لماذا تغيّب المرأة اللبنانية عن المشاركة السياسية؟
قد يُخشى على هذه الكلمات الإعياء لكن كما يقول المثل لا يموت حق وراءه مطالب. مشاركة المرأة في الحياة السياسية اللبنانية لا ترضي نساء من المجتمع المدني و«سياسيات» يعبرن عن تطلّعهن الطامح إلى شغل مقاعد شاغرة من الصوت النسائي الفاعل ورأيهنّ بنظام ال«كوتا». عسى أن لا يكون صوتهن في هذا التحقيق كمن يضرم النار في غصن أخضر وتبقى المرأة مواطنة من الدرجة الثانية تواجه أغلال المشاركة السياسية خصوصاً في المرحلة المقبلة مع تشكيل لوائح الإنتخابات النيابية اللبنانية المزمع خوضها في ربيع 2009 والتي لا يرجّح أن تخرج من دائرة الولاءات الذكورية.
وفي مصر على الراغبات في المشاركة السياسية تكبّد العديد من الصعاب وتحمّل المشقّات التي لا حصر لها، بداية بالحروب الذكورية برأس المال والنفوذ السياسيين وإدعاء التدين، وقد يصل الأمر إلى درجة الخوض في الأعراض، فمازال هناك العديد من العقبات التي تعترض طريق النساء الى المشاركة السياسية. من هنا تطالب أصوات بتعديلات تشريعية وقد طالب الرئيس المصري محمد حسني مبارك أخيراً بالإسراع في طرح هذه التعديلات. ولكن ألا تستطيع المرأة المصرية المشاركة السياسية دون توصيات رئاسية؟ هل تفتقد المهارة السياسية أم روح القيادة أم القدرة على تحمل المسؤولية؟ أم أنها حروب الرجال؟ «لها» تحقق لتعرف أسباب عدم مشاركة المرأة سياسياً في لبنان ومصر على نطاق واسع وما هي الرؤية المستقبلية لمشاركتها بعد هذا القرار؟
د.نهى بيومي - كاتبة وأستاذة جامعية وعضو في تجمع الباحثات اللبنانيات: العملية القيصرية لإنقاذ الأم والجنين رمزها الكوتا
تقول د.نهى بيومي «إن المرأة ناضلت كثيراً حتى إمتلكت خطابها السياسي الظاهر والمعلن وتجاوزت الكثير من الحواجز، لكن هذا التقدم لا يزال رهين الحرب وفترة ما بعدها وما أفرزته من تفكك للمؤسسات الرسمية وضعف دور القانون والدستور الذي لم يعُدْ المرجع مما أثّر سلباً على موقع المرأة اللبنانية في السياسة».
وتضيف:«هناك دول عربية أقل ديموقراطية من لبنان وتعتمد نظام «الكوتا». نظامنا طائفي مُعلَن والطائفية فيه حادّة للغاية. وبالتالي نعيش «القبلية السياسية الذكورية» التي يصعب في ظلها وضع إمرأة في الواجهة».
وتجد من المضحك «أن نضع ثقتنا بالرجال أكثر من النساء في وقت أثبتوا فيه فشلهم ودورهم الفعلي في تفتيت البلد». وتضيف: «هناك مواصفات للدخول في معترك السياسة اللبنانية وفي طليعتها الإنتماء الطائفي المُعلن والأسري القوي الذي حادت عنه نساء الحداثة(المثقفات والأكاديميات والكاتبات والصحافيات والمحاميات..) اللواتي لا يتوسّلن قناة الزعيم للوصول إلى الحكم. وهذا التيار النسائي ذو حدين، فهنّ بَنيْن أنفسهنّ وكفاءاتهن، ومفيدات لمجتمعهن. لكن من جانب آخر أُبعدن عن الطبقة السياسية مما أوجد فجوة بين هذا التيار اليساري والسلطة التي يرمقها بنظرة دونية قد تطاول أيضاً المرأة السياسية المنتقاة من قبل الطبقة الحاكمة».
وتجزم بيومي: «وصلنا إلى الحضيض السياسي ، فلا وجود لحركة سياسية صحيحة وصحية تعبّر عن طموح اللبنانيين. نعاني من العقلية القبلية المتفقة على تقسيم البلد».
ولا تُنزّه بيومي المرأة لكنها لا ترى من المقبول «إستثناء طرف أساسي في المجتمع اللبناني من ممارسة مواطنيته وصلاحيته السياسية وحقوقه، ومن غير المنصف أن ننتظر من المرأة حل كل المشاكل السياسية العالقة وقلب الموازين، فهي إنسانة كما الرجل الذي نعتبره قيمة عليا وتعمد الذهنية اليابسة والجامدة إلى تأليهه. لست منحازة كلّياً للنساء لكن هناك كفاءات هائلة يحب إعطاؤها فرصة المشاركة لتحريك الدينامية السياسية نحو الأفضل فالصورة الحقيقية هي الصورة الجماعية».
أما نظام «الكوتا» فتشبّهه بيّومي «بالعملية القيصرية عند تعثّر الولادة الطبيعية لإنقاذ الجنين والأم، وهذه العملية رمزها الكوتا التي يجب أن تنعكس على كل المستويات والمواقع الرئيسية في المؤسسات والأحزاب عبر تضمين لوائحها نسبة معينة من النساء».
وتستاء بيومي من الحملات الإنتخابية «التي تعتبر تمويل المرشحة فيه الكثير من المجازفة ومصيرها الفشل». وتتساءل: «هل النواب الموجودون حالياً أفضل؟»
وترفض الذهنية التقليدية التي تجعل من النساء تابعات(المرشحات والمقترعات).
وتعود إلى الكوتا لتقول: «لا أرى في الكوتا نظاماً تمييزياً، فهي الطريقة الوحيدة لضمان مشاركة النساء في مواقع القرار السياسي والإقتصادي والثقافي».
وتشير إلى «أن فرنسا هي الدولة الأوروبية الأقل إفساحاً لدخول المرأة عالم السياسة مقارنة بباقي الدول الاوروبية حيث تزداد نسبة مشاركة المرأة السياسية كلّما إتجهنا نحو أوروبا الشمالية ونحن كنا مستعمرين من قبل الفرنسيين، لا أدري لمَ لا يتطوع أحدهم لدراسة هذه المصادفة. لجأت فرنسا إلى الكوتا في لوائحها الحزبية مما رفع عدد النساء المشاركات في السياسة لكنها لا تزال مشاركة غير فعلية . أقول ذلك لأن هناك علامة إستفهام حول مسألة الدين الإسلامي الذي يُشاع أنه يحد من تبوّؤ المرأة مراكز سياسية. أوروبا دين آخر والمشاركة النسائية ضعيفة أيضاً رغم وجود دولة علمانية؟.
وتجد بيومي المشكلة الأساسية «في الأبنية الذهنية للمجتمع التي تحتاج إلى عمل على مستويات عدّة وعدم إلزام المرأة بدنيا الطبخ والجمال والصحة والطفل، بل وضعها في مواقع القرار كرسم إستراتيجيات وتوجهات الإعلام وعدم حصرها في المجال الترفيهي. كما على المراة أن تنشىء رجلاً لديه ثقة كبيرة بنفسه وتربيته على قيم العدالة وعدم تربيته على الصراع».
وتصف الوضع السياسي اللبناني بالمهزلة خصوصاً مع إعتماد قانون عام 1960 في الإنتخابات المقبلة وتتساءل: «وسط التناحر السياسي والخطاب الأجوف الذي لا يزال يحتفظ بمن جلبوا الحروب إلى لبنان، أين موقع المرأة ضمن هذه التركيبة العقيمة؟».
ولا تتوقّع أن تنقلب الموازين بين ليلة وضحاها إلا إذا إستقر البلد أمنياً وسياسياً: «المجتمع المدني الحي لا مكان له في الوضع المتأزم، فالبنية الفوقية هي في أيدي زعماء الطوائف، لكن تبقى المناهج التربوية كمسألة الجندر(الجنس من حيث الذكورة والأنوثة) أضعف الإيمان لإستثمار بعيد المدى في ظل غياب مراكز البحوث والدراسات التي تكشف الحقائق وتعرّي المجتمع وسلبياته، لكن هذا لا يعني السكوت عن الغبن اللاحق بالوطن».
أما في ما يتعلّق بمن وصلن إلى السلطة عن طريق الزوج أو الأب أو الأخ فتعتبر مشاركتهن: «مرحلة إنتقالية في سلطة شبه معطلة حيث المؤسسات والقوانين ضعيفة، فهؤلاء النساء ممثلات لأزواجهن أو عائلتهن في النهاية. هذه التركيبة التقليدية تضمن للاسف فوز النساء ومن ترفضها تسقط في الإنتخابات. لكن هذا لا يمنع أن ثمة من أثبتن جدارتهن. أدين هذه التركيبة دون التفرقة بين النساء أو الرجال».
التعلّق والنفور من الدولة وجهان لعملة واحدة
من جهة أخرى ترى بيومي في دراستها التي تناولت «النساء والتحولات السياسية في البحرين» أنه لولا القرار السياسي البحريني لبقي التغيير ضعيفاً وهو لم يحصل بسعي النساء ومؤسسات المجتمع المدني.
وتصف النساء في البحرين «بالمتشبثات بالدولة باعتبارها المسؤولة عن تغيير أوضاعهن وإيجاد الحلول لمعضلتهن». وتتساءل: «لماذا تضع البحرينيات نصب أعينهن الحكم كمحور للنقد وكمجترح للحلول، بينما هجرت نظيراتهن اللبنانيات الحكم ولم ينصبنه حُكماً وحَكَماً على قضاياهن؟».
وتفترض أن البحرينيات إعتدن على حضور دولة قوية إتخذت منحى الإشراف والتحديد والقوننة بشكل فعال وضاغط، وإعتدن على مركزيتها وما تفرضه من تراتبية، فتحوّلن إلى تابعات لهذا المنظور السياسي الذي يضع الحدود ويرسم السياسات وبالغن في التعلّق والتماهي به. ومع الإصلاح الدستوري وتغييره ما بعد ال2000، بقين على عهدهن، لا يفارق نظرهن محور الحكم حين يرين إلى قضاياهن.ذلك مع أن الإصلاح رسم حدوداً جديدة للسلطة السياسية أفسح فيها مجالاً للتنظيمات السياسية. وعلى عكسهن، فإن اللبنانيات ومع تباشير ظهور الدولة بعد الحرب، بقين على عهدهن هاجرات لها وغير مراهنات عليها، بل واظبن على رهانهن على الذات وقدراتها وعلى الجماعة ونفوذها». وترى: «أن المبالغة في التعلّق والنفور هما وجهان لعملة واحدة: عدم إستقلالية النساء عن صورة الأب الرمز الذي يجسّده الحكم، إذ لا يعني الإستقلال بتاتاً التبعية(السلبية أو الإيجابية) التي تتجسّد بالإفراط في التعلّق أو الهجر، فهما علاقتان غير متوازيتين، فاللبنانيات خسرن ثقتهن بالدولة وبالتالي ضعفت همّتهن على مواجهتها، وأتيح حديثاً للبحرينيات نقدها ومحاسبتها، أي أنهن لم يتعلّمن الإستقلال عنها وفق علاقة متّزنة بها.
ويجسد هذا الموقف السلبي في حقيقته التعلّق اللا إرادي بالحكم(مصدر المشكل والحل). فالدولة في الحالتين لم تَبْنِِ علاقات عادلة مع النساء عن طريق إستحداث قوانين لتسريع عملية التغيير الإجتماعي\السياسي وفي ذهنيات النساء ومجتمعاتهن (التي تقاوم الحلول السريعة) بالوتيرة نفسها.
وتعلّق: «السلطة في البحرين أدخلت النساء في السياسة دون جهوزية المجتمع رغم نضال المرأة للإستقلال ومرحلة ما بعده بينما في لبنان الدولة ضعيفة والمرأة تطالب ومرجعها المجتمع والحل لدى الدولتين التوازن ما بين دور المجتمع ودور الدولة».
طاقات المرأة لا دار لها في المشهدية الإجتماعية والسياسية
للباحثة نهى بيومي دراسة بعنوان «المرأة، المدينة، السياسة» تناولت مدينة صيدا في جنوب لبنان نموذجاً لإظهار دور المرأة التي ترى أن الذاكرة العامة «أقصت تواريخ نسائية». وقد عمدت إلى: «تكسير جدار صمت الذاكرة لصياغة أشكال الوجود النسائي وفتح آفاق في المدينة لمعرفة ماهية دور المراة السياسي في مرحلة الخمسينات والستينات وحتى عتبات الحرب الاهلية، لكن ليس بمعزل علاقتها بالرجل».
وما إستفزّها هو تاريخ شخصي وتحديداً تاريخ شقيقتها التي كانت حزبية في الخمسينات وتقول: «إذا كنا نعرف القليل عن دور المرأة السياسي في صيدا، فذلك لأن تاريخ المدينة الحديث هو بالإجمال شفهي أولاً، وثانياً لان فهم هذا الدور مرتبط عند الناس بمفهوم تقليدي للسياسة تجسّده الزعامة وإحتلال المواقع ضمن معايير القوة والسلطة». واعتبرت أن طاقات المرأة لا تزال لا دار لها في المشهدية السياسية\الإجتماعية، فهي مُزاحة من المركز وماثلة بين المجالات واللغات.
وزيرة الدولة السابقة وفاء الضيقة حمزة: نظام الكوتا قادم من كوكب آخر؟؟
عن نظرتها إلى واقع المرأة في السياسة، المقترعة والمرشحة تقول الوزيرة اللبنانية السابقة وفاء الضيقة حمزة: «المرأة اللبنانية في السياسة مهمشة بامتياز، والإستثناءات تؤكد القاعدة إذا نظرنا الى التمثيل الضئيل للمرأة في الوزارة والنيابة.
تشكل المرأة نصف عدد المقترعين، وإن معظم النساء المقترعات لسن صاحبات قرار في وجهة إقتراعهن، وهذه بحد ذاتها مشكلة. يجب العمل على توعية المرأة كي يكون قرارها بيدها وليس يبد الزوج أو الأخ أو القريب. إن المرأة كقوة ناخبة بإمكانها تغيير المعادلة. بشكل عام نصف الأصوات التي جاءت بالنواب الى الندوة البرلمانية هن من النساء.
أما على مستوى الترشيح فنجد نسبة المرشحات في الانتخابات البرلمانية لا تذكر مقارنة بالذكور. المرأة تحجم عن الترشح لأسباب عديدة أبرزها عدم توافر الدعم المجتمعي لها، كذلك الدعم المادي. والنظام السياسي في لبنان يلعب دوراً أساسياً فهو نظام طائفي، أبوي،عائلي.
أما على مستوى الترشح في الانتخابات البلدية فقد بدأت المرأة تكسر الطوق بخجل حيث ارتفع عدد المرشحات من 4 سيدات عام 1998 الى 700 عام 2004 فاز منهن 220 امرأة».
كوزيرة دولة سابقة تحكي عن تجربتها الشخصية المرأة نافية مقولة صوت المرأة «غير الفعال»، ففي مواقع القرار «تمارس صلاحياتها كما الرجل في الموقع ذاته، وهي كإمرأة لها نظرتها إلى قضايا أساسية قد يغفل عنها الرجل . أما التغيير وإذا كان في سبيل قضايا المرأة فصوت واحد في مجلس الوزراء لا يكفي، إنما يحتاج الى قوة ضغط من مجموعة نساء ورجال. ولا شك أن المرأة في موقع القرار بإمكانها أن تلعب دوراً أساسياً في تحريك هذا اللوبي لفرض تغيير ما. المطلوب أيضا التغيير في بعض السلوكيات النمطية تجاه المرأة من قبل أصحاب القرار والسياسيين أنفسهم وإقران القول بالفعل».
أما عن نظام «الكوتا» الذي تمّ تداوله في لبنان فتقول: «تم التعامل مع هذا النظام وكأنه قادم من كوكب آخر وبإستهجان، حتى أن بعض النساء في مواقع رفيعة وقفن ضده. وأنا كإمرأة وصلت الى موقع قرار تولدت لدي قناعة أعمق أن المرأة في لبنان دون الكوتا لن تتمكن من ولوج السياسة من الباب العريض إلاّ من خلال اتخاذ تدبير استثنائي مرحلي يصحح الخلل، أي يجب أن تتدخل الإرادة السياسية لتغيير واقع يُغيّب المرأة قسراً عن حقها في الشراكة في إدارة شؤون البلاد التي هي حالياً حكر على الرجل. يجب أن نعمل للوصول الى شراكة تامة بين المرأة والرجل ليس فقط في البرلمان إنما في كل مواقع القرار وفي السلطة التنفيذية وفي كل مرافق الحياة.. هناك أسباب جوهرية تعيق مشاركة المرأة في السياسة في لبنان. ولفهم هذه الاسباب يجب العودة الى التقارير الوطنية والاتفاقيات الدولية التي أقرّت إعتماد مبدأ الكوتا والتي بنيت على وقائع تاريخية، وكيف ولماذا والعمل على تذليل العقبات. فالكوتا ليست دلالاً وغنجاً من النساء، وعدم ثقة كما يحلو للبعض أن يصفها. كما أنها ليست الوسيلة الوحيدة بل إحدى الوسائل التي أقرتها الاتفاقيات الدولية».
د.هدى رزق- باحثة في علم الإجتماع وخبيرة بشؤون المرأة في منظمة الإسكو: نحن مجتمع ريعي يسلك الطريق الأسهل
تقول الدكتورة هدى رزق: «نعيش في دولة لا تتيح الفرصة لكل الرجال في الوصول إلى مراكز سياسية فاعلة، مما يضع أمام المرأة عقبات في طريق عملها السياسي. والمشكلة الكبرى عدم محاولتها تخطّيها، فهي لاتهتم بالسياسة حتى عند إختيار تخصّصها الجامعي المنحصر بالأسرة والطب النفسي والمجالات الأدبية أو المنحى العلمي البحت. المرأة في لبنان لا تعنيها السياسة، لا لأن الفساد يشوبها بل لانها لا تبذل جهداً للإنخراط في هذا العالم بشكل جدي وتتمرّد على الشؤون التنظيمية حيث لا مكان لقرارها السياسي والإداري أيضاً. ولو وجدنا المرأة في المركز السياسي، فهي لا تحمل حقائب سيادية بل تكون في مجالات التربية والشؤون الإجتماعية».
غالبية النساء اللبنانيات «مكتفيات بالظهور الإجتماعي ويفتخرن بحرية شكلية لكن ضمناً هن مجردات من حقوقهن القضائية والوضعية اللائقة في قانون الأحوال الشخصية».
تضيف: «قليلات هن النساء اللواتي لديهن طموح على الدرب الشائك، وللأسف الرجل اللبناني هو الأكثر ذكورية ومُحِب للملكية والمرأة تختار الطريق الأسهل. نحن مجتمع ريعي يعيش على حساب «الأجاويد»، مجتمع Facility».
وتعترف: «أن الجمعيات في لبنان قليلة التأثير بينما في الأردن وسورية حققت خضات جدّية. مجتمعنا المدني ينعم بالحرية لكنه مقيّد بأجندة الخارج والدول المانحة، ولا ينطلق من مشكلة الأرض». من ناحية أخرى تؤيد رزق نظام الكوتا على اللوائح وفرض الذات على الأحزاب وتتساءل: «هل يعقل أن بلداً كاليمن تبلغ فيه الكوتا 15%، والنسبة في المغرب ترتفع. نحن مجتمع مزيّف، نمنع الرجل وليس المرأة فقط من التصويت ضد إرادة العائلة. لا حرية فعلية في الإختيار. المرأة تملك الخيارات السطحية وقد تصدمها صورة المرأة القوية وتراها عدواً محتملاً لأن المجتمع غرس في ذاتها أن السلطة توازي الرجل الذي يختار دائماً وفي يده القرار».
وتقول رزق: «الموجودات في البرلمان اللبناني يعكسن ذكورية المجتمع الذي يماهي بين صورتهن وصورة من أتى بهن إلى الحكم، وهن أيضاً مترئسات لأكبر المهرجانات أي أن الرجل خوّلهن ربط الثقافة والفن والسياسة».
دراسة صادرة عن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية NCLW: المرأة اللبنانية في البرلمان في تسعينات القرن الماضي وبداية هذا القرن
لم تشهد سنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1992) عقد أي إنتخابات برلمانية. وقد حصل تطور في هذا المجال في سنوات ما بعد الحرب. فكيف كان أداء المرأة اللبنانية في الإنتخابات التي جرت عام 1992، 1996، 2000 و2005؟
أوّل دخول نسائي إلى البرلمان في فترة ما بعد الحرب حدث بطريقة غير عادية. فقد تم تعيين الوزيرة نايلة معوّض في مقعد زوجها رينيه معوض الذي اغتيل أثناء فترة رئاسته لست سنوات 1989. وقد شكّل تعيين السيّدة معوض جزءاً من سياسة الحكومة اللبنانية لملء المقاعد الخالية في البرلمان. الأوضاع الأمنية خلال الحرب لم تسمح بعقد أية إنتخابات برلمانية بعد عام1972 وإشتعال الحرب1975. هذه التعيينات مكّنت البرلمان من الإستمرار بالعملية التشريعية إلى حين تنظيم أوّل إنتخابات بعد إنتهاء الحرب.
عقدت أول إنتخابات برلمانية في لبنان ما بعد الحرب عام1992. وقد شهدت هذه الإنتخابات تحسناً ملحوظاً في ما يتعلق بقدرة عدد من النساء في الوصول إلى البرلمان.
ومما يثير الإهتمام في إنتخابات عام1992 ملاحظة أن المرشحين اللذين حصلا على اكبر عدد من الأصوات كانتا إمراتين هما نايلة معوّض وبهية الحريري. وقد حصلت الأولى عند إنتخابها على ثاني أعلى عدد من الأصوات من بين جميع الفائزين، حيث حصلت على 90599 صوتاً. ويدعي العديدون أن معوّض حصلت على هذا العدد المرتفع من الأصوات كتعبير عن التعاطف أظهره لها اللبنانيون رفضاً للأسلوب الذي اغتيل فيه زوجها خلال أيامه الاولى كرئيس للجمهورية. قد تكون الملاحظة صحيحة إلا أنها تتجاهل دون إنصاف إنجازات السيّدة معوض الشخصية التي ضمنت لها دعماً ملموساً من دائرتها الإنتخابية. فالسيّدة معوّض كانت نشطة جداً من الناحية الإجتماعية من خلال المؤسسة التي انشأتها، (مؤسسة رينيه معوّض). من ناحية أخرى حصلت الوزيرة بهية الحريري التي أنتخبت لأحد المقاعد المخصصة لمدينة صيدا على أعلى عدد من الأصوات بين جميع الفائزين، فقد حصلت على 117761 صوتاً. وبما أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري ترشح في بيروت فقد دعم ترشيح أخته في صيدا ووفر لها آلية حملة قوية كفؤة وأحلاف سياسية.
إنتخابات عام 1996 شهدت زيادة في عدد المرشحات من النساء، ومن بين إحدى عشرة مرشحة فازت إثنتان فقط هما الوزيرتان نايلة معوّض وبهية الحريري.
في إنتخابات عام 2000 ترشحت 16إمرأة يمثلن كافة المجموعات الدينية والمناطق للإنتخابات. وقد تمكنت 3 منهن من إحتلال مقاعد برلمانية. (نايلة معوض في دائرة زغرتا و بهية الحريري إحتفظت بمقعدها في صيدا فيما فازت غنوة جلول التي نزلت في إحدى القوائم الإنتخابية الثلاث لرفيق الحريري في بيروت حيث يتمتع بشعبية قوية).
شهدت إنتخابات 2005 عشر مرشحات في جميع الدوائر، تمكنت ست منهن في الوصول إلى البرلمان وهذا أعلى عدد من النساء يجلسن في البرلمان منذ تأسيس لبنان وحصوله على الإستقلال. وفازت أضافة إلى الأسماء المذكورة سابقاً صولانج جميّل أرملة الرئيس بشير الجميّل الذي كان رئيساً للقوات اللبنانية خلال سنوات الحرب. فائزة اخرى كانت ستريدا جعجع زوجة سمير جعجع قائد القوات اللبنانية الذي كان يقضي حكماً مؤبداً في السجن، وقد لعب تحالفها وتيار المستقبل دوراً أساسيأً في فوزها بإحد مقعدي دائرة بشرّي. إلا انه يجب ألا ننسى أن ستريدا جعجع تنتمي إلى أسرة سياسية قوية بارزة في بشرّي.
أما جيلبرت زوين التي كانت قد فشلت في الإنتخابات السابقة فقد فازت بأحد المقاعد المخصصة لدائرة كسروان - جبيل الإنتخابية بعدما شاركت على قائمة النائب ميشيل عون.
إستنتاجات عامة: جميع المرشحات اللواتي فزن في الإنتخابات كن تابعات بشدّة لشخصيات ذكورية سياسية وتم تبنيهن كمرشحات على قوائمهم الإنتخابية. العديدات منهن كن أرامل و/أو أخوات أو زوجات لشخصيات سياسية قوية. ثانياً رغم إزدياد عدد النساء في البرلمان، يتوجب التوقف وملاحظة فيما إذا كان الأمر سوف يتحسن ويرتفع عدد البرلمانيات في الإنتخابات المقبلة. ثالثاً، جميع المرشحات والفائزات في الإنتخابات جئن من كافة المناطق والخلفيات الدينية. وقد يقودنا ذلك إلى الإستنتاج أن جميع الجاليات والمناطق في لبنان يجمعون على مشاركة النساء في الشؤون السياسية للدولة. بمعنى آخر لا تستطيع جالية واحدة الإدعاء بأنها أكثر تسامحاً من غيرها حول هذا الموضوع. رابعاً، غالبية المرشحات يحملن شهادات جامعية وينشطن ويملكن خبرة في عدد من المؤسسات غير الحكومية على المستويين المحلي والوطني.
معظم البرلمنيات اللبنانيات تولّين مناصبهن بعد رجل من الأسرة
المعوقات التي تواجه مشاركة المرأة في السياسة هي سياسية وإجتماعية إقتصادية وإيديولوجية نفسية. وتعتبر الثلاثية الطائفية وقضية المواطنة ومشكلة المجتمع الأبوي، حيث الذكور هم صانعو القرارات وواضعو الأجندات والمتحكمون في التفكير داخل المجتمع اللبناني الذي ينعمون في داخله حجماً كبيراً من الحقوق والإمتيازات من المعوقات الرئيسية التي يتوجب التغلّب عليها . وفي غياب تحوّل إجتماعي سياسي داخل التركيب الهيكلي لعملية صنع القرار وثقافتها، لا يمكن توقّع أي تحسّن ذا أهمية في التمكين السياسي للمرأة وسط طائفة ثقافية تسيطر عليها الذكورية وممارستها التي تعززها مجموعة من السلطات الدينية المسيطرة من خلال قوانين الأحوال الشخصية الدينية على الديناميات الإجتماعية. لذا مجرد وجود 18 طائفة مختلفة في النظام السياسي الطائفي يشكل العائق الرئيسي الذي يمنع المرأة من التمتع بالمساواة وحقوق المواطنة الكاملة، فقد حصلت المرأة اللبنانية على حقوقها السياسية بالتصويت والمشاركة في السياسة مبكراً عام 1953، إلاّ أن المشكلة ما زالت تتلبث في مجالات أخرى.
أما النساء اللواتي يحاولن مواجهة المشكلة فيتوجب عليهن التعامل مع مشكلة إضافية هي «العبء المزدوج من المهام المنزلية والإلتزامات المهنية». وقد أبرزت الدراسة مشكلة «أنوثة» الفقر والبطالة نظراً لحقيقة أن المرأة لا يمكنها إلاّ نادراً تحقيق أية إختراقات في حياتها المهنية، مما يجعلها أكثر إعتماداً على الرجل. العوامل الإجتماعية الإقتصادية تشكل عقبة هائلة بالنسبة للنساء اللواتي يستهدفن مجال العمل السياسي في لبنان، حيث السياسة هي مرادف للقدرة على توفير الخدمات. لذا يصبح واضحاً أن خمسة من ستة عضوات في البرلمان اللبناني تولّين مراكزهن بعد رجل من أسرهن، ومعروف أن المرأة السادسة وهي النائب غنوة جلول ما كانت لتنجح في الإنتخابات لوأنها شاركت كمستقلة.
حسب الدراسة نفسها ذكرت 64% من النساء أن الصعوبات الإقتصادية منعتهن من الحصول على وقت كافٍ للمشاركة في النشاطات الإجتماعية و/أو السياسية. جميع هذه المظاهر مجتمعة تعزز مفهوم واسع الإنتشار للمرأة «كربّة بيت» أو وكيلة يجب أن يكون مكانها المثالي المنزل. خليط من هذه العوامل يظهر أن المرأة ما زالت تعتبر مواطنة من الدرجة الثانية.
الأردنية بشرى الزعبي - عضو مجلس أمانة عمّان- منطقة الزهران: عدم فوزي في المركز الأول لايزال غصة في نفسي
يجسد نظام الكوتا برأي السيدة بشرى الزعبي «مبدأ التمييز بين الرجل والمرأة ويرسّخ النظرة الدونية إلى المرأة، فما عجزت المرأة عن تحقيقه في تغيير نظرة المجتمع إليها باختيارها لكفاءتها بغض النظر عن جنسها ، تحقق وفق مبدأ الكوتا. ومن أبرز مساوئ هذا النظام انه شغل النساء كـ «منافسات للرجل» وأصبحن يتنافسن بينهن لتحقيق النسبة التي تتيح لهن الفوز وفق هذا المبدأ».
عن تجربتها الإنتخانية تقول: «خُضْت الانتخابات واضعة نصب عيني الفوز بالتنافس لا على نظام الكوتا. رغم حصولي على أعلى نسبة أصوات بين جميع النساء اللواتي فزن في إنتخابات مجلس الأمانة، فإن عدم فوزي بالمركز الاول عن منطقتي لايزال غصة في نفسي تراودني كلما توجهت لحضور إحدى جلسات المجلس أو لجانه الفرعية».
وترى الزعبي أن تمثيل المرأة السياسي في الوطن العربي: «لايزال دون المستوى المطلوب بشكل عام وإن كان يتراوح مستوى ذلك من دولة إلى أخرى. وجدير بالذكر أن الأردن سبق معظم الدول العربية في إقرار تشريعات تكفل مشاركة المرأة في المجالس المحلية وذلك من خلال الكوتا. تذكر حُددت كوتا نسائية تضمن مشاركة المرأة في الحياة البرلمانية ( مجلس النواب) في انتخابات العام 2003، وذلك بعد أن عجزت المرأة عن الفوز في إنتخابات عامي 1997 و1989. لقد حافظت المرأة على وجودها في السلطة التنفيذية (الحكومة) منذ العام 1979، إلاّ أن مشاركة المرأة في نظري لاتزال دون المستوى المطلوب ونحن في حاجة الى تحسين نوعية تلك المشاركة بعدما نجحنا في زيادة نسبتها».
وحول التشكيك الدائم بقرار المرأة تقول: «للأسف لاتزال المرأة في نظر رجال المجتمع عبئا وليس شريكا، وقد تناولت هذا الموضوع في مقال لي نشر في جريدة «الرأي» وجريدة «الغد» الاردنيتين بعنوان (شركاء ولسنا أعباء) تناولت فيه استمرار التمييز بين العضو الرجل و العضو الأنثى في مجلس أمانة عمان الكبرى، مع أن الدستور والقانون قد ساويا بيننا في الحقوق والواجبات. ومن ابرز المشاكل التي أشرت إليها في مقالي حصر رئاسة اللجان المحلية بالعضو الرجل فقط، وقد أثرت تلك النظرة على مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعمل العام، ذلك أن المرأة الناشطة والمتميزة عادة ما تكون عرضة للشائعات المغرضة قد تمس شخصيتها وقد تطال بشرفها أحيانا، الأمر الذي يدفعها إلى الابتعاد عن الأضواء أو المشاركة في الحياة السياسية. وهناك أمثلة عديدة على مستوى الأردن والوطن العربي».
وترى أخيراً أن المرأة المقترعة: «لاتزال في معظم المجتمعات العربية رهينة قرار الرجل (الزوج، أو الأب أو الأخ)، وتنصاع لأوامره في اختيار المرشح السياسي. كما لاتزال النظرة القبلية تسيطر على اختيارات المرشح، فالمرأة في مجتمعاتنا العربية تفضل التصويت لإبن عشيرتها على حساب المرشحة المرأة وان كانت تفوقه بالثقافة أو الخبرة أو الشخصية».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024