مطالبات اجتماعية بالسماح للمرأة بقيادة السيارة
لم يقف الحراك الاجتماعي السعودي حول موضوع قيادة المرأة للسيارة عند منال الشريف التي أوقفت خلال الفترة الماضية بسبب قيادتها سيارتها في شوارع المنطقة الشرقية، بل أصبح المشروع متداولاً على كل الأصعدة وسيسلك طريقه إلى مجلس الشورى السعودي إذا قُدم إليه بالطريقة الصحيحة.
ومن المعروف أن هناك عريضة وقّعها 500 شخص رُفعت إلى مجلس الشورى لدرسها.
وقد أعلن عدد من المواقع الالكترونية عن قيادة فتيات سعوديات السيارة في مختلف المدن في نقاش نسائي اجتماعي يطالب بتغيير القوانين.
«لها» رصدت ما حصل خلال الأسابيع الماضية في الساحة السعودية...
لا تزال قضية قيادة المرأة للسيارة في السعودية تثير جدلاً اجتماعياً ملحوظاً، ولم تقف المسألة عند حدود منال الشريف بل تعدتها إلى عدد من مدن المملكة منها القطيف، فيما شهدت العاصمة السعودية توقيف ست فتيات سعوديات كن يتمرن على قيادة السيارة في أحد أحيائها، وقد أعلنّ أن المجتمع أيدهن في قيادتهن للسيارة، وأنه أصبح على استعداد لتقبل المرأة في الشوارع وراء المقود، وذلك رغم توقيفهن وكتابتهن تعهداً بعدم القيادة في شوارع السعودية مرة أخرى.
واستنكرت الجدل الاجتماعي الحاصل حول قضية قيادة المرأة للسيارة، وسألت: «لماذا نحتاج إلى الأب أو الأخ أو الزوج أو السائق لقضاء حاجاتنا وتتعطل أمورنا أثناء غيابهم؟ فلماذا لا تقوم المرأة بنفسها بتخليص احتياجاتها ومشاويرها الخاصة والضرورية؟ ليس هناك مانع ديني أو قانوني لأن تقود المرأة سيارتها بنفسها».
ورأت أن موضوع قيادة السيارة «أمر اختياري فمن تحب أن تمارس هذا الأمر فمن حقها، ومن لا ترغب في ممارسة هذا الحق لها أيضاًٍ الخيار، لكن لا يمكننا أن نعمم خياراً واحداً على المجتمع».
الكاتب عبد الله العلمي: قدمنا عريضة تشرح إيجابيات قيادة المرأة خصوصا الاقتصادية منها
في حديث مع الكاتب السعودي عبد الله العلمي أوضح ماهية العريضة التي قدمت إلى مجلس الشورى السعودي والايجابيات الاقتصادية بالدرجة الأولى التي تعود على البلاد. وقال:«هي عريضة تحث مجلس الشورى على مناقشة قيادة المرأة للسيارة، وتشمل دراسة تشرح إيجابيات قيادة المرأة، والسلبيات الناتجة عن وجود مئات آلاف السائقين في المملكة. الدراسة تناقش أيضاً الجانب الديني وبما انه لا يوجد نص شرعي يحرم قيادة المرأة للسيارة، والأصل في الإسلام الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم، فإن مطلب قيادة المرأة للسيارة أصبح اليوم ملحاً لأسباب اقتصادية واجتماعية وأمنية».
أضاف: «العريضة موقعة من مجموعة كبيرة من الأكاديميين والكتاب والمثقفين والإعلاميين ورجال وسيدات الأعمال وربات البيوت والطلاب والموظفين والأطباء وأحد السفراء السابقين ووكيل سابق للأمين العام للأمم المتحدة والنائب الأعلى السابق لرئيس شركة كبرى في المنطقة الشرقية وعضو فاعل في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. والدراسة موجودة لدى مجلس الشورى، وقد شرحنا فيها العبء الاقتصادي على الأسرة في الوضع الحالي، وكذلك العبء الاقتصادي على الدولة وهدر أموالها متمثلاً في تحويلات السائقين المالية إلى خارج الاقتصاد السعودي، والاعتداءات الجنسية على الأطفال والتحرش بهم وعمليات الابتزاز النفسي والمالي والجنسي التي يقوم بها بعض السائقين للعائلات».
وأكد العلمي أن «الشعب السعودي لا يقل ذكاء ومقدرة واستيعاباً عن غيره من شعوب العالم وخاصة الشعوب الخليجية والعربية والإسلامية الأخرى التي تقود فيها المرأة السيارة دون أي مشاكل أو عقبات تذكر. على العموم الإسلام ضمن للمرأة حقوقها الشرعية والمدنية، وقيادة السيارة حق للمرأة كما هي حق للرجل، وقد وقعت المملكة اتفاقيات دولية تقضي بعدم التمييز ضد المرأة، ومنها حق التنقل واستخدام وسائله. كما أن المادة الثامنة في النظام الأساسي للحكم تنص على أن الحكم في المملكة العربية السعودية يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية».
وأقر في المقابل بوجود بعض الصعوبات ومن أهمها: «من أهم المشاكل عدم الاستعداد اللوجستي لحل المشاكل والصعوبات المحتملة والتي كان يجب البدء بِحلِّها منذ وقت طويل. عموماً، الدراسة التي قدمناها الى المجلس تطرح حلولاً لهذه المشاكل كأن يتم الإذن بقيادة المرأة للسيارة ضمن خطة منظمة في وقت معين من اليوم، ويحدد له مدينة، أو محافظة مع ضرورة إصدار عدد من القوانين الرادعة والحامية للنساء من أي تعدٍ أو تحرش. وتُسجل المخالفات ويحال أصحابها فوراً على التوقيف والسجن ويغرمون غرامات مرتفعة رادعة بحيث لا يتجرأ إنسان على مضايقة النساء أو إيذائهن. وهذا يشبه ما قامت به دولة الإمارات العربية.
ويجب أن يتزامن مع ذلك إصدار قرارات بتخصيص مدارس لتعليم القيادة تُعتمد شهادتها لإصدار الرخص، وأيضاً استحداث أقسام نسائية في مراكز المرور تتعامل مع الرخص النسائية والمخالِفات وسوى ذلك. وكذلك تفرض على السيارات التي تقودها النساء أن تكون مؤمنة من الأعطال وموقعة عقوداً مع شركات خدمة الطرق التي تصل الى السيدات في أي مكان تتعطل فيه سياراتهن. فضلا ًعن ضرورة توعية المجتمع بأن القرار قرارٌ حكومي رسمي يسمح ويحمي من ترغب من المواطنات والأسر ولكنه ليس إلزامياً. ويجب إطلاق حملة توعية للشباب والمجتمع للتشجيع على قبول قيادة المرأة للسيارة واحترامها مع الإعلان عن العقوبات التي ستطال المتحرشين، حتى يتأقلم الجميع ويصبح الأمر عادياً».
عضو مجلس الشورى الدكتور مشعل العلي: التقديم بالطرق الصحيحة يوصل المشروع إلى مجلس الشورى
أكد رئيس لجنة حقوق الإنسان والعرائض وعضو مجلس الشورى الدكتور مشعل العلي أنه لم يتم تقديم أي دراسة أو مشروع الى مجلس الشورى من جانب أحد، في إشارة منه إلى مطالبة الدكتور عبد الله علمي التي توجه بها إلى المجلس ولكن بطريقة غير صحيحة. وقال: «لم يقدم المشروع لأن الناحية الإجرائية كانت خطأ في الأصل وكنت قد صرحت بذلك مسبقا. وإذا قدم المشروع بالطريقة الصحيحة والرسمية والمعهودة يمكن النظر فيه، لأنه لا يوجد ما يؤخذ بفرض الرأي، بل الرأي يؤخذ بدراسة من المجلس واقتناع من أعضائه. والمجلس ليس لشخص بعينه، فمن الممكن أن أكون مقتنعا على سبيل المثال بما تطالب به المرأة للقيادة، ولكن عند نظر المجلس في المسألة يكون هناك آراء مختلفة في النواحي الاجتماعية والنفسية والسلوكية، وكل هذه القضايا يجب أن ينظر فيها المجلس».
وأوضح أن هناك ثلاث طرق لتقديم المشروع إلى المجلس وهي: «إما أن يكون التقديم من خلال الرئيس، أو من خلال أمانة المجلس، أو من أحد أعضاء المجلس يتبنّاه بنفسه».
وعن تبني العضو السابق في مجلس الشورى محمد آل زلفى لمشروع قيادة المرأة للسيارة قال:
«ممكن أن يعرض أي عضو من الأعضاء الموضوع في المجلس، ولكن بشرط ألا يكون هناك نص شرعي بتحريمها، فإن كان هناك نص يعتمد عليه المجلس فأعتقد أن الموضوع سيتغير، علما أن اقتناع الشخص بأمر معين قد يتغير عندما تظهر له بعض الجوانب المزحزحة لهذا الاقتناع. ويظل الأمر بيد هذه القيادة الحكيمة ما فيه مصلحة للوطن والمواطن، وأنا على ثقة تامة أن ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، والنائب الثاني لن يتأخروا في تنفيذ ما فيه المصلحة».
الصحافة والجدل...
في مقال بعنوان «فتنة القول بسواقة النساء» أجرت الكاتبة في صحيفة «الحياة» الدكتورة بدرية البشر مقارنة بين الموقف من تعليم البنات في ما مضى والموقف من قيادة السيارة، مستندة الى كتاب «فتنة القول بتعليم البنات». وكتبت: «الأهم من كل هذا أن الأقوال التي ألفت حول معارضة تعليم البنات وقتها، هي نفسها التي تقرأها اليوم عن «سواقة المرأة»، وأنت تقرأ الكتاب ما عليك سوى أن تضع بدلاً من «تعليم البنات سواقة المرأة» لتجد كم تتشابه الأقوال والمبررات. وها هي الأعوام تلو الأعوام، وأصبحت النساء معلمات وطبيبات ووكيلات وزارة ومستشارات. وتأكد المجتمع أن المخاوف القديمة لم تسفر عن كونها وساوس قهرية تعود لذهنية التشدد والتطرف في التفكير، وهي ظاهرة مرضية لا يصلح معها الحوار بل العلاج النفسي».
وقالت: «من الطبيعي أن يخرج مثل هذا القلق والخوف في عام 1960 حيث كان الناس في ذلك الوقت أميين ومعزولين عن العالم. من الطبيعي أن يحدث هذه التضخم في تمجيد الذات الفاضلة، والتشكيك في فضيلة الآخرين. لكن ما ليس مبرراً أن يعود السيناريو نفسه في قضية قيادة المرأة السيارة، وأن نبقى ندور في الحلقة ذاتها بعد 80 عاماً من قيام الدولة، وافتتاح الجامعات وإرسال البعثات وبعد أن أصبح المواطن والمواطنة على تماس كامل مع عالم تقدم أمامه في حيازة العلم والتقنية والتحضر».
وتساءلت في النهاية: «هل هي أزمة ثقة مع النفس أم مع العالم؟! ماذا تمخض عن تعليمنا وتثقيفنا إن كانت المنهجية في التفكير، والقلق من الجديد ومحاصرة النساء بالشك، وجعل حقوقهن محل نزاع وخلاف هي ذاتها؟ ولماذا تتأخر الجملة الحاسمة «لا يُمنع من أتى ولا يُدعى إليها من أباها».
وفي مقال آخر بعنوان «لقد هرمنا» تحدثت الكاتبة عن قضية منال الشريف واعتقالها قائلة إن «الشرطي الذي قبـض على السيدة مـنال الشريـف وهـي تقود سـيارتها في الخبر، لم يـستطع أن يقـول إنها خالفت النظام، لأن النـظام المـروري نـسي أن يضـع فـقـرة تـمـنع الـمرأة من قيادة السيارة، فخالفها بحجة أنها خالفت العرف، واكتشفنا ذلك اليوم أن مهمات شرطي المرور تعدت إلى حماية العرف.
منال التي قبض عليها المرور وأخذ عليها تعهداً ثم أطلقها، اعتقلت لاحقاً في منتصف الليل من جهة أمنية أخرى بعد ساعات من خروجها، لأنها روجت فكرة قيادة السيارة تحت حملة «سأقود سيارتي بنفسي»، وعلى رغم أن منال لم تدع لتظاهرة كما يزعم البعض، ولم تخرج في أي تجمع أو تظاهرة، وكل ما قالته إنها تحتاج أن تقود سيارتها بنفسها وحضت النساء على أن يعتمدن على أنفسهن في قضاء شؤونهن ويقدن سياراتهن المكتوبة بأسمائهن لو توافرت لديهن رخصة دولية. أين هي الفكرة التي تتعدى على النظام طالما أن النظام لم يمنع، والدين لا يمنع، والفكرة التي دعت إليها لم تتجاوز حدود الشرع والنظام؟».
ورجعت الكاتبة إلى تاريخ ملف قيادة المرأة للسيارة عام 1990 حين فتح لأول مرة قائلة: «ملف «سواقة المرأة» فتح لأول مرة عام ١٩٩٠ حين خرجت سيدات يقدن السيارات في مطالبة بهذا الحق لكنهن ردعن وعوقبن بشدة. ثم عرض على مجلس الشورى عام ٢٠٠٥ ورفض مناقشته، ثم قدمت النساء اقتراحاً وشكوى لمجلس الشورى في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٠ ورفض استلامها. ٢١ عاماً مضت، ولم يحرز أي تقدم في شأن هذه القضية. أصبحت «سواقة المرأة» أشبه بـ «قنبلة موقوتة» يخشى أي مسؤول معالجتها لكي لا تنفجر، ما يجعله يتفادى معارضتها أو الموافقة عليها، لهذا بقيت القضية في الوسط «المعطل». بعض المشايخ ممن يثق المجتمع برأيهم يقفون مع حق قيادة المرأة السيارة، والحكومة لم تقدم بدائل بإيجاد مواصلات عامة وآمنة ومريحة تسهل أن يقف في صف «سواقة المرأة» الكثيرون، فيما لم يجد المعارضون للموضوع سوى الدوران حول مسألة التوقيت وإشعال الرأي العام ضدها».
وأكدت الكاتبة في نهاية مقالها أن قيادة المرأة للسيارة غير ممنوعة نظامياً أو محرمة شرعاً: «لا يجرؤ أحد اليوم أن يقول إن قيادة المرأة السيارة ممنوعة نظامياً أو إنها حرام شرعاً، لأنهم يعرفون أن الزمن قد تجاوز مثل تلك الأطروحات، فماذا تكون إذاً؟ إنها مسألة وقت، وعلى النساء الصبر. لكن النساء مللن هذا الانتظار الذي لا يحمل أي تاريخ للبدء أو تلويحة بالعمل والأمل.
وفي مقال بعنوان «مرة أخرى... المرأة والسيارة والقيادة» اتجه مشاري الذايدي إلى النقطة ذاتها في المقارنة بين قضية تعليم البنات وعزم الملك سعود وبعده الملك فيصل على المضي في القرار رغم المعارضات، فكتب: «إن المجتمع السعودي مجتمع شاب في معظمه، ويكاد يكون غالبه موجوداً في المدن الثلاث الكبرى (الرياض وجدة والدمام)، وهو من أكبر الشعوب العربية استخداما للإنترنت ووسائط الاتصال الحديثة كلها، ويدرس نحو أكثر من ألف طالب وطالبة من السعوديين في الخارج، تحظى أميركا بنصيب الأسد منهم. مجتمع متنوع في بلد واسع المساحة، متنوع التضاريس، متعدد الثقافات المجتمعية كأي مجتمع كبير وغني وثري.
المرأة دوماً هي التي تتجه إليها الأنظار في لحظات التحولات الاجتماعية الكبرى، وفي السعودية تحديدا حدث ذلك بشكل واضح أثناء عزم الدولة، في عهد الملك سعود، فتح المدارس النظامية لتعليم البنات، وإصرار الملك فيصل على المضي في هذا الطريق، على الرغم من «الحملات» المحتجة من قبل كثير من المتحمسين الدينيين و«الدعاة» - كما يسمون الآن - بل وتسيير الوفود المتتالية من أجل ثني الحاكم عن المضي قدما في هذا القرار، وفتحت أولى المدارس النظامية بحماية القوات العسكرية في بعض الأماكن».
وأكد أن كل الحجج والأساليب التي اتبعت لتعطيل قرار التعليم لم تثنِ الدولة عن خطتها: «خطب وتحريض، وتعبئة اجتماعية في دولة حديثة الولادة، لكن كل ذلك لم يفلح في إيقاف منح الفتاة السعودية حقها في التعليم الحديث، دون إلزام للجميع، فمن أراد أن يعلم ابنته فليعلمها، ومن لا يرد فلا يجبر، وهكذا كان. ووصلنا إلى المرحلة التي افتتح فيها خادم الحرمين، الملك عبد الله، قبل أيام، جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات، وهي صرح جامعي ضخم جدا للبنات، قادر على تدريس وتخريج ستين ألف طالبة! ووصلنا إلى مرحلة مشرّفة للفتاة السعودية الجديدة، بحيث صرنا نفخر بها، مثل الدكتورة العالمة حياة سندي، والباحثة المرموقة الدكتورة غادة المطيري، والسياسية المعروفة ثريا عبيد، والدكتورة المميزة خولة الكريع... وغيرهن وغيرهن، في داخل البلاد وخارجها».
ويتساءل الذايدي: «أين كنا حين فتحت مدارس البنات، وأين وصلنا الآن؟ لو أننا أصغينا إلى مطالب المحرِّمين والخائفين حينها كيف سيكون مصيرنا؟ وهل ستخرج لنا عالمات أمثال الكريع وغادة وحياة مثلا؟».
ويختم مقاله بأن مسألة القيادة تحولت إلى موضوع تراشق بين تيارين ابتذل النقاش فيها، «مسألة قيادة المرأة للسيارة هي تماماً مثل هذه المسائل السالفة، مجرد تردد معتاد ومعروف أمام كل جديد، عادة معروفة في المجتمعات المحافظة، السعودية وغيرها. قيادة المرأة للسيارة مسألة تحولت مع الوقت إلى موضع «تراشق» بين تيار يرى أنها معركة: أكون أو لا أكون، وآخرين يرون أن في المنع غمطا لحق المرأة السعودية «الطبيعي» أسوة بكل نساء المسلمين، بالذات في دول الخليج، أي أن المسألة برمتها «تسيّست» وأشبعت تسييسا، كما ذكر رئيس التحرير (الشرق الأوسط) الزميل طارق الحميد في مقاله الأخير.
هذه - حقا - مسألة ابتذل النقاش فيها أكثر مما يجب، وأصبحت مدخلا للنيل من الموقع الإنساني للبلد برمته، في الإعلام العالمي. وفي ظني قد حان الوقت لحسم هذه المسألة وطي هذه الصفحة التي أضرت بجميع الأطراف، مجرد عادات، وتأخر في القرار الإداري، طال عليها الأمد فتحولت إلى شيء لا يمكن المس به، وهذه مشكلة العادات إذا هاب الجميع تغييرها».
واختتم الذايدي مقاله بأن «المرأة السعودية هي جزء من النسيج العام والثقافة الحاكمة، وقيادتها للسيارة لن تغير من ثقافتها أو أخلاقها، ومن لديه تحفظات فيمكن أن تُناقش ويوضع لها الحلول المنطقية، لكن المنع للمنع، ليس حلا، هو مسكن مؤقت فقط».
وكان للكاتب عبدالرحمن الراشد مقال بعنوان «تقود أو لا تقود؟ هذا هو السؤال» تحدث فيه عن فكرة الاستنجاد بالدولة لحسم قرار قيادة المرأة للسيارة ورفع الحظر عنه قائلا: «الاستنجاد المتكرر بالسلطات الرسمية في المملكة العربية السعودية لإنهاء الحظر على المرأة لقيادة السيارة، أسلوب ثبت فشله. ولن تجلس المرأة خلف المقود قريبا رغم انتشار شائعات هاتفية ورسائل إلكترونية تبشر بذلك بين دعاة فتح باب السيارة للنساء في بلد الرجال. فشلت كل الحملات لتصحيح الوضع، والسبب في نظري يعود إلى خطأ اختصار المسألة في تغيير موقف الحكومة. في رأيي، لا يمكن إقناع أي حكومة، مهما كان نفوذها، من دون أن يوجد هناك قبول شعبي واسع جداً للفكرة.
فالرافضون بنوا نشاطهم ليس فقط من خلال التمترس الرسمي بل أيضاً عبر التبليغ الديني والاجتماعي. وقد يكون صعبا على الآخرين، أعني خارج السعودية، أن يستوعبوا أنه يوجد رفض واسع بين الرجال والنساء لقيادة المرأة للسيارة، كونها أمراً طبيعياً، فالمرأة تقود الحمار والحصان والجمل. الشائع في الخارج أنه منع حكومي ضد رغبة الجميع. وهذا حتى الآن ليس صحيحاً، رغم عدم وجود استطلاعات توضح أين يقف الرأي العام المحلي».
وأشار الراشد إلى أن إقناع الحكومة بإنهاء الحظر هو مراهنة غير ذكية مؤكداً: «انصب التركيز مؤخراً على إقناع الحكومة بإنهاء الحظر، ومسايرة دول العالم، وهذه مراهنة غير ذكية، حيث إن ديدن الحكومات في العالم كله تفادي المغامرات، والامتناع عن السير في الطريق المعاكس. وحتى الذين يستندون إلى قصة كيف أن امرأة سوداء في ولاية ألاباما الأميركية غيرت التاريخ والقانون عندما رفضت التخلي عن مقعدها لصالح أحد الركاب البيض، حيث كان نظام المدينة تلك يفرض التمييز العنصري بالتفريق بين الركاب بناء على أعراقهم، فإنهم لا يتنبهون إلى أن التغيير لم يحدث بسبب حادثة واحدة، فالمرأة قبض عليها لكن المقاعد ظلت مفصولة إلى فترة ليست بالقصيرة. الجانب المهم كان حشد الرأي العام ضده».
وفصّل الراشد كيف يختلف الوضع في السعودية ويتعقد أكثر من قضية التمييز بين السود والبيض في أميركا قائلا: «في السعودية المشكلة معقدة أكثر من السود والبيض في أميركا. والخطأ ربما يكمن في أن التأخر في إصدار القرار بشمول حق المرأة قبل أربعين عاما، عندما لم يكن المنع قضية ولا مطلباً، جعله عرفاً ثم قراراً. رغم هذا، اليوم بالفعل يوجد عدد ليس بالقليل من رجال الدين الذين يؤيدون هذا الحق للمرأة، وهناك شريحة من العامة تتزايد كل يوم تؤيد الفكرة. لكن بقيت نسبة كبيرة، قلقة وخائفة ومتشككة رافضة للتغيير. وتحول موضوع منع قيادة المرأة للسيارة إلى رمز لها، وجلست الحكومة في منتصف الطريق لا تريد أن تفرضه من فوق».
وأكد أن الحكومة يمكنها أن تفرض القرار وترفع الحظر لو وجدت تأييدا شعبياً كافياً، ولكن السؤال كيف نعرف إن كان هناك تأييد حقيقي «ويمكن فرضه من فوق بألم أقل لو كان هناك تأييد شعبي كاف. فهل هناك تأييد شعبي كبير للمرأة أن تقود السيارة؟ فعلاً لا ندري. الانطباع العام يقول لا، وربما نكون على خطأ. وعندما نقول «تأييد شعبي» لا نعني به المفهوم الديمقراطي، أي الأغلبية البسيطة، النصف زائد واحد، بل المطلوب غالبية ساحقة. لماذا الحصول على أغلبية ساحقة مهم؟ بل متى كانت القرارات تتخذ بناء على قياس الرأي العام؟ الأغلبية الساحقة مفيدة حتى يصبح الأمر حقيقة بقليل من الدفع الرسمي له.
أما الأغلبية البسيطة فتعني الانقسام المكروه سياسياً واجتماعياً. وجس النبض العام هو الطريق الأهون نحو القرار. فكثير من الممنوعات الاجتماعية والرسمية صارت أمرا واقعا بفضل شعبيتها، وأبرزها امتلاك صحون الاستقبال الفضائي الذي رغم حظره صار مفروضاً بالأمر الواقع، وبقيت الصحون على أسطح المنازل، والأمر تكرر مع الهواتف الجوالة المزودة بالكاميرات رغم منعها على أبواب المطارات، ففرضتها الرغبة الشعبية».
واختتم الراشد مقاله بتأكيده ضرورة إقناع الرأي العام وتغييره بدلاً من دفع الحكومة إلى اتخاذ القرار قائلا: «أنا واثق من أن إقناع الرأي العام في المملكة أهون من دفع الحكومة باتجاه قرار يسمح للمرأة بقيادة السيارة. نفسها المسوغات ضد المنع هي التي يفترض أن تبرر السماح، الحظر زاد من الفظائع والفضائح والخسائر».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024