها، وهذا هو ما جعلني أكثر تصميما على النجاح. فمنذ طفولتي وانا لا أرضى بالأمور السهلة والمعتادة، ودائما أبحث عن أشياء ومجالات جديدة احاول اكتشافها بنفسي. وقد استغرق تدريبي على مجال المراقبة الجوية ما يقرب من ثلاث سنوات بدءاً من الكلية وصولاً إلى التدريب العملي المباشر في الاتصالات، ومساعدة مراقبة الملاحة الجوية، ومحاكي مراقبة الملاحة الجوية، ثم تدريب مراقبة الحركة الجوية (حركة جوية فعلية) وشملت 850 ساعة من مراقبة الطيران الفعلية مع مدرب مرخص.
- خلال الدراسة ما هي الصعاب التي واجهتك؟
كان هناك تحديان رئيسيان واجهتهما خلال دراستي، الأول كان صعوبة الدراسة، وقلقي من دخول مجال جديد، أما الثاني فتمثل في دخولي عالما خاصا بالرجال، خصوصاً أني كنت الفتاة الإماراتية الوحيدة التي تدرس في هذا المجال، فكان هناك بعض الزملاء يتقبل وجودي معهم، والبعض الآخر يرفضه باعتبار ان المرأة كائن حساس ومشاعره تتحكم فيه وبالتالي لا يصلح للعمل وتحمل المسؤولية الكبيرة التي يتحملها من يعمل في المراقبة الجوية. وكثيرا ما كانوا يطلقون تعليقات قاسية تفيد اني لن استطيع تحمل العمل أو الاستمرار فيه، ولكن الآن وبعدما انتهيت من دراستي والتحقت بالعمل في مركز الشيخ زايد للملاحة الجوية، الذي يعد أكبر وأحدث مركز للمراقبة الجوية في الشرق الأوسط، تغيرت هذه النظرة واستطعت ان انتزع احترام الجميع واعترافهم بي.
- ما هي أصعب المواقف التي مررت بها منذ التحاقك بهذا المجال؟
اعتبر ان فترة التدريب العملي التي قمت بها خلال الدراسة كانت من أصعب أيام حياتي، فخلالها كنت أتدرّب على ممارسة العمل تحت إشراف مراقب. ونظرا إلى إدراكي لأهمية العمل الذي اقوم به ومدى المسؤولية التي اتحملها، كنت أشعر بقلق شديد، فأقل خطأ يمكن ان ارتكبه سيودي بحياة المئات، وسأخسر مستقبلي المهني بالكامل. وكل هذه الأفكار كانت تصيبني بالتوتر الذي كان يزداد مع احساسي بأني مراقبة من المدرب الذي يراقب عملي.
- هل استمرت حالة القلق والخوف بعد تخرجك والتحاقك بالعمل؟
في البداية، نعم، حيث كنت أتلفّت أبحث عن المدرّب المكلّف بمتابعتي خلال العمل، اطمئن إن كان موجودا ام لا. كما كنت عندما أقدم المعلومات للطائرة، أعود سريعا لمراجعة هذه المعلومات في ذهني لأتأكد من صحتها، وفي بعض الأحيان كنت أعاود الاتصال بالطائرة لأتأكد من اني اعطيتهم المعلومات صحيحة. لكن كل هذا كان في الأيام الأولى فقط من عملي، بعد ذلك اعتدت على طبيعة العمل، وأصبحت الأمور أكثر سهولة، حتى اني أشعر في بعض الأحيان بأن عقلي بات مثل الكومبيوتر الذي تمت برمجته على هذا العمل. ولكن في النهاية لا بد ان تكون هناك نسبة من القلق لدى المراقب الجوي حتى ينجح في عمله، فالثقة الزائدة بالنفس تولّد الأخطاء، وتجعل صاحبها يستهين بالأخطاء التي يمكن ان يرتكبها، على عكس الثقة المتوازنة بالنفس التي تجعل الأنسان واثقا بنفسه دون مبالغة، بينما القليل من القلق يجعله حريصا على مراجعة نفسه، والإسراع بمعالجة الخطأ مهما كان صغيرا.
مساواة
- ماذا عن زملائك في العمل؟ كيف يتعاملون معك الآن؟
منذ بداية التحاقي بالعمل دعوت الجميع للتعامل معي مثل بقية الزملاء من الرجال، فانا أقوم بالعمل نفسه واتحمل الواجبات نفسها، ولي الحقوق نفسها، وأرفض أن تكون هناك معاملة خاصة لي لكوني الفتاة الوحيدة بينهم.
- هذا النجاح لا بد ان للأسرة دوراً فيه، فماذا عن هذا الدور؟
بكل تأكيد كان للأسرة ولوالدي دور كبير في نجاحي، فمنذ طفولتي اعتاد معاملتي مثل اخوتي الأولاد، ورغم قربي منه عودني على اني يجب ان أتعب حتى أحصل على ما أريد، وان أرفض الأشياء الجاهزة، كما زرع في نفسي الإحساس بالمسؤولية والثقة بالنفس بالإضافة إلى قوة الشخصية.
- لكن هل أثر عملك في مجال الملاحة الجوية على حياتك الخاصة، وكيف؟
بالفعل أثر كثيرا، ففي السابق كنت دائما ما أشارك في الأعمال والمشاريع التطوعية والاجتماعية التي تقام في الإمارات، ولكن بعد التحاقي بالعمل، لم يعد من الممكن المشاركة في هذه النشاطات، لان العمل في المركز مقسم إلى ورديات. حتى حياتي الاجتماعية نفسها تقلصت كثيرا، لأني أعود من العمل متعبة ولا أتمكن من الخروج أو مقابلة صديقاتي كما في السابق، وفي المقابل بت أشعر بالتآلف مع جو العمل، وافتقده في العطلة وكثيرا ما اتصل بالزملاء هناك لأطمئن عليهم.
- ما هي خططك للمستقبل، وهل يمكن ان تتركي عملك اذا ما تعارض مع الزواج والالتزام برعاية أسرة؟
أعتقد ان مستقبلي المهني هو أهم ما يشغلني في هذه الفترة، وأفكر حاليا في استكمال دراستي. أما بالنسبة إلى الارتباط، فأعتقد ان طبيعة عملي من الصعب ان يتقبلها كثير من الرجال، إلا إذا كان شخص يعمل في المجال نفسه او في مجال مشابه، ولكني لا أفكر في ترك عملي من أجل الزواج، خاصة انه لا يتعارض مع عاداتنا وتقاليدنا، ويحظى بتقدير الجميع واحترامهم.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024