لمى السليمان.. الآن لديكن قائد
رحلة الوصول إلى الدكتورة لمى السليمان ليست سهلة، فهي سيدة محور حياتها العمل، كثيرة السفر. والباحثون عنها كثر أيضاً منذ أن حققت خطوة تاريخية عام ٢٠٠٥ وكانت من أوائل النساء السعوديات اللواتي فزن في انتخابات الغرف التجارية في السعودية وتولت منصب عضو مجلس إدارة غرفة جدة للتجارة والصناعة، حتى حققت «المستحيل» عام ٢٠٠٩ بإنتخابها لتكون أول سيدة سعودية تجلس على كرسي قيادي اقتصادي من خلال منصبها كنائبة رئيس للغرفة التجارية الصناعية في جدة.
- بداية من هي لمى السليمان؟
هي باختصار سيدة لا تضيع وقتها أبداً، كل دقيقة من حياتها منظمة ومخطط لها. ليس هناك عمر يذهب سدى، أعمل لحياتي كأنني أعيش أبداً. عندما كان الوقت للدراسة كنت طالبة مجتهدة، وعندما سنحت الفرصة لتكوين الأسرة، أصبحت ربة أسرة وطالبة مجتهدة أيضا. أنجبت اول أطفالي وأنا طالبة بكالورويس في جامعة الملك عبد العزيز، واكملت دراساتي في بريطانيا، ثم عدت لأعمل في جامعة الملك عبد العزيز، وأنجبت أطفالي الثاني والثالث ثم الرابع وأنا أحضر لشهادة الدكتوراة.
- واضح أن انجازاتك الأسرية تسير بالتوزاي مع تلك العملية، هل هي معادلة صعبة استطعت حلها؟
بداية أرفض الاعتقاد السائد بأن المرأة التي تعمل تقصر في تربية ابنائها، فهذا خطأ ١٠٠ في المئه وليس هناك أم في الدنيا لا تهتم بأطفالها. والمسألة ليست أبداً مسألة من التي تمضي مع أطفالها وقتاً أكثر، فكلنا يعرف، وأنا شخصياً أعرف كثيرات لا يعملن، إلا أنهن يمضين جل وقتهن مع صديقاتهن ويهملن اطفالهن.
أحياناً تكون المشكلة في توفير المكان المناسب أو الشخص المناسب لمرافقة الأطفال في وقت غياب الأم، وقد فكرنا في هذا في غرفه جدة، وقررنا افتتاح مكان مخصص للأمهات العاملات ليضعن أطفالهن فيه. والغريب أنه أتضح حين نوقش الموضوع أن الرجال أنفسهم من منسوبي الغرفة يرغبون في إحضار أبنائهم إن وجد مثل هذا المكان.
- هل لنا أن نعرف البرنامج اليومي لنائبة رئيس الغرفة التجارية الصناعية؟
استطيع القول أن شعار برنامجي اليومي والحياتي هو «لا وقت فراغ يضيع هباء بلا فائدة»، فأنا استيقظ مع أبنائي صباحاً ونخرج معاً كل إلى عمله او دراسته، ثم نعود معاً عند الظهيرة ونجتمع حول سفرة واحدة، ولا يروق لنا نوم الظهيرة، فهو تضييع وقت لا أكثر بنسبة لي، وهذا البرنامج يعجبني فهو تنظيم لحياتي التي رسمتها لنفسي، ويعطيني وأبنائي طمأنينة بأن الكل يسير في نظام، ويستغل وقته في ما يفيد، سواء أكان أداء عمل او أنجاز واجب، او حتى ساعات ترفيه وترويح عن النفس. وحين اطمئن إلى أبنائي أبحث في أموري الخاصة، وكل هذه السياسة المنزلية تتم بمشاركة زوجي.
- ما شعور لمى وهي تتسلم أول منصب قيادي في مجلس إدارة الغرفة التجارية، وكأول امرأة سعودية؟
في البداية كان ثمة نوع من التحدي، فكنت أسألي نفسي. هل من الممكن أن أحقق هذا الشيء؟ هل يمكن أن تصل المرأة السعودية إلى مثل هذا المكان، وحين تحقق، من الضروري أن أقول للجميع أنه كان بسبب حماس الرجال ورغبتهم في التغير، وهم بدورهم استمدوا هذا الحماس من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كونه أشعر الجميع بأن الخطوة الصحيحة لرقي المجتمع هي العدالة، ومن أسس العدالة دعم مشاركة المرأة. وكثير من الرجال الذين ساروا على هذا التوجه تحمسوا ودعموني كثيراً. عموماً الرجال كانوا الداعم الرئيس لي في غرفة جدة خلال السنوات الأربع الماضية، ومن أكثر من دعمني شخصياً الشيخ محمد الفضل والشيخ صالح التركي، فهما من أكثر أرشدني إلى كيفية ادارة العمل، والقيام بالمسؤوليات.
- هل انت مع من يقول أن الرجل السعودي يغار من نجاح المرأة؟
بالنسبه إلي بالتأكيد لا، رغم انني أعرف أن هذا النوع موجود، ولكن السيدة يجب أن تبحث عن الرجال الذين يدعمون المرأة وطبعاً هم في مجتمعنا كثر. وقد بدأت بدعم من أحدهم هو والدي الذي دعمني ومنحني حرية التصرف، وبعدها زوجي، فأنا تزوجت ولم أنل بعد شهادتي الجامعية، وحصلت على الدكتوراه وهو معي، ولم أشعر يوماً بالضغط او الاختناق.
وبعدها عملت في مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز بوظيفة فني مختبر، وكثير من الدكاترة الذين عملت تحت قيادتهم دعموني، ولا أذكر يوماً أن أحدهم أعاق تقدمي. وبعدما انتقلت إلى غرفة جدة لم أشعر يوماً بالضغط أنا ومن معي من زميلاتي، فالكل كان يقدم لنا المساعدة، ولا نسمع من الرجال إلا تعالو لنريكم كيف يتم العمل، أو أعملوا بهذه الطريقة. كان جو من الألفة والاحتضان والدعم والتعليم.
وحدث الموضوع نفسه معي في انتخابات مجلس إدارة الغرفة التجارية، إذ حصلت على ٥٥٠ صوتاً رجالياً، وبعد قرار تعيين نائبة لقيادة الغرفة وجدت أعضاء مجلس الإدارة مقتنعين تماماً بهذا التعيين وبنسبة ١٠٠ في المئة. والمحصلة النهائية ان كل تقدمي كان للرجل فضل فيه، وأن الرجل هو الشريك والداعم الحقيقي للمرأة، وليس من الضروري أن أقول إن الرجل له الفضل الأول، أو أنه لا يوجد رجال يقفون في طريق المرأة، ولكن أقول أن الرجال الذين دعموني يفهمون جيداً أنه من أجل مجتمع ينمو لابد أن تكون المراة شريكة العمل والحياة، إذ لا يستطيع أي مجتمع أن يقف على قدم واحدة.
المعوقات
- ما هي المعوقات التي تواجه المرأة السعودية؟
كثيرة هي المعوقات التي تواجه المرأة السعودية، على رغم تغير الكثير من الأنظمة الذي لا يزال على الورق. إلا ان الدولة عموماً دعمت فكرة مشاركة المرأة، وأصبحت هذه المسالة واضحة وصريحة، ولا يوجد شخص إلا سمع بها ولمسها، حتى في القرى حين أزورهم اشعر بأن هذا الشيء ملموس لديهم.
وتأكيداً لذلك فقد كنت في منطقة القصيم مؤخراً، وقالت لي الكثيرات من النساء هناك أن الوضع بات أخف وطأة عليهن، ولم يعد هناك ذاك القفل المحكم على المرأة، وأنهن يشعرن بتفاؤل وثقه أكبر خلال البحث عن عمل.
- هذا يقودنا إلى نوع المطالبات التي تريدها السليمان من المجتمع في شأن المرأة، خصوصاً وهي في منصب قيادي مهم؟
انا اليوم أطالب ببلاد تعطي فرصة لمن يرغب في العمل. وأؤكد أن النطاق الوظيفي حين يجمع الجنسين يحد من اللامبالاة، ويعزز التركيز بين الطرفين على أن يكون هناك احترام أكثر في طريقة الحديث وكيفية الجلوس، ويحد من الراحة المبالغ فيها في أوقات العمل، سواء في الجلوس أو طريقة الكلام أو ارتداء الملابس، بل سيكون هناك احترام وحياة عمليه جادة.
وأقول لجميع شرائح المجتمع، لماذا لا تضع المرأة يدها بيد الرجل ويعملان معاً لرفع مستوى معيشتهما، أليس أفضل بل أن نساعد المرأة على العمل من ان نأتي بأجنبي من خارج البلاد؟
- هل من معايير معينة ترين التزامها في دعم عمل المرأة؟
يهمني جدا ثقافة الإختيار التي لاتوجد في السعودية، فعلى سبيل المثال: قضية قصر بيع المستلزمات النسائية على السيدات التي ثار جدل سابق حولها حين أرادوا تعميمها على الجميع، إذ أذكر حينها زيارة رجال كبار في السن لي، كانوا قادمين من سوق قابل القديم في منطقة البلد وسط جدة، وأخبروني أن لهم عمراً كاملاً وهم يبيعون مستلزمات نسائية في دكاكين صغيرة ذات باب حديدي واحد. وسألوني وهم في حيرة من أمرهم: هذا مصدر رزقنا، فكيف نضع نساء في هذه المحال الصغيرة، هل نقف دكاكيننا ونلزم منازلنا؟
إذن نريد قوانين مفتوحة وليست محدودة، ليست كل محال النساء نعومي وبردو، تلك المحلات الفاخره لا مشكلة لديها ربما في تعيين نساء لبيع منتجاتهم، ولكن ماذا عن هؤلاء المساكين اصحاب المحال الصغيرة؟ أين سيضعون البائعة السعودية، ومن سيهتم بها اذا وضعت بمفردها؟
لا بد أن يكون هناك اختيارات مدروسة، ويجب فتح المجال وفرص العمل بحسب الكفاءات والبحوث والدراسات، وليس بحسب جنس معين امرأة كانت أو رجلاً. وفي النهاية يجب أن نثق كثيراً بالمرأة السعودية التي لم يتربَ أحد على مثل مبادئها ودينها وأخلاقياتها الإسلامية، وتظل الممارسات غير الائقة تصدر من نسبة بسيطة منهن.
الاختلاط
- وماذا عن المعايير الاجتماعية أو الدينية التي قد تقيد عمل المرأة؟
يمكن اعتبار ابرزها قضية الاختلاط، وخوفنا منه لا مبرر له. وأنا أقول بدلاً من هذا الخوف لماذا لا نؤكد لأنفسنا أننا كمجتمع ربينا المرأة السعودية مقارنة باي دولة على أسس أخلاقية ودينية جادة وحازمة، فنحن منذ الصفوف الإبتدائية في المدرسة ندرس الفقة والتوحية والمواد الدينية المكثفة، ومن التناقض أن لا نثق ببناتنا بعد هذا التعليم كله!
وايضاً هناك نقطة مهمة في هذا الجانب، فنحن دائماً نحمل المرأة كل الأخطاء والوساوس وسوء الظن، بينما الرجل في مجتمعنا لا يحمل مسؤولية أي أي شيء ولا نضع له أي حدود له، وهذا اجحاف بحق المرأة.
كذلك التجارب أثبتت أن جو العمل المختلط يكون أكثر إيجابية ومسوؤلية وإنتاجاً، وتقل فيه السلبيات من الجنسين. والمطلوب هو حسن النية والثقة ببناتنا وأبنائنا، وأن نربي أولادنا على أن يكونوا رجالاً يحترمون المرأة ويخافون عليها، لا أن يكونوا ذكوراً لا يفكرون إلا في أنفسهم.
- أخيراً، ما هي خطط الدكتورة لمى السليمان المستقبلية؟
كل يوم لدينا الكثير، فعلى سبيل المثال لدينا في مركز السيدة خديجة بنت خويلد في الغرفة توجه إلى زيادة ثقافة حسن النية، وتشجيع الشركات أكثر على توظيف أكبر عدد من السيدات. وكذلك لدينا خطة مع مجلس تنمية الموارد البشرية لدعم مشروع سعودة الوظائف بشكل اكبر، ونشر التوعية بين القطاع الخاص بأن توظيف السعوديين ليس خراباً لهم.
أود التأكيد أن القطاع الخاص تأذى كثيرا من جراء الضغط عليه في توظيف السعوديين، وكذلك الشباب، فالقطاع الخاص اصبح يوظف السعودي في أي مكان خوفاً من ضياع أعماله، والشاب السعودي إنسان قبل أي شيء، وحين نضعه في مكان غير ملائم لن يستمر. وهذه التجربة علمتنا، وبتنا نعلمها لأصحاب الأعمال ليدركوا أنهم عندما يضعون الشخض في المكان الملائم فأنه سيبدع.
ولدينا الكثير من الخطط المستقبلية، وأنا دائماً وأبداً سأكون في خدمة المرأة السعودية. وبقدوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز فإن الباب اصبح مفتوحا لها على مصراعيه، وأقول لكل السيدات: إن هذه فرصتكن الآن أو سيفوتكن القطار، الآن لديكن قائد اخذ بأيديكن فعليكن أن تنهضن.
لمى السليمان في سطور...
الدكتورة لمى السليمان زوجه وأم لثلاثة أولاد وبنت. درست في مدارس دار الحنان، وتخرجت من جامعة الملك عبد العزيز في تخصص الكيمياء الحيوية، وتابعت دراستها العليا في مجال التغذية في «كينغز كولدج» (جامعة لندن) في المملكة المتحدة، وحصلت منها على شهادتي الماجستير والدكتوراه.
عملت ١٥عاماً في مركز الملك فهد للأبحاث، وأنجبت أطفالها وهي تدرس وتعمل. ثم تقلدت منصب رئيسة مركز خديجة بنت خويلد لسيدات الأعمال التابع لغرفة تجارة جدة، ثم عضو مجلس إدارة الغرفة، وحالياً تشغل منصب نائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية في مدينة جدة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024