لبنانيات معنَّفات
من الساعة السادسة مساء حتى الساعة الرابعة فجراً، استمر في ضربها وضرب أطفالها الأربعة، منوّعاً الأساليب بين «فرّوج» و«صليب» و«جلد»... وكلما غاب أحدهم عن الوعي وضعه تحت الماء، كي يستعيد وعيه، ما يخوله الاستمرار بأفعاله الوحشية. هذه القصة ليست مشهداً من فيلم درامي، ومسرحها ليس أحد المعتقلات العسكرية، كما أن بطلها ليس سوى «زوج» و «أب» مفترض... هي واحدة من قصص كثيرة ترزح تحت وطأتها نساء معنّفات «وراء الأبواب». قصص لا تصلح أن تكون حكايات ما قبل النوم، إلاّ أن رواية تفاصيلها يشكل محاولة لمؤازرة نساء عانين الخيانة والتعذيب، واختطاف أولادهن وحرمانهن من معرفة أي شيء عنهم، واغتصاب تحت شعار «الحق الشرعي للزوج».
عقد ونيف مضى، إلاّ أن الحرقة لا تزال تستعر في قلب خديجة. فمرور السنوات لم يداو جروح المرأة اللبنانية الأربعينية، وإن كان كبح نزفها الحاد. بجسدها النحيل تتحرك بهدوء، وتروي بمرارة حكاية سبع سنوات، قبل أن تبدأ يداها القيام بحركات عصبية تلقائية تعكس عمق آثار بليغة نحتها زوجها في حياتها وحياة أطفالها الأربعة.
تزوجت خديجة من شاب أحبته لطيبة قلبه ورقّته وكرمه. شاب اعتبرته ابنة العشرين في ذلك الوقت تعويضاً عن سنوات عذاب عاشتها في منزلها العائلي. حنان ما لبث أن تحوّل «وحشية غير مبررة»، بعد مرور أقل من عشرين يوماً على زواجها. تعنيف، فعنف، فتعذيب... خطوات تصاعدية اتخذها الزوج بحق زوجته ومن ثم أطفاله.
في المرحلة الأولى، ظنّت خديجة أن الأمر ليس سوى تحريض من ذويه، في كل مرة كان يعود فيها إلى المنزل، خلال مأذونيته من خدمته العسكرية. واعتبرت أن حملها وتحولها أمّاً لأطفاله سيحدان من «تطاوله» عليها، إلاّ أن الآمال تلاشت وتحولت إلى كوابيس. «كان يضع رجله على رقبتي، قائلاً إذا رفعت رأسك سأكسره»، تقول خديجة التي أنجبت أطفالها الثلاثة في ثلاث سنوات تصفها بـ«المُرّة».
المرأة المعنّفة كما ينطبق على خديجة، ما لبثت أن اخذت وقتاً مستقطعاً لأربع سنوات، عندما دخل زوجها السجن بجرم سرقة السيارات. تقول: «عملت بأصلي، حضنت أطفالي وأدخلتهم الى المدارس، وكنت أزوره بشكل أسبوعي، وأمدّه بكل ما يحتاج اليه. لم أمد يدي إلى أحد، لجأت إلى منزل عائلتي ولكني عملت بكد لأطعم أطفالي وأؤمن احتياجاتهم». وتضيف: «تناسيت التعذيب الذي مارسه عليّ بمجرد أن دخلت إلى قفصه متأملة أنه سيحفظ لي وقفتي بجانبه في أيامه الصعبة». ومرة أخرى جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، خرج من السجن، ليتحول «وحشاً كاسراً، ومحور خطر على حياتي وحياة أولادي».
جولة أخرى من رحلة التعنيف والتعذيب بدأت، إلاّ أنها أخذت أشكالاً مختلفة أكثر شراسة وقسوة، من دون أن يهمل «الديموقراطية». فقد أصبح «ديموقراطياً» بطروحاته، إذ يقوم بوضع الخيارات أمامها وأمام أطفالها: «الفرّوج»، «الصليب»، «المرحاض»، أم «الجلد»... أربعة أساليب رئيسية للتعذيب يشرحها بإسهاب كل يوم دون ملل، إضافة إلى غيرها ممّا قد يخطر بباله أو يراه أمامه من آلات حادة.
جولات وصولات من التعذيب، غالباً ما كانت تبدأ في المساء ولا تنتهي قبل ساعات الصباح الأولى، أو إلاّ عندما يرغب في النوم. «الفروج» طريقة تعذيب غالباً ما نراها في الأفلام، تستخدم من أجل انتزاع اعتراف ما من سجين أو مخطوف. «كان يضع عصا من الخشب بين سريرين، ويلف أحد أطفالي عليها في وضعية الفروج، ويأخذ في ضربه إلى أن يفقد وعيه، وكلما أغمي عليه من شدّة الضرب والألم الفظيع يضعه تحت رشاش المياه (الدوش) حتى يستفيق وبعدها يكمل ما بدأ به»، تقول خديجة وهي تمسح دموعها.
الأطفال كانوا ثلاثة في حينها، هم ابنتان وصبي تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات وسبع. ممارسة «الفروج» بحق أحدهم لم تكن بالضرورة تعفي الآخرين من التعذيب، فيمكن بسهولة، وضع الآخر على «الصليب»، وجلده بواسطة الحزام أو الخرطوم، على أن ينتهي به الأمر هو الآخر تحت الماء. ليالٍ من العذاب كان الأطفال يحاولون التغلب عليها بأساليب مختلفة، من محاولة هروب باءت بالفشل، بعد أن ارعبت العتمة أولاد الخامسة والسادسة والسابعة، فعادوا يحتمون بمحيط المنزل، ظنّا منهم أنه يمكنهم المبيت على سطح المبنى والهرب مجدداً من المنزل مع بزوغ الفجر، إلاّ أن «الوالد» كان بالمرصاد... وفي تلك الليلة اختار الصبي «قتلة المرحاض»، قائلاً: «بابا الله يوفقك، ضع رأسي في المرحاض، أسهل عليّ من ضربة الفروج». ليلة لم تختلف كثيراً عن ليلة العيد، يوم صرف الطفل الخمسة آلاف ليرة لبنانية (ما يعادل ثلاثة دولارات)، نالها عيدية من صديق «والده»، فأخذ أبوه يضربه دون توقف، ومن ثمّ حرمه الماء بينما جلس يرتاح ويرتشف القهوة، ليكمل ما بدأه بعد انتهاء فنجانه، وحتى هروب خديجة على الدرج بهدف تحويل غضبه نحوها، لم ينجّ الطفل الذي ضُرب حتى ساعات الفجر.
أما خديجة ربة المنزل، التي تخرج في السابعة صباحاً لتعود في السادسة مساء من أجل تأمين لقمة العيش وحاجيات أطفالها ومنزلها، في وجود رجل عالة عليهم، فلم يعفها ذلك من الضرب أو التعذيب، فكانت حصّتها «محفوظة»، لا بل مضاعفة اذا تدخلت للدفاع عن أحد الأطفال. « في إحدى المرّات، عندما انتهى من ضربي، سحبني بشعري إلى المرآة وأنا بين الحياة والموت وأصبح يوبخني ومن ثم جرّني بشعري إلى الفراش وأرضى غريزته».
كلام خديجة عن العنف الذي كانت تتعرض له، يخرج منها باستسلام امرأة للأمر الواقع، ولكن وصولها إلى الكلام عن أطفالها في تلك المرحلة يحمل الكثير من الأسى، مما يفجر دموعها إلى خارج مقلتيها. تقول: «كنت أصل إلى المنزل في بعض الأحيان، لأجدهم في ثياب المدرسة مبللين بالماء، بعد أن يكون ضربهم إلى حد أنه خلّف أثاراً على أجسادهم الصغيرة، وكان يمنعهم من الذهاب إلى المدرسة أو الخروج من البيت كي لا يعرف أحد بما يحصل».
لجوء متكرر ومن ثم متقطع إلى مراكز الشرطة وإلى المحاكم لم ينصف خديجة التي لم تكن تملك إثباتاً على العذاب الذي كانت تعيشه في تلك الفترة. «كنت أرجوهم للدفاع عني والوقوف بجانبي، ولكن ما من قانون يحميني. لوكان هناك قانون يحميني من عنفه لما عشنا مسلسلات الرعب تلك، ولكان حرّم أن يرفع يده عليّ أو على أحد أطفالي من الصفعة الأولى».
العذاب والشقاء اللذان عاشتهما خديجة مع أطفالها لم يحولا دون انجابها طفلاً رابعاً من زوجها دحضاً لشائعات كان أطلقها بأنها مريضة وخضعت لعملية إزالة الرحم من أجل أن يتزوج عليها. «أنجبت طفلي الرابع ولكني ندمت بالطبع».
طفل ربما حمل الرحمة معه، فخلال حملها به، وبسبب الضرب المبرح الذي كانت تتعرض له، لجأت إلى العلاج من تقيؤ الدم في أحد المستشفيات الذي أحالها على طبيبة نفسية نصحتها باللجوء إلى جمعية «كفى» لمناهضة العنف ضدّ المرأة. لجوء لم يؤتِ ثماره مباشرة، ولكن السيدة وجدت من ينبهها إلى حقوقها وكيفية التعامل معها، ومن «حسن الحظ» كما تصنّفه خديجة، أن زوجها هجرها مسافراً، تاركاً لها أربعة أطفال أصغرهم في شهره السادس. هجره عائلته، لم يسلم ابن الأشهر، فقد ذاق طعم ضربات «والده» وهو في شهره الرابع، بعد أن «أزعجه بكاؤه وقطع نومه». هجرانٌ ما لبث أن تكلل بطلاق غيابي استحصلت عليه خديجة بالتعاون مع جمعية «كفى»، التي لا تزال حتى اليوم تتابع حالتها، علماً أن رحلة عذابها لم تنته بعد.
كراهية وحقد على والد لا يعرف معنى الأبوة، زُرعا في نفوس أطفال باتوا اليوم شابات وشبابا تتراوح أعمارهم بين ١٨ و ٢٠ سنة وأصغرهم في الحادية عشرة. كراهية وحقد لم يخلُوَا من عنف فجّره أحد أولاده مسترجعاً مسرحيات والده الدموية، مما دفع بخديجة مرة أخرى إلى كنف «كفى»، بعد أن تكرر جواب الشرطة: «إذا كنت لم تربي ابنك جيداً كيف يمكننا أن نساعدك». إلاّ أن خديجة هذه المرة لم تيأس أو تستسلم لاستغلال ابنها الذي واجهها بكل جسارة: «لم تستطعي يوماً أن تجلبي الدرك لوالدي، ولم تحمنا يوماً، فإنهم لن يقفوا بجانبك اليوم ولن يناصروك». قاعدة، بصرف النظر عن كونها خاطئة، يعوّل عليها نجل خديجة الأكبر وقد دفعت بها إلى رفع شكوى ضده بالتعاون مع الجمعية التي ساندتها، شكوى لا تزال تُنظر في سراديب المحاكم ولكنها أخافت الابن الذي هرب من المنزل.
حكاية خديجة، وإن كانت لا تصلح لحكايات ما قبل النوم، ليست فريدة من نوعها، فهي واحدة من عشرات الحكايا التي ترزح «وراء الأبواب»، عنواناً لمعرض أقيم في إطار حملة من أجل «تجريم العنف ضد المرأة في لبنان». خديجة التي لم تجد أصدق تعبيراً عن معاناتها سوى تصويرها ادوات التعذيب التي مورست بحقها وبحق أولادها، لتصورها بعد أن شاركت في ورشة عمل أدارتها المصورة داليا خميسي، تقول إن كلامها ومشاركتها في المعرض ما هما سوى ردٍ على ما كانت تخاله «حياة المرأة... عذاب من المنزل العائلي إلى الزوجي ومن ثم الأسري».
صرخة أطلقتها خديجة ونظيراتها من أجل الحصول على حقوقهن في وجه من عنّفهن وعذبهن، والعنف الذي يتكلمن عنه يندرج تحت عنوانه العريض: العنف الأسري، والعنف الجسدي والعنف اللفظي.
قصص من وراء الأبواب
- من الصور المعروضة في المعرض، جسد سيدة ممددة على كنبة، تروي قصة «ك.ج»، المرتدية دوماً ملابسها متأبطة حقيبة يدها. بدأت حكايتها عندما ضربها زوجها بعد أن سألته من سيأتي إلى العشاء معهما. وضربها عندما وجد شعرة من رأسها في المغطس بعد الاستحمام. أمسك بيدها وضربها برأسه على رأسها حتى لا يكون هناك أي أثر أو دليل لضربه لها. فأخذت طفلتها الصغيرة ذات السنة والنصف بالبكاء والصراخ ودموعها على خديها محاولة النزول من عربتها لتركض نحوها وتخلصّها منه.
ومن ذلك الوقت أصبحت جاهزة دائما، «لا أجرؤ على ارتداء لباس النوم في الليل، مستعدة للخروج من البيت عندما يبدأ بثورة الغضب والعنف والجنون الناتج عن تعاطيه المفرط للكحول أو حتى دون ان يشرب، فأهرب من البيت وامضي الليل نائمة في سيارتي على الطرق كي لا ترى طفلتي المشهد نفسه وتعاني كما عانت سابقاًً».
- أما صور «ح.د» فتروي قصة انتظار مستمرة منذ خمس سنوات، يوم خطف زوجها بناتها الثلاث في يوم عيد الأم. الصور تظهر «ح.د» في حال انتظار وترقب وصلاة، على أمل أن تعرف شيئاً عن بناتها. تقول: «تزوجت وأنا في بداية سن المراهقة، وكان الزواج تقليدياً. وكما بدا لي ولأهلي أنه شاب صالح، مكافح... بعد الزواج خلع الأقنعة وبدأت حياة الجحيم والضرب، فقد كان «نسونجي» دون احترام أو مبدأ. حاولت الطلاق ولم أنجح أنجبت منه ولدا وثلاث بنات. راح يعنّفنا أنا والأولاد، طردني من المنزل حيث بقي مع عشيقاته لفترة طويلة إلى أن قرر هو أن يطلقني وحصلت على الطلاق. لكنه حقير حرمني من بناتي وأبعدهن عني، إلى مكان لا أعرفه. لاحقاً، علمت أنه باع الصغرى مقابل ٦٠٠ دولار لمدّة عشرة أيام، وأما الكبرى فكانت ملكه الخاص... لجأت إلى المعنيين في الدولة من مخافر ودرك ولكن أحداً لم يسعه مساعدتي ولم أفهم لماذا... وحتى اليوم، أنا أعيش في دوامة من الضياع... أبحث عن فلذات كبدي، ولكن دون جدوى... وما زلت أنتظر رجوعهّن».
- الفستان الأبيض في صور «س.ل» يظهر باهت اللون ميتاً، كأوراق الخريف المنسلخة عن أشجارها التي استعملتها خلفيةً لصورها. أرادت «س.ل» أن تنقل معاناتها يوم ارتدت الفستان الأبيض الذي تصفه بأنه حلم كل فتاة، إلا أنه شكّل كفنها، على حد قولها. وتروي: «أُجبرت على الزواج حين كنت أسعى لمستقبل حالم فضاع حلمي على سرير. احتكر براءتي وطموحي، وتحولت عذريتي إلى نزف صامت يكبت أنينا في نفسي يوما بعد يوم. وتساقطت أيامي ورقة تلو الأخرى وأنيناً في داخلي يثور فنطق جسدي ولساني وثارت عليّ نفسي. هذه أنا ... انسانة يائسة، مقموعة، أحتقر ذاتي. هذا الفستان الذي تحلم به كل فتاة، هو كفني منذ ارتديته... وكانت ليلتي الأولى اغتصابا لروحي وجسدي».
أين أصبح مشروع القانون؟
وصل مشروع قانون «تجريم العنف ضد المرأة» إلى أروقة مجلس الوزراء اللبناني، بعد تبني عدد كبير من الشخصيات السياسية والقانونية والرسمية هذا الموضوع. مشروع قانون أقرّه مجلس النواب سيأتي متأخراً لسنوات طويلة، إلاّ أنه سيؤسس لمستقبل انساني أفضل، فإن كان في ظاهره لحماية المرأة إلاّ أنه ينعكس على الحياة الأسرية في جميع جوانبها وبالتالي على المجتمع ككل.
المحامية اللبنانية والناشطة في جمعية «كفى عنف واستغلال» ليلى عواضة، تعتبر أن مشروع القانون قطع مسيرة طويلة ووصل إلى المكان المناسب، لا سيما بعد أن لحظ البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري في الفقرة رقم ٢٢ «الالتزام المباشر بمشروع قانون يحمي النساء». وتؤكد أن الالتزام الذي بدأ مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وصل إلى مراحله الأخيرة، وبشكل خاص بعد دعم رئيس مجلس النواب نبيه بري بشكل صريح لقانون كهذا، فضلاً عن الوزارات المعنية وهي الداخلية، العدل، الشؤون الاجتماعية. وتوضح المحامية التي تعتبر «تجريم العنف ضد المرأة، من أبسط الحقوق الإنسانية، التي يجب المطالبة فيها»، أن الوعي الرسمي لخطورة هذا الأمر ينعكس تلقائياً على أهداف القانون.
وتشرح أن مشروع القانون هو مشروع متكامل يدعو إلى تجريم العنف الاسري وكل الجرائم المتعلقة بالنساء، ومنها اكراه الزوجة على الجماع، حضّ الاناث على التسول، كسب المعيشة عبر حضّ المرأة على الدعارة، قتل المرأة عن قصد لمجرد كونها امرأة، علماً ان النص يؤكّد أن لا وجود لمفهوم ما يسمى جريمة الشرف، متسائلة عن ماهية «حصر الشرف بالمرأة». وفي النص أيضاً تجريم للعنف المعنوي باستخدام أي وسيلة بقصد السيطرة وحجز الحرية. وتعتبر عواضة أن هذه الفقرة من القانون يمكن اعتبارها تعديلاً غير مباشر للمادة ٥٦٢ التي تنص على العذر المخفف الذي غالباً ما يستخدم في القضايا التي تندرج تحت ما يسمى جرائم الشرف.
مشروع القانون التي أعدته مجموعة من القضاة والمحامين، نُقّح بعد عرضه على لجنة وزارية من أجل أن يراعي كل الملاحظات التي يمكن التذرع بها، خصوصا مراعاة محاكم الاختصاص. وتوضح المحامية اللبنانية هذا الأمر: «ليس لدينا في لبنان قانون موحد للأحوال الشخصية، إلاّ أن ذلك لا يحول دون تجريم العنف الأسري، إذ ان جميع الاديان تحرم الظلم والاغتصاب والعنف. وفي الوقت ذاته نحن لا نتدخل في قضايا الحضانة وغيرها من المسائل التي تخضع للمحاكم الروحية في لبنان».
عواضة التي تؤكد أن العنف ليس حكراً على فئة اجتماعية أو طبقة معينة أو طائفة دون أخرى، تلفت إلى أن إقرار القانون، خطوة أولى في مسيرة طويلة وصعبة، تليها مراحل عدة من أهمها انشاء صندوق لدعم المرأة المعنّفة. وتعدد الخطوات الأساسية التي تساهم في تفعيل القانون ومنها تدريب قوى الأمن الداخلي على استقبال المرأة المعنّفة، وتدريب القضاة على التعامل مع دعاوى مماثلة، وأن تتولى جهات مختصة تأهيل المُعنِّف وتحصيل النفقة منه على سبيل المثال لا الحصر.
لا تستطيع عواضة إعطاء رقم لعدد النساء المعنّفات في لبنان، ولكنها تؤكد وصول ما لا يقل عن ٣٠٠ حالة سنوياً إلى مكاتب «كفى عنف واستغلال» فقط لطلب استشارات. وتؤكد أن إقرار القانون سيحفز المرأة على المطالبة بحقوقها وعدم الخضوع للظلم الذي يعرض حياتها وحياة أطفالها للخطر.
المعرض متنفس لسيدات معذبات ومعنّفات
خيانة، وتعذيب، واختطاف أولاد وحرمان أمهاتهم معرفة أي شيء عنهم، واغتصاب تحت شعار «الحق الشرعي للزوج»، عناوين مجموعات صور عرضت في المعرض. معرض ارادته المصورة داليا خميسي المشرفة عليه، أن تعبر من خلاله كل مجموعة عن قصة مَنْ شاركت في ورشة العمل. علّقت كل مجموعة على حدة، بخيوط شفافة، تكاد لا ترى، لأن خميسي ترى أن الفرق بين موت هؤلاء النساء أو حياتهن لا يتعدى رفع هذا الخيط.
صور كأنها تتساقط من السماء، بمعظمها غير واضحة الملامح، تم العمل عليها في ظل حفاظ تام على السرية، بحسب خميسي، مراعاة لطلب كل سيدة من السيدات المشاركات. خميسي التي كانت تتوجه لتصوير هذا المعرض بنفسها، رأت بعد التعاون مع «كفى عنف واستغلال»، أن تعليم المرأة التعبير عن قصتها من خلال التصوير سيكون له وقع أكبر على المجتمع.
لم تتدخل خميسي في فكرة التصوير وإنما في تقنياته فقط، وعملت على شرح الخطوات العامة للتصوير ومن ثم مناقشة التفاصيل مع وصول كل صورة على حدة. وتلفت إلى «الابداع» الذي أظهرته النساء، فضلاً عن تصميمهن على اتمام المشروع. وتقول: «بعض السيدات كن يصوّرن في ظروف صعبة جداً، كمجموعة الصور التي تظهر جسد امرأة ممددة على الكنبة، إذ إن هذه السيدة لا تزال تسكن المنزل مع زوجها وكانت تنتظر التأكد من نومه كي تقوم بتصوير نفسها». وتشرح أنها في عرض الصور كرّرت كثيراً منها في كل مجموعة وذلك لتظهر أن هذا الأمر كان يحصل مراراً وتكراراً وليس مرة واحدة فقط.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024