تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

رولا خدوري وحكاية مجموعة لوحات وحقائب 'ثرثرة نسوان'

في شمال غرب باكستان يقبع وادٍ جميل في القسم الهندي لسلسلة الجبال التي «تتدحرج» عليها بلدة شيترال. هنا النساء يجتمعن في أحد بيوت القرية ويبدأن بتطريز ثرثرتهن بأنامل رقيقة بعضها حفرته تجاعيد الزمن وأخرى ترسم مستقبلها فتتشابك خيوط ملوّنة على القماش لتروي قصصهن وقصص من حولهن، منها الأحلام والأدعية، ومنها قصص الطفولة الطريفة وأمنياتها. فتتحوّل ريح الشمال الباردة في ليالي الشتاء الباكستاني حين تُعزل البلدة عن العالم، إلى جلسات دافئة يذوب فيها البرد كما يذوب السكر في الشاي. هذه القصص والثرثرات اخترقت جدران بيوت شيترال وخرجت إلى العلن من خلال لوحات ثم مجموعة حقائب Gup shup، وهي عبارة باكستانية  تعني «ثرثرة نسوان» لتجوب العالم وتغيّر الصورة النمطية عن باكستان التي تعرفنا إليها في العقد الأوّل للقرن الحادي والعشرين عبر شاشات التلفزة بلادًا تقطّع أوصالها الحروب الدموية. خلال إطلاق مجموعة  حقائب «غوب شوب» لماركة بولي أند مي Pollyandme في بيروت. التقت «لها» رولا خدوري التي شاركت في  تحقيق مشروع «غوب شوب» فتحدّثت عن ولادة المشروع وأهدافه.

- أنت حائزة درجة ماجستير في الصحة العامة من جامعة هارفرد وعملت في مجال التنمية البشرية في مجال الصحة العامة. ما الذي دفعك للخوض في مشروع غوب شوب Gup shup؟
 
حين تخرجت في جامعة هارفرد بدأت عملي في الأبحاث في لندن، ثم شعرت بالملل من العمل في المختبرات. قررت السفر إلى باكستان وعملت مع جمعيةSave the Children  في برنامج الصحة والأمومة Maternal health program ،حيث كنت أقدّم مساعدات صحية وتقنيات حول الصحة العامة للأم والطفل. إذن بدأت العمل مع النساء. كنت أجلس معهن وأحاول أن أكتشف مشكلاتهم وكيف يمكن حلها، ولاحظت أن هموم المرأة في كل أنحاء العالم هي نفسها بغض النظر عن جنسيتها والمجتمع الذي تنتمي إليه. ومن ثم سافرت إلى أفغانستان عام 2002 حيث عملت سنة ونصف السنة في هذا المجال، وبقيت أعمل في المؤسسة نفسها بعدها انتقلت إلى كوسوفو ثم عدت إلى لندن للاهتمام بطفليّ. بعد ذلك عدت إلى باكستان لأعمل في مجال التنمية الاجتماعية، وشعرت بأن الأمور لم تتغير فقد كنت في هذا البلد قبل 10 سنوات ولم يتغير شيء.

وبداية المشروع كانت مجردّ مصادفة، إذ التقيت كاثي بريد في أحد الأماكن، ولم أكن أعرفها، وبدأنا الحديث. سألتني كاثي عن عملي واللافت أنها كانت تعمل في باكستان منذ عام 2002 وكانت مصممة أزياء متخرجة في جامعة Central st martin إحدى أهم جامعات الأزياء في لندن، وأتت إلى باكستان بغرض العمل في مجال الأزياء مع AkRSP وهي مؤسسة كبيرة للتنمية البشرية. ثم بدأت القيام بمشروعها الخاص في شيترال في شمال غرب باكستان التي تبعد 13 ساعة عن بيشاور بالسيارة و 30 دقيقة بالطيارة. تحدثنا في اللقاء الأول عن كيفية إيجاد عمل يساعد الأمهات والشابات على العمل وأبناؤهن حولهن. وأردنا أن نعكس صورًا إيجابية عن الوضع في باكستان وكسر الصورة النمطية. فهناك الكثير من الباكستانيات يشبهننا، لديهن الهموم نفسها، ويحرصن على الاهتمام بأبنائهن وتوفير كل سبل الراحة والصحة والعلم لهن. وهكذا بدأنا بمشروع «غوب شوب» وتعني ثرثرة نسوان. لأن هذا ما تفعله النسوة. نحن نجلس ونتحادث عن شؤوننا اليومية من أكل وشرب وطبخ وموضة وتسوق وهموم الأبناء.

- لماذا اخترتما شيترال دون غيرها من البلدات الباكستانية؟
عاشت كاثي في هذه البلدة وأسست فيها مشروعًا وشركة إدارة كانت أول شركة في شيترال، والمساهمات جميعهن نسوة. فكانت تصمم الأزياء وتطلب من نساء القرية تنفيذها، لتسوقها في سيدني وملبورن في أوستراليا من خلال مشاركتها في أسبوع الموضة في سيدني وملبورن. ذهبت إلى شيترال مع كاثي  التي عملت مع  النسوة هناك فكانت مفتاحًا للثقة.

- ولكن ألم تجدا صعوبة في إقناع نساء شيترال بالعمل خصوصًا أن المجتمع الباكستاني محافظ لا سيما المجتمع القروي؟
المجتمع هناك كما ذكرت محافظ جدًا ويرفض عمل النساء خارج المنزل أو خارج حدود قراهن. لم نرد أن نتدخل في شؤون عاداتهن وتقاليدهن واحترمنا طريقة تفكيرهن، فهناك لا تلتقي النساء الرجال ما عدا أولئك الذين تربطهن بهم صلة رحم. واللافت أن النساء فخورات بعادات مجتمعهن وتقاليده، لذا لم نعمل على تغيير نمط تفكيرهن بل تماشينا معهن، لأنه لو أردنا التغيير كنا سنواجه الكثير من المشكلات التي نحن بغني عنها، بينما حين نعمل  على أساس تقاليدهن فإننا نصل إلى الهدف الذي نصبو إليه وهو تمكين النساء. إذًا هن  يعملن في مراكز موجودة في القرية نفسها، وأحيانًا لسن مضطرات لمغادرة بيوتهن ففي إمكانهن العمل في منازلهن، وبعد أن ينهين كل الأعمال المنزلية يبدأن التطريز.

- هل أخبرتك كاثي عن الصعاب التي واجهتها في بداية  تواصلها مع الباكستانيات؟
قالت لي كاثي إن الرجال كانوا دائمًا يدعمون نساءهم ولكن في العمل المنزلي لا خارجه. وهم فخورون  بانتقال تراث التطريز من الجدة إلى الحفيدة، و بالمحافظة على ثقافة شتيرال. ونحن لم نعلمهن شيئًا جديدًا بل فقط طريقة مزج الألوان وتنفيذها وتقنيات الرسم، أما التطريز فهن بارعات فيه.

- ما الفرق بين مشروع كاثي السابق و«غوب شوب»؟
في السابق كانت كاثي تعطي التصميم وتطلب من النساء تنفيذه. وعندما اجتمعنا خرجنا بفكرة أن هن من يعطين التصميم وينفذنه. وكانت البداية مع لوحات مطرّزة «غوب شوب» حجمها يراوح بين متر ونصف المتر وثلاثة أمتار. أنا أعمل معهن على كيفية رواية  القصص وكاثي تعلمهن ترجمتها من خلال الفن.

- من موّل هذا المشروع؟
لا أحد. منذ البداية اجتمعنا بالنساء اللواتي أردن العمل معنا وقلنا لهن: «سنعمل معكن ولكن عليكن الالتزام. نحن لن ندفع أجورًا و في المقابل لن تدفعن لنا، فالأشهر الأولى سوف نخصصها لنعلمكن الابتكار وكيف تنشرن حكاياتكن من خلال الأعمال الفنية». والنساء اللواتي بدأن العمل في  المركزين كان معظمهن  عازبات، بل شابات لديهن الكثير من الخيال و ذكيات جدًا لم يكن يعلمن أي شيء عن الرسم، ولم يكن يعرفن الألوان الأساسية بل لم يسمعن عنها.

- لماذا وافقن على العمل معكما مجانًا؟
أظن أنهن آمنّ بالفكرة فضلاً عن أن كاثي كانت قد بنت علاقة وطيدة مع نساء شيترال، وهذا سهّل علينا الأمور.

- ألم تواجها صعوبة في تعليم شابات لا يعرفن شيئًا عما يدور خارج بلدتهن؟
شيترال لم تكن من البلدات الفقيرة في باكستان وهذا ساعدنا كثيرًا لأن كل الفتيات اللواتي بدأن العمل معنا كن يعرفن القراءة و الكتابة مما خفف عنا هما كبيرًا، فكان تركيزنا على تعليمهن تقنية الرسم واستعمال تقنيات فنية مختلفة مثل اللصق والقص ومزج الألوان. ومن ثم كيف يترجمن قصصهن على القماش.

- كيف كانت مرحلة تعليم الشابات تقنيات الرسم وغيرها من التقنيات الفنيّة؟
عشنا أنا وكاثي في شيترال ثمانية أشهر شعرنا خلالها بالكثير من الخيبات والنجاح، وشاركنا النساء إفطاراتهن الرمضانية وحفلات الزواج وعشن معهن خلال تغير الفصول، أي خضنا كل تجربة عيشهن، إلى أن كانت النتيجة 23 قطعة فنية تخبر قصصهن. وكانت عبارة عن لوحات كانفا أو مطرّزات حجم الواحدة يراوح بين المتر والثلاثة أمتار. عرضناها في يوم المرأة العالمي في آذار/ مارس 2009 فيNational Art gallery في إسلام أباد، وكانت باكستان آنذاك في أسوأ أحوالها الأمنية، ورغم ذلك زار المعرض 450 زائرًا. افتتحت المعرض وزيرة الإعلام وكان لافتًا حضور كل وسائل الإعلام الباكستانية المرئية والمكتوبة. وبيعت نصف القطع في أمسية الافتتاح.

- كيف كان ردّ فعل زوّار المعرض؟
أظن أن الناس لديهم رغبة في الاستماع إلى قصص جميلة عن باكستان، والزوار كانوا سعداء لأنهم أخيرًا يسمعون قصصًا لا علاقة لها بالحرب. وكانوا مندهشين بما نسج على اللوحات. فمن خلال هذه الأعمال ساعدنا النساء على الثقة بأنفسهن وبقدارتهن وأصبحن فخورات بما يفعلن في حياتهن اليومية.

- كيف كان رد فعل أزواج السيدات اللواتي عملن معكما؟ 
هل تصدقين أن أزواجهن أصبحوا يسألونهن عن الأعمال الجديدة. أخبرتنا السيّدات اللواتي عملن معنا أن الجيران أتوا إليهن مسرعين والآباء كانوا يصفقون فخورين أثناء عرض أحداث المعرض على شاشة التلفزة. واللواتي لم يعملن معنا شعرن بالندم. وأظن أن سبب رد الفعل الإيجابي هو أننا احترمنا عاداتهن وتقاليدهن ولم نتدخل في شؤون حياتهن الخاصة والعائلية والمجتمعية، فنحن لم نطلب منهن ترك مراكزهن أو قريتهن أو أن يخترقن أي تقليد اجتماعي، وأزواجهن فخورون بهن. لقد جنين الكثير من الأموال والأزواج سعداء ولديهم احترام كبير لنسائهن ولما يفعلن.  فهذا المعرض سهّل علينا خطوة تصنيع الحقائب.

- كيف كان رد فعل السيدات عندما قبضن ثمن اللوحات خصوصًا انه كان مرتفعًا بالنسبة إليهن؟
بالفعل كان المبلغ كبيرًا بالنسبة إليهن، فهن اعتدن على المبالغ الصغيرة التي يجنينها من تربية المواشي وبيع الحليب. عندما انتهينا من بيع اللوحات أردنا تحويل الأموال إلي السيدات، والمفاجأة أنهن رفضن تسلّم النقود لأنهن لا يردن أن يضعنها في المنزل بل قلن لنا إن عليهن في البداية تعلّم كيف يضعن النقود في المصرف، وطريقة سحبها واستثمارها. والوحيدة التي تسلمت نقودها زنبودا استعملتها من أجل مصاريف دراسة ابنها، وقبل سنة حوّلت الأموال كلها إلى رصيدهن في المصرف. هن ذكيات جدًا يعرفن ماذا يردن ولسن في حاجة إلينا سوى لتعليمهن الطريقة التي يتصرّفن بها بأموالهن. واللافت أن المال الذي حصلن عليه استعملنه في جهاز العروس وبعضهن استعملنه لتغطية مصاريف تعليم أبنائهن ومنهن من اشترى أرضًا.

- كيف خرجت فكرة تصنيع حقائب «غوب شوب» Gup shup؟
كاثي تؤمن بأن هنالك الكثير من الابتكار في باكستان. وأنا من الناحية التنموية أوافق على منح المال لتمكين النساء. ولكن إذا أردن أن يكن ثابتات في خطواتهن العملية علينا توفير المهارات لهن من خلال مشاريع التنمية الاجتماعية. فالمعرض كان من أجل هذا الهدف، بينما الحقائب مشروع مستمر، ففي إمكانهن صنع الحقائب وجني الأموال شهريًا. المسألة ليست ربح بضعة آلاف من الدولارات بل الاستمرار في جني النقود. صحيح أن اللوحات عرضت في إسلام أباد ثم كراتشي في معرض الفن وفي بريطانيا وأخيرًا في دبي، وكل اللوحات بيعت، لكن الحقائب مشروع مستمر.

- كل حقيبة لديها قصة خاصة بالسيدة التي طرزت الكانفا. ولكن أحيانًا الشخص يتردد في رواية حكايته الشخصية. ألم تواجها  صعوبة في إقناع نساء شيترال برواية قصصهن خصوصًا أنهن من مجتمع محافظ جدًا؟
لم يروين شيئًا غير عادي أو حميميًا جدًا، بل يتحدثن عن يومياتهن. ولم نجبرهن على رواية قصصهن ولم نطلب منهن هذا الأمر. بل كنا جالسات وكنا نعلمهن تقنيات الرسم والألوان ونتناول الشاي، والقصص خرجت وحدها وبشكل عفوي. مثلاً كنا جالسات نطرز، وكانت فتاة اسمها تبسُّم في منتصف  العقد العشرين وفي التقاليد الباكستانية يعني فاتها قطار الزواج، صارت تتنهد. سألتها عن سبب تنهّدها؟ أجابت أنا فقط أدعو الله؟ وسألتها لأجل ماذا؟ لأن يفك العقدة. سألتها «أي عقدة!» قالت «زواجي». فقد كانت تظن أن هناك ما يعيق زواجها. والفكرة من الدعاء هي أن تحل هذه العقدة، وهذه الطريقة في التعبير كانت رومانسية. وفي اليوم نفسه كنا  في الخارج نتناول الشاي وكانت والدة زبوندا في المركز جالسة تسبّح وسألتها لأجل ماذا تصلين فقالت أصلي من أجل السلام في باكستان. وهكذا خرجت مجموعة من الحقائب طرزت عليها أدعية هذه النساء. كل سيدة تطرز دعاء صغيرًا وآخر كبيرًا، كل واحدة تدعو لأجل أمنية تحب أن تتحقق، مثلاً هناك من تصلي لأجل السلام وأخرى من أجل صحة عائلتها... فقط من خلال الجلوس مع هذه النسوة والتحدث عن أي موضوع خرجت فكرة تطريز الأدعية، كتبنها بأنفسهن ثم طرّزنها.

- من الملاحظ أن هناك أطفالاً إناثًا وذكورًا يشاركون في المطرّزات؟
الأطفال موجودون أينما كنا، فالأمهات يحضرن معهن أطفالهن وبعضهن يعملن في بيوتهن خصوصًا في الصيف، مما يجعل الأطفال مشاركين. ولهذا السبب نرى في المجموعة مطرزات تروي حكاية أطفال، لأن بعض الفتيات العازبات روين قصصا عن أخوتهن الصغار أو أبناء أخوتهن وأولاد عمومهن.
وإحدى القصص الجميلة قصة الطفل فهام وكان في الرابعة، صنعت نسرين عمته لوحة تحكي قصته. فهّام يريد أن يصبح طيارًا وعندما وضعوا صورته على الورق قال أريد أن أرسم طائرة من حولي لأنني أريد أن أصبح طيارًا. وصار يرسم بالأخضر لأن الطيران الباكستاني الوطني لونه أخضر وكتب اسمه بالإنكليزية وهو فخور بذلك. انتهينا من القطعة وسميناها «أريد أن أصبح طيارًا» فكان لدينا اللوحة ثم الحقيبة.

- كيف يتم ابتكار المطرّزة ثم  الحقيبة؟
في البداية تُلتقط صور فوتوغرافية، بعدما علمنا إحداهن تقنية التصوير الفوتوغرافي وهي بدورها علمت الأخريات. ثم نلتقط أنا وكاثي صورًا في البازار لأنه ممنوع على الفتيات الذهاب إلى البازار. ثم تقص الصور، وتلصق ثم ترسم على ورقة ثم يبدأ التطريز على الكانفا. كل حقيبة طُرّزت عليها قصة وفي داخلها النص. ويستعمل الجلد الطبيعي 100 في المئة. تختار كاثي تصميم الحقيبة ونوع الجلد، أما التطريز فهو من عمل النساء. نعمل من خلال شركة إدارة اسمها موغMOgh تقوم بإدارة الطلبات والتحقق من الجودة، تطلب من مجموعة سيدات القيام بالعمل ثم تنظم النساء طريقة عملهن ويوزعن المهمات. بعد أن ينهين المطرّزات ترسل إلينا فنغسلها حتى تتثبت الألوان ومن ثم نرسلها إلى كراتشي حيث يضعون المطرّازات على الحقائب. واللافت أن 95 في المئة من الحقائب صنعت بشكل ممتاز. وهذا شيء جيد نظرًا إلى إنجازها في وقت قصير.

- كل حقيبة فريدة وليس هناك موضوع واحد  مكرر في حقائب عدة؟
صحيح. كل حقيبة مختلفة عن الأخرى لأن المطرّزات الموجودة تروي حكاية خاصة بالسيدة التي حاكتها.

- ما حكاية حقيبة قصة «النسوار»؟
إنها قصة فتاة اليوم في الثالثة والعشرين وأنا فخورة بها لأنها تعمل مع شركة الإدارة وهي ابنة منلا وهو محافظ جدًا سمح لها بالعمل معنا لأنه فخور بها وبما تفعل. كنا جالسين ونتحدث عن قصص الطفولة الطريفة. والبازار كما ذكرت سابقًا  بالنسبة إلى الفتيات شيء مهم فهن لا يذهبن إليه بعد سن العاشرة. وكنت وضعت صورًا للبازار على الكومبيوتر الخاص بي وطلبت منها رسم خريطة للبازار، وإذ بحسينة تقول في هذا الحقل دخت وصارت تضحك. سألتها ماذا تعنين، أخبريني القصة؟ فروت قائلة:" عندما كنت في السادسة وكان يسمح لي الذهاب إلى البازار طلب مني عمي أن أجلب له النسوار، وهو يشبه القات. وفي طريق عودتي وصديقتي تساءلت عن السبب الذي يدفع الرجال إلى إنفاق كل هذه النقود على النسوار فأردت اختبار الأمر بنفسي. وعندما جربته شعرت بالدوار وصرت أهذي. ورسمت نفسها وهي طفلة وما شعرت به وقتها. لذا تجدين الطيور تحلق فوقها وهي واقفة بالمقلوب، وكان على صديقتها أن تصطحبها إلى والدتها وإفاقتها برش الماء. الفكرة هي براءة الطفولة وعليك أن تري حسينة اليوم وما أصبحت عليه.

- للمشروع وجهان، الأول تمكين النساء ماديًا والحصول على مردود مادي. وفي الوقت نفسه هناك ربح شخصي. هل هذا المشروع مقتصر على هذه المجموعة؟
هذه مجموعة «غوب شوب» أي ثرثرة نسوان لماركة بولي أند مي، وهو اسم الماركة، والمهم بالنسبة إلي هو المتابعة لأنه متعلّق بالثقة وتقويم الذات وتطوير المجتمع وتنميته، وهذا عملي في الأساس. فكل حقيبة من مجموعة غوب شوب تحملها السيّدة فيها حكاية امرأة تشبهها في يومياتها. أعرف سيدة لديها خمس حقائب من المجموعة لأنها مرتكزة على ما تشعر به خلال اليوم. فأحياًنًا تريد أن تحمل هذه الحقيبة ليس بسبب اللون وإنما لأن القصة التي تحملها تعبر عما تشعر به. والهدف الثاني أن تكون ماركة بولي أند مي معروفة وفي الوقت نفسه تتمتع بالجودة العالية من حيث نوع الجلد والخياطة. فضلاً عن هدف تغيير النظرة إلى باكستان.

-هل فكرت في مشروع في منطقة أخرى في باكستان؟ 
حلمي هو أن نقيم جائزة أفضل عمل وطني باكستاني، حيث نعمل مع مجتمعات مختلفة، فالحصول على جائزة قد يدفع النساء إلى مزيد من العمل. عرضنا في دبي ولندن وأوستراليا واليوم في لبنان من خلال بوتيك أمنية، أي أن السوق أصبح جاهزًا وإذا تزايد عدد المشاركات في هذا المشروع سوف يكون هناك المزيد من الأعمال التي قد لا تحكي بالضرورة عن قصصهن، وإنما هي طريقة لزيادة مدخولهن.

- ما الذي يميّز حقائب «غوب شوب» عن غيرها من الحقائب المشغولة يدويًا؟
إذا نظرنا إلى المشغولات التقليدية نجد أن بيعها صعب، ولكن عندما تضعين لمسة عصرية على التراث تصبح مطلوبة في السوق. وهذا ما يميز مجموعة «غوب شوب» فهي تحمل معاني إنسانية خاصة جدًا من خلال المطرّزات الموجودة عليها، وفي الوقت نفسه فيها لمسة عصرية و يمكن أي سيدة اقتناؤها واستعمالها في كل المناسبات.

- كيف جرى الاتصال بينك وبين بوتيك أمنية؟
كنت في  البوتيك ولفتت الحقيبة التي كنت أحملها نظر نيفين صاحبة البوتيك فسألتني عن ماركتها ورويت لها القصة، فطلبت مني أن أعرض منتجاتنا لديها. واللافت أن قصة الحقيبة تبيع نفسها والنساء في بيروت أنيقات جدًا ويعرفن ماذا يخترن ووجدن في حقائب غوب شوب جودة عالية ونموذجًا عصريًا وفي الوقت نفسه تراثًا فريدًا وحكايات لنساء لا يعرفنهن وإنما يشبهنهن في كثير من الأمور.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078