تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

النساء المعلّقات

نساء سعوديات معلّقات لسنوات يصفن أنواع العذاب والحرمان المادي والعاطفي والجسدي، فمنهن من علّقت قضيتها في المحاكم، ومنهن من علقت في منزل زوج هجرها. قصص حقيقية في المجتمع تعاني منها نساء لا يستطعن مواصلة حياتهن لأنهن لسن زوجات ولا مطلقات. في هذا التحقيق تفتح «لها» ملف المعلقات وتسرد قصصاً واقعية لصاحباتها.

 

عائشة العتيبي في العقد الثالث من عمرها، تنتظر منذ ست سنوات الإفراج عنها بورقة طلاق. تقول: «أعيش حرماناً مادياً وعاطفياً وجسدياً منذ سنوات والآتي أعظم. فانا غير موظفة حتى أعيل نفسي وطفلي ابن الستة أعوام، والضمان الاجتماعي لا يشملني لأني غير مطلقة ولا أرملة. لذاأعيش على حسنات الآخرين».

وتبدأ عائشة بسرد قصتها: « تزوجت من ابن عمي وأنا في الثالثة والعشرين. والواقع اني كنت مجبرة على الزواج منه. وبعد مرور شهر على زواجي كان حملي بابني عبدالله... لم أطق العيش مع زوجي الذي كانت ظروفه المادية سيئة. وعند اقتراب موعد الولادة طلبت الذهاب الى أهلي للإنجاب ولم يمانع. بعد انتهاء فترة الأربعين طلبت الطلاق منه ولكنه رفض. تحدث معه والدي وأخوتي بعد إصراري على رفض العيش معه ولكنه رفض الطلاق».

ناضلت عائشة لكسب لقمة العيش لإعالة طفلها وعملت خياطة في المنزل، وبعد مرور سنة ذهبت الى المحكمة لطلب الطلاق. استدعي الزوج  الذي ذهب الى الجلسة ولكنه رفض الطلاق. عيّنت المحكمة جلسة ثانية، الا ان الزوج رفض حضورها.

وبعد مرور سنتين لم تفقد عائشة الأمل... «ذهبت الى المحكمة مرة أخرى بعد مرور ثلاث سنوات من رحيلي عنه مطالبة بالطلاق للمرة الثانية، على أساس أن زوجي لا يصرف على ابنه وأنا من يعمل لأعالته، اضافة الى رغبتي في الزواج مرة أخرى. نظرت المحكمة في قضيتي للمرة الثانية وتم استدعاؤه ولم يحضر. وقد توصلت المحكمة إلى مقر عمله ومع ذلك لم يحضر» . وتضيف بألم: «إذا لم ينصفنا القضاء ويعفنا عن الرذيلة من سيحفظ لنا كرامتنا».

أما مها عبدالله ( ٣٤ عاماً) التي كانت أوفر حظاً من عائشة اذ كان الموت رحمة لها... تقول «تزوجت قبل 12عاماً وكنت فرحة بزواجي من شاب ميسور مادياً. كان يغرقني بالهدايا، ولكن لم أعلم أن هذه هي بداية معاناتي. وبعد إنجابي لإبني تركي بدأت تنجلي الأمور، حيث كان مدمن مخدرات، وبدأت حالته تسوء».

لجأت مها الى والده فأدخله مستشفى «الأمل» ولمدة ستة أشهر، وخرج منه ليعود الى المخدرات. ادخل مرة أخرى للمستشفى وخرج في مدة وجيزة أيضاً ولكن لم يستطع الفرار من الإدمان. «وبلغ به الأمر انه سرق كل الهدايا التي جلبها لي ليوفر لنفسه متطلبات ادمانه. لم أتحمل ما وصل إليه فذهبت إلى منزل والدي وأخبرته فطالب والدي بطلاقي بناء على رغبتي في الانفصال عنه، ولكنه رفض. وادخل للمرة الثالثة للمستشفى وكان عنده أمل في انه بعد العلاج سوف أعود إليه. لجأت الى والده الذي كان له كلمة مسموعة عند ابنه، ولكن لم ينجح في حل المشكلة. لذا لجأت الى المحكمة، وبين مد وجزر مع القضاء لمدة ثلاثة أعوام رحم  الله عباده حيث اخذ أمانته وتحولت من معلقة إلى أرملة».

أما هند عويد (٣٦ عاماً) المعلقة منذ ثماني سنوات والأم لأربعة أطفال فتروي قصتها قائلة: «كان زوجي ذا سلوك شاذ منذ البداية،  ولكن كانت والدتي تدعوني الى التحمل والصبر هي قوتي اليومي حتى نفذ الصبر. لم أتحمل تصرفاته ولا سلوكه فطلبت الطلاق منه ولكنه رفض»، وبعدها أخذت بناتها الأربع الى ذويها لتعيش معهم خصوصاً انها موظفة وتعيل أطفالها. غير انها لم تكتفِ بذلك بل كانت تريد حريتها والانتهاء من زواجها كليا. «رفعت شكوى الى المحكمة  التي استدعته ولكنه لم يستجب لمدة عامين. وعند ذهابه الى المحكمة طلب استرداد ما دفعه من مقدم صداق وتكاليف الزواج، فلم أتأخر عن ذلك بل قدمتها بكل لهفة ظناً مني أنها النهاية، ولكن للأسف كانت البداية لمطامعه وأهوائه. وعندما ذهبنا الى الجلسة الثانية كان الشرط الثاني أخذ بناتي الأربع، فرفضت الطلاق».

غاب الزوج عن الأنظار خمس سنوات، وحتى أهله لم يكونوا يعلمون عنه شيئاً. فتوجهت الى المحكمة التي أقرت لها بخلع غيابي بعد عجزها عن معرفة شيء عن الرجل.

رأي الدين: تعليق المرأة ضرر لها ولأهلها ولأبنائها

قال الدكتور عصام الحميدان، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ان الله تعالى قال «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة». وهذا نهي عن التعليق، ومن المعلوم أن شرط التعدد في الزواج العدل، قال سبحانه (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) وقال صلى الله عليه وسلم (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)، رواه البخاري.

والوعيد هنا يتناول العدل في النفقة والمبيت والحاجيات الظاهرة، أما الميل القلبي فلا يملكه الإنسان ولا يؤاخذ عليه، قال صلى الله عليه وسلم (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، يعني القلب.

ومن طابت نفسه من امرأته ولم يرغب فيها ويريد فراقها، فليسرحها بإحسان كما قال سبحانه (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). أما المضارة لها ولأهلها ولأبنائها فهي ظلم، قال سبحانه (ولا تضارُّوهنّ لتضيقوا عليهنّ) والظلم ظلمات يوم القيامة.

وإذا كان النظام القضائي لا يساعد المرأة في بلد ما، فالمرجع هو ضمير الزوج، وتدخل الأولياء، ولكن القاضي إنما جعل لإقامة العدل ورفع الظلم، فإذا رأى أن الزوج بتصرفه يريد مضارة الزوجة فله أن يتدخل إما بفسخ الزواج أو بإجباره على قبول العوض، وهو المهر في حالة الخلع، أو غيره في حالة الصلح. وقد جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ، ثابت ما أنقم عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر بعد الإسلام. فقال لها صلى الله عليه وسلم (أتردِّين عليه حديقته؟) قالت: نعم. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبل الخلع وقال له (اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة)، رواه البخاري.

ومن الظلم الواضح تعليق الزوجة رغم ان لا رغبة للزوج فيها، وفي حال تأخر المحاكم في بت القضايا وفوات الأوان على الزوجة في الزواج فان الضرر الجسيم والأثر النفسي لايقعان على المرأة.

أضاف الميدان: «الزواج ميثاق غليظ كما سماه الله تعالى، ويجب على الزوجين قبل الإقدام عليه التفكير مرات ومرات، وللأهل دور في تلك التوعية. ولا ينبغي أن نفك هذا الميثاق بسهولة، بل يجب حل الخلافات الزوجية بوسائل مناسبة مرضية للطرفين، بالحسنى والإصلاح (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما)، ولكن إن كان الكيّ هو آخر العلاج فليكن بالكيفية التي شرعها الله تعالى والتي كلها عدل ورحمة وحكمة».


المحامي جاسم عطية: نقص عدد القضاة وكثرة القضايا تطيلان قضية الطلاق

يقول المحامي جاسم عطية: «المحاكم تؤخر قضايا الطلاق حتى يتوصل الطرفان إلى حل لمشاكلهما في حال يئسهما من حل المحكمة وهو الطلاق، وذلك لتخفيف الطلاق الذي ارتفع معدله في السنوات الأخيرة. عدا الأسباب غير المقنعة للقاضي، ومنها ان تكون المسألة مجرد عناد من احد الطرفين».

ويضيف: «يحصل غالباً ان يتخلف الزوج عن جلسة المحكمة، ويعمد البعض الى إخفاء مكان إقامته وتغيير عمله مما يصعب على المحكمة مطاردته. ولا نغفل ان قلة القضاة في المحاكم وكثرة القضايا تطيلان قضية الطلاق».

ويلفت المحامي الزوجة الى انه حينما تطول قضيتها في المحاكم، عليها ان تأخذ ورقة من المحكمة تثبت عدم صرف زوجها عليها وعلى أطفالها وتعليق قضية طلاقها وتذهب بها إلى الضمان الاجتماعي بغية صرف إعالة لها.


رأي علم النفس

الاختصاصية النفسية معصومة السويكت تقول ان المرأة المعلقة تتعرض لاضطرابات «نفسجسمية» أكثر من غيرها. وتضيف: «يتضامن المجتمع مع هذا العقاب الزوجي بعدم حصولها على مساندة من المؤسسات لمجرد حصولها على مسمى مطلقة. ولا تكتفي المعلقة بمعاناتها بل تحمَّل مسؤولية أبنائها أو ألم الهجران حين حرمانها من أبنائها، إضافة إلى معاناة الاحتياجات الجسدية والعاطفية والأسرية».

وتؤكد أن المرأة المعلقة تتعرض لضغوط أكثر من غيرها وتصاب بمختلف الأمراض والاضطرابات النفسية خاصة الاكتئاب والاضطرابات النفسجسمية، مما يؤدي إلى انقلاب المعادلة الطبيعية فلا تعود مصدر الأمان والحنان والعطاء والحب لأبنائها، فحين إصابتها بالمرض النفسي تصبح مصدراً للخوف والألم والشعور بالإهمال لأبنائها، وهذا يؤدي إلى ظهور مشاكل الأحداث والانحراف السلوكي للأبناء.

وتختم السويكت بوجوب النظر في تفاقم هذه الظاهرة ومدى خطورتها على الأبناء أولا وعلى المرأة، وذلك من جانب القضاء الذي عليه بت هذه الأمور بسرعة.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079