المحامية خلود محمد الفقيه أول قاضية في المحاكم الشرعية في فلسطين
بعد عملها محامية في المحاكم لمدة تسع سنوات، وفي المراكز التي تعنى بقضايا العنف ضد المرأة، فكرت في أن خطوة جديدة لم تسبقها اليها أي امرأة. فقررت أن تخوض مع زميلتها المحامية أسمهان الدحيدي الامتحان الذي سيؤهلهما للعمل في المحاكم الشرعية كقاضيتين وقد نجحتا في الامتحان. وفي مكتبها داخل مقر المحكمة الشرعية في محافظة رام الله والبيرة التقت «لها» خلود محمد الفقيه (36 عاماً)، وهي متزوجة وأم لأربعة أطفال، وحاصلة على درجة الماجستير في القانون، وكان لنا معها هذا الحوار.
- هل كنت تخططين للوصول إلى هذا المنصب؟
هذه الفكرة تبلورت لدي قبل العمل في المراكز النسوية، وفي عام 2003 كان هناك امتحان للقضاء الشرعي، وأفصحت في حينها لقاضي القضاة سماحة الشيخ تيسير التميمي، عن رغبتي في التقدم للامتحان، فنظر إلي باستغراب، وطلب مني أن أقدم أوراقي ولكن كانت المدة القانونية لتقديم الأوراق قد انتهت، ولهذا لم يقبل الطلب. وبقيت الفكرة في رأسي، والحمد لله اني حققتها عام 2008، وحصلت على هذا المنصب.
- كيف كانت نظرة المحيطين بك الى عملك كقاضٍ في المحكمة الشرعية؟
في البداية كان لدي تخوف نابع من وجود سيدة في المنصب. ولكن على مستوى محافظة رام الله، كان هناك تقبل من الجميع. كان هناك بعض التخوف من الكبار في العمر ولكن الحمد لله الجميع تقبلوا وجودي، ولم أواجَه بالاستغراب. وبالنسبة الى زملائي فهم داعمون. وعلى المستوى الشخصي عائلتي كانت تدعمني قبل الزواج، وبعد الزواج دعمني زوجي الذي يعمل في مجال المحاماة، وهو يعرف هذه الأطر القانونية ولا يوجد عنده أي اعتراض.
- ما أصعب القضايا التي تعرض عليك؟
إذا قصدت الصعوبة على المستوى المهني فلا يوجد شيء. وإذا قصدت الصعوبة على المستوى الاجتماعي فإني أتألم دائما عندما يكون في القضية التي تطرح علي أطفال. ودائماً عندي مشاعر حزينة عندما يكون هناك أطفال سيذهبون ضحايا، سواء في قضايا الزواج الفاشل أو في أي قضية أخرى. وقد يأتي معظم الفشل بسبب سهام خارجية من الطرفين، ونحن دائماً نجلس مع الطرفين ونحل الأمر معهما، ولكن عندما يخرجان إلى أرض الواقع تبدأ التدخلات من جانب أهل الزوج أو الزوجة، وتؤدي غالبا إلى الطلاق، أو الوقوع في مشاكل مستمرة ومحاكم، وهناك أناس أصبحوا مشهورين بدخولهم المحاكم لكثرة المشاكل بينهم. وفي النهاية هناك غالبا ضحية وهو الطفل، وللأسف لا يأخذون بعين الاعتبار الطفل وما يحتاجه.
- ما أسباب الخلافات التي تؤدي بالناس الى المحاكم؟
أنا أرى أن المعيق الاقتصادي هو اكبر سبب من أسباب النزاعات والخلافات الزوجية، أو حتى على مستوى الأسرة. كما في نزاعات الميراث ولا ننسى الاحتلال الإسرائيلي ومصادرة الأراضي والجدار الفاصل، تؤدي إلى ضغوط نفسية تنعكس على الأسرة. وعندما لا تجد الزوجة لابنها الحليب، أو زوجها لا ينفق عليها، تحصل مشكلات وخلافات، وأَلفت الى أن معظم القضايا هي قضايا نفقة بالدرجة الأولى، لا طلاق، وان كانت النفقة تتحول في مرحلة من المراحل إلى سبب يؤدي إلى الطلاق. ولكن هي معظمها قضايا نفقات سواء للزوج أو للأولاد. وللعادات والتقاليد دور في عدم إكمال القضية من جانب المرأة، وفي موضوع النزاعات فان العادات والتقاليد تكون مسيطرة خارج المحكمة، وعندما تقرر المرأة أن تصل إلى المحكمة تكون قد مرت في عدة مراحل منها تدخل الأهل والجيران والمصلحين والعشائر، وحسبت ألف حساب للمجتمع والعادات والتقاليد. ولكن آخر دواء لديهاأن تلجأ إلى المحكمة، وهذا يحدث غالباً في حالة أن تكون المرأة غير متعلّمة، ولكن إذا كانت متعلّمة قد تختصر كل هذا الأمر وتلجأ إلى المحكمة فوراً.
- ما القضايا التي تتابعينها؟
أنا لا اختار القضية التي تقدم الى المحكمة. هناك ثلاثة قضاة، وكل قضية تذهب إلى قاضٍ، ويمكن أن يكون لزميلي الأول قضية طلاق ولزميلي الأخر قضية نفقة، ولي قضية حضانة، وهذا يحصل حسب التسجيل والرقم التسلسلي. وقد تأتينا قضايا نزاع وشقاق، ونفقة، ومهور، وحضانة، وغيرها.
- من هي الجهات التي تتعاون معكم؟
أنشئت دائرة الإصلاح والإرشاد الأسري في المحكمة. وبالدرجة الأولى يحضر أحد الطرفين لتقديم الدعوى، وقبل أن ينظر فيها القاضي تحوّل الى الإصلاح الأسري، وهناك تكون محاولات لحل الأمر بالطرق الودية، واذا تم التوصل إلى اتفاق، يوقّعه القاضي والجهات المختصة ويصبح ملزماً. وهكذا نخفف عن الناس ونقرب وجهات النظر. وإذا فشلت مساعي الإصلاح تأتينا تقارير بذلك. وأيضاً القاضي في جلساته يحاول تحقيق الصلح بما يرضي الله. ونحاول أن نرسي توازناً في هذه الأسرة، مثلا الضرب والشتم ممنوع، وعلى الزوج أن ينفق على الزوجة ويعاملها معاملة حسنة. وهذه الشروط نضعها ونحضر أحيانا كفيلاً. واذا لم نتمكن من تحقيق الاتفاق، نصدر قراراً ويكون التنفيذ في دائرة التنفيذ التابعة لمحكمة البداية. وهناك تتم الملاحقة من الشرطة. ومثلا في حالة تسليم طفل فان الشرطة تتدخل في ذلك. وإذا كان هناك تسليم نفقات فان الشرطة تنفذ ذلك، وعند عدم دفع النفقة تأخذ المرأة حكماً، وإذا لم يدفع لها زوجها فان الدولة تدفع لها، ثم تلاحق المحكوم عليه.
- ما أكثر القضايا التي تشغل فكرك دائماً؟
كل القضايا أفكر فيها، لكن لأن لدي أطفالاً ويجب أن أقوم بواجبي تجاههم، ولهذا أحاول الفصل ما بين عملي وبيتي.
- هل وجود امرأة في منصب قاضٍ يجعل المرأة تثق أكثر بأحكام المحكمة الشرعية؟
ربما يكون هذا صحيحاً على المستوى النفسي. القاضي سواء إذا كان رجلاً أو امرأة سيحكم حكم وفق أحكام القانون، وعندما أصدر حكمي أعلم أنه مهدد في أي لحظة بأن يطعن به من خلال الاستئناف. وإذا لم يوافق حكمي الأحكام القانونية اعلم أنه سيفسخ ويعود إلي مرة أخرى. ودائماً قاضي البداية يكون حريصاً جداً على أن يكون حكمه موافقاً لأحكام القانون. وعندما يكون الرجل هو القاضي فان المرأة تعتقد انه سيحكم للرجل، ولكن نحن أثبتنا أن الشريعة الإسلامية واسعة ولا يوجد فيها انتهاك لحقوق المرأة، ولا تمنع المرأة من تولّي هذا المنصب، وان كان هناك فقهاء منعوا وآخرون أجازوا، واختلاف الأئمة رحمة للأمة.
- هل تتحرج المرأة في بعض الأحيان من ذكر تفاصيل مشكلتها للمحكمة؟
وجود المرأة القاضية هو خطوة أساسية في تحقيق العدالة لأن المرأة تتحرج أحيانا من ذكر بعض التفاصيل. وأحيانا هناك قضايا تستوجب على السيدة أن تدخل في تفاصيل خاصة في قضايا النزاع والشقاق، وقد تكون المشاكل عبارة عن الضرب أو الإيذاء النفسي أو الجسدي أو الجنسي، وهي ترفض هذا الكلام، لأن التنشئة الاجتماعية تمنعها من ذكر هذه التفاصيل أمام القاضي الذكر، بينما إذا كان القاضي امرأة فإنها لا تتحرج من ذكر ذلك، وهذا يكون نقطة أساسية في تحقيق العدالة، ويسرع في الاجراءات القانونية، وممكن بناء عليه أن يبنى حكم، ولكن في النهاية سواء أكان القاضي رجلاً أو امرأة، فانه مكلف بتطبيق أحكام القانون، وليس العيب في القاضي، ولكن العيب في القانون الذي لا يُطوّر مع الزمن. والمشترع الذي وضع القانون في حينه كان ذكراً، ومن الطبيعي أن يحمي مصالحه الذكورية. ولدينا اليوم مشروع قانون أحوال شخصية أتمنى إقراره قريباً.
- خلال فترة تولّّيك لهذا المنصب، هل شعرت بأن نسبة القضايا في ازدياد؟
ألاحظ أن نفقات الأمهات والآباء لم تكون موجودة بكثرة، ولكن الآن أصبحت القضايا أكثر. في موضوع الطلاق كنا في فلسطين في العام 2009 أقل نسبة طلاق مقارنه بالبلدان الأخرى.
- هل أضاف منصبك شيئاً الى شخصيتك؟
عملت تسع سنوات في مجال المحاماة وهي ما يسمى القضاء الواقف، وحالياً اعمل في القضاء الجالس ولم يختلف عندي شيء كثير. في البدايات كان هناك تخوف، ولكن حالياً أنظر الى القاضي بعين الشفقة لأن المحامي حر أكثر، والقاضي يركز في أكثر من اتجاه على أساس أن يطبّق قدر الإمكان الأحكام كنوع من العدالة. ومن ناحية أخرى فان منصب القضاء قيدني من الناحية الاجتماعية، وحالياً لا أحصل على راحتي إلا في البيت. وما أضافه إلي هذا المنصب هو إلمام أكبر بالجانب القانوني والخبرة والتنوع في القضايا، لأن المحامي لا تأتيه فرصة التنوع مثل القاضي.
- هل تشجعين النساء على تولي منصب قاضٍ في المحكمة الشرعية؟
نعم. وسأساعد أي امرأة تدخل في هذا المجال، وسازودها بوثائق وكتب وخبرتي.
- كيف تبدئين نهارك؟
ابدأ في الساعة الرابعة والنصف صباحاً لأن لدي أطفالاً في المدرسة والروضة والحضانة، وما بين تدريسهم وإلباسهم ملابسهم وإطعامهم وإعداد طعام اليوم، وغيره... ومن ثم أذهب إلى عملي، وعند عودتي أعمل في البيت كأي امرأة.
- كلمة أخيرة؟
أشجع كل السيدات اللواتي يشعرن بأن لهن حقاً على أن يطالبن به وليس الممنوع في المجتمع محرّماً، بالعكس نحن نطبق أحكام الشريعة الواضحة والمنصفة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024