تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

في السعودية: للطلاق فوائد أيضاً

كثيرة هي المواضيع والدراسات والبحوث التي تتحدث عن مساوئ الطلاق وآثاره السلبية على الأسرة والمجتمع. وقد كشفت وزارة التخطيط السعودية عن حدوث ٣٣ حالة طلاق يومياً في مدينة جدة، لتشير الدراسات إلى أن نسبة الطلاق في السعودية ارتفعت عن الأعوام السابقة بنسبة ٤٠ في المئة، وأن ٦٥ في المئة من الزيجات عن طريق الخاطبة تنتهي بالطلاق. وقالت الدراسة أنه تم تسجيل أكثر من ٧٠ ألف عقد زواج و ١٣ ألف حالة طلاق خلال العام الماضي لدى المحاكم والمأذونين. ورغم هذه الإحصائية التي قد تبث روح التشاؤم في المجتمع السعودي إلا أن «لها» في هذا التحقيق و من خلال قصص واقعية لسيدات مطلقات تضيء على الفرص التي مُنحن إياها في النمو شخصياً واجتماعياً ومهنياً فاستطعن إحداث تغيير جوهري في حياتهن.

 

العتيبي: طلاقي غير حياتي ١٨٠ درجة إلى النجاح والنشاط والايجابية

أم خالد العتيبي (٣٣ سنة) حصلت على الطلاق منذ ٨ أشهر، بعدما تحملت ما يقارب الأربع سنوات من التعذيب والضرب والاهانات من زوجها الذي أنجبت منه توأمين لا يتجاوزان ٣ سنوات. تصف حالتها بأن ما حدث معها أنصفها وأعاد حياتها الى مسارها الصحيح خاصة بعدما استطاعت أن تحصل على حضانة طفليها بعدما اتهمها طليقها بأنها مصابة باضطرابات وبالصرع. تقول: «محظوظة من تحصل على الطلاق من زوج يعذبها ويضربها إلى كونه بخيلاً وخائناً ومتعدد العلاقات النسائية.

هو معتاد على السير وراء المرأة والتعرف عليها في أماكن مختلفة، حتى انه أطلق أسماء على الفتيات اللواتي يتعرف عليهن بحسب الأماكن التي كان يصادفهن بها، كالبنك أو السوبر ماركت أو المجمع التجاري أو باسم سيارتها. وفي موازاة ذلك كان ينهال عليّ بالضرب كالصاعقة... مرة تشاجرنا وذهبت إلى منزل أسرتي، لأفاجأ بأحد أقربائه يخبرني بأنه احضر إمراة أخرى في منزلي... المرأة التي تجد ان زوجها يوفر لها الحياة الكريمة مع بعض العثرات قد تصبر لكنني لم أكن أتحمل، فهي لم تكن عثرات بل كانت مصائب لم أكن لأتحملها».

وأضافت العتيبي: «طليقي كان رجلاً غريباً عن العائلة ويكبرني بـ ١٣ سنة. ومجتمعنا المحافظ لا يسمح للمرأة أن تتعرف على الرجل قبل الزواج. ومع مرور الوقت يُطلب من كل من الطرفين تقبل الآخر  في حياته.  والمرأة التي تعيش في ظلم يخيم على حياتها يكون الطلاق حلاً صريحاً وواضحاً لإنهاء معاناتها والمضي بحياتها كما يجب. قد تقوم بعض العوائق أمامها من المجتمع، إلا أن تقبل العائلة لهذا الطلاق هو أحد أسباب نجاح أبغض الحلال خاصة للزوجة في مجتمعنا السعودي. وبالنسبة إليّ، اشعر بأن حياتي بدأت بعد حصولي على الطلاق من زواجٍ استمر أربع  سنوات وأثمر وجود طفلين.

وقد طعن طليقي بأهليتي كأم أمام القاضي وذلك بوصفه لي بأني أعاني الاضطرابات والصرع، إلا أن القضاء السعودي أنصفني ومنحني حضانة أطفالي بعد حصولهم على شهادة من مقر عملي بأني حسنة السير والسلوك وتقرير المستشفى بأني سليمة وخالية من الادعاءات الكاذبة التي نسبها طليقي إليّ.  أنا اليوم امرأة مطلقة بل وناجحة جداً في حياتي مع طفليّ وعائلتي الذين وقفوا بجانبي وأصبحت اشعر بالكثير من الحيوية والنشاط بعد الانتهاء من الكابوس الذي لازمني في السنوات الأربع الماضية وبشهادة الجميع. لقد تحررت من رجل يعاني مشكلة نفسية مع انه صاحب وظيفة مرموقة في المباحث».

جابر: الطلاق نهاية مطاف لطرف وبداية الراحة للطرف الآخر...

مي جابر (٤٣ سنة) مطلقة منذ سنة ونصف ولديها أربعة أولاد، أصغرهم فتاة تبلغ من العمر ١٨ سنة، تحملت خلال سنوات زواجها الثلاثين سلبيات زوجها من أجل أطفالها، وما أن كبروا حتى أخبرتهم بأن على الزواج أن يرسم سطور النهاية لتبدأ الراحة لها ولهم أيضاً. تقول: «هو قرار سهل الاتخاذ لكنه صعب التنفيذ، لكن إن كانت المرأة تملك إحساساً عالياً بالإدراك ستعرف أبعاد الخطوة التي ستقدم عليها، فالسعوديات يخشين من سلبيات هذا الأمر أكثر من النظر إلى الايجابية، والكثيرات منهن حاولن إنجاح زيجاتهن رغم كل المشاكل التي كانت تواجههن إلا أن الطلاق كان الحل الأنسب لهن، حتى وإن وقفت المادة عائقاً أمام إكمال المرأة طريقها بمفردها فوجود الضمان الاجتماعي كسر أمامها هذا العائق. من خلال تجربتي لم أشعر بالفشل بل على العكس سعدت بإيجابيات وضعي ونسيت أنني سأتعب بعد الحصول على الطلاق غير أنني كنت أخشى جرح أولادي وخاصة ابنتيّ، كما أن القدر ساعدني وتوفرت أمامي المساعدة المالية من خلال الحصول على راتب والدي رحمه الله».

وأشارت جابر إلى صعاب واجهتها بعد انفصالها والتي تمثلت في «تقبل المجتمع لفكرة انفصالي بعد سنوات الزواج الطويلة، فكانت الأسئلة وحب الفضول من الآخرين عن الأسباب، الأمر الذي أزعجني كثيراً. اعتزلت العالم الخارجي قليلاً والتزمت الصمت أمام كل من سأل عن السبب، حتى أنني تحفظت عن الكثير من الأسباب أمام أولادي لئلا أجرح شعورهم أو أضايقهم بالحديث عن بعض سلبيات والدهم. فقد كانت حالة أولادي سيئة جداً خاصة بعد الطلاق، الى أن بدأت أحتويهم وأطمئنهم وأعمل على تقريب وجهات النظر بينهم ولا أخفيك أنني في البداية تعبت جداً لتقريب وجهات النظر بين الأولاد وأخيرا استطعت بعد فترة ليست بالطويلة».

وأضافت: «لم أجد صعوبة في تقبل وضعي الجديد وبشهادة الجميع بدأت أشعر بالراحة خاصة بعد أن عانيت مع طليقي من الكذب والخيانة والكثير من المشاحنات. والواقع ان خروج هذا الإنسان من حياتي منحني الراحة مع أولادي الذين لا أرى انه ينقصهم الآن شيء، ووالدهم مازال مسؤولاً عنهم مادياً وعلاقتهم به جيدة بفضل من الله».

 

رضوان: الطلاق منحني فرصة لأرى حياتي من منظور مشرق وايجابي

عبير رضوان (٣٤ سنة) المطلقة منذ ٦ أشهر فقط ولديها طفلة لا تتجاوز الثلاث سنوات، تحدثت عن قصتها بروح يملأها الدفء -كما قالت-  بعد انفصالها عن زوجٍ لم ينصفها في زمنٍ يطغى عليه المجتمع الذكوري. تقول: «تزوجت وأنا في سن الـ ١٨ وكان زوجي يكبرني بـ ١١ سنة، إلا أن منصبه ووظيفته جعلاه زوجاً مثالياً أمام عائلتي التي وافقت عليه حتى دون أن تسأل عنه، ليتبين لي بعد أسبوع من زواجي أنه متزوج وأنني الزوجة الرابعة ولديه من الأبناء والبنات من هم في سني بل وأصغر مني.

ولم تكن زوجاته يعلمن بزواجه، حتى اني فوجئت بامرأة تطرق باب منزلي بقوة وتنهال علي بألفاظٍ غير لائقة وضربٍ لاعتقادها بأنني عشيقته، لكونها اعتادت على وجود عشيقات لزوجي في منازل عدة وعندما أخبرتها بأنني زوجته ابتسمت ابتسامة صفراء وسألتني هل تأكدت من تسجيل عقد الزواج؟ وغادرت منزلي وضحكتها تسبقها إلى الخارج. عاد زوجي إلى المنزل لأخبره بما حدث، فما كان منه إلا أن أرسلني إلى منزل عائلتي ليتفادى المشاكل مع زوجته الأولى التي ضربتني. أخبرت عائلتي بما حدث وكان الصبر مفتاح حديثي معهم... استمرت علاقتي بزوجي بتوتر شديد وخوفه من زوجته الأولى كان يسيطر على حياتنا، حتى أنها منعته من الإنجاب مني متوقعة عدم استمرار الزواج. لم يكن يومي كيوم زوجة عادية، فجسدي اعتاد على الضرب من زوجي ومن أولاده. وعندما حدث الحمل وأنجبت طفلتي سلبوني إياها ولم أستطع الحصول على حضانتها الى أن حصلت على الطلاق قبل ستة أشهر».

وأضافت رضوان: «بعد الاتهامات التي أطلقها زوجي أمام القاضي والطعن بأهليتي، شعرت بالظلم في بداية الأمر خاصة ان القاضي على صلة قربى بزوجي. لكن عندما استمع إلى شهادة الشهود من أهلي ومن الجيران اقتنع وعدل عن رأيه وأمر لي بحضانة طفلتي. أنا اليوم أعيش ميسورة الحال في منزل عائلتي وأعمل في وظيفتي  وأشعر بالسعادة التي حرمت منها سابقاً، واشعر بأن الطلاق انتشلني من حالة الرعب التي كنت أعيش فيها طوال السنوات السابقة. ومن خلال تجربتي أشعر بان الطلاق ليس نهاية الحياة بل هو بوابة الأمل التي منحنا إياها الخالق، فهو البداية الجديدة لتوفير الفرص أمام المطلقات في النجاح وتحقيق السعادة مجدداً والاستمرار في الحياة».

المشهدي: الطلاق حل  لمعاناة الطرفين .. ويجب عدم اعتباره عقاباً يهدد المرأة

من جانبها، أشارت الاختصاصية الاجتماعية سوزان المشهدي الى أن الطلاق ليس نهاية أكيدة بل تعتبره الكثيرات البداية الجديدة لحياتهن، فقد أباحه الله  وفيه فائدة عظيمة. إلا أن الإعلام سلط الضوء على سلبياته متناسياً الجوانب الايجابية التي تدفع المرأة إلى شعورها بالرضا والراحة فور انفصالها عن زوجها اذا كانت تقبع تحت ظلم وعنف واضطهاد في منزل الزوجية.

وأضافت: «يجب ألا يعتبر الطرفان أن الطلاق هو عقاب قد يُزهق الحياة الأسرية ويعلن وفاتها، ففي بعض المجتمعات الشرقية نجد أن ثمة رجالاً يعتبرون الطلاق عقوبة أو رد فعل على موقف... ومن المفترض أن لا يتم التعامل مع ابغض الحلال بهذه الطرق السلبية، فكما لسلبياته من مواقف تؤثر على الأسرة من تشتت الأطفال وضياعهم بين الطرفين، فإن إيجابياته تكمن في إنقاذ اسر من العنف المنزلي وفتح أبواب السعادة لكل من الطرفين بعد الإحباط الذي كان مسيطراً على حياتهما معاً. ولا يجوز العمل على الإساءة أحد الطرفين الىالآخر خاصة أمام الأطفال للسماح لهم بإكمال حياتهم دون الحقد على طرف دون الآخر ومدركين أن والديهم لا يكرهان بعضهما البعض».

وتابعت: «أرى أن الطلاق إذا حدث في ظروف ايجابية ينعكس على المرأة المطلقة بإيجابية أيضاً من جوانب متعددة، وأهمها النفسية والاجتماعية والروحية. فالكفّ عن التدخل في شؤون الغير والإساءة لأي طرف من الأطراف المنفصلة يجعلنا نتعامل مع الطلاق بعيداً عن كونه عقوبة تترتب عليها نتائج سلبية كالانتقام والحرمان من الأطفال وغيرهما من الأمور الشائكة. لذلك عند حدوث الطلاق برضى الطرفين علينا التعامل معه بطريقة حضارية مبنية على رؤية واضحة في العيش بسلام».

 

الخطيب: على المطلقة الاستفادة من تجربتها السابقة والخروج منها بإيجابية

في السياق نفسه قال كبير استشارييّ الطب النفسي واستشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين في جدة الدكتور سعد عمر الخطيب ان الطلاق قد يعود بإيجابيات على الطرفين خاصة واذا كانت العلاقة الزوجية متوترة إلى حدٍ كبير أو قد تشكل خطراً على حياة أحدهما أو قد تضر بالأطفال. هنا يكون الطلاق أحد الايجابيات لإنهاء العلاقة لكن شرط إنهائها بصورة ودية أو مقبولة. وأضاف: «من الايجابيات أيضا إنهاء نزاعات عدم التكافؤ أو عدم الانسجام بين الطرفين وإزالة الغبن. والطلاق يعطي الطرفين فرصة بناء حياتهما من جديد.

وما يجدر تأكيده أن الطلاق ليس نهاية العلاقة بين الطرفين، فمن الممكن أن تنشأ علاقة مقبولة بينهما خاصة بوجود أطفال. فالطلاق يعتبر بداية جديدة نحرص فيها على  الاعتناء بالأطفال. وقد يكون ايجابياً للطرفين خاصة اذا كان أحدهما  كثير المتطلبات والطرف الآخر غير قادر على تحقيقها. فعلى سبيل المثال لدى الزوج رغبات عاطفية أكثر والزوجة لا تستطيع تحقيق جميع هذه الرغبات فنجدها تطلب الطلاق لعدم استطاعتها إسعاده عاطفياً. ومن الممكن أن تجد شخصاً آخر مستقبلاً قادرة على الانسجام معه».

وذكر الخطيب أن الكثير من الدول العربية والسعودية أيضا بدأت بتفعيل مبدأ «إصلاح ذات البين» الذي يعتمد على التوفيق بين الطرفين. «وإذا كان أحد الطرفين لا يقبل العودة ومن مصلحة الجميع ذلك، فالطلاق هنا ايجابي. إنما لو شعر أحدهما بضياع الأطفال أو غُبن الزوجة وظلمها في غربتها بعيدة عن أهلها، فهذا النوع من الطلاق نجد أن إيجابياته محدودة للغاية، هذا اذا كان له ايجابيات في الأساس».

وركز الخطيب على أهمية تحسين صورة الطرف الآخر أمام الأطفال قائلاً: «الحرص على الطلاق بصورة ودية أحد أهم أسباب تصنيفه بالايجابية، لأنه بعد ذلك يتم التركيز على تحسين صورة الطرف الآخر أمام الأطفال. فالأم يجب أن تقول لأطفالها بأن الطرف الآخر مازال والدهم لكن وبسبب بعض الاختلافات وجدنا أن الانفصال أفضل للجميع. وعليها ان تحرص على زيارة الأطفال لوالدهم وتمضية وقت معه الأمر الذي يجعل الاحترام عنواناً للأم والأب من قِبل الأطفال».

ونبّه إلى  عدم الانصياع وراء محاولات بعض المطلقات لهدم حياة المتزوجات أو الُمقبلات على الزواج وذلك «لإحساس المطلقة بأنها تملك حرية أكثر من المتزوجة، وهي ترجمة لما تنظر إليه بإيجابية متناسية أن نظرة المجتمع الى السيدة المطلقة مازال يشوبها بعض السلبيات، خاصة إذا كانت سيدة مطلقة مع أطفالها ».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079