قولي لي كيف تضحكين
هل تضحكين بطريقة متحفظة أم عالية؟ هل ابتسامتك عفوية أم صفراوية؟ قولي لي كيف تضحكين لأخبرك الكثير عن شخصيتك. فالضحك يكشف خبايا كثيرة قد لا تخطر في بالك...
من منا لا يعرف شخصاً يضحك بطريقة عالية ومدوية لدرجة يمكن سماع ضحكته من المبنى الآخر! ومن منا لا يعرف امرأة تضحك بطريقة مغناجة وأنثوية لدرجة نتذكر ضحكتها ما إن يتم لفظ اسمها أمامنا! ومن منا لا يعرف شخصاً يملك ضحكة معبّرة لدرجة نتعرف إلى صاحبها حتى من دون رؤيته... يؤكد الاختصاصيون أن الضحك مفيد للصحة، وأن الأشخاص المتفائلين يضحكون كثيراً ويعرفون كيف يستفيدون من الحياة. قد نعرف هذه المعلومات، لكننا نجهل ربما أن الضحك يخبر ألف قصة وقصة عن شخصيتنا. من أين جاءت طريقتنا للتعبير عن فرحنا؟ لماذا نجد بعض أشكال الضحك "معدية" فعلاً بحيث تدفع كل من يسمعها إلى الضحك بدوره. إليك كل التفاصيل...
- ماذا يحصل في جسمنا؟
الضحك هو ارتكاسة فيزيولوجية مسجلة في الجسم البشري. ونعرف اليوم أن الضحك يؤدي دوراً مهماً في صحتنا: تزويد الخلايا بالأوكسيجين، تدليك الأعضاء الباطنية العميقة، تحسين جهاز المناعة...
وعند الضحك من القلب، يفرز الجسم الأندورفينات- أي هرمونات الراحة والرفاهة- وتنقبض العديد من العضلات (في الوجه والبطن والصدر...) فيما ترتخي عضلات أخرى (في الرأس الذي يرجع إلى الخلف عند الضحك، واليدين....). والأهم من كل ذلك أن القفص الصدري ينزل أكثر إلى الأسفل ويصعد أكثر إلى الأعلى مما يحصل خلال التنفس العادي: والهواء المقذوف خلال هذه التنفسات الكبيرة يؤدي إلى ذبذبة الأوتار الصوتية، ولذلك يصدر الضحك صوتاً عالياً. ويقول الاختصاصيون إنه كلما توسع القفص الصدري أكثر، تم استنشاق المزيد من الهواء، وباتت حركة النفخ أقوى عند الزفير. لذا، فإن ضحك الأشخاص البدينين ينطلق من نقطة سفلية أكثر من الأشخاص النحيلين، ويكون هذا الأمر أكثر خطورة في أغلب الأحيان.
- هل يفضح الضحك مدى الصراحة؟
نعم، يستطيع الضحك فضح صراحتنا. فإذا ضحك أحدهم مع الكثير من أصوات "إي" أو "إيه"، يجب توخي الحذر منه. وأظهرت الدراسات التحليلية أن الضحك العفوي يطلق فقط أصوات "آ" والقليل من "أوه"، من دون أية أصوات أخرى. أما الضحك السريع فيحافظ على الصوت نفسه من البداية وحتى النهاية. أما الذي يضحك "أوهوهوهوهاهاها" فهو منافق. حين يكون الضحك صريحاً، لا تتحرك فقط عظام الوجنتين، وإنما تنقبض أيضاً العضلة الصغيرة الموجودة في زاوية العين، علماً أن هذه العضلة لا تتحرك إلا في حال الضحك الصريح. قد تقولين إنه ليس سهلاً وبسيطاً الانتباه إلى أدق التعديلات في الصوت وعضلات الوجه لمعرفة إذا كان الشخص يضحك فعلاً من قلبه أو بدافع اللياقة فقط. هذا صحيح. إلا أن الطبيعة الأم زودتنا لحسن الحظ بمستقبِل (receptor) يتيح لنا التمييز بطريقة حدسية بين الضحكة الحقيقية والضحكة الإكراهية. فالضحك هو وسيلة تواصل غير كلامي، وهو عامل رابط اجتماعي، ولذلك نجد الضحك معدياً. وقد يكون الضحك أحد أفضل الرادارات لاختيار الحلفاء أو الهروب من الأعداء، كما يحصل حين نصادف شخصاً يضحك بطريقة تبعث فينا القشعريرة. في أغلب الأحيان، تكون هذه الضحكات غير ملائمة ومنسجمة، تخفي في طياتها مرضاً عقلياً مثل انفصام الشخصية. أما الضحكة الصفراوية فتبعث فينا القشعريرة هي أيضاً لأنها ضحكة مضادة تكشف عن الحاجة إلى إبراز الذات على حساب الآخرين. واللافت أن هذا الضحك الصفراوي لا يطلق الأندورفينات في الجسم...
- لماذا نضحك أحياناً في وضع مأساوي؟
إنها ردة فعل إنقاذية من الطراز الأول. إنها استجابة الجسم للضغط القوي الذي يقطع أنفاسنا. فأول تأثير جلي للخوف أو لخبر مأساوي هو انقطاع النفس. هكذا، يجد الجسم نفسه فجأة بحاجة إلى جرعة كبيرة من الهواء وإلى جرعة كبيرة من المسكنات ويمكن أن ينفجر في الضحك. ورغم أن الوضع قد لا يبدو مؤاتياً البتة، لكننا ننفجر في نوبات ضحك كبيرة في أصعب الأوقات. إنها ظاهرة تحصل بشكل متواتر نسبياً أثناء الجنازة... والواقع أن هذا الضحك يمنح الجسم جرعة كبيرة جداً من الأندورفينات. على الصعيد الفيزيولوجي، يحتوي الدماغ اللاواعي، أي دماغ العواطف، على كل الكوّات مع قشرة الدماغ، أي الدماغ الواعي. لذا، لا نستطيع السيطرة على أي شيء بطريقة طوعية.
- لماذا يتطور الضحك مع تقدم السنوات؟
لماذا تختفي ضحكات الصغار الملائكية مع تقدم الأيام والسنوات؟ يقول الاختصاصيون إن هذا يعزى على الأرجح إلى نضوج العضلات وإلى الأوتار الصوتية التي تتطور مع الكلام. هكذا، يصبح الضحك العفوي للأطفال متكلفاً، ومكبوتاً أحياناً، بفعل القواعد الاجتماعية التي نمليها عليهم. وكما هي حال أي ارتكاس طبيعي، ينتمي الضحك إلى فئة "الارتكاسات الواجب السيطرة عليها" لنظهر للآخرين أننا تلقينا تربية جيدة. فالضحك العالي مثلاً على نكات "قوية" يعتبر تصرفاً غير مهذب البتة. ويُطلب دوماً من الفتيات والنساء الضحك "بطريقة أنيقة"، لا بل الامتناع عن الضحك أمام الأشخاص الغرباء. أما المراهق بطبيعته فيتحدى كل الممنوعات الاجتماعية، ولذلك من المنطقي أن يضحك بصوت عالٍ لأتفه الأسباب. خصوصاً إذا كانت المراهقة فتاة...
- هل نستطيع تغيير ضحكتنا؟
يحاول بعض الأشخاص السيطرة على أنفسهم أثناء الضحك بحيث يبدلون ضحكتهم مع مرور الأيام وتتحول الضحكة الجديدة إلى ردة فعل لاإرادية. إلا أن الضحكات المريعة المبالغ فيها ليست طبيعية البتة. فبقدر حاجة الشخص إلى الإثبات أن ضحكته جميلة وعفوية، تتحول هذه الضحكة إلى واحدة مصطنعة وبشعة. من جهة أخرى، لا حاجة أبداً إلى تحويل القهقهة العفوية إلى ابتسامة مسالمة، لأن هذه الابتسامة لن تبدو عفوية ومتناسقة مع الموقف الإجمالي.
أما الخجل فيفضي إلى عكس النتيجة المرجوة في الضحك. بالفعل، نضحك بحرية أكبر أمام الأشخاص الغرباء الذين لن نصادفهم على الأرجح مرة جديدة. هكذا، نطلق العنان لأنفسنا في الضحك، فنشوه شكل الفم، وتتلألأ الدموع في العيون (وتسيل الماسكارا مع الكحل على الوجه!)... ومن منا يرغب في الكشف عن هذه الطلة أمام غرباء؟ لا أحد من دون شك.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024