مادلين كلاب أصغر صيادة سمك في قطاع غزة...
هي تجربة نسائية نادرة ولدت في غزة حيث المجتمع المحافظ الذي يقتصر فيه دور المرأة على الالتزام ببيتها وتربية أبنائها، لتعلن مادلين كلاب ابنة السبعة عشر عاماً عن تجربة رائدة تستحق الاحترام والتأمل. والد مادلين مقعد وعائلتها تحتاج الى من يعيلها بسبب حصار الاحتلال الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وقد تعلمت مادلين مواجهة المياه الخطرة لتحصل على صيد بسيط ومواجهة أخطار كثيرة. ثلاثة أحلام صغيرة حملتها كل من مادلين وريم وكايد كلاب لأطفال كبروا قبل أوانهم، والأحلام هي تصميم الأزياء، والصحافة، والطب، وبقدر ما زادتهم الدنيا وجعا زادتهم نضجا ووعيا، ولم تئد أحلامهم مصاعب الحياة، ورغم عملهم اليومي في البحر فإن أحلامهم تبقى حاضرة في مخيلتهم.
في بداية حوارنا مع اصغر فتاة غزاوية تعمل في مجال الصيد صباح كل يوم على شاطئ غزة، سألناها أين هي طفولتها من هذا المهنة، فأجابت: «أنا ابنة البحر كما يصفني زملائي من الصيادين. لم أختر العمل في البحر بل هو الذي اختارني لكي أعمل فيه. أنا طفلة عشقت عالم البحر عندما فرض عليها، وأتقنت فن التعايش معه عندما وجدت نفسي أمام البحر ولا مناص. وظروفي الصعبة ولّدت في داخلي تحدياً خاصاً، وأوجدت لي بين خيوط الشباك جسراً أعبر به إلى بر الأمان بعائلتي من الوقوع في فك الفقر والعوز».
وتضيف مادلين: «بعد مرض والدي، كان يجب أن اتخذ قرارا بان أكمل عملي في البحر وحدي أو أن أتوقف، ولكنني قررت المضي في عملي. ووقف بجانبي الكثير من أصدقاء والدي القدامى، إلا إنني قررت منذ اللحظة الأولى أن اعتمد على نفسي، في غزل الشبك والانطلاق في رحلة الصيد، وحتى الرجوع إلى الشاطئ بالرزق المقسوم لنا... رغم أن والدي هو من علمني كيف اصطاد السمك، إلا انه يشعر بالألم والمرارة لأنني أحمل عبء إعالة عائلتنا من خلال الصيد، ولكنني أقول له دائماً اني أحب عملي هذا رغم صعوبته، وأنني اعتدت على ذلك، وبدلا من اللعب وإضاعة الوقت، الأفضل أن أقوم بعمل يساعد الأسرة، وأنا بذلك احمي أسرتي من العوز والفقر. والعمل بالنسبة إلي ليس عيبا مع أن كل زملائي في مهنة الصيد هم من الرجال».
تعلم الصيد
عن كيفية تعلمها للصيد في البحر شرحت لنا قائلة: «تعلمت الصيد من صغري، بالمعنى الدقيق عمري من عمر السمك في هذا البحر. وتدرجت في مراحل الصيد إلى أن استطعت الإبحار وحدي وتنظيم عملية الصيد، وأصبحت اعرف الأماكن التي يجب أن اصطاد فيها، وقد نقلت خبرتي هذه إلى أخي كايد وأختي ريم، وبدأت استعين بهما في رحلتي اليومية».
وتابعت: «أبدأ برنامجي اليومي في الساعة الخامسة فجراً حين احضر إلى الشاطئ من بيتي الكائن في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين القريب من البحر، وأبدأ بغزل الشبك الذي يستخدم في الصيد، واستعد للإبحار بعد أن أتأكد من سلامة المعدات وجهوزية مركبي الصغير الذي اسميته «حسكتها»، وأتوكل على الله، لأخرج بما قسمه الله لنا.
وهناك على الشاطئ يتولى أخي وأختي تخليص الشباك من السمك، بينما اكتفي بالمتابعة واخذ قسط من الراحة». وأضافت: «أن الصيد رزق، وما أعود به يوميا يكاد لا يكفي مصروفا للبيت إلا أنني سعيدة بهذا العمل الذي تجاوز كونه عملا فهو هوايتي. فأنا أشعر بالقوة وأنا أسبح في البحر، واشعر بالفخر وأنا أعيل أسرتي، رغم أن هذا العمل يسرق الكثير من وقتي وسني، لكني احمد الله أننا لم نحتج أحدا في حياتنا».
وعما إذا كانت تألف البحر وتحبه، قالت: «الألفة التي تجمعني بالبحر ما هي إلا حلقة في قصة الحب بيني وبينه، فقد يتمنى البعض الذهاب إلى البحر مرة في العام ليتنفس هواء عليلا أو ليمضي بعض الوقت بصحبه الأمواج، فكيف لا أكون سعيدة وأنا آتي إلى هنا يومياً وأمضي ساعات طويلة قبل أن أتوجه إلى معهد اتحاد الكنائس بمدينة غزة، للالتحاق بزملاء الدراسة هناك، حيث ادرس تصميم الأزياء». وتضيف: «أحظى باحترام جميع الصيادين الذين يتعاملون معي كابنه لهم ويحاولون بقدر ما يستطيعون أن يقدموا لي ما أحتاجه، ويحرص بعضهم على البقاء بقربي في عمق البحر خوفا من تحرشات البحرية الإسرائيلية التي تنغص على الصيادين وقتهم وتضيق عليهم أماكن رزقهم وتمنعهم من تجاوز المسافة المسموح لهم بها والتي لا تتجاوز 3 أميال بعدما كانت في السابق 21 ميلا».
وعما إذا كان العمل في البحر يحتاج إلى القوة، قالت مادلين: «انه عمل مرهق وفي بعض الأحيان يكون خطرا، وأنا وأخواي تنقصنا القوة لإعادة القارب إلى وضعه الطبيعي في حال انقلابه في الماء، وقد اعتمدنا على مساعدة الصيادين القريبين منا في بعض الأحيان. وعندما نعود إلى البيت تتفقد العائلة حصاد اليوم من السمك والسلطعون، لكن سرعان ما ندرك أن ما حصلنا عليه من الصيد لا يكفي لأن يباع في السوق، فكله لن يباع بأكثر من خمسة عشرة شيكل، ولذلك فإن ما حصدناه سيذهب إلى العائلة، ولكن رغم ذلك نحن سعداء لأننا اخترقنا الحصار وحصلنا على غذائنا».
وبالحديث عن أحلامها اختتمت لقاءنا معها بقولها: «أتمنى أن أستطيع في الوقت الحالي إعالة أسرتي والوقوف بجانب أبي المقعد، وان احمي عائلتي من الفقر. أما عن حلمي المستقبلي فهو العمل في مجال تصميم الأزياء، ولكنني لن انسى البحر وأيامي معه، بل سيبقى صديقي دائماً».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024